خطبة لامير المؤمنين عليه السلام

23 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، ويعقوب السراج، عن أبي عبدالله (ع) أن أمير المؤمنين (ع) لما بويع بعد مقتل عثمان صعد المنبر فقال: الحمد لله الذي علا فاستعلى ودنا فتعالى وارتفع فوق كل منظر وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين وحجة الله على العالمين مصدقا للرسل الاولين وكان بالمؤمنين رؤوفا رحيما فصلى الله وملائكته عليه وعلى آله.
أما بعد أيها الناس فإن البغي يقود أصحابه إلى النار وإن أول من بغى على الله جل ذكره عناق بنت آدم وأول قتيل قتله الله عناق وكان مجلسها جريبا [من الارض] في جريب وكان لها عشرون إصبعا في كل إصبع ظفران مثل المنجلين(1) فسلط الله عزوجل عليها أسدا كالفيل وذئبا كالبعير ونسرا مثل البغل فقتلوها وقد قتل الله الجبابرة على أفضل أحوالهم وآمن ما كانوا وأمات هامان وأهلك فرعون وقد قتل عثمان، ألا وإن بليتكم قد عات كهيئتها يوم بعث الله نبيه صلى الله عليه وآله والذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة ولتغربلن غربلة ولتساطن سوطة القدر(2) حتى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم وليسبقن سابقون كانوا قصروا وليقصرن سابقون كانوا سبقوا والله ما كتمت وشمة(3) ولا كذبت كذبه ولقد نبئت بهذا المقام وهذا اليوم ألا وإن الخطايا خيل شمس حمل عليها أهلها وخلعت لجمها فتقحمت بهم في النار، ألا وإن التقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها واعطوا

___________________________________
(1) المنجل كمنبر: ما يحصد به.
(2) لتبلبلن اي لتخلطن، تبلبلت الالسن اي اختلطت والبلبلة أيضا الهم والحزن ووسوسة الصدر.
ولتغربلن من الغربال الذي يغربل به الدقيق والغربلة ايضا: القتل. والسوط: التخليط والمسوط والمسواط: خشبة يحرك بها ما في القدر ليختلط.
(3) الوشمة: المرة، يقال: ما عصيت فلانا وشمة اي طرفة عين وفي بعض النسخ بالمهملة وهي العلامة.
(4) خيل الشمس بالضم جمع شموس وهي الدابة التي تمنع ظهرها ولا تطيع راكبها و هو مقابل الذلول (*).

[68]


أزمتها فأوردتهم الجنة وفتحت لهم أبوابها وجدوا ريحها وطيبها وقيل لهم: " ادخلوها بسلام آمنين "، ألا وقد سبقني إلى هذا الامر من لم أشركه فيه ومن لم أهبه له ومن ليست له منه نوبة(1) إلا بنبي يبعث، ألا ولا نبي بعد محمد صلى الله عليه وآله، أشرف منه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم.
حق وباطل ولكل أهل، فلئن أمر الباطل لقديما فعل(2) ولئن قل الحق فلربما ولعل ولقلما أدبر شئ فأقبل ولئن رد عليكم أمركم أنكم سعداء وما علي إلا الجهد وإني لاخشى أن تكونوا على فترة ملتم عني ميلة كنتم فيها عندي غير محمودي الرأي ولو أشاء لقلت: عفا الله عما سلف، سبق فيه الرجلان وقام الثالث كالغراب همه بطنه، ويله لو قص جناحاه وقطع رأسه كان خيرا له، شغل عن الجنة والنار أمامه، ثلاثة وإثنان خمسة ليس لهم سادس: ملك يطير بجناحيه ونبي أخذ الله بضبعيه(3) وساع مجتهد وطالب برجوا ومقصر في النار، اليمين والشمال مضلة والطريق الوسطى هي الجادة عليها يأتي(7) الكتاب وآثار النبوة، هلك من ادعى وخاب من افترى إن الله أدب هذه الامة بالسيف والسوط وليس لاحد عند الامام فيهما هوادة(4) فاستتروا في بيوتكم وأصلحوا ذات بينكم والتوبة من ورائكم، من أبدى صفحته للحق هلك(5).

________________________________________
(1) في بعض النسخ (توبة).
(2) امر كفرح امرا وامرة: كثر.
(3) اي عضديه. يعني ان عباد الله المكلفين على خمسة اقسام: ملك يطير... الخ.
(4) الهوادة: السكون والرخصة والمحاباة.
(5) صفحة كل شئ وجهه، يعني من كاشف الحق مخاصما له هلك هلاكا اخرويا وهي كلمة جارية مجرى المثل؛ (في).