خطبة لأمير المؤمنين (عليه السلام)

22 - أحمد بن محمد الكوفي، عن جعفر بن عبدالله المحمدي، عن أبي روح فرج بن قرة، عن جعفر بن عبدالله، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبدالله (ع) قال: خطب أمير المؤمنين (ع) بالمدينة فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي وآله ثم قال: أما بعد فإن الله تبارك وتعالى

[64]


لم يقصم جباري دهر إلا من بعد تمهيل ورخاء ولم يجبر كسر عظم من الامم إلا بعد أزل وبلاء(1)، أيها الناس في دون ما استقبلتم من عطب واستدبرتم من خطب معتبر(2) وما كل ذي قلب بلبيب ولا كل ذي سمع بسميع ولا كل ذي ناظر عين ببصير، عباد الله ! أحسنوا فيما يعنيكم النظر فيه(3)، ثم انظرواإلى عرصات من قد أقاده الله بعلمه(4)، كانوا على سنة من آل فرعون أهل جنات وعيون وزرع ومقام كريم، ثم انظروا بما ختم الله لهم بعد النضرة والسرور والامر والنهي ولمن صبر منكم العاقبة في الجنان والله مخلدون ولله عاقبة الامور.
فيا عجبا وما لي لا أعجب من خطأ هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها، لا يقتصون(5) أثر نبي ولا يقتدون بعمل وصي ولا يؤمنون بغيب ولا يعفون عن عيب، المعروف فيهم ما عرفوا والمنكر عندهم ما أنكروا وكل امرئ منهم إمام نفسه، آخذ منها فيما يرى بعرى وثيقات وأسباب محكمات فلا يزالون بجور ولن يزدادوا إلا خطأ، لاينالون تقربا ولن يزدادوا إلا بعدا من الله عزوجل، انس بعضهم ببعض وتصديق بعضهم لبعض كل ذلك وحشة مما ورث النبي الامى صلى الله عليه وآله ونفورا مما أدى إليهم من أخبار فاطر السماوات والارض أهل حسرات وكهوف شبهات(6) وأهل عشوات وضلالة وريبة، من وكله الله إلى نفسه ورايه فهو مأمون عند من يجهله، غير المتهم عند من لا يعرفه، فما أشبه هؤلاء بأنعام قد غاب عنها رعاؤها وواأسفا من فعلات شيعتي من بعد قرب مودتها اليوم كيف يستذل بعدي بعضها بعضا وكيف يقتل بعضها بعضا، المتشتة غدا عن الاصل النازلة بالفرع، المؤملة الفتح من غير جهته، كل حزب منهم آخذ [منه] بغصن، أينما مال الغصن مال معه، مع أن الله - وله الحمد سيجمع هؤلاء لشر يوم لبني امية كما يجمع

___________________________________
(1) الازل: الشدة والضيق.
(2) الخطب: الشان والامر. وفي بعض النسخ (ما استقبلتم من خطب واستدبرتم من خطب).
(3) اي فيما يهمكم. وفي بعض النسخ باعجام الغين وهو تصحيف؛ (في).
(4) من القود فانهم قد اصابوا دماء‌ا بغير حق؛ (في).
(5) في بعض النسخ (لا يقتفون) وهو بمعناه.
(6) في بعض النسخ (اهل خسران وكفر وشبهات). والعشوة بالتثليث: ركوب الامر على غير بيان.
(*)

[65]


قزع الخريف(1) يؤلف الله بينهم، ثم يجعلهم ركاما كركام السحاب(2)، ثم يفتح لهم أبوابا يسيلون من مستثارهم(3) كسيل الجنتين سيل العرم حيث بعث عليه فارة فلم يثبت عليه أكمة ولم يرد سننه رض طود يذعذعهم الله في بطون أودية ثم يسلكهم ينابيع في الارض يأخذ بهم من قوم حقوق قوم ويمكن بهم قوما قي ديار قوم تشريدا لبني امية(4) ولكيلا يغتصبوا ما غصبوا، يضعضع الله بهم ركنا وينقض بهم طي الجنادل من إرم ويملا منهم بطنان الزيتون(5) فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة ليكونن ذلك وكأني

___________________________________
(1) القزع بالقاف والزاي ثم العين المهملة: قطع السحاب المتفرقة وانما خص الخريف لانه اول الشتاء والسحاب يكون فيه متفرقا غير متراكم ولا مطبق ثم يجتمع بعضه إلى بعض بعد ذلك (كذا في النهاية).
(2) الركام: المتراكب بعضه فوق بعض ونسبة هذا التاليف اليه تعالى مع انه لم يكن برضاه على سبيل المجاز تشبيها لعدم منعهم عن ذلك وتمكينهم من اسبابه وتركهم واختيارهم بتاليفهم وحثهم عليه ومثل هذا كثير في الايات والاخبار؛ (آت)
(3) اي محل انبعاثهم وتهييجهم وكانه اشار عليه السلام بذلك إلى فتن ابي مسلم المروزى و استئصالهم لبني امية وانما شبههم بسيل العرم لتخريبهم البلاد واهلها الذين كانوا في خفض و دعة واريد بالجنتين جماعتان من البساتين جماعة عن يمين بلدتهم وجماعة عن شمالها، روى انها كانت اخصب البلاد واطيبها، لم تكن فيها عاهة ولا هامة.
وفسر العرم تارة بالصعب واخرى بالمطر الشديد واخرى بالجرذ واخرى بالوادي واخرى بالاحباس التي تبنى في الاودية.
ومنه قيل: انه اصطرخ اهل سبأ، قيل: انما اضيف السيل إلى الجرذ لانه نقب عليهم سدا ضربته لهم بلقيس فحقنت به الماء وتركت فيه ثقبا على مقدار ما يحتاجون اليه او المسناة التي عقدت سدا على انه جمع عرمة وهي الحجارة المركومة وكان ذلك بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وآله؛ (في).
(4) الاكمة: التل. والرض: الدق الجريش. والطود: الجبل. وفي بعض النسخ (رص طود) بالصاد المهملة فيكون بمعنى الالزاق والضم والشد ولعله الصواب والمجرور في (سننه) يرجع إلى السيل او إلى الله تعالى. والذعذعة بالذالين المعجمتين والعينين المهملتين: التفريق. والتشريد: التنفير؛ (في).
وفي بعض النسخ (يدغدغهم).
(5) التضعضع: الهدم. والجنادل جمع جندل وهخو الصخر العظيم اي ينقض الله ويكسر بهم البنيان التي طويت وبنيت بالجنادل والاحجار من بلاد إرم وهي دمشق والشام إذ كان مستقر ملكهم في أكثر الازمان تلك البلاد لا سيما زمانه صلى الله عليه وآله (قاله المجلسي رحمه الله) والمراد بالزيتون مسجد دمشق أو جبال الشام أو بلد بالصين كما في القاموس. (*)

[66]


أسمع صهيل خيلهم وطمطمة رجالهم(1) وأيم الله ليذوبن ما في أيديهم بعد العلو و التمكين في البلاد كما تذوب الالية على النار(2) من مات منهم مات ضالا وإلى الله عزوجل يفضي منهم من درج(3) ويتوب الله عزوجل على من تاب ولعل الله يجمع شيعتي بعد التشتت لشر يوم لهؤلاء وليس لاحد على الله عز ذكره الخيرة بل لله الخيرة والامر جميعا.
أيها الناس إن المنتحلين للامامة من غير أهلها كثير ولو لم تتخاذلوا عن مر الحق ولم تهنوا عن توهين الباطل لم يتشجع(4) عليكم من ليس مثلكم ولم يقو من قوي عليكم وعلى هضم الطاعة وإزوائها عن أهلها(5) لكن تهتم كما تاهت بنو إسرائيل على عهد موسى [بن عمران] (ع) ولعمري ليضاعفن عليكم التيه من بعدي أضعاف ما تاهت بنو اسرائيل ولعمري أن لو قد استكملتم من بعدي مدة سلطان بني امية لقد اجتمعتم على سلطان الداعي إلى الضلالة وأحييتم الباطل وخلفتم الحق وراء ظهوركم وقطعتم الادنى من أهل بدر ووصلتم الابعد من أبناء الحرب لرسول الله صلى الله عليه وآله ولعمري أن لو قد ذاب ما في أيديهم لدنا التمحيص للجزاء وقرب الوعد وانقضت المدة وبدا لكم النجم ذو الذنب من قبل المشرق ولاح لكم القمر المنير، فإذا كان ذلك فراجعوا التوبة واعلموا أنكم إن اتبعتم طالع المشرق سلك بكم مناهج الرسول صلى الله عليه وآله فتداويتم من العمى والصم والبكم وكفيتم مؤونة الطلب والتعسف ونبذتم الثقل الفادح(6) عن الاعناق ولا يبعد الله إلا من أبى وظلم واعتسف وأخذ ماليس له " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ".

___________________________________
(1) الصهيل كامير: صوت الفرس. والطمطمة في الكلام ان يكون فيه عجمة؛ (في).
(2) الالية: الشحمة.
(3) اي يرجع من مات و (في) وفي بعض النسخ (يقضى).
(4) في بعض النسخ (يتجشع).
(5) الازواء: الصرف.
(6) اي طريق الديون المثقلة ومظالم العباد أو طاعة أهل الجور وظلمهم عليكم عن أعناقكم وقوله: (ولا يبعد الله) اي في ذلك الزمان أو مطلقا؛ (آت) والفادح: الصعب المثقل.
(*)