باب الفرق بين من طلق على غير السنة وبين المطلقة إذا خرجت و...
هى في عدتها او اخرجها زوجها

الحسين بن محمد قال: حدثني حمدان القلانسي قال: قال لي عمر بن شهاب العبدي: من أين زعم أصحابك أن من طلق ثلاثا لم يقع الطلاق؟ فقلت له: زعموا أن الطلاق للكتاب والسنة فمن خالفهما رد إليهما، قال: فما تقول فيمن طلق على الكتاب والسنة فخرجت امرأته أو أخرجها فاعتدت في غير بيتها تجوز عليها العدة أو يردها إلى بيته حتى تعتد عدة اخرى فإن الله عزوجل قال: " لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن "؟ قال: فأجبته بجواب لم يكن عندي جوابا ومضيت فلقيت أيوب بن نوح فسألته عن ذلك فأخبرته بقول عمر، فقال: ليس(2) نحن أصحاب قياس إنما نقول بالآثار فلقيت علي بن راشد فسألته عن ذلك وأخبرته بقول عمر فقال: قد قاس عليك وهو يلزمك إن لم يجز الطلاق إلا للكتاب فلا تجوز العدة إلا للكتاب فسألت معاوية بن حكيم عن ذلك

___________________________________
(2) كذا. (*)

[93]


وأخبرته بقول عمر، فقال معاوية: ليس العدة مثل الطلاق وبينهما فرق(1) وذلك أن الطلاق فعل المطلق فإذا فعل خلاف الكتاب وما امر به قلنا له: ارجع إلى الكتاب وإلا فلا يقع الطلاق والعدة ليست فعل الرجل ولا فعل المرأة إنما هي أيام تمضى وحيض يحدث ليس من فعله ولا من فعلها إنما هو فعل الله تبارك وتعالى فليس يقاس فعل الله عزوجل وجل بفعله وفعلها فإذا عصت وخالفت فقد مضت العدة وباء‌ت بإثم الخلاف ولو كانت العدة فعلها لما أوقعنا عليها العدة كما لم يقع الطلاق إذ خالف.
قال الفضل بن شاذان في جواب أجاب به أبا عبيد في كتاب الطلاق، ذكر أبوعبيد أن بعض أصحاب الكلام قال: إن الله تبارك وتعالى حين جعل الطلاق للعدة لم يخبرنا أن من طلق لغير العدة كان طلاقه عنه ساقطا ولكنه شئ تعبد به الرجال كما تعبد النساء بأن لا يخرجن من بيوتهن ما دمن يعتددن وإنما أخبرنا في ذلك بالمعصية فقال: " و تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه " فهل المعصية في الطلاق إلا كالمعصية في خروج المعتدة من بيتها؟ ألستم ترون أن الامة مجمعة على أن المرأة المطلقة إذا خرجت من بيتها أياما أن تلك الايام محسوبة لها في عدتها وإن كانت لله فيه عاصية، فكذلك الطلاق في الحيض محسوب على المطلق وإن كان لله (فيه) عاصيا.
قال الفضل بن شاذان: أما قوله: إن الله عزوجل لما جعل الطلاق للعدة لم يخبرنا أن من طلق لغير العدة كان الطلاق عنه ساقطا فليعلم أن مثل هذا إنما هو تعلق بالسراب إنما يقال لهم: إن أمر الله عزوجل بالشئ هو نهي عن خلافه وذلك أنه جل ذكره حيث أباح نكاح أربع نسوة لم يخبرنا أن أكثر من ذلك لا يجوز، حيث جعل الكعبة قبلة لم يخبر نا أن قبلة غير الكعبة لا تجوز، وحيث جعل الحج في ذي الحجة

___________________________________
(1) حاصل الفرق أن الله تعالى أمر بالطلاق على وجه خاص حيث قال: " فطلوقهن لعدتهن " فقيد الطلاق بكونه في زمان يصلح للعدة فاذا أوقع على وجه لم يكن طلاقا شرعيا بخلاف العدة فانه قال: " فعدتهن ثلاثة قروء " وقال: " اجلهن ان يضعن حملهن " فأجاز بأنه يجوز لهن التزويج بعد العدة ثم بعد ذلك نهاهن عن شئ آخر فلا يدل سياق الكلام على الاشتراط بوجه.(آت) (*)

[94]


لم يخبرنا أن الحج في غير ذي الحجة لا يجوز، وحيث جعل الصلاة ركعة وسجدتين لم يخبرنا أن ركعتين وثلاث سجدات لا يجوز، فلو أن إنسانا تزوج خمس نسوة لكان نكاحه الخامسة باطلا ولو اتخذ قبلة غير الكعبة لكان ضالا مخطئا غير جائز له وكانت صلاته غير جائزة ولو حج في غير ذي الحجة لم يكن حاجا وكان فعله باطلا ولو جعل صلاته بدل كل ركعة ركعتين وثلاث سجدات لكانت صلاته فاسدة وكان غير مصل لان كل من تعدى ما امر به ولم يطلق له ذلك كان فعله باطلا فاسدا غير جائز ولا مقبول فكذلك الامر والحكم في الطلاق كسائر ما بينا والحمد الله.
وأما قولهم: إن ذلك شئ تعبد به الرجال كما تعبد به النساء أن لا يخرجن ما دم من يعتددن من بيوتهن فأخبر نا ذلك لهن با لمعصية وهل المعصية في الطلاق إلا كالمعصية في خروج المعتدة (من بيتها) في عدتها فلو خرجت من بيتها أياما لكان ذلك محسوبا لها فكذلك الطلاق في الحيض محسوب وإن كان لله عاصيا فيقال لهم: إن هذه شبهة دخلت عليكم من حيث لا تعلمون وذلك أن الخروج والاخراج ليس من شرائط الطلاق كالعدة لان العدة من شرائط الطلاق ذلك أنه لا يحل للمرأة أن تخرج من بيتها قبل الطلاق ولا بعد الطلاق ولا يحل للرجل أن يخرجها من بيتها قبل الطلاق ولا بعد الطلاق، فالطلاق وغير الطلاق في حظر ذلك ومنعه واحد والعدة لا تقع إلا مع الطلاق ولا تجب إلا بالطلاق ولا يكون الطلاق لمدخول بها ولا عدة كما قد يكون خروجا وإخراجا بلا طلاق ولا عدة فليس يشبه الخروج والاخراج بالعدة والطلاق في هذا الباب وإنما قياس الخروج والاخراج كرجل دخل دار قوم بغير إذنهم فصلى فيها فهو عاص في دخوله الدار وصلاته جائزة لان ذلك ليس من شرائط الصلاة لانه منهي عن ذلك صلى أولم يصل وكذلك لو أن رجلا غصب ثوبا أو أخذه ولبسه بغير إذنه فصلى فيه لكانت صلاته جائزة وكان عاصيا في لبسه ذلك الثوب لان ذلك ليس من شرائط الصلاة لانه منهي عن ذلك صلى أولم يصل، وكذلك لوأنه لبس ثوبا غير طاهر أو لم يطهر نفسه أولم يتوجه نحو القبلة لكانت صلاته فاسدة غير جائزة لان ذلك من شرائط الصلاة وحدودها لا يجب إلا للصلاة، وكذلك لو كذب في شهر رمضان وهو صائم بعد أن لا يخرجه كذبه من الايمان لكان عاصيا في كذبه ذلك وكان

[95]


صومه جائزا لانه منهي عن الكذب صام أو أفطر، ولو ترك العزم على الصوم أو جامع لكان صومه باطلا فاسدا لان ذلك من شرائط الصوم وحدوده لا يجب إلا مع الصوم و كذلك لو حج وهو عاق لوالديه ولم يخرج لغرمائه من حقوقهم لكان عاصيا في ذلك و كانت حجته جائزة لانه منهي عن ذلك حج أو لم يحج، ولو ترك الاحرام أو جامع في إحرامه قبل الوقوف لكانت حجته فاسدة غير جائزة لان ذلك من شرائط الحج وحدوده لا يجب إلا مع الحج ومن أجل الحج فكلما كان واجبا قبل الفرض وبعده فليس ذلك من شرائط الفرض لان ذلك أتى على حده والفرض جائز معه فكلما لم يجب إلا مع الفرض ومن أجل الفرض فإن ذلك من شرائطه، لايجوز الفرض إلا بذلك على ما بيناه ولكن القوم لا يعرفون ولا يميزون ويريدون أن يلبسوا الحق بالباطل.
فأما ترك الخروج والاخراج فواجب قبل العده ومع العدة وقبل الطلاق وبعد الطلاق وليس هو من شرائط الطلاق ولا من شرائط العدة والعدة جائزة معه ولا تجب العدة إلا مع الطلاق ومن أجل الطلاق فهي من حدود الطلاق وشرائطه على ما مثلنا وبينا وهو فرق واضح والحمد لله.
وبعد فليعلم أن معنى الخروج والاخراج ليس هو أن تخرج المرأة إلى أبيها أو تخرج في حاجة لها أو في حق بإذن زوجها مثل مأتم أو ما أشبه ذلك وإنما الخروج والاخراج أن تخرج مراغمة أو يخرجها زوجها مراغمة(2) فهذا الذي نهى الله عزوجل عنه، فلو أن امرأة استأذنت أن تخرج إلى أبويها أو تخرج إلى حق لم نقل؟ إنها خرجت من بيت زوجها ولا يقال: إن فلانا أخرج زوجته من بيتها إنما يقال ذلك إذا كان ذلك على الرغم والسخط وعلى أنها لا تريد العود إلى بيتها فأمسكها على ذلك وفيما بينا كفاية.
فإن قال قائل: لها أن تخرج قبل الطلاق بإذن زوجها وليس لها أن تخرج بعد الطلاق وإن أذن لها زوجها فحكم هذا الخروج غير ذلك الخروج وإنما سألناك عنه في ذلك الموضع الذي يشتبه ولم نسألك في هذا الموضع الذي لا يشتبه أليس قد نهيت عن العدة في غير بيتها فإن هي فعلت كانت عاصية وكانت العدة جائزة(2) فكذلك أيضا إذا طلق لغير

___________________________________
(1) في القاموس: راغمهم نابذهم وهاجرهم.
(2) في بعض النسخ (ماضية).
(*)

[96]


العدة كان خاطئا وكان الطلاق واقعا وإلا فما الفرق؟.
قيل له: إن فيما بينا كفاية من معنى الخروج والاخراج ما يجتزئ به عن هذا القول لان اصحاب الاثر وأصحاب الرأي وأصحاب التشيع قد رخصوا لها في الخروج الذي ليس على السخط والرغم وأجمعوا على ذلك(1).
(10815) فمن ذلك ماروى ابن جريح عن ابن الزبير، عن جابر أن خالته طلقت فأرادت الخروج إلى نخل لها تجذه فلقيت رجلا فنهاها فجاء‌ت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال لها: اخرجي فجذي نخلك لعلك أن تصدقي أو تفعلي معروفا.
(10816) وروى الحسن، عن حبيب بن أبي ثابت، عن طاؤوس أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله سئل عن المرأة المطلقة هل تخرج في عدتها، فرخص في ذلك.
وابن بشير، عن المغيرة، عن إبراهيم أنه قال في المطلقة ثلاثا إنها لا تخرج من بيت زوجها إلا في حق، من عيادة مريض، أو قرابة، أو أمر لا بد منه.
مالك، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يقول: لا تبيث المبتوتة والمتوفى عنها زوجها إلا في بيتها، وهذا يدل على أنه قد رخص لها في الخروج بالنهار.
وقال أصحاب الرأي: لو أن مطلقة في منزل ليس معها فيه رجل تخاف (فيه) على نفسها أو متاعها كانت في سعة من النقلة وقالوا: لو كانت بالسواد فطلقها زوجها هناك فدخل عليها خوف من سلطان أو غير ذلك كانت في سعة من دخول المصر، وقالوا: للامة المطلقة أن تخرج في عدتها أو تبيت عن بيت زوجها وكذلك قالوا: أيضا في الصبية المطلقة.
قال: وهذا كله يدل على أن هذا الخروج غير الخروج الذي نهى الله عزوجل عنه وإنما الخروج الذي نهى الله عزوجل عنه هو ما قلنا أن يكون خروجها على السخط و المراغمة وهو الذي يجوز في اللغة أن يقال: فلانة خرجت من بيت زوجها وإن فلانا أخرج امرأته من بيته ولا يجوز أن يقال لسائر الخروج الذي ذكرنا عن أصحاب الرأي والاثر والتشيع: إن فلانة خرجت من بيت زوجها، وإن فلانا أخرج أمرأته من بيته، لان المستعمل في اللغة هذا الذي وصفنا وبالله التوفيق.

___________________________________
(1) ملخص الجواب الفرق بين الخروجين قبل الطلاق وبعده في عدم جوازهما بدون اذن زوجها وجوازها باذنه.
(*)