باب من يجب عليه الجهاد ومن لايجب

8240 - 1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد، عن أبي عمرو الزبيري، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت له أخبرني عن الدعاء إلى الله والجهاد في سبيله أ هو لقوم لايحل إلا لهم ولايقوم به إلا من كان منهم أم هو مباح لكل من وحد الله عزوجل وآمن برسوله صلى الله عليه واله ومن كان كذا فله أن يدعو إلى الله عزوجل و إلى طاعته وأن يجاهد في سبيله؟ فقال: ذلك لقوم لايحل إلا لهم ولا يقوم بذلك إلا من كان منهم، قلت: من اولئك؟ قال: من قام بشرائط الله عزوجل في القتال والجهاد على المجاهدين فهو المأذون له في الدعاء إلى الله عزو جل ومن لم يكن قائما بشرائط الله عزوجل في الجهاد على المجاهدين فليس بمأذون له في الجهاد، ولا الدعاء إلى الله حتى يحكم في نفسه ما أخذ الله عليه من شرائط الجهاد قلت: فبين لي يرحمك الله، قال: إن الله تبارك وتعالى أخبر [نبيه] في كتابه الدعاء إليه ووصف الدعاة إليه فجعل ذلك لهم درجات يعرف بعضها بعضا ويستدل بعضها على بعض فأخبر أنه تبارك وتعالى أول من دعا إلى نفسه ودعاإلى طاعته واتباع أمره فبدأ بنفسه فقال: " والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم(1) " ثم ثنى برسوله فقال: " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن(2) " يعني بالقرآن ولم يكن داعيا إلى الله عزوجل من خالف أمر الله ويدعو إليه بغير ما أمر [به] في كتابه والذي أمر أن لايدعى إلا به " وقال: في نبيه صلى الله عليه واله: " وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم(3) " يقول: تدعو، ثم ثلث بالدعاء إليه بكتابه أيضا تبارك وتعالى: " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم (أي يدعو) ويبشر المؤمنين(4) " ثم ذكر من أذن له في الدعاء

___________________________________
(1) يونس: 25. والسلام والسلامة واحد كالرضاع والرضاعة.
(2) النحل: 125. (بالحكمة) اى مستدلا بحيث يوضح الحق ويزيح الباطل.
(3) الشورى: 52. لترشد وتدعو إلى الطريق الموصل إلى السعادة وسبيل النجاة.
(4) الاسراء: 9. اى يهدى إلى الطريق التى هى اشد استقامة.
(*)

[14]


إليه بعده وبعد رسوله في كتابه فقال: " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون(1) " ثم أخبر عن هذه الامة وممن هي وأنها من ذرية إبراهيم ومن ذرية إسماعيل من سكان الحرم ممن لم يعبدوا غير الله قط الذين وجبت لهم الدعوة، دعوة إبراهيم وإسماعيل من أهل المسجد الذين أخبرعنهم في كتابه أنه أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا الذين وصفناهم قبل هذا في صفة أمة إبراهيم عليه السلام(2) الذين عناهم الله تبارك وتعالى في قوله: " أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني(3) " يعني أول من اتبعه على الايمان به والتصديق له بما جاء به من عند الله عزوجل من الامة التي بعث فيها ومنها وإليها قبل الخلق ممن لم يشرك بالله قط ولم يلبس أيمانه بظلم وهوالشرك، ثم ذكر أتباع نبيه صلى الله عليه واله وأتباع هذه الامة التي وصفها في كتابه بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر وجعلها داعية إليه وأذن لها في الدعاء وإليه فقال: " يا أيهاالنبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين(4) " ثم وصف أتباع نبيه صلى الله عليه واله من المؤمنين فقال عزوجل: " محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراههم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التورية ومثلهم في الانجيل(5) " وقال: " يوم لايخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم(6) " يعني اولئك المؤمنين، وقال: " قد أفلح المؤمنون(7) " ثم حلاهم ووصفهم كيلا يطمع في اللحاق بهم إلا من كان منهم فقال فيما حلاهم به ووصفهم: " الذين هم في صلاتهم خاشعون * والذينهم عن اللغو معرضون - إلى قوله - اولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون(8) " وقال في

___________________________________
(1) آل عمران: 104. قوله: (من) للتبعيض.
(2) في بعض النسخ من الكتاب والتهذيب [من صفة امة محمد].
(3) يوسف: 108 (على بصيرة) اى على بيان وحجة واضحة غير عمياء.
(4) الانفال: 64. (حسبك) اى كافيك.
(5) 29. (ركعا سجدا) جمع راكع وساجد. (سيماهم) اى سمة التى تحدث في جباههم.
(6) التحريم: 8 والمراد بنورهم ما يوجب نجاتهم وهدايتهم.
(7) المؤمنون: 2 افلح اى فاز.
(8) المؤمنون 3 إلى 11 قوله (فيها) تأنيث الفردوس لانه اسم للطبقة العليا. (*)

[15]


صفتهم وحليتهم أيضا: " الذين لايدعون مع الله إلها آخر ولايقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيمة ويخلد فيه مهانا(1) " ثم أخبر أنه اشترى من هؤلاء المؤمنين ومن كان على مثل صفتهم " أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والانجيل والقرآن " ثم ذكر وفاء هم له بعهده ومبايعته فقال: " ومن أوفي بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم(2) " فلما نزلت هذه الآية: " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة " قام رجل إلى النبي صلى الله عليه واله فقال: يا نبي الله أرأيتك الرجل يأخذ سيفه فيقاتل حتى يقتل إلا أنه يقترف من هذه المحارم أشهيد هو؟ فأنزل الله عز وجل على رسوله: " التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين(3) " ففسر النبي صلى الله عليه واله(4) المجاهدين من المؤمنين الذين هذه صفتهم وحليتهم بالشهادة والجنة و قال: التائبون من الذنوب، العابدون الذين لا يعبدون إلا الله ولا يشركون به شيئا، الحامدون الذين يحمدون الله على كل حال في الشدة والرخاء.
السائحون وهم الصائمون(5) الراكعون الساجدون الذين يواظبون على الصلوات الخمس والحافظون لها والمحافظون عليها بركوعها وسجودها وفي الخشوع فيها وفي أوقاتها الآمرون بالمعروف بعد ذلك والعاملون به والناهون عن المنكر والمنتهون عنه قال: فبشر من قتل وهو قائم بهذه الشروط بالشهادة والجنة ثم أخبر تبارك وتعالى أنه لم يأمر بالقتال إلا أصحاب هذه الشروط فقال عزوجل: " اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير * الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله.(6)

___________________________________
(1) الفرقان: 68 و 69.
(2) التوبة: 111.
(3) التوبة: 2 11. (وعدا) مصدرا مؤكدا لمادل عليه فانه في معنى الوعد.
(4) في بعض النسخ [فبشر النبى صلى الله عليه واله]
(5) في النهاية: في الحديث: سياحة هذه الامة الصيام. قيل للصائم: سائح لان الذى يسيح في الارض متعبدا يسيح ولا زاد معه ولا ماء فحين يجد يطعم، والصائم يمضى نهاره ولا يأكل ولا يشرب شيئا فشبه به.
(6) الحج: 39 و 40. (*)

[16]


وذلك أن جميع مابين السماء والارض لله عزوجل ولرسوله ولاتباعهما من المؤمنين(1) من أهل هذه الصفة، فما كان من الدنيا في أيدي المشركين والكفار والظلمة والفجار من أهل الخلاف لرسول الله صلى الله عليه واله والمولي عن طاعتهما مماكان في أيديهم ظلموا فيه المؤمنين من أهل هذه الصفات وغلبوهم عليه مما أفاء الله(2) على رسوله فهو حقهم أفاء الله عليهم ورده إليهم وإنما معنى الفيئ كل ما صار إلى المشركين ثم رجع مما كان قد غلب عليه أوفيه، فمارجع إلى مكانه من قول أو فعل فقد فأمثل قول الله عزوجل: " للذين يؤلون من نسائهم تربص [أربعه أشهر] فإن فاؤا فإن الله غفور رحيم(3) " أي رجعوا، ثم قال: " وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عيلم(4) " وقال: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحديهما على الآخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيئ إلى أمر الله (أي ترجع) فإن فاء‌ت (أي رجعت) فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطواإن الله يحب المقسطين(5) " يعني بقوله: " تفيئ " ترجع فذلك الدليل على أن الفيئ كل راجع إلى مكان قد كان عليه أو فيه.
ويقال للشمس إذا زالت: قد فاء‌ت الشمس حين يفيئ الفيئ عند رجوع الشمس إلى زوالها وكذلك ما أفاء الله على المؤمنين من الكفار فإنماهي حقوق المؤمنين رجعت إليهم بعد ظلم الكفار إياهم فذلك قوله: " اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا " ما كان المؤمنون أحق به منهم وإنما اذن للمؤمنين الذين قاموا بشرائط الايمان التي وصفناها وذلك أنه لايكون مأذونا له في القتال حتى يكون مظلوما ولا يكون مظلوما حتى يكون مؤمنا ولايكون

___________________________________
(1) في التهذيب ج 2 ص 44 (لرسوله ولاتباعه من المؤمنين)
(2) في بعض النسخ [بما أفاء الله] وكذا في التهذيب. وفي الوافى (فماافاء الله).
(3) البقرة 226. والايلاء: اليمين التى تحرم الزوجة اى يحلفون على أن لايجامعوهن. والايلاء: الحلف وتعديته بعلى، لكن لما ضمن هذاالقسم معنى البعد عدى بمن. وقوله: (تربص) مبتدأ و ما قبله خبره والتربص: الانتظار والتوقف. (فان فاؤا) أى رجعوا.
(4) البقرة 227. والعزم: القصد على فعل شئ في المستقبل.
(5) الحجرات 10. وقوله (بغت) أى تعدت. وقال البيضاوى: تفيئ أى ترجع وانما اطلق الفيئ على الظل لرجوعه بعد نسخ الشمس والغنيمة لرجوعها من الكفار إلى المسلمين.
(6) في التهذيب (حتى يفيئ الفيئ) (*)

[17]


مؤمنا حتى يكون قائما بشرائط الايمان التي اشترط الله عزوجل على المؤمنين و المجاهدين فأذا تكاملت فيه شرائط الله عزوجل كان مؤمنا وإذا كان مؤمنا كان مظلوما وإذا كان مظلوما كان مأذونا له في الجهاد لقوله عزوجل: " اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير " وإن لم يكن مستكملا لشرائط الايمان فهو ظالم ممن يبغي ويجب جهاده حتى يتوب وليس مثله مأذونا له في الجهاد والدعاء إلى الله عزوجل لانه ليس من المؤمنين المظلومين الذين اذن لهم في القرآن في القتال، فلما نزلت هذه الآية: " اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا " في المهاجرين الذين أخرجهم أهل مكة من ديارهم وأموالهم أحل لهم جهادهم بظلمهم إياهم واذن لهم في القتال.
فقلت: فهذه نزلت في المهاجرين بظلم مشركي أهل مكة لهم فما بالهم في قتالهم كسرى وقيصر ومن دونهم من مشركي قبائل العرب؟ فقال: لوكان إنما اذن لهم في قتال من ظلمهم من أهل مكة فقط لم يكن لهم إلى قتال جموع كسرى وقيصر وغير أهل مكة من قبائل العرب سبيل لان الذين ظلموهم غير هم وإنما اذن لهم في قتال من ظلمهم من أهل مكة لاخراجهم إياهم من ديارهم وأموالهم بغير حق ولو كانت الآية إنما عنت المهاجرين الذين ظلمهم أهل مكة كانت الآية مرتفعة الفرض عمن بعدهم إذ [ا] لم يبق من الظالمين والمظلومين أحد وكان فرضها مرفوعا عن الناس بعدهم [إذا لم يبق من الظالمين و المظلومين أحد] وليس كما ظننت ولا كما ذكرت ولكن المهاجرين ظلموا من جهتين ظلمهم أهل مكة بإخراجهم من ديارهم وأموالهم فقاتلوهم بإذن الله لهم في ذلك وظلمهم كسرى وقيصر ومن كان دونهم من قبائل العرب والعجم بما كان في أيديهم مما كان المؤمنون أحق به منهم فقد قاتلوهم بإذن الله عزوجل لهم في ذلك(1) وبحجة هذه الآية يقاتل مؤمنوا كل زمان وإنما أذن الله عزوجل للمؤمنين الذين قاموا بما وصف [ها] الله عزوجل من الشرائط التي شرطها الله على المؤمنين في الايمان والجهاد ومن كان قائما بتلك الشرائط فهو مؤمن وهو مظلوم ومأذون له في الجهاد بذلك المعنى ومن كان على خلاف ذلك فهو ظالم وليس من

___________________________________
(1) حاصل الجواب: انا قد ذكرنا أن جميع ما في ايدى المشركين كان من اموال المسلمين، فجميع المسلمين مظلومون من هذه الجهة والمهاجرون ظلموامن هذه الجهة ومن جهة اخراجهم من خصوص مكة. (ات) (*)

[18]


المظلومين وليس بمأذون له في القتال ولا بالنهي عن المنكر والامر بالمعروف لانه ليس من أهل ذلك ولا مأذون له في الدعاء إلى الله عزوجل لانه ليس يجاهد مثله وأمر بدعائه إلى الله(1) ولا يكون مجاهدا من قد امر المؤمنون(2) بجهاده وحظر الجهاد عليه ومنعه منه ولايكون داعيا إلى الله عزوجل من امربدعاء مثله إلى التوبة والحق والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يأمر بالمعروف من قد امر أن يؤمر به ولا ينهى عن المنكر من قد امر أن ينهى عنه، فمن كانت قد تمت(3) فيه شرائط الله عزوجل التي وصف بها أهلها من أصحاب النبي صلى الله عليه واله وهو مظلوم فهو مأذون له في الجهاد كما أذن لهم(4) في الجهاد لان حكم الله عزوجل في الاولين والآخرين وفرائضه عليهم سواء إلا من علة أو حادث يكون والاولون والآخرون أيضا في منع الحوادث شركاء والفرائض عليهم واحدة يسأل الآخرون عن أداء الفرائض عما يسأل عنه الاولون ويحاسبون(5) عما به يحاسبون و من لم يكن على صفة من أذن الله له في الجهاد من المؤمنين فليس من أهل الجهاد وليس بمأذون له فيه حتى يفيئ بما شرط الله عزوجل عليه فإذا تكاملت فيه شرائط الله عزوجل على المؤمنين والمجاهدين فهو من المأذونين لهم في الجهاد فليتق الله عزوجل عبد ولا يغتر بالاماني التي نهى الله عزوجل عنها من هذه الاحاديث الكاذبة على الله التي يكذبها القرآن ويتبرأ منها ومن حملتها ورواتها(6) ولا يقدم على الله عزوجل بشبهة لايعذربها فإنه ليس وراء المعترض للقتل في سبيل الله منزلة يؤتى الله من قبلها وهي غاية الاعمال في عظم قدرها فليحكم امرء

___________________________________
(1) (امر بدعائه) على بناء المجهول أى أمر غيره بدعائه. (آت)
(2) في بعض النسخ التهذيب (أمر المؤمنين بجهاده) ولعل هذا أصوب لقرينة قوله: (ومنعه منه).
(3) في التهذيب (فمن كان قد تمت فيه).
(4) أى لاصحاب النبى صلى الله عليه واله.
(5) في التهذيب (كما يسأل عنه الاولون ويحاسبون به) وكذا في بعض نسخ الكتاب.
(6) مثل مجعولة (اصحابى كنجوم السماء) و (لا تجتمع امتى على خطأ)) و (صلوا خلف كل بر وفاجر) و (أطيعوا كل امام برا وفاجرا). وقولهم: ((يجب طاعة من انعقدت له البيعة وو و ممارواه ابوهريرة وسمرة بن جنذب وامثالهما. (*)

[19]


لنفسه وليرها كتاب الله عزوجل ويعرضها عليه فإنه لا أحد أعرف بالمرء من نفسه فإن وجدها قائمة بما شرط الله عليه في الجهاد فليقدم على الجهاد، وإن علم تقصيرا فليصلحا و ليقمها على مافرض الله عليها من الجهاد ثم ليقدم بها وهي طاهرة مطهرة من كل دنس يحول بينها وبين جهادها ولسنا نقول لمن أراد الجهاد وهو على خلاف ما وصفنا من شرائط الله عزوجل على المؤمنين والمجاهدين: لاتجاهدوا ولكن نقول: قد علمنا كم ما شرط الله عزوجل على أهل الجهاد الذين بايعهم واشترى منهم أنفسهم وأموالهم بالجنان فليصلح امرء ما علم من نفسه من تقصير عن ذلك وليعرضها على شرائط الله فإن رأى أنه قد وفى بها وتكاملت فيه فإنه ممن أذن الله عزوجل له في الجهاد فإن أبى أن لا يكون مجاهدا على مافيه من الاصرار على المعاصي والمحارم والاقدام على الجهاد بالتخبيط والعمى و القدوم على الله عزوجل بالجهل والروايات الكاذبة، فلقد لعمري جاء الاثر فيمن فعل هذاالفعل " أن الله عزوجل ينصر هذا الدين بأقوام لاخلاق لهم(1) " فليتق الله عزوجل أمرء وليحذر أن يكون منهم، فقد بين لكم ولا عذر لكم بعد البيان في الجهل، ولا قوة إلا بالله وحسبناالله عليه توكلنا وإليه المصير.
8241 - 2 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحكم بن مسكين، عن عبدالملك بن عمرو قال: قال لي أبوعبدالله عليه السلام: يا عبدالملك مالي لا أراك تخرج إلى هذه المواضع التي يخرج إليها أهل بلادك؟ قال: قلت: وأين؟ فقال: جدة وعبادان والمصيصة وقزوين(2) فقلت: انتظارا لامركم والاقتداء بكم، فقال: أي والله لوكان خيرا ماسبقونا إليه؟ قال: قلت له: فإن الزيدية يقولون: ليس بيننا وبين جعفر خلاف إلا أنه لايرى الجهاد، فقال: أنا لا أراه؟ ! بلى والله إني لاراه ولكن أكره أن أدع علمي إلى جهلهم.

___________________________________
(1) الخلاق: النصيب.
(2) قال عبدالعزيز البكرى الاندلسى في المعجم: جدة - بضم اولها -: ساحل مكة معروفة سميت بذالك لانها حاضرة البحر. والجدة من البحر والنحر: ما ولى البر وأصل الجدة الطريق الممتدة. وقال: عبادان: - بفتح اوله وتشديد ثانيه وبدال مهملة على وزن فعالان بقرب البصرة، قال الخليل: هو حصن منسوب إلى عباد الخبطى انتهى. وقال الحموى في المراصد: عبادان - بتشديد ثانيه وفتح اوله - جزيرة في فم دجلة العوراء لانها تتفرق عندالبحر فرقتين عند قرية تسمى المحرزى ففرقة تذهب إلى جهة اليمين يركب فيها إلى بر العرب ناحية البحرين وغيرها وفرقة إلى جهة اليسار يركب فيها إلى نواحى فارس، يمر بجنابة وسيراف إلى الهند فتصير الجزيرة على شكل المثلث، ضلعان منه هاتان الساحتان والثالثة البحر الاعظم وفي هذه الجزيرة عبادان بليدة فيها مشاهد ورباطات للمتعبدين وكانت في زمن الفرس مسلحة لهم، يسكن فيها قوم من الجند لحراسة تلك الجهة ورابط بها عبادبن الحصين فنسب اليه بالالف والنون في نواحى البصرة. انتهى. أقول: يقال له اليوم آبادان. والمصيصة - بكسرأوله وتشديد ثانيه بعده ياء ثم صاد اخرى مهملة -: ثغر من ثغورالشام، قال أبوحاتم: قال الاصمعى: ولايقال: - معصية - بفتح أوله. نتهى. و ضبطه في المراصد - بفتح اوله وتشديد الصاد، ونقل عن الجوهرى وخاله الفارابى تخفيف الصادين. وقزوين من بلادايران معروف وفى المراصد والعجم - بفتح أوله واسكان ثانيه بعده واو مكسورة وياء ونون -.