باب تفسير مايحل من النكاح وما يحرم والفرق بين النكاح والسفاح والزنا و...

هو من كلام يونس
(10430) - 1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار وغيره، عن يونس قال: كل زنا سفاح وليس كل سفاح زنا، لان معنى الزنا فعل حرام من كل جهة، ليس فيه شئ من وجوه الحلال، فلما كان هذا الفعل بكليته حراما من كل وجه كانت تلك العلة رأس كل فاحشة ورأس كل حرام، حرمه الله من الفروج كلها، وإن كان قد يكون فعل الزنا عن تراض من العباد وأجر مسمى ومؤاتاة منهم على ذلك الفعل، فليس ذلك التراضي منهم إذا تراضوا عليه من إعطاء الاجر من المؤاتاة على المواقعة حلالا وأن يكون ذلك الفعل منهم لله عزوجل رضى أوأمرهم به، فلما كان هذا الفعل غير مأمور به من كل جهة كان حراما كله وكان اسمه زنا محصنا لانه معصية من كل جهة، معروف ذلك عند جميع الفرق والملل أنه عندهم حرام محرم غير مأمور به ونظير ذلك الخمر بعينها أنها رأس كل مسكر وأنها إنما صارت خالصة خمرا لانها انقلبت من جوهرها بلا مزاج من غيرها صارت خمرا وصارت رأس كل مسكر من غيرها وليس سائر الاشربة كذلك لان كل جنس من الاشربة المسكرة فمشوبة ممزوج الحلال بالحرام ومستخرج منها الحرام، نظيره الماء الحلال الممزوج بالتمر الحلال والزبيب والحنطة والشعير غير ذلك الذي يخرج من بينها شراب حرام وليس الماء الذي حرمه الله ولا التمر ولا الزبيب وغير ذلك إنما حرمه انقلابه عند امتزاج كل واحد بخلافه حتى غلا وانقلب، والخمر غلت بنفسها لابخلافها فاشترك جميع المسكر في اسم الخمر وكذلك شارك السفاح الزنا في معنى السفاح ولم يشارك السفاح في معنى الزنا إنه زنا ولا في اسمه.
فأما معنى السفاح الذي هو غير الزنا وهو مستحق لاسم السفاح ومعناه فالذي هو من وجه النكاح مشوب بالحرام وإنما صار سفاحا لانه نكاح حرام منسوب إلى الحلال

[571]


وهو من وجه الحرام، فلما كان وجه منه حلالا ووجه حراما كان اسمه سفاحا، لان الغالب عليه نكاح تزويج إلا أنه مشوب ذلك التزويج بوجه من وجوه الحرام غير خالص في معنى الحرام بالكل ولا خالص في وجه الحلال بالكل، اما أن يكون الفعل من وجه الفساد والقصد إلى غيرما أمرالله عزوجل فيه من وجه التأويل والخطأ والاستحلال بجهة التأويل والتقليد نظير الذي يتزوج ذوات المحارم التي ذكر الله عزوجل في كتابه تحريمها في القرآن من الامهات والبنات إلى آخر الآية كل ذلك حلال في جهة التزويج حرام من جهة مانهي الله عزوجل عنه وكذلك الذي يتزوج المرأة في عدتها مستحلا لذلك فيكون تزويجه ذلك سفاحا من وجهين من وجه الاستحلال ومن وجه التزويج في العدة إلا أن يكون جاهلا غير متعمد لذلك ونظير الذي يتزوج الحبلى متعمدا بعلم، والذى يتزوج المحصنة التي لها زوج بعلم، والذي ينكح المملوكة من الفيئ قبل المقسم، والذي ينكح اليهودية والنصرانية والمجوسية وعبدة الاوثان على المسلمة الحرة، والذي يقدر على المسلمة فيتزوج اليهودية أو غيرها من أهل الملل تزويجا دائما بميراث، والذي يتزوج الامة على الحرة، والذي يتزوج الامة بغير إذن مواليها، والمملوك يتزوج أكثر من حرتين والمملوك يكون عنده أكثر من أربع إماء تزويجا صحيحا، والذي يتزوج أكثر من أربع حرائر، والذي له أربع نسوة فيطلق واحدة تطليقة واحدة بائنة ثم يتزوج قبل أن تنقضي عدة المطلقة منه(1)، والذي يتزوج المرأة المطلقة من بعد تسع تطليقات بتحليل من أزواج وهي لا تحل له أبدا، والذي يتزوج المرأة المطلقة بغير وجه الطلاق الذي أمرالله عزوجل به في كتابه، والذي يتزوج وهو محرم، فهؤلاء كلهم تزويجهم من جهة التزويج حلال، حرام فاسد من الوجه الآخر لانه لم يكن ينبغي له أن يتزوج إلا من الوجه الذي أمرالله عزوجل فلذلك صار سفاحا مردودا ذلك كله غير جائز المقام عليه ولا ثابت لهم التزويج بل يفرق الامام بينهم ولا يكون نكاحهم زنا ولا أولادهم من

___________________________________
(1) قد عرفت فيما سبق في باب الرجل الذى عنده اربع نسوة ص 429 أن هذا الرجل إذا طلق واحدة تطليقة رجعية لايجوزله أن يتزوج باخرى حتى تنقضى عدتها منه وأما اذاكانت بائنة جاز له العقد على الاخرى في الحال على كراهية. هذا هو المشهور عندهم، فهذا الكلام يدل على ان يونس من أصحابنا ذهب إلى أن البائنة كالرجعية في التوقف على انقضاء العدة فكأنه عمل بظاهر الاخبار التى قد مرت في ذلك الباب فتذكر. (رفيع) (كذافى هامش المطبوع) (*)

[572]


هذا الوجه أولاد زنا ومن قذف المولود من هؤلاء الذين ولدوا من هذا الوجه جلد الحد لانه مولود بتزويج رشدة وإن كان مفسدا له بجهة من الجهات المحرمة والولد منسوب إلى الاب مولود بتزويج رشدة على نكاح ملة من الملل خارج من حد الزنا ولكنه معاقب عقوبة الفرقة والرجوع إلى الاستيناف بما يحل ويجوز.
فإن قال قائل: إنه من أولاد السفاح على صحة معنى السفاح لم يأثم إلا أن يكون يعني أن معنى السفاح هوالزنا.
ووجه آخر من وجوه السفاح من أتى امرأته وهي محرمة أو أتاها وهي صائمة أو أتاها وهي في دم حيضها أو أتاها في حال صلاتها وكذلك الذي يأتي المملوكة قبل أن يواجب صاحبها، والذي يأتي المملوكة وهي حبلى من غيره، والذي يأتي المملوكة تسبى على غير وجه السبا وتسبى وليس لهم أن يسبوا، ومن تزوج يهودية أو نصرانية أو عابدة وثن وكان التزويج في ملتهم تزويجا صحيحا إلا أنه شاب ذلك فساد بالتوجه إلى آلهتهم اللاتي بتحليلهم استحلوا التزويج فكل هؤلاء ابناؤهم أبناء سفاح إلا أن ذلك هو أهون من الصنف الاول وإنما إتيان هؤلاء السفاح إما من فساد التوجه إلى غير الله تعالى أو فساد بعض هذه الجهات وإتيانهن حلال ولكن محرف من حد الحلال وسفاح في وقت الفعل بلا زنا ولا يفرق بينهما إذا دخلا في الاسلام ولا إعادة استحلال جديد وكذلك الذي يتزوج بغير مهر فتزويحه جائز لا إعادة عليه ولا يفرق بينه وبين امرأته وهما على تزويجهما الاول إلا أن الاسلام يقرب من كل خير ومن كل حق ولا يبعد منه وكما جاز أن يعود إلى أهله بلا تزويج جديد أكثر من الرجوع إلى الاسلام، فكل هؤلاء ابتداء نكاحهم نكاح صحيح في ملتهم وإن كان إتيانهن في تلك الاوقات حراما للعلل التي وصفناها والمولود من هذه الجهات أولاد رشدة، لا أولاد زنا وأولادهم أطهر من أولاد الصنف الاول من أهل السفاح ومن قذف من هؤلاء فقد أوجب على نفسه حد المفتري لعلة التزويج الذي كان وإن كان مشوبا بشئ من السفاح الخفي من أي ملة كان أو في أي دين كان إذا كان نكاحهم تزويجا فعلى القاذف لهم من الحد مثل القاذف للمتزوج في الاسلام تزويجا صحيحا لا فرق بينهما في الحد وإنما الحد لعلة التزويج لالعلة الكفر والايمان.

[573]


وأما وجه النكاح الصحيح السليم البريى من الزنا والسفاح هو الذي غير مشوب بشئ من وجوه الحرام أو وجوه الفساد فهو النكاح الذي أمرالله عزوجل به، على حدما أمرالله أن يستحل به الفرج التزويج والتراضي، على ما تراضوا عليه من المهر المعروف المفروض والتسمية للمهر والفعل، فذلك نكاح حلال غير سفاح ولا مشوب بوجه من الوجوه التي ذكرنا المفسدات للنكاح وهو خالص مخلص مطهر مبرا من الادناس وهوالذي أمر الله عزوجل به، والذي تناكحت عليه أنبياء الله وحججه وصالح المؤمنين من أتباعهم.
وأما الذي يتزوج من مال غصبه ويشتري منه جارية أو من مال سرقة أو خيانة أو كذب فيه أو من كسب حرام بوجه من الحرام فتزوج من ذلك المال تزويجا من جهة ما أمرالله عزوجل به فتزويجه حلال وولده ولد حلال غير زان ولا سفاح وذلك أن الحرام في هذا الوجه فعله الاول بما فعل في وجه الاكتساب الذي اكتسبه من غير وجه وفعله في وجه الانفاق فعل يجوز الانفاق فيه(1) وذلك أن الانسان إنما يكون محمودا أو مذموما على فعله وتقلبه، لا على على فعله وتقلبه، لا على جوهر الدرهم أو جوهر الفرج والحلال حلال في نفسه والحرام حرام في نفسه أي الفعل لاالجوهر لايفسد الحرام الحلال والتزويج من هذه الوجوه كلها حلال محلل ونظير ذلك نظير رجل سرق درهما فتصدق به ففعله سرقة حرام وفعله في الصدقة حلال لانهما فعلان مختلفان لايفسد أحدهما الآخر إلا أنه غير مقبول فعله ذلك الحلال لعلة مقامه على الحرام حتى يتوب ويرجع فيكون محسوبا له فعله في الصدقة و كذلك كل فعل يفعله المؤمن والكافر من أفاعيل البر أو الفساد فهو موقوف له حتى يختم له على أي الامرين يموت فيخلوا به فعله لله عزوجل أكان لغيره إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا.

___________________________________
(1) لعل فيه مسامحة في اللفظ والمراد أن الانفاق من حيث أنه انفاق جائز وممدوح لكن من حيث التصرف في مال الغير بدون اذنه حرام إلا فيه مافيه. وكذا في ما بعد إلى آخر الباب.
(*)