باب ان المؤمن كفو المؤمنة

9528 - 1 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن مالك بن عطية، عن أبي حمزة الثمالي قال: كنت عند أبي جعفر (ع) إذا استأذن عليه رجل فأذن له فدخل عليه فسلم فرحب به أبوجعفر (ع) وأدناه وساء له فقال الرجل: جعلت فداك إني خطبت إلى مولاك فلان بن أبي رافع ابنته فلانة فردني ورغب عني وازدرأني لدمامتي وحاجتي وغربتي وقد دخلني من ذلك غضاضة هجمة غض لها قلبي تمنيت عندها الموت(3) فقال أبوجعفر (ع): اذهب فأنت رسولي إليه وقل له: يقول لك محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب (ع): زوج منجح بن رباح مولاي ابنتك فلانة ولا ترده، قال أبوحمزة:

___________________________________
(3) (فرحب به) رحب به ترحيبا دعاه إلى الرحب أى المكان المتسع، يقال: مرحبا أى رحب الله بك ترحيبا فجعل المرحب موضع الترحيب. وقيل معناه لقيت رحبا وسعة. والازدراء: الاحتقار والانتقاص. والدمامة - بالمهملة -: الحقارة والقبح. ؤالغضاضة: الذلة. والهجمة: البغتة. (في) (*)

[340]


فوثب الرجل فرحا مسرعا برسالة أبي جعفر (ع)، فلما أن توارى الرجل قال أبوجعفر (ع): إن رجلا كان من أهل اليمامة يقال له: جويبر أتى رسول الله صلى الله عليه وآله منتجعا للاسلام(1) فأسلم وحسن إسلامه وكان رجلا قصيرا دميما محتاجا عاريا وكان من قباح السودان فضمه رسول الله صلى الله عليه وآله لحال غربته وعراه وكان يجري عليه طعامه صاعا من تمر بالصاع الاول سكاه شملتين وأمره أن يلزم المسجد ويرقد فيه بالليل فمكث بذلك ماشاء الله حتى كثرا الغرباء ممن يدخل في الاسلام من أهل الحاجة بالمدينة وضاق بهم المسجد فأوحى الله عزوجل إلى نبيه صلى الله عليه وآله أن طهر مسجدك وأخرج من المسجد من يرقد فيه بالليل ومربسد أبواب من كان له في مسجدك باب إلا باب على (ع) ومسكن فاطمة (ع) ولا يمرن فيه جنب ولا يرقد فيه غريب قال: فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله بسد أبوابهم إلا باب علي (ع) وأقر مسكن فاطمة (ع) على حاله، قال: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر أن يتخذ للمسلمين سقيفة فعملت لهم وهي الصفة ثم أمر الغرباء والمساكين أن يظلوا فيها نهارهم وليلهم، فنزلوها واجتمعوا فيها فكان رسول الله صلى الله عليه وآله يتعاهدهم بالبر والتمر والشعير والزبيب إذا كان عنده وكان المسلمون يتعاهدونهم ويرقون عليهم لرقة رسول الله صلى الله عليه وآله ويصرفون صدقاتهم إليهم فإن رسول الله صلى الله عليه وآله نظر إلى جويبر ذات يوم برحمة منه له ورقة عليه فقال له: يا جوبير لو تزوجت امرأة فعففت بها فرجك وأعانتك على دنياك وآخرتك، فقال له جويبر: يا رسول الله بأبي أنت وامي من يرغب في فوالله ما من حسب ولانسب ولامال ولا جمال فأية امرأة ترغب في؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: يا جويبر إن الله قدوضع بالاسلام من كان في الجاهلية شريفا وشرف بالاسلام من كان في الجاهلية وضيعا وأعز بالاسلام من كان في الجاهلية ذليلا وأذهب بالاسلام ما كان من نخوة الجاهلية وتفاخرها بعشائرها وباسق أنسابها(2) فالناس اليوم كلهم أبيضهم وأسودهم وقرشيهم وعربيهم وعجميهم من آدم وإن آدم خلقه الله من طين وإن احب الناس إلى الله عزوجل يوم القيامة أطوعهم له وأتقاهم وما أعلم ياجويبر لاحد من المسلمين عليك اليوم فضلا إلا لمن كان أتقى لله منك وأطوع، ثم قال له:

___________________________________
(1) انتجع القوم إذا ذهبوا بطلب الكلاء وانتجع فلانا طلب معروفة. (النهاية).
(2) الباسق: المرتفع في علوه. (النهاية).
(*)

[341]


انطلق يا جويبر ألى زياد بن لبيد فإنه من أشرف بني بياضة(1) حسبافيهم فقل له: إني رسول رسول الله إليك وهو يقول لك: زوج جويبرا ابنتك الذلفاء(2) قال: فانطلق جويبر برسالة رسول الله صلى الله عليه وآله إلى زياد بن لبيد وهو في منزله وجماعة من قومه عنده فاستأذن فاعلم فأذن له فدخل وسلم عليه ثم قال: يا زياد بن لبيد إني رسول رسول الله أليك في حاجة لي فأبوح بها أم اسرها إليك؟ فقال له زياد بل بح بها(3) فإن ذلك شرف لي وفخر فقال له جويبر: إن رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لك: زوج جويبرا ابنتك الذلفاء، فقال له زياد: أرسول الله أرسلك إلي بهذا؟ فقال له: نعم ما كنت لاكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له زياد: إنا لا نزوج فتياتنا إلا أكفاء نا من الانصار فانصرف يا جويبر حتى ألقى رسول الله صلى الله عليه وآله فاخبره بعذري فانصرف جويبر وهو يقول: والله ما بهذا نزل القرآن ولا بهذا ظهرت نبوة محمد صلى الله عليه وآله فسمعت مقالته الذلفاء بنت زياد وهي في خدرها(4) فارسلت إلى أبيها ادخل إلي فدخل إليها فقالت له: ما هذا الكلام الذي سمعته منك تحاوربه جويبر؟ فقال لها: ذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وآله أرسله وقال: يقول لك رسول الله صلى الله عليه وآله: زوج جويبرا ابنتك الذلفاء، فقالت له: والله ما كان جويبر ليكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله بحضرته فابعث الان رسولا يرد عليك جويبرا فبعث زياد رسولا فلحق جويبرا فقال له زياد: يا جويبر مرحبابك اطمئن حتى أعود أليك ثم انطلق زياد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له: بأبي أنت وامي إن جويبرا أتاني برسالتك وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لك: زوج جويبرا ابنتك الذلفاء فلم ألن له بالقول ورأيت لقاء‌ك و نحن لانتزوج إلا أكفاء نا من الانصار فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: يا زياد جويبر مؤمن و المؤمن كفو للمؤمنه والمسلم كفو للمسلمة فزوجه يا زياد ولا ترغب عنه، قال: فرجع زياد إلى منزله ودخل على ابنته فقال لها ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت له: إنك إن عصيت رسول الله صلى الله عليه وآله كفرت فزوج جويبرا فخرج زياد فأخذ بيد جويبر ثم أخرجه إلى قومه فزوجه على سنة الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وضمن صداقه قال: فجهزها زياد وهيؤوها ثم

___________________________________
(1) قبيلة من الانصار.
(2) الذلفاء في أكثر النسخ بالمهملة ويظهر من كتب اللغة انها بالمعجمة قال الجوهرى: الذلف - بالتحريك -: صغر الانف واستواء الارنبة يقال: رجل اذلف وامرأة ذلفا ومنه سميت المرأة.
(3) البوح: الاظهار والاعلان.
(4) الخدر - بالكسر -: ستريمد للجارية في ناحية البيت.
(*)

[342]


أرسلوا ألى جويبر فقالوا له: ألك منزل فنسوقها إليك، فقال: والله مالي من منزل، قال: فهيؤوها وهيؤوالها منزلا وهيؤوافيه فراشا ومتاعا وكسوا جويبرا ثوبين وأدخلت الذلفاء في بيتها وادخل جويبر عليها معتما فلمارآها نظر إلى بيت ومتاع وريح طيبة قام ألى زاوية البيت فلم يزل تاليا للقرآن راكعا وساجدا حتى طلع الفجر فلماسمع النداء خرج وخرجت زوجته إلى الصلاة فتوضات وصلت الصبح فسئلت هل مسك؟ فقالت: ما زال تاليا للقرآن وراكعا وساجدا حتى سمع النداء فخرج فلماكانت اليلة الثانية فعل مثل ذلك وأخفوا ذلك من زياد فلما كان اليوم الثالث فعل مثل ذلك فاخبر بذلك أبوها فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له: بأبي أنت وامي يا رسول الله أمرتني بتزويج جويبر ولا والله ما كان من مناكحنا(2) ولكن طاعتك أو جبت علي تزويجه فقال له النبي صلى الله عليه وآله: فما الذي أنكرتم منه؟ قال: إنا هيئناله بيتا ومتاعا وأدخلت ابنتي البيت وادخل معها معتما فما كلمها ولا نظر إليها ولادنا منها بل قام إلى زاوية البيت فلم يزل تاليا للقرآن راكعا و ساجدا حتى سمع النداء، فخرج ثم فعل مثل ذلك في الليلة الثانية ومثل ذلك في الثالثة ولم يدن منها ولم يكلمها إلى أن جئتك ومانراه يريد النساء فانظر في أمرنا فانصرف زياد وبعث رسول الله صلى الله عليه وآله إلى جويبرفقال له: أما تقرب النساء؟ فقال له: جويبر: أو ما أنا بفحل بلى يا رسول الله إني لشبق نهم إلى النساء(3) فقال له رسول اله صلى الله عليه وآله: قد خبرت بخلاف ماوصفت به نفسك قد ذكر لي أنهم هيؤوالك بيتا وفراشا ومتاعا وادخلت عليك فتاة حسناء عطرة وأتيت معتما فلم تنظر إليها ولم تكلمها ولم تدن منها فما دهاك إذن(4)؟ فقال له جويبر: يا رسول الله دخلت بيتا واسعا ورأيت فراشا ومتاعا و فتاة حسناء عطرة وذكرت حالي التي كنت عليها وغربتي وحاجتي ووضيعتي وكسوتي مع الغرباء والمساكين فأحببت إذ أولاني الله ذلك أن أشكره على ما أعطاني وأتقرب إليه

___________________________________
(1) عتم الرجل اى سار في العتمة.
(2) اى مواضع نكاحنا والمناكح في الاصل النساء. (في)
(3) الشبق: الشديد الغلمة، يقال: شبق الرجل إذا هاجت به شهوة النكاح فهو شبق. والنهم - ككتف -: الحريص. (في)
(4) الدهاء: النكر وجودة الرأى والمكر. ودهاه اى اصابه بداهية وهى الامر العظيم.
(*)

[343]


بحقيقة الشكر فنهضت إلى جانب البيت فلم أزل في صلاتي تاليا للقرآن راكعا وساجدا أشكرالله حتى سمعت النداء فخرجت فلما أصبحت رأيت أن أصوم ذلك اليوم ففعلت ذلك ثلاثة أيام ولياليها ورأيت ذلك في جنب ماأعطاني الله يسيرا ولكني سارضيها و ارضيهم الليلة إن شاء الله فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله إلى زياد فأتاه فأعلمه ماقال جويبر فطابت أنفسهم قال: ووفى لها جويبر بما قال: ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج في غزوة له ومعه جويبر فاستشهد رحمه الله تعالى فما كان في الانصار أيم أنفق منها بعد جويبر.(1)
9529 - 2 - بعض أصحابنا، عن علي بن الحسين بن صالح التيملي، عن أيوب بن نوح، عن محمد بن سنان، عن رجل، عن أبي عبدالله (ع) قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وآله فقال: يارسول الله عندي مهيرة العرب وأنا احب أن تقبلها وهي ابنتي، قال: فقال: قد قبلتها قال: فاخرى(2) يارسول الله، قال: وماهي؟ قال: لم يضرب عليها صدغ قط(3) قال: لا حاجة لي فيها ولكن زوجها من حلبيب(4) قال: فسقط رجلا الرجل مما دخله(5) ثم أتى امها فأخبرها الخبر فدخلها مثل مادخله فسمعت الجارية مقالته ورأت مادخل أباها فقالت لهما: ارضيالي ما رضي الله ورسوله قال: فتسلى ذلك عنهما وأتى أبوها النبي صلى الله عليه وآله فأخبره الخبر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: قد جعلت مهرها الجنة.
وزاد فيه صفوان قال: فمات عنها حلبيب فبلغ مهرها بعده مائة ألف درهم.

___________________________________
(1) الايم - ككيس -: الحرة. وقوله: (انفق) من النفاق ضد الكساد أى ما كانت في بطن من الانصار امرأة حرة أروج في رغبة الناس إلى تزويجها منه ويبذلون الاموال العظيمة لمهرها.
(2) المهيرة: الغالية المهر. وقوله: (واخرى) اى لها خصلة اخرى حسنة يرغب فيها. (في)
(3) الصدغ - بضم المهملة واعجام الغين -: ما بين العين والاذن وكان ضربها كناية عن الاصابة بمصيبة. (في) وفى بعض النسخ [لم يضرب عليها صدع] ولعله من الصداع وهو وجع الرأس يقال منه صدع تصديعا بالبناء للمفعول كما في المصباح.
(4) في أكثر النسخ بالحاء المهملة ولكن الصحيح - بالجيم كقنيديل - كما في القاموس وفى جامع الاصول جليبيب بن عبدالله الفهرى الانصارى - بضم الجيم وفتح الام وسكون الياء الاولى وكسر الباء الموحدة وبعدها ياء اخرى بنقطتين ثم الباء - وفى الاصابة ((جلبيب) واشار إلى قصة تزويجه بالانصارية.
(5) الظاهر أن سقوط الرجلين كناية عن الهم والندم كماقال في القاموس وسقط في يده و اسقط - مضمومتين -: زل وأخطأ وندم. (*)