باب حج ابراهيم واسماعيل وبنائهما البيت ومن ولى البيت بعدهما (عليهما السلام)

16750 علي بن إبراهيم، عن أبيه ; والحسين بن محمد، عن عبدويه بن عامر ; وغيره، ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد جميعا، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن أبي العباس، عن أبي عبدالله (ع) قال: لما ولد إسماعيل حمله إبراهيم وامه على حمار وأقبل معه جبرئيل حتى وضعه في موضع الحجر ومعه شئ من زاد وسقاء فيه شئ من ماء والبيت يومئذ ربوة(2) حمراء من مدر، فقال إبراهيم لجبرئيل عليهما السلام: ههنا امرت قال: نعم، قال: ومكة يومئذ سلم وسمر وحول مكة يومئذ ناس من العماليق(3).
6751 وفي حديث آخر عنه أيضا قال: فلما ولى إبراهيم قالت هاجر: يا إبراهيم إلى من تدعنا؟ قال: أدعكما إلى رب هذه البنية قال: فلما نفد الماء وعطش الغلام خرجت حتى صعدت على الصفا فنادت هل بالبوادي من أنيس ثم انحدرت حتى أتى المروة فنادت مثل ذلك ثم أقبلت راجعة إلى ابنها فإذا عقبه يفحص في ماء فجمعته فساخ ولو

___________________________________
(2) الربوة: ما ارتفع من الارض.
(3) " سلم وسمر " اسمان لشجرين.
والعمالقة قوم من ولد عمليق بن لاوز بن ارم بن سام بن نوح وهم امم تفرقوا في البلاد.
[*]

[202]


تركته لساح(1).
6752 2 علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله (ع) قال: إن إبراهيم (ع) لما خلف إسماعيل بمكة عطش الصبي فكان فيما بين الصفا والمروة شجر فخرجت أمه حتى قامت على الصفا فقالت: هل بالبوادي من أنيس فلم تجبها أحد، فمضت حتى انتهت إلى المروة فقالت: هل بالبوادي من أنيس فلم تجب، ثم رجعت إلى الصفا وقالت ذلك حتى صنعت ذلك سبعا فأجرى الله ذلك سنة وأتاها جبرئيل فقال لها: من أنت؟ فقالت: أنا أم ولد إبراهيم، قال لها: إلى من ترككم؟ فقالت: أما لئن قلت ذلك لقد قلت له حيث أراد الذهاب: يا إبراهيم إلى من تركتنا؟ فقال: إلى الله عزوجل، فقال جبرئيل (ع): لقد وكلكم إلى كاف، قال: وكان الناس يجتنبون الممر إلى مكة لمكان الماء ففحص الصبي برجله فنبعت زمزم، قال: فرجعت من المروة إلى الصبي وقد نبع الماء فأقبلت تجمع التراب حوله مخافة أن يسيح الماء ولو تركته لكان سيحا، قال: فلما رأت الطير الماء حلقت عليه فمر ركب من اليمن يريد السفر فلما رأوا الطير قالوا: ماحلقت الطير إلا على ماء فأتوهم فسقوهم من الماء فأطعموهم الركب(2) من الطعام وأجرى الله عزوجل لهم بذلك رزقا وكان الناس يمرون بمكة فيطعمونهم من الطعام ويسقونهم من الماء.
36753 محمد بن يحيى، وأحمد بن إدريس، عن عيسى بن محمد بن أبي أيوب ; عن علي ابن مهزيار، عن الحسين بن سعيد، عن علي بن منصور، عن كلثوم بن عبدالمؤمن الحراني، عن أبي عبدالله (ع) قال: أمر الله عزوجل إبراهيم (ع) أن يحج ويحج إسماعيل معه ويسكنه الحرم، فحجا على جمل أحمر ومامعهما إلا جبرئيل (ع) فلما بلغا الحرم قال له جبرئيل: يا إبراهيم أنزلا فاغتسلا قبل أن تدخلا الحرم فنزلا فاغتسلا وأراهما كيف يتهيئان للاحرام ففعلا، ثم أمرهما فأهلا بالحج(3) وأمرهما بالتلبيات

___________________________________
(1) الفحص: البحث والكشف. ويقال: ساخ يسيخ سيخا وسيخانا: ثبت. وساح الماء سيحا وسيحانا إذا جرى على وجه الارض (آت)
(2) من قبيل أكلونى البراغيث. وفى بعض النسخ

[فأطعمهم]

.
(3) أى رفعا صوتهما بالتلبية لعقد الاحرام بالحج. وقوله: " بالتلبيات الاربع " يعنى أتيانها جميعا في اهلالهما.

[*]

[203]


الاربع التي لبى بها المرسلون، ثم صار بهما إلى الصفا فنزلا وقام جبرئيل بينهما واستقبل البيت فكبر الله وكبرا وهلل الله وهللا وحمدالله وحمدا ومجد الله ومجدا وأثنى عليه وفعلا مثل ذلك وتقدم جبرئيل وتقدما يثنيان على الله عزوجل ويمجدانه حتى انتهى بهما إلى موضع الحجر فاستلم جبرئيل

[الحجر]

(1) وأمرهما أن يستلما وطاف بهما اسبوعا ثم قام بهما في موضع مقام إبراهيم (ع) فصلى ركعتين وصليا ثم أراهما المناسك وما يعملان به فلما قضيا مناسكهما أمر الله إبراهيم (ع) بالانصراف وأقام إسماعيل وحده ما معه أحد غير امه فلما كان من قابل أذن الله لابراهيم (ع) في الحج وبناء الكعبة و كانت العرب تحج إليه وإنما كان ردما(2) إلا أن قواعده معروفة فلما صدرالناس جمع إسماعيل الحجارة وطرحها في جوف الكعبة فما أذن الله له في البناء قدم إبراهيم (ع) فقال: يا بني قد أمرنا الله ببناء الكعبة وكشفا عنها فإذا هو حجر واحد أحمر فأوحى الله عزوجل إليه ضع بناء ها عليه وأنزل الله عزوجل أربعة أملاك يجمعون إليه الحجارة فكان إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام يضعان الحجارة والملائكة تناولهما حتى تمت اثنى عشر ذراعا وهيئا له بابين: بابا يدخل منه وبابا يخرج منه ووضعا عليه عتبا وشرجا(3) من حديد على أبوابه وكانت الكعبة عريانة فصدر إبراهيم وقد سوى البيت وأقام إسماعيل فلما ورد عليه الناس نظر إلى امرأة من حمير أعجبه جمالها فسأل الله عزوجل أن يزوجها إياه وكان لها بعل فقضى الله على بعلها بالموت وأقامت بمكة حزنا على بعلها فأسلى الله ذلك عنها وزوجها إسماعيل وقدم إبراهيم الحج وكانت امرأة موفقة(4) وخرج إسماعيل إلى الطائف يمتار لاهله طعاما(5) فنظرت إلى شيخ شعث فسألها عن حالهم

___________________________________
(1) يعنى موضع الحجر لمامران الحجر كان على أبى قبيس في ذلك الوقت وإنما كان ردما. (في)(2) الردم ما يسقط من الجدار المنهدم وردمت الثلمة ونحوها ردما سددتها وفى مكة موضع يقال له: الردم كأنه تسمية بالمصدر. (المصباح)
(3) الشرح العروة وفى الفقيه " الشريج ": ما يضم من القصب ويجعل على الحوانيت كالابواب (المصباح)
(4) الموفق الذى وصل إلى الكمال في قليل من السن. (النهاية)
(5) يمتار أى يجتلب والميرة: الطعام يمتاره الانسان.
[*]

[204]


فأخبرته بحسن حال، فسألها عنه خاصة فأخبرته بحسن الدين وسألها ممن أنت؟ فقالت: امرأة من حمير فسار إبراهيم ولم يلق إسماعيل وقد كتب إبراهيم كتابا فقال: ادفعي هذا إلى بعلك، إذا أتى إن شاء الله، فقدم عليها إسماعيل فدفعت إليه الكتاب فقرأه فقال: أتدرين من هذا الشيخ؟ فقالت: لقد رأيته جميلا فيه مشابهة منك، قال: ذاك إبراهيم فقالت: واسوء تاه منه فقال: ولم نظر إلى شئ من محاسنك؟ فقالت: لا ولكن خفت أن أكون قد قصرت وقالت له المرأة وكانت عاقلة: فهلا تعلق على هذين البابين سترين سترا من ههنا وسترا من ههنا؟ فقال لها: نعم فعملا لهما سترين طولهما اثنى عشر ذراعا فعلقا هما على البابين فاعجبهما ذلك، فقالت: فهلا أحوك للكعبة ثيابا(1) فتسترها كلها فإن هذه الحجارة سمجة(2) فقال لها إسماعيل: بلى فأسرعت في ذلك وبعثت إلى قومها بصوف كثير تستغز لهم.
قال أبوعبدالله (ع): وإنما وقع استغزال النساء من ذلك بعضهن لبعض لذلك، قال: فأسرعت واستعانت في ذلك فكلما فرغت من شقة علقتها فجاء الموسم وقد بقي وجه من وجوه الكعبة فقالت لاسماعيل: كيف نصنع بهذا الوجه الذي لم تدركه الكسوة فكسوه خصفا فجاء(3) الموسم وجاء ته العرب على حال ما كانت تأتيه فنظروا إلى أمر أعجبهم، فقالوا: ينبغي لعامل هذا البيت أن يهدى إليه فمن ثم وقع الهدي فأتى كل فخذ من العرب(4) بشئ يحمله من ورق ومن أشياء غير ذلك حتى اجتمع شئ كثير فنزعوا ذلك الخصف وأتموا كسوة البيت وعلقوا عليها بابين(5) وكانت الكعبة ليست بمسقفة فوضع إسماعيل فيها أعمدة مثل هذه الاعمدة التي ترون من خشب و سقفها إسماعيل بالجرائد وسواها بالطين فجاء‌ت العرب من الحول فدخلوا الكعبة ورأوا عمارتها فقالوا: ينبغي لعامل هذا البيت أن يزاد فلما كان من قابل جاء ه الهدي

___________________________________
(1) حاك الثوب يحوك حوكا: نسجه.
(2) حجارة سمجة أى خشنة تكرهها النفس لقبحها. (مجمع البحرين)
(3) الخصف بالتحريك: شئ يعمل من خوص النخل.
(4) الفخذ من العشائر: دون البطن.
(5) أى علق على الكسوة سترين للبابين فلا ينافى مامر من أنه هياله بابين على أنه يحتمل أن يكون التهيئة سابقا والتعليق في هذا الوقت او يكون المراد بالسابق تهيئة مكان البابين. (آت)
[*]

[205]


فلم يدر إسماعيل كيف يصنع فأوحى الله عزوجل إليه أن انحره وأطعمه الحاج قال: وشكا إسماعيل إلى إبراهيم قلة الماء فأوحى الله عزوجل إلى إبراهيم أن احتفر بئرا يكون منها شراب الحاج فنزل جبرئيل (ع) فاحتفر قليبهم يعني زمزم حتى ظهر ماؤها ثم قال جبرئيل (ع): أنزل يا إبراهيم فنزل بعد جبرئيل فقال: يا إبراهيم اضرب في أربع زوايا البئر وقل: بسم الله، قال: فضرب إبراهيم (ع) في الزاوية التي تلي البيت وقال: بسم الله فانفجرت عين ثم ضرب في الزاوية الثانية وقال: بسم الله فانفجرت عين(1)، ثم ضرب في الثالثة وقال: بسم الله فانفجرت عين، ثم ضرب في الرابعة وقال: بسم الله فانفجرت عين وقال له جبرئيل: اشرب يا إبراهيم وادع لولدك فيها بالبركة وخرج إبراهيم (ع) وجبرئيل جميعا من البئر فقال له افض عليك يا إبراهيم وطف حول البيت فهذه سقيا سقاها الله ولد إسماعيل فسار إبراهيم وشيعه إسماعيل حتى خرج من الحرم فذهب إبراهيم ورجع إسماعيل إلى الحرم.
46754 علي بن إبراهيم، عن أبيه ; والحسين بن محمد، عن عبدويه بن عامر، ومحمد ابن يحيى، عن أحمد بن محمد جميعا، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن عقبة بن بشير، عن أحدهما عليهما السلام قال: إن الله عزوجل أمر إبراهيم ببناء الكعبة وأن يرفع قواعدها ويرى الناس مناسكهم فبنى إبراهيم وإسماعيل البيت كل يوم سافا(2) حتى انتهى إلى موضع الحجر الاسود.
قال: أبوجعفر (ع) فنادى أبوقبيس إبراهيم (ع) إن لك عندي وديعة فأعطاه الحجر فوضعه موضعه ثم إن إبراهيم (ع) أذن في الناس بالحج فقال: أيها الناس إني إبراهيم خليل الله إن الله يأمركم أن تحجوا هذا البيت فحجوه فأجابه من يحج إلى يوم القيامة وكان أول من أجابه من أهل اليمن، قال: وحج إبراهيم (ع) هو وأهله وولده فمن زعم أن الذبيح هو إسحاق

___________________________________
(1) لعل ماء زمزم كان أول ظهوره بتحريك اسماعيل عليه السلام رجله على وجه الامر ثم يبس فحفر ابراهيم عليه السلام في ذلك المكان حتى ظهر الماء ويحتمل أن يكون الحفر لازدياد الماء فيكون المراد بقوله عليه السلام: " حتى ظهر ماؤها " أى ظهر ظهورا بينا بمعنى كثر ومنهم من قرء ظهر على بناء التفعيل من قبيل موتت الابل. (آت)
(2) الساف كل عرق من الحائط.(آت)
[*]

[206]


فمن ههنا كان ذبحه(1).
وذكر عن أبي بصير أنه سمع أبا جعفر وأبا عبدالله عليهما السلام يزعمان أنه إسحاق فأما زرارة فزعم أنه إسماعيل.
56755 محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال قال: قال أبوالحسن (ع) يعني الرضا للحسن بن الجهم: أي شئ السكينة عندكم؟ فقال: لاأدري جعلت فداك وأي شئ هي، قال: ريح تخرج من الجنة طيبة لها صورة كصورة وجة الانسان فتكون مع الانبياء وهي التي نزلت على إبراهيم (ع) حيث بني الكعبة فجعلت تأخذ كذا وكذا فبنى الاساس عليها.
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن أسباط قال: سألت أبا الحسن (ع) عن السكينة فذكر مثله.
66756 عدة من أصحابنا، عن أحمدبن محمد، عن ابن فضال، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (ع) قال: لما أمر إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ببناء البيت وتم بناؤه قعد إبراهيم على ركن ثم نادى هلم الحج هلم الحج(3) فلو نادى هلموا إلى الحج لم يحج إلا من كان يومئذ إنسيا مخلوقا ولكنه نادى هلم الحج فلبى الناس في أصلاب الرجال لبيك داعى الله لبيك داعي الله عزوجل، فمن لبى عشرا يحج عشرا ومن لبى خمسا

___________________________________
(1) لعل معنى قوله: " فمن ههنا كان ذبحه " أنه لما لم يكن هناك سوى ابراهيم وأهله وولده اسماعيل الذى كان يساعده في بناء البيت دون اسحاق فمن كان ههنا ذبحه ابراهيم يعنى لم يكن هناك اسحاق ليذبحه. (في)
(2) لعله من كلام بعض الرواة. (في). أقول: وللعلامة المجلسى رحمه الله تحقيق حول هذا الذبيح راجع المرآة ج 3 ص 256.
(3) في الفقيه " علم إلى الحج " نادى جنس الانس بلفظ المفرد ولذا عم نداؤه الموجودين والمعدومين ولو نادى الافراد بلفظ الجمع لم يشمل المعدومين بل اختص بالموجودين وذلك لان حقيقة الانسان موجودة بوجود فرد ما وتشمل جميع الافراد وجدت أو لم توجد واما الفرد الخاص منه فلا يصير فردا خاصا جزئيا منه مالم يوجد وهذا من لطائف المعانى نطق به الامام عليه السلام لمن وفق بفهمه.(في)
[*]

[207]


يحج خمسا ومن لبى أكثر من ذلك فبعدد ذلك ومن لبى واحدا حج واحدا ومن لم يلب لم يحج.
76757 عنه، عن سعيد بن جناح، عن عدة من أصحابنا، عن أبي عبدالله (ع) قال: كانت الكعبة على عهد إبراهيم (ع) تسعة أذرع وكان لها بابان فبناها عبدالله بن الزبير فرفعها ثمانية عشر ذراعا فهدمها الحجاج فبناها سبعة وعشرين ذراعا.
86758 وروي عن ابن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن أبي عبدالله (ع) قال: كان طول الكعبة يومئذ تسعة أذرع ولم يكن لها سقف فسقفها قريش ثمانية عشر ذراعا فلم تزل ثم كسرها الحجاج على ابن الزبير فبناها وجعلها سبعة وعشرين ذراعا.
6759 - 9 علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، والحسين بن محمد، عن عبدويه بن عامر جميعا، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن أبي بصير أنه سمع أبا جعفر وأبا عبدالله عليهما السلام يذكران أنه لما كان يوم التورية قال جبرئيل لابراهيم عليهما السلام: تروه(1) من الماء فسميت التورية ثم أتى منى فأباته بها ثم غدابه إلى عرفات فضرب خباه بنمرة دون عرفة(2) فبنى مسجدا بأحجار بيض و كان يعرف أثر مسجد إبراهيم حتى أدخل في هذا المسجد الذي بنمرة حيث يصلي الامام يوم عرفة فصلى بها الظهر والعصر، ثم عمد به إلى عرفات فقال، هذه عرفات فاعرف بها مناسكك واعترف بذنبك فسمي عرفات ثم أفاض إلى المزدلفة فسميت المزدلفة لانه ازدلف إليها، ثم قام على المشعر الحرام فأمره الله أن يذبح ابنه وقد رأى فيه شمائله وخلائقه وأنس ما كان إليه فلما أصبح أفاض من المشعر إلى منى فقال لامه: زوري البيت أنت واحتبس الغلام ; فقال: يابني هات الحمار والسكين حتى اقرب القربان.
فقال: أبان: فقلت لابي بصير: ما أراد بالحمار والسكين؟ قال: إراد أن يذبحه ثم يحمله فيجهزه ويدفنه قال: فجاء الغلام بالحمار والسكين فقال: يا أبت أين القربان؟ قال: ربك يعلم أين هو.
يابني أنت والله هو إن الله قد أمرني بذبحك فانظر ماذا ترى

___________________________________
(1) الهاء للسكت.
(2) النمرة: الجبل الذى عليه أنصاب الحرم بعرفات. (في)
[*]

[208]


قال: " يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين؟ قال: فلما عزم على الذبح قال: يا أبت خمر وجهي وشد وثاقي قال: يا بني الوثاق مع الذبح والله لا أجمعهما عليك اليوم ; قال أبوجعفر (ع): فطرح له قرطان الحمار ثم اضجعه عليه و أخذ المدية(1) فوضعها على حلقه قال: فأقبل شيخ فقال: ما تريد من هذا الغلام؟ قال: اريد أن أذبحه، فقال: سبحان الله غلام لم يعص الله طرفة عين تذبحه؟ فقال: نعم إن الله قد أمرني بذبحه، فقال: بل ربك نهاك عن ذبحه وإنما أمرك بهذا الشيطان في منامك قال: ويلك الكلام الذي سمعت هو الذي بلغ بي ما ترى لا والله لا أكلمك ثم عزم على الذبح فقال الشيخ: يا إبراهيم أنك إمام يقتدى بك فإن ذبحت ولدك ذبح الناس أولادهم فمهلا فأبى أن يكلمه.
قال: أبوبصير سمعت أبا جعفر (ع) يقول: فأضجعه عند الجمرة الوسطى ثم أخذ المديه فوضعها على حلقه ثم رفع رأسه إلى السماء ثم انتحى(2) عليه فقلبها جبرئيل (ع) عن حلقه فنظر إبراهيم فإذا هي مقلوبة فقلبها إبراهيم على خدها و قلبها جبرئيل على قفاها ففعل ذلك مرارا ثم نودي من ميسرة مسجدالخيف: يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا واجتر الغلام من تحته وتناول جبرئيل الكبش من قلة ثبير(3) فوضعه تحته وخرج الشيخ الخبيث حتى لحق بالعجوز حين نظرت إلى البيت والبيت في وسط الوادي فقال: ما شيخ رأيته بمنى؟ فنعت نعت إبراهيم قالت: ذاك بعلي قال: فما وصيف رأيته معه(4) ونعت نعته قالت: ذاك ابني قال، فإني رأيته أضجعه وأخذ المدية ليذبحه، قالت: كلا ما رأيت إبراهيم إلا أرحم الناس وكيف رأيته يذبح ابنه قال: ورب السماء والارض ورب هذه البنية لقد رأيته أضجعه وأخذ المدية ليذبحه، قالت: لم؟ قال: زعم أن ربه أمره بذبحه، قالت، فحق له أن يطيع ربه قال: فلما قضت مناسكها فرقت أن يكون قد نزل في ابنها شئ فكأني أنظر إليها مسرعة في الوادي واضعة يدها على

___________________________________
(1) القرطاط بالضم: البرذعة وكذلك القرطان. وهى الحلس الذى يلقى تحت الرجل وبالفارسية (بالان). والمدية مثلثة السكين المعظمة.
(2) الانتحاء. الاعتماد والميل على الشئ. يقال: انتحى على سيفه إذا اعتمد عليه. (في)
(3) الثبير كامير: جبل بمكة يقال: أشرق ثبير كيما نعير. (الصحاح)
(4) الوصيف: الخادم غلاما كمان او جارية. (في)
[*]

[209]


رأسها وهي تقول: رب لا تؤاخذني بما عملت بام إسماعيل قال: فلما جاء‌ت سارة(1) فاخبرت الخبر قامت إلى ابنها تنظر فإذا أثر السكين خدوشا في حلقه ففزعت واشتكت وكان بدء مرضها الذي هلكت فيه.
6760 - وذكر أبان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (ع) قال: أراد أن يذبحه في الموضع الذي حملت أم رسول الله صلى الله عليه وآله عند الجمرة الوسطى فلم يزل مضربهم يتوارثون به كابر عن كابر حتى كان آخر من ارتحل منه علي بن الحسين عليهما السلام في شئ كان بين بني هاشم وبين بني امية فارتحل فضرب بالعرين(2).
6761 - 10 علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد ; والحسن بن محبوب، عن العلاء بن زرين، عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر (ع) أين أراد إبراهيم (ع) أن يذبح ابنه؟ قال: على الجمرة الوسطى، وسألته عن كبش إبراهيم (ع) ماكان لونه وأين نزل؟ فقال: أملح وكان أقرن ونزل من السماء على الجبل الايمن من مسجد منى وكان يمشي في سواد ويأكل في سواد وينظر ويبعر ويبول في سواد(3).
6762 - 11 الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن حماد بن عثمان، عن الحسن بن نعمان قال: سألت أبا عبدالله (ع) عما زادوا في المسجد الحرام، فقال: إن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام حدا المسجد الحرام بين الصفا والمروة(4).

___________________________________
(1) يستفاد من الخبران الذبيح اسحاق لان سارة كانت ام اسحاق دون اسماعيل ولقولها: " لاتؤاخذنى الخ ". (في)
(2) العرين كأمير بالمهملتين ثم المثناة التحتية: الفناء والساحة. (في)
(3) الملحة: بياض يخالطه سواد قال ابن الاثير في نهايته: وفيه أنه ضحى بكبش يطأفى سواد وينظر في سواد ويبرك في سواد.أى اسود القوائم والمرابض والمحاجز ويعنى بالمحاجز: الاوساط فان الحجزة مقعد الازار.
انتهى، وقيل: السواد كناية عن المرعى والنبت فالمعنى حينئذ كان يرعى وينظر ويبرك في خضرة وقيل: كان من عظمه ينظر في شحمه ويمشى في فيئه ويبرك في ظل شحمه. (في)
(4) لعل المعنى أن المسجد في زمانه عليه السلام كان محاذيا لما بين الصفا والمروة متوسطا بينهما وان لم يكن مستوعبا لما بينهما فيكون الغرض بيان أن مازيد عن جانب الصفا حتى حازه كثيرا ليس من البيت، أو المعنى أن عمران المسجد في ذلك الزمان كان اكثر حتى كان ما بين الصفا والمروة داخلا في المسجد.(آت)
[*]

[210]


6763 - 12 وفي رواية اخرى، عن أبي عبدالله (ع) قال، خط إبراهيم بمكة ما بين الحزورة(1) إلى المسعى فذلك الذي خط إبراهيم (ع) يعني المسجد -.
6764 - 13 محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن النعمان، عن سيف بن عميرة عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبدالله (ع) قال: إن إسماعيل دفن امه في الحجر وحجر عليها لئلا يوطأ قبر ام إسماعيل في الحجر.
6765 - 14 بعض أصحابنا، عن ابن جمهور، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن المفضل ابن عمر، عن أبي عبدالله (ع) قال: الحجر بيت إسماعيل وفيه قبر هاجر وقبر إسماعيل.
6766 - 15 محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبدالله (ع) عن الحجر أمن البيت هو أوفيه شئ من البيت؟ فقال: لا ولا قلامة ظفر ولكن إسماعيل دفن امه فيه فكره أن توطأ فحجر عليه حجرا وفيه قبور أنبياء.
6767 - 16 عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الوليد شباب الصيرفي، عن معاوية بن عمار قال: قال أبوعبدالله (ع): دفن في الحجر مما يلي الركن الثالث عذاري بنات إسماعيل.
6768 - 17 علي بن إبراهيم، عن أبيه ; ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد جميعا، عن أحمد ابن محمد بن أبي نصر، عن أبان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (ع) قال: لم يزل بنو إسماعيل ولاة البيت

[و]

يقيمون للناس حجهم وأمر دينهم يتوارثونه كابر عن كابر حتى كان زمن عدنان بن ادد فطال عليهم الامد فقست قلوبهم وأفسدوا وأحدثوا في دينهم وأخرج بعضهم بعضا فمنهم من خرج في طلب المعيشة ومنهم من خرج كراهية القتال و في أيديهم أشياء كثيرة من الحنيفية من تحريم الامهات والبنات وما حرم الله في النكاح إلا أنهم كانوا يستحلون امرأة الاب وابنة الاخت والجمع بين الاختين وكان في أيديهم

___________________________________
(1) بالحاء المهملة والزاى ثم الواو والراء في النهاية هو موضع بمكة على باب الحناطين وهو بوزن قسورة، قال الشافعى: الناس يشددون الحزورة والحديبية وهما مخففتان.(آت)
[*]

[211]


الحج والتلبية والغسل من الجنابة إلا ما أحدثوا في تلبيتهم وفي حجهم من الشرك وكان فيما بين إسماعيل وعدنان بن ادد موسى (ع).
6769 - 18 وروي أن معد بن عدنان خاف أن يدرس الحرم فوضع أنصابه وكان أول من وضعها ثم غلبت جرهم(1) على ولاية البيت فكان يلي منهم كابر عن كابر حتى بغت جرهم بمكة واستحلوا حرمتها وأكلوا مال الكعبة وظلموا من دخل مكة وعتوا وبغوا وكانت مكة في الجاهلية لايظلم ولا يبغي فيها ولا يستحل حرمتها ملك إلا هلك مكانه و كانت تسمى بكة لانها تبك أعناق الباغين إذا بغوا فيها وتسمى بساسة(2) كانوا إذا ظلموا فيها بستهم وأهلكتهم وتسمى أم رحم(3) كانوا إذا لزموها رحموا فلما بغت جرهم واستحلوا فيها بعث الله عزوجل عليهم الرعاف والنمل(4) وأفناهم فغلبت خزاعة و اجتمعت ليجلوا من بقي من جرهم عن الحرم ورئيس خزاعة عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو ورئيس جرهم عمرو بن الحارث بن مصاص الجرهمي فهزمت خزاعة جرهم وخرج من بقي من جرهم إلى أرض من أرض جهينة فجاء هم سيل أتي فذهب(5) بهم ووليت خزاعة البيت فلم يزل في أيديهم حتى جاء قصي بن كلاب وأخرج خزاعة من الحرم وولى البيت و غلب عليه.
6770 - 19 أبوعلي الاشعري، عن محمد بن عبدالجبار قال: أخبرني محمد بن إسماعيل

___________________________________
(1) في القاموس: جرهم كقنفذ حى من اليمن تزوج فيهم اسماعيل عليه السلام.
(2) في النهاية ومن اسماء مكة: البساسة سميت بها لانها تحطم من أخطأ فيها، والبس: الحطم ويروى بالنون من النس اى الطرد. وفى القاموس والبساسة: مكة شرفها الله تعالى.
(3) الرحم بالضم: الرحمة ومن اسماء مكة ام رحم أى اصل الرحمة. (النهاية)
(4) الرعاف في اكثر النسخ بالراء والعين المهملتين والفاء وربما يقرء بالزاى المعجمة والعين المهملة يقال: زعاف أى سريع فيكون كناية عن الطاعون وقيل: يحتمل أن يكون بالزاى والقاف.
والزغاق كغراب: الماء المر الغليظ لايطاق شربه.
وقال الفيروز آبادى: النملة: قروح في الجنب كالنمل وبثرة تخرج في الجسد بالتهاب واحتراق ويرم مكانها يسيرا ويدب إلى موضع كالنملة وسببها صفراء حادة تخرج من افواه العروق.
(5) سيل أتى هو بالتشديد على وزن فعيل: سيل جاء‌ك ولم يصبك مطره والسيل الاتى: الغريب.(آت)
[*]

[212]


عن علي بن النعمان، عن سعيد الاعرج، عن أبي عبدالله (ع) قال: إن العرب لم يزالوا على شئ من الحنيفية يصلون الرحم ويقرون الضيف ويحجون البيت ويقولون: اتقوا مال اليتيم فإن مال اليتيم عقال(1) ويكفون عن أشياء من المحارم مخافة العقوبة و كانوا لايملى لهم إذا انتهكوا المحارم وكانوا يأخذون من لحاء شجر الحرم(2) فيعلقونه في أعناق الابل فلايجترئ أحدأن يأخذ من تلك الابل حيثما ذهبت ولايجترئ أحد أن يعلق من غير لحاء شجر الحرم، أيهم فعل ذلك عوقب وأما اليوم فأملى لهم ولقد جاء أهل الشام(3) فنصبوا المنجنيق على أبي قبيس فبعث الله عليهم سحابة كجناح الطير فأمطرت عليهم صاعقة فأحرقت سبعين رجلا حول المنجنيق.

___________________________________
(1) اى يصير سببا لعدم تيسر الامور وانسداد ابواب الرزق والعقال معروف. (آت)
(2) " لايملى لهم " قال الجوهرى: أملى الله لهم اى أمهله وطول له.
واللحاء ممدودا ومقصورا: ما على العود من القشر. (آت)
(3) كان المراد باهل الشام اصحاب الحجاج حيث نصبوا المنجنيق لهدم الكعبة على ابن الزبير أى مع أنه أملى لهم لم تكن تلك الواقعة خالية عن العقوبة وهذا غريب لم ينقل في غير هذا الخبر ويحتمل أن يكون اشارة إلى واقعة اخرى لم ينقل وان كان أبعد. (آت)