كتاب الحج .. باب بدء الحجر والعلة في استلامه

16729 حدثني علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه ; ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل ابن شاذان جميعا، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله (ع) قال: إن الله تبارك وتعالى لما أخذ مواثيق العباد أمر الحجر فالتقمها(1) ولذلك يقال: أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة.
26730 عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبدالله بن بكير، عن الحلبي قال: قلت لابي عبدالله (ع): لم جعل استلام الحجر؟ فقال: إن الله عزوجل حيث أخذ ميثاق بني آدم دعا الحجر من الجنة فأمره فالتقم الميثاق فهو يشهد لمن وافاه بالموافاة.
36731 محمد بن يحيى ; وغيره، عن محمد بن أحمد، عن موسى بن عمر، عن ابن سنان، عن أبي سعيد القماط، عن بكير بن أعين قال: سألت أبا عبدالله (ع) لاي علة وضع الله الحجر في الركن الذي هو فيه ولم يوضع في غيره ولاي علة تقبل ولاي علة اخرج من الجنة؟ ولاي علة وضع ميثاق العباد والعهد فيه ولم يوضع في غيره؟ وكيف السبب في ذلك؟ تخبرنى جعلني الله فداك فإن تفكري فيه لعجب، قال: فقال سألت وأعضلت في المسألة(2) واستقصيت فافهم الجواب وفرغ قلبك واصغ سمعك أخبرك إن شاء الله

___________________________________
(1) كناية عن ضبطه وحفظه لها.
(2) اى جئت بمسألة معضلة مشكلة. (آت)
[*]

[185]


إن الله تبارك وتعالى وضع الحجر الاسود وهى جوهرة اخرجت من الجنة إلى آدم (ع) فوضعت في ذلك الركن لعلة الميثاق وذلك أنه لما اخذ من بني آدم من ظهورهم ذريتهم حين أخذ الله عليهم الميثاق في ذلك المكان وفي ذلك المكان ترائى(1) لهم ومن ذلك المكان يهبط الطير على القائم (ع) فأول من يبايعه ذلك الطائر وهو والله جبرئيل (ع) وإلى ذلك المقام يسند القائم ظهره وهو الحجة والدليل على القائم وهو الشاهد لمن وافا

[ه]

في ذلك المكان والشاهد على من أدى إليه الميثاق والعهد الذي أخذ الله عزوجل على العباد.
وأما القبلة والاستلام فلعلة العهد تجديدا لذلك العهد والميثاق وتجديدا للبيعة ليؤدوا إليه العهد الذي أخذالله عليهم في الميثاق فيأتوه في كل سنة ويؤدوا إليه ذلك العهد والامانة اللذين اخذا عليهم، ألا ترى أنك تقول: أمانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة ووالله ما يؤدي ذلك أحد غير شيعتنا ولا حفظ ذلك العهد والميثاق أحد غير شيعتنا وإنهم ليأتوه فيعرفهم ويصدقهم ويأتيه غيرهم فينكرهم ويكذبهم و ذلك أنه لم يحفظ ذلك غيركم فلكم والله يشهد وعليهم والله يشهد بالخفر والجحود(2) والكفر وهو الحجة البالغة من الله عليهم يوم القيامة يجيئ وله لسان ناطق وعينان في صورته الاولى يعرفه الخلق ولا ينكره، يشهد لمن وافاه وجدد العهد والميثاق عنده، بحفظ العهد والميثاق وأداء الامانة ويشهد على كل من أنكر وجحد ونسي الميثاق بالكفر والانكار.
فأما علة ما أخرجه الله من الجنة فهل تدري ما كان الحجر؟ قلت: لا قال كان ملكا من عظماء الملائكة عند الله فلما أخذ الله من الملائكة الميثاق كان أول من آمن به وأقر ذلك الملك فاتخذه الله أمينا على جميع خلقه فألقمه الميثاق وأودعه عنده واستعبد الخلق أن يجددوا عنده في كل سنة الاقرار بالميثاق والعهد الذي أخذ الله عزوجل عليهم، ثم جعله الله مع آدم في الجنة يذكره الميثاق ويجدد عنده الاقرار في كل سنة

___________________________________
(1) أى ظهر لهم حتى رأوه.
(2) الخفر بالخاء المعجمة والراء: نقض العهد والغدر. (في)
[*]

[186]


فلما عصى آدم واخرج من الجنة أنساه الله العهد والميثاق الذي أخذه الله عليه وعلى ولده لمحمد صلى الله عليه وآله ولوصيه (ع) وجعله تائها حيرانا،(1) فلماتاب الله على آدم حول ذلك الملك في صورة درة بيضاء فرماه من الجنة إلى آدم (ع) وهو بأرض الهند فلما نظر إليه آنس إليه وهو لا يعرفه بأكثر من أنه جوهرة وأنطقه الله عزوجل فقال له: يا آدم أتعرفني؟ قال: لا، قال: أجل استحوذ عليك الشيطان فأنساك(2) ذكر ربك ثم تحول إلى صورته التي كان مع آدم في الجنة فقال لآدم: أين العهد والميثاق فوثب إليه آدم وذكر الميثاق وبكى وخضع له وقبله وجدد الاقرار بالعهد والميثاق ثم حوله الله عزوجل إلى جوهرة الحجر درة بيضاء صافية تضيئ فحمله آدم (ع) على عاتقه إجلالا له وتعظيما فكان إذا أعيا حمله عنه جبرئيل (ع) حتى وافا به مكة فما زال يأنس به بمكة ويجدد الاقرار له كل يوم وليلة ثم إن الله عزوجل لما بنى الكعبة وضع الحجر في ذلك المكان لانه تبارك وتعالى حين أخذ الميثاق من ولد آدم أخذه في ذلك المكان وفي ذلك المكان ألقم الملك الميثاق ولذلك وضع في ذلك الركن ونحى آدم من مكان البيت إلى الصفا وحوا إلى المروة ووضع الحجر في ذلك الركن فلما نظر آدم من الصفا وقد وضع الحجر في الركن كبر الله وهلله ومجده فلذلك جرت السنة بالتكبير واستقبال الركن الذي فيه الحجر من الصفا فإن الله أودعه الميثاق والعهد دون غيره من الملائكة لان الله عزوجل لما أخذ الميثاق له بالربوبية و لمحمدصلى الله عليه وآله بالنبوة ولعلي (ع) بالوصية اصطكت فرائص الملائكة(3) فأول من أسرع إلى الاقرار ذلك الملك لم يكن فيهم أشد حبا لمحمد وآل محمد صلى الله عليه وآله منه و لذلك اختاره الله من بينهم وألقمه الميثاق وهو يجيئ يوم القيامة وله لسان ناطق وعين ناظرة يشهد لكل من وافاه إلى ذلك المكان وحفظ الميثاق.

___________________________________
(1) التائه: المتحير.
(2) من لايجوز الانساء على الانبياء يأول النسيان على الترك. (آت)
(3) اصطكت أى ارتعدت والفريصة بالمهملتين: اللحمة بين الجنب والكتف. (في) وقال في القاموس: اصطكت: اضطربت. وقال: الفريس: أوداج العنق.
وقال المجلسى رحمه الله: اما سبب اصطكاك فرائصهم فقيل كان ذلك لعلمهم بانكار من ينكره من البشرو الظاهر انه كان للدهشة وعظم الامرو تأكيد الفرض وخوف أن لايأتوا في ذلك بما ينبغى.
[*]