باب ذم الدنيا والزهد فيها

1 محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن الهيثم ابن واقد الحريري، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: من زهد في الدنيا أثبت الله الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه وبصره عيوب الدنيا داء ها ودواء ها وأخرجه من الدنيا سالما إلى دار السلام.
2 علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعلي بن محمد القاساني، جميعا، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سمعته يقول: جعل الخير كله في بيت وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لايجد الرجل حلاوة الايمان في قلبه حتى لايبالي من أكل الدنيا ثم قال: أبوعبدالله عليه السلام: حرام على قلوبكم أن تعرف حلاوة الايمان حتى تزهد في الدنيا(1).
3 علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن أبي أيوب الخزاز عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام إن من أعون الاخلاق على الدين الزهد في الدنيا.
4 علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعلي بن محمد، عن القاسم بن محمد، عن سليمان ابن داود المنقري، عن علي بن هاشم بن البريد، عن أبيه أن رجلا سأل علي بن الحسين عليهما السلام عن الزهد، فقال: عشرة أشياء، فأعلى درجة الزهد أدنى درجة الورع وأعلى درجة الورع أدنى درجة اليقين وأعلى درجة اليقين أدنى درجة الرضا، ألا وإن الزهد في آية من كتاب الله عزوجل: " لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم(2) ".

___________________________________
(1) لظهور أن الاشتغال بالدنيا وصرف الفكر في طرق تحصيلها ووجه ضبطها ورفع موانعها مانع عظيم من تفرغ القلب للامور الدينية وتفكره فيها وطلب أمر الاخرة (لح).
(2) الحديد: 23.اصول الكافي 8 [*]

[129]


5 وبهذا الاسناد، عن المنقري، عن سفيان بن عيينة قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام وهو يقول: كل قلب فيه شك أو شرك فهو ساقط وإنما أرادوا بالزهد في الدنيا لتفرغ قلوبهم للآخرة.
6 علي، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال امير المؤمنين عليه السلام: إن علامة الراغب في ثواب الآخرة زهده في عاجل زهرة الدنيا، أما إن زهد الزاهد في هذه الدنيا لاينقصه مما قسم الله عزوجل له فيها وإن زهد ; وإن حرص الحريص على عاجل زهرة [الحياة] الدنيا لا يزيده فيها وإن حرص، فالمغبون من حرم حظه من الآخرة.
7 محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن يحيى الخثعمي، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: ما أعجب رسول الله صلى الله عليه وآله شئ من الدنيا إلا أن يكون فيها جائعا خائفا.
8 عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: خرج النبي صلى الله عليه وآله وهو محزون فأتاه ملك ومعه مفاتيح خزائن الارض، فقال: يا محمد هده مفاتيح خزائن الارض يقول لك ربك: افتح وخذمنها ما شئت من غير أن تنقص شيئا عندي، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: الدنيا دار من لا دارله(1) ولها يجمع من لاعقل له، فقال الملك: والذي بعثك بالحق نبيا لقد سمعت هذا الكلام من ملك يقوله في السماء الرابعة، حين اعطيت المفاتيح.
9 علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: مر رسول الله صلى الله عليه وآله بجدي أسك(2) ملقى على مزبلة ميتا، فقال لاصحابه: كم يساوي هذا؟ فقالوا لعله لوكان حيا لم يساو درهما، فقال النبي صلى الله عليه وآله: والذي نفسي بيده للدنيا أهون على الله من هذا الجدي على أهله(3).

___________________________________
(1) لعل المراد أن الدنيا دار من لا دار له غيرها وليس له في الاخرة نصيب
(2) الجدى: ولد المعز في السنة الاولى. وأسك أى مصطلم الاذنين مقطوعهما.
(3) الغرض من هذا السؤال تقريرهم على أنه خبيث لا قيمة له، فهم أقروا بذلك فقالوا: [*]

[130]


0 1 علي بن إبراهيم، عن علي بن محمد القاساني، عمن ذكره، عن عبدالله بن القاسم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إذا أراد الله بعبد خيرا زهده في الدنيا وفقهه في الدين وبصره عيوبها(1) ومن اوتيهن فقد اوتي خير الدنيا والآخرة ; وقال: لم يطلب أحد الحق بباب أفضل من الزهد في الدنيا وهو ضد لماطلب أعداء الحق، قلت: جعلت فداك مماذا(2)؟ قال: من الرغبة فيها، وقال: الا من صبار كريم، فانماهي أيام قلائل، ألا إنه حرام عليكم أن تجدوا طعم الايمان حتى تزهدوا في الدنيا.
قال: وسمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: إذا تخلى المؤمن من الدنيا سما(3) و وجد حلاوة حب الله وكان عند أهل الدنيا كأنه قد خولط(4) وإنما خالط القوم حلاوة حب الله، فلم يشتغلوا بغيره.
قال: وسمعته يقول: إن القلب إذا صفا ضاقت به الارض حتى يسمو.
11 علي، [عن أبيه]، عن علي بن محمد القاساني، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري، عن عبدالرزاق بن همام، عن معمر بن راشد، عن الزهري محمد بن مسلم بن شهاب قال: سئل علي بن الحسين عليهما السلام أي الاعمال أفضل عند الله عزوجل؟ فقال: ما من عمل بعد معرفة الله عزوجل ومعرفة رسوله صلى الله عليه وآله أفضل من بغض الدنيا، وإن لذلك لشعبا كثيرة(5) وللمعاصي شعبا، فأول ماعصي الله به الكبر وهي معصية إبليس حين أبى واستكبر وكان من الكافرين ; الحرص وهي لو كان حيا لم يساودرهما فهو على هذه الحالة الكريهة غير مرغوب لاحد فلا قيمة له: فالغرض من هذا التقرير تنفيرهم عن الدنيا بتشبيههابه وتفضيلها عليه في الهون والخبث (لح).

____________________________________________
(1) أى عيوب الدنيا. " ومن اوتيهن " أى تلك الخصال الثلاث. وفيه اشعار بأنها لا تتيسر إلا بتوفيق الله تعالى (آت).
(2) أى مما ذا طلب أعداء الحق مطلوبهم. وقوله: " الا من صبار كريم " إستثناء من الرغبة يعني إلا أن يكون الرغبة فيها من صبار كريم فانها لا تضره لانه يزوى نفسه عنها ويزوها عن نفسه ويحتمل أن يكون الهمزة استفهامية ولا نافية ومن مزيدة والمعنى ألا يوجد صبار كريم النفس يصبر على الدنيا ويزهد فيها. " وإنما هى أيام قلائل " هو ترغيب في الزهد ويسهيل لتحصيله (في)
(3) من السمو: العلو والارتفاع.
(4) خولط أى أفسد عقله بما خالطه من المفسدة (في)
(5) " إن لذلك " أى بغض الدنيا " لشعبا " أى من الصفات الحسنة والاعمال الصالحة وهى ضد شعب المعاصي. (آت) [*]

[131]


معصية آدم وحوا(1) حين قال الله عزوجل لهما: " كلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين(2) " فأخذا مالا حاجة بهما إليه فدخل ذلك(3) على ذريتهما إلى يوم القيامة وذلك أن أكثر ما يطلب ابن آدم مالاحاجة به إليه، ثم الحسد وهي معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله، فتشعب من ذلك حب النساء وحب الدنيا وحب الرئاسة وحب الراحة وحب الكلام وحب العلو والثروة، فصرن سبع خصال، فاجتمعن كلهن في حب الدنيا، فقال الانبياء والعلماء بعد معرفة ذلك: حب الدنيا رأس كل خطيئة، والدنيا دنيا آن: دنيا بلاغ ودنيا ملعونة(4).
12 علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، ابن بكير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن في طلب الدنيا إضرارا بالاخرة و في طلب الآخرة إضرارا بالدنيا، فأضروا بالدنيا فإنها أولى بالاضرار(5).
13 محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن أبي أيوب الخزاز، عن أبي عبيدة الحذاء قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: حدثني بما أنتفع به فقال: يا أبا عبيدة أكثر ذكر الموت، فإنه لم يكثر إنسان ذكر الموت إلا زهد في الدنيا.
14 عنه، عن علي بن الحكم، عن الحكم بن أيمن، عن داود الابزاري قال: قال أبو جعفر عليه السلام: ملك ينادي كل يوم: ابن آدم لد للموت واجمع للفناء وابن للخراب(6).
15 عنه، عن علي بن الحكم، عن عمر بن أبان، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال علي بن الحسين صلوات الله عليهما: إن الدنيا قدارتحلت مدبرة، وإن الآخرة قدارتحلت مقبلة(7)، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة،

___________________________________
(1) " هى معصية آدم " عند الامامية مجاز والنهى عندهم تنزيه. (آت)
(2) البقرة: 35.
(3) أى الحرص. أو أخذ مالا حاجة به. (آت)
(4) أى بقدر الضرورة. أو بقدر ما يبلغ به إلى الاخرة ويحصل به مرضات الرب.
(5) يومى إلى أن المذموم من الدنيا ما يضر بأمر الاخرة، فاما ما لايضر به كقدر الحاجة في البقاء والتعيش فليس بمذموم (آت وفى بعض النسخ [أحق بالاضرار].
(6) في النهج كذا " لدوا للموت واجمعوا للفناء وابنوا للخراب ".
(7) كذا.
[*]

[132]


ولا تكونوا من أبناء الدنيا، [ألا] وكونوا من الزاهدين في الدنيا الراغبين في الآخرة.
ألا إن الزاهدين في الدنيا اتخذوا الارض بساطا، والتراب فراشا، والماء طيبا، وقرضوا من الدنيا تقريضا(1).
ألا ومن اشتاق إلى الجنة سلا عن الشهوات، ومن أشفق من النار رجع عن المحرمات(2) ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصائب.
ألا إن لله عبادا كمن رأى اهل الجنة في الجنة مخلدين، وكمن رأى أهل النار في النار معذبين، شرورهم مأمونة، وقلوبهم محزونة، أنفسهم عفيفة، وحوائجهم خفيفة، صبروا أياما قليلة، فصاروا بعقبى راحة طويلة أما الليل فصافون أقدامهم تجري دموعهم على خدودهم(3) وهم يجأرون إلى ربهم، يسعون في فكاك رقابهم، وأما النهار فحلماء، علماء، بررة، أتقياء، كأنهم القداح قد براهم(4) الخوف من العبادة، ينظر إليهم الناظر فيقول: مرضى وما بالقوم من مرض أم خولطو(5) فقد خالط القوم أمر عظيم ; من ذكر النار وما فيها.
16 عنه، عن علي بن الحكم، عن أبي عبدالله المؤمن، عن جابر قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام فقال: يا جابر والله إني لمحزون، وإني لمشغول القلب، قلت: جعلت فداك وما شغلك؟ وما حزن قلبك؟ فقال: يا جابر إنه من دخل قلبه صافي

___________________________________
(1) القرض: القطع أى قطعوا أنفسهم من الدنيا تقطيعا باقلاع قلوبهم عنها (في).
(2) في بعض النسخ [عن الحرمات]. جمع الحرمة كالغرفات جمع الغرفة.
(3) أى يتضرعون. جأر إلى الله أى تضرع.
(4) القداح بالكسر: السهم بلا ريش ولا نصل، شبههم في نحافة ابدانهم بالاسهم، ثم ذكر ما يستعمل في السهم أعنى البرى وهو النحت من العبادة أى من كثرتها إن تعلق بقوله: " كأنهم القداح " أو من قلتها إن تعلق بالخوف (في).
(5) قوله: " أم خولطوا " أى أو يقول: خولطوا ويحتمل أن يكون قوله: " مرضى " على الاستفهام وقوله: " أم خولطوا " معادلاله من كلام الناظر فاعترض جوابه عليه السلام بين أجزاء كلامه والحاصل أنهم لما كانوا لشدة اشتغالهم بحب الله وعبادته واعتزالهم عن عامة الخلق ومباينة أطوارهم لاطوارهم وأقوالهم لاقوالهم ويسمعون منهم ما هو فوق إدراكهم وعقولهم فتارة ينسبونهم إلى المرض الروحانى وهو الجنون واختلاط العقل بما يفسده وتارة إلى المرض الجسمانى فأجاب عن الاول بالنفى المطلق وعن الثانى بأن المخالطة متحققة لكن لا بما يفسده العقل بل بما يكمله من خوف النار وحب الملك الغفار (آت).
[*]

[133]


خالص دين الله شغل قلبه عما سواه ; يا جابر ما الدنيا وما عسى أن تكون الدنيا هل هي إلا طعام أكلته أو ثوب لبسته أو امرأة أصبتها؟ !.
ياجابر إن المؤمنين لم يطمئنوا إلى الدنيا ببقائهم فيها ولم يأمنوا قدومهم الآخرة ; يا جابر الآخرة دار قرار، والدنيا دار فناء وزوال ولكن أهل الدنيا أهل غفلة وكأن المؤمنين هم الفقهاء أهل فكرة وعبرة، لم يصمهم عن ذكر الله جل اسمه ما سمعوا بآذانهم، ولم يعمهم عن ذكر الله ما رأوا من الزينة بأعينهم ففازوا بثواب الآخرة، كما فازوا بذلك العلم.
واعلم يا جابر أهل التقوى أيسر أهل الدنيا مؤونة وأكثر هم لك معونة، تذكر فيعينونك وإن نسيت ذكروك(1)، قوالون بأمر الله قوامون على أمر الله، قطعوا محبتهم بمحبة ربهم ووحشوا الدنيا لطاعة مليكهم ونظروا إلى الله عزوجل وإلى محبته بقلوبهم وعلموا أن ذلك هو المنظور إليه، لعظيم شأنه، فأنزل الدنيا كمنزل نزلته ثم ارتحلت عنه، أو كمال وجدته في منامك فاستيقظت وليس معك منه شئ، إني [إنما] ضربت لك هذا مثلا، لانها عند أهل اللب والعلم بالله كفيئ الظلال ; يا جابر فاحفظ ما استر عاك الله(2) عزوجل من دينه وحكمته ولا تسألن عما لك عنده إلا ماله عند نفسك، فإن تكن الدنيا على غير ما وصفت لك فتحول إلى دار المستعتب(3)، فلعمري لرب حريص على أمر قد شقي به حين أتاه ولرب كاره لامر قد سعد به حين أتاه، وذلك قول الله عزوجل: " وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق

___________________________________
(1) أى كنت ذاكرالله وطاعته فهم يعينونك وإن كنت ناسيا لهماذكروك (لح).
(2) الاسترعاء طلب الرعاية ولعل المراد بقوله: " لا تسألن عما لك عنده " انك لاتحتاج إلى أحد تسأله عن ثوابك عندالله إذ ليس ذلك إلا بقدر ماله عند نفسك أعنى بقدر رعايتك دينه و حكمته فاجعله المسؤول وتعرف ذلك منه أوالمراد لا تسأل عن ذلك بل سل عن هذا فانك انما تفوز بذلك بقدر رعايتك هذا أى تكن الدنيا عندك على غير ماوصفت لك فتكون تطمئن إليها فعليك أن تتحول فيها إلى دار ترضى فيها ربك يعنى أن تكون في الدنيا ببدنك وفى الاخرة بروحك، تسعى في فكاك رقبتك وتحصيل رضا ربك عنك حتى يأتيك الموت. وهذا الحديث مما ذكره الحسن بن على بن شعبة في تحف العقول ولم يذكر فيه لفظة " غير " وعلى هذا فلا حاجة إلى التكلف في معناه (في).
(3) في الحديث " لايكون بعد الموت من مستعتب " أى ليس بعد الموت من استرضاء.
[*]

[134]


الكافرين(1) ".
17 عنه، عن علي بن الحكم، عن موسى بن بكر، عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: قال أبوذر رحمه الله جزى الله الدنيا عني مذمة بعد رغيفين من الشعير أتغدى بأحدهما وأتعشى بالآخر وبعد شملتي الصوف أتزر بإحداهما وأتردى بالاخرى.
18 وعنه، عن علي بن الحكم، عن المثنى، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: كان أبوذر رضي الله عنه يقول في خطبته: يا مبتغي العلم كأن شيئا من الدنيا لم يكن شيئا إلا ما ينفع خيره ويضر شره إلا من رحم الله(2) ; يا مبتغي العلم لايشغلك أهل ولا مال عن نفسك، أنت يوم تفارقهم كضيف بت فيهم ثم غدوت عنهم إلى غيرهم، والدنيا والآخرة كمنزل تحولت منه إلى غيره وما بين الموت والبعث إلا كنومة نمتها ثم استيقظت منها ; يا مبتغي العلم قدم لمقامك بين يدي الله عزوجل، فإنك مثاب بعملك كما تدين تدان يا مبتغي العلم.
19 عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: مالي وللدنيا(3) إنما مثلي ومثلها كمثل الراكب رفعت له شجرة في يوم صائف فقال تحتها(4) ثم راح وتركها.
20 علي بن إبراهيم، عن محمدبن عيسى، عن يحيى بن عقبة الازدي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال أبوجعفر عليه السلام: مثل الحريص على الدنيا كمثل دودة القز، كلما ازدادت على نفسها لفا كان أبعدلها من الخروج حتى تموت غما، قال: وقال أبوعبدالله عليه السلام: كان فيما وعظ به لقمان ابنه: يا بني إن الناس قد جمعوا قبلك لاولادهم فلم يبق ما جمعوا ولم يبق من جمعوا له ; وإنما أنت عبد مستأجرقد

___________________________________
(1) آل عمران: 141 والتمحيص ; الابتلاء والامتحان. والمحق: المحو والبطلان.
(2) " إلا " في قوله: " إلا ماينفع " كلمة استثناء وما موصولة فالمعنى أن مايتصور في هذه الدنيا إما شئ ينفع خيره أو شئ يضر شره إلا من رحم الله أو كل شئ في الدنيا له جهة نفع وجهة ضر لكل الناس الا من رحم الله فيوفقه للاحتراز عن جهة شره.
(3) في بعض النسخ [ما أنا والدنيا].
(4) يوم صائف: يوم حار وقوله: " فقال تحتها " من القيلولة أى الاستراحة.
[*]

[135]


امرت بعمل ووعدت عليه أجرافأوف عملك واستوف أجرك ولا تكن في هذه الدنيا بمنزلة شاة وقعت في ذرع أخضر فأكلت حتى سمن فكان حتفها(1) عند سمنها ولكن اجعل الدنيا بمنزلة قنطرة على نهر جزت عليها وتركتها ولم ترجع إليها آخر الدهر.
أخربها ولا تعمرها(2)، فإنك لم تؤمر بعمارتها.
واعلم أنك ستسأل غدا إذا وقفت بين يدي الله عزوجل عن أربع: شبابك فيما أبليته(3) وعمركم فيما أفنيته، وما لك مما اكتسبته وفيما أنفقته، فتأهب لذلك وأعد له جوابا، ولا تأس على ما فاتك من الدنيا، فإن قليل الدنيا لايدوم بقاؤه وكثيرها لا يؤمن بلاؤه، فخذ حذرك وجد في أمرك، واكشف الغطاء عن وجهك و تعرض لمعروف ربك وجدد التوبة في قلبك واكمش(4) في فراغك قبل أن يقصد قصدك(5) ويقضى قضاؤك ويحال بينك وبين ماتريد.
21 علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن بعض أصحابه، عن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: فيما ناجى الله عزوجل به موسى عليه السلام يا موسى لا تركن إلى الدنيا ركون الظالمين وركون من اتخذها أبا واما(6) يا موسى لووكلتك إلى نفسك لتنظر لها إذا لغلب عليك حب الدنيا وزهرتها، يا موسى نافس(7) في الخير أهله واستبقهم إليه، فإن الخير كاسمه واترك من الدنيا ما بك الغنى عنه ولا تنظر عينك إلى كل مفتون بها وموكل إلى نفسه ; واعلم أن كل فتنة بدؤها حب الدنيا ولا تغبط أحدا بكثرة المال فان مع كثرة المال تكثر الذنوب لواجب الحقوق، ولا تغبطن أحدا برضى الناس عنه، حتى تعلم أن الله راض عنه ولا تغبطن مخلوقا بطاعة الناس له، فإن طاعة الناس له واتباعهم إياه على غير

___________________________________
(1) " حتفها " أى هلاكها. وسمن يسمن سمنا: كثر شحمه.
(2) " أخربها " أى دعها خرابا بترك مالا يحتاج إليه.
(3) البالى هو الذى استعمل حتى أشرف على الاندراس.
(4) الكمش: السعى. أى أسرع وعجل.
(5) " قصدك " أى نحوك، كناية عن توجه ملك الموت إليه لقبض روحه أو توجه الامراض والبلايا من الله إليه.
(6) أى: فيغدو ويروح إليها متحننا.
(7) من المنافسة وهى الرغبة في الشئ والانفراد به.
[*]

[136]


الحق هلاك له ولمن اتبعه.
22 علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبدالله بن المغيرة، عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن في كتاب علي صلوات الله عليه: إنما مثل الدنيا كمثل الحية ما ألين مسها وفي جوفها السم الناقع يحذرها الرجل العاقل، و يهوى إليها الصبي الجاهل.
23 علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس ; عن أبي جميلة قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى بعض أصحابه يعظه: اوصيك ونفسي بتقوى من لا تحل معصيته ولا يرجى غيره، ولا الغنى إلا به، فإن من اتقى الله عزوجل وقوي وشبع وروي، ورفع عقله عن أهل الدنيا، فبدنه مع أهل الدنيا وقلبه وعقله معاين الآخرة، فأطفأ بضوء قلبه ما أبصرت عيناه من حب الدنيا فقذر حرامها وجانب شبهاتها وأضر والله بالحلال الصافي إلا مالا بدله من كسرة(1) [منه] يشد بها صلبه وثوب يواري به عورته، من أغلظما يجدوأخشنه، ولم يكن له فيما لا بد له منه ثقة ولا رجاء، فوقعت ثقته ورجاؤه على خالق الاشياء، فجد واجتهدو أتعب بدنه حتى بدت الاضلاع وغارت العينان فأبدل الله له من ذلك قوة في بدنه وشدة في عقله وما ذخر له في الآخرة أكثر، فارفض الدنيا فإن حب الدنيا يعمي ويصم ويبكم ويذل الرقاب، فتدارك ما بقي من عمرك ولا تقل غدا [أ] وبعد غد، فإنما هلك من كان قبلك بإقامتهم على الاماني والتسويف حتى أتاهم أمر الله بغتة وهم غافلون، فنقلوا على أعوادهم إلى قبورهم المظلمة الضيقة وقد أسلمهم الاولاد والاهلون، فانقطع إلى الله بقلب منيب، من رفص الدنيا وعزم(2) ليس فيه انكسار ولاانخزال(3) أعاننا الله وإياك على طاعته ووفقنا الله وإياك لمرضاته.
24 علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبدالله بن المغيرة وغيره، عن طلحة بن زيد، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: مثل الدنيا كمثل ماء البحر كلما شرب منه العطشان ازداد عطشا حتى يقتله.

___________________________________
(1) الكسر بالكسر: القطعة من الشئ المكسور والجمع كسر مثل قطعة وقطع والمراد كسرة من الخبز.
(2) عطف على قلب.
(3) الانخزال: الانقطاع.
[*]

[137]


25 الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: قالعيسى بن مريم صلوات الله عليه للحواريين: يا بني إسرائيل لا تأسوا على ما فاتكم من الدنيا كما لا يأسى(1) أهل الدنيا على مافاتهم من دينهم إذا أصابوا دنياهم.
باب(2)
1 الحسين بن محمد الاشعري، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن عاصم بن حميد، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله عزوجل يقول: وعزتي وجلالي وعظمتي وعلوي وارتفاع مكاني، لا يؤثر عبد هواي على هوى نفسه إلا كففت عليه ضيعته وضمنت السماوات والارض(3) رزقه وكنت له من وراء تجارة كل تاجر(4).
2 محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن العلاء بن رزين، عن ابن سنان، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال الله عزوجل: وعزتي وجلالى وعظمتي وبهائي وعلو ارتفاعي لا يؤثر عبد مؤمن هواي على هواه في شئ من أمر الدنيا إلا جعلت غناه في نفسه وهمته في آخرته وضمنت السماوات والارض رزقه وكنت له من وراء تجارة كل تاجر.

_____________________________
(1) الاسى: الحزن على فوت الفائت (آت).
(2) إنما لم يعنون هذاالباب لانه قريب من الباب الاول فكأنه داخل في عنوانه لانه فيه المنع عن إيثار هوى الانفس وشهواتها على رضا الله تعالى وليس هذا الايثار إلا لحب الدنيا وشهواتها ولكن لما لم يذكر في الخبرين ذكر الدنيا صريحا أفرد لهما بابا وألحقه بالباب السابق. (آت)
(3) " ضمنت " على صيغة المتكلم من باب التفعيل أى جعلت السماوات والارض ضامنتين لرزقه، كناية عن تسبب الاسباب السماوية والارضية (آت).
(4) أى كنت له عوضا من تجارة كل تاجر يتجر لمنفعة دنيوية أو اخروية ولما أعرض عن جميع ذلك كنت اناربح تجارته أو كنت له بعد حصول تجارة كل تاجر.