باب التواضع

1 علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: أرسل النجاشي إلى جعفر بن أبي طالب(1) واصحأبه فدخلوا عليه وهو في بيت له جالس على التراب وعليه خلقان الثياب(2) قال: فقال جعفرعليه السلام: فأشفقنا منه حين رأيناه على تلك الحال، فلما رأى مابنا وتغير وجوهنا قال: الحمد لله الذي نصر محمدا وأقر عينه، ألا ابشركم؟ فقلت: بلى أيهاالملك، فقال: إنه جاء ني الساعة من نحوأرضكم عين من عيوني هناك فأخبر ني أن الله عزوجل قد نصر نبيه محمدا صلى الله عليه وآله وأهلك عدوه واسر فلان وفلان وفلان التقوا بواد يقال له: بدر كثير الاراك لكأني أنظر إليه(3) حيث كنت أرعى لسيدي هناك وهو رجل من بني ضمرة فقال له جعفر: أيها الملك فمالي أراك جالسا على التراب وعليك هذه الخلقان؟ فقال له: يا جعفر إنا نجد فيما أنزل الله على عيسى عليه السلام أن من حق الله على عباده أن يحدثوا له تواضعا عندما يحدث لهم من نعمة فلما أحدث الله عزوجل لي نعمة بمحمد صلى الله عليه وآله أحدثت لله هذا التواضع فلما بلغ النبي صلى الله عليه وآله قال لاصحابه: إن الصدقة تزيد صاحبها كثرة فتصدقوا يرحمكم الله، وإن التواضع يزيد صاحبه رفعه، فتواضعوا يرفعكم الله، وإن العفو يزيد صاحبه عزا، فاعفوا يعزكم الله.

___________________________________
(1) النجاشى بفتح النون وتخفيف الجيم وبالشين المعجمة لقب ملك الحبشة والمراد هنا الذي أسلم وآمن بالنبى صلى الله عليه واله وإسمه اصحمة بن بحر، أسلم قبل الفتح ومات قبله صلى الله عليه واله لما جاء خبر موته.
وجعفر بن أبى طالب هو أخو أمير المؤمنين عليه السلام وكان أكبر منه بعشر سنين وهو من كبار الصحابة ومن الشهداء الاولين هو صاحب الهجرتين هجرة الحبشة وهجرة المدينة واستشهد يوم موته، سنة ثمان وله احدى وأربعون سنة فوجد فيما أقبل من جسده تسعون ضربة مابين طعنة برمح وضربة بسيف وقطعت يداه في الحرب فأعطاه الله جناحين يطير بهما في الجنة، فلقب ذا الجناحين (آت).
(2) ثوب خلق أى بال يستوى فيه المذكر والمؤنث لانه في الاصل مصدر الاخلق وهو الاملس والجمع خلقان.
(3) من كلام العين.
[*]

[122]


2 علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سمعته يقول: إن في السماء ملكين موكلين بالعباد، فمن تواضع لله رفعاه ومن تكبر وضعاه.
3 ابن أبي عمير، عن عبدالرحمن بن الحجاج، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: أفطر رسول الله صلى الله عليه وآله عشية خميس في مسجد قبا، فقال: هل من شراب؟ فأتاه أوس بن خولي الانصاري بعس مخيض بعسل(1) فلما وضعه على فيه نحاه، ثم قال: شرابان يكتفى بأحدهما من صاحبه، لاأشربه ولا احرمه ولكن أتواضع لله، فإن من تواضع لله رفعه الله، ومن تكبر خفضه الله، ومن اقتصد في معيشته رزقه الله، ومن بذر حرمه الله، ومن أكثر ذكر الموت أحبه الله.
4 الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن داود الحمار(2)، عن أبي عبدالله عليه السلام، مثله.
وقال: من أكثر ذكر الله أظله الله في جنته(3).
5 عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن ابن فضال، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يذكر أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وآله ملك فقال: إن الله عزوجل يخيرك أن تكون عبدا رسولا متواضعا أو ملكا رسولا، قال: فنظر إلى جبرئيل وأومأ بيده(4) أن تواضع، فقال: عبدا متواضعا، رسولا، فقال الرسول(5): مع أنه لا ينقصك مما عندربك شيئا، قال: ومعه مفاتيح خزائن الارض(6).
6 علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: من التواضع أن ترضى بالمجلس دون المجلس وأن تسلم على من تلقى وأن تترك

___________________________________
(1) العس بالضم: القدح.
مخض اللبن كنصر وضرب ونفع: أخذ زبده فهو مخيض وممخوض، وقوله: " بعسل " أى ممزوج بعسل.
(2) في بعض النسخ [الجماز]
(3) أى آواه تحت قصورها وأشجارها أو وقع عليه ظل رحمته أو أدخله في كنفه وحمايته كما يقال فلان في ظل فلان (آت).
(4) كأنه يستشيره، وهذه الجملة ومابعدها معترضة ولهذا لم يقل: " فاومأ " بالفاء.
(5) " فقال الرسول " يعنى الملك.
(6) يعنى قال أبوجعفر عليه السلام: وكان مع الملك عند تبليغ هذه الرسالة المفاتيح ويحتمل أن يكون ضمير قال راجعا إلى الملك ومفعول القول محذوفا والواوفى قوله " ومعه " للحال أى قال ذلك ومعه المفاتيح. وقيل راجع إلى الرسول أى قال صلى الله عليه واله: لا اقبل وإن كان معه المفاتيح ولا يخفى ما فيه (آت).
[*]

[123]


المراء وإن كنت محقا وأن لاتحب أن تحمد على التقوى.
7 علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن ابي عمير، عن علي بن يقطين، عمن رواه عن أبي عبدالله عليه السلام قال: أوحى الله عزوجل إلى موسى عليه السلام أن: يا موسى أتدري لم اصطفيتك بكلامي دون خلقي؟ قال: يارب ولم ذاك؟ قال: فأوحى الله تبارك وتعالى إليه أن يا موسى إني قلبت عبادي ظهرا لبطن، فلم أجد فيهم أحدا أذل لي نفسامنك، يا موسى إنك إذا صليت وضعت خدك على التراب أو قال: على الارض(1).
8 علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله عليه السلام: قال: مرعلي بن الحسين صلوات الله عليهما على المجذمين(2) وهوراكب حماره وهم يتغدون(3) فدعوه إلى الغداء، فقال: أما إني لولا أني صائم لفعلت فلما صارإلى منزله أمر بطعام، فصنع وأمر أن يتنو قوا فيه(4)، ثم دعاهم فتغدوا عنده و تغدى معهم(5).
9 عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبدالله، عن عثمان بن عيسى، عن هارون ابن خارجة، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن من التواضع أن يجلس الرجل دون شرفه.
10 عنه، عن ابن فضال ومحسن بن أحمد، عن يونس بن يعقوب قال: نظر أبوعبدالله عليه السلام إلى من أهل المدينة قداشترى لعياله شيئا وهو يحمله فلمارآه الرجل استحيى منه، فقال أبو عبدالله عليه السلام: اشتريته لعيالك وحملته إليهم أما والله لولا أهل المدينة لاحببت أن أشتري لعيالي الشئ ثم أحمله إليهم(6).
11 عنه، عن أبيه، عن عبدالله بن القاسم، عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: فيما أوحى الله عزوجل إلى داود عليه السلام ياداود كما أن أقرب الناس

___________________________________
(1) الترديد من الراوى.
(2) المجذم بفتح الذال والمجذوم: المبتلى بالجذام وهوداء يحدث من غلبة السوداء فيفسد مزاج الاعضاء
(3) في بعض النسخ [يتغذون] بالذال المعجمة في الجميع.
(4) أى يتكلفوا فيه ويعملوه لذيذا حسنا. وفى بعض النسخ [يتأنقوا].
(5) هذا ليس بصريح في الاكل معهم في إناء واحد فلا ينافى الامر بالفرار من المجذوم في قولهم: " فر من المجذوم فرارك من الاسد ".
(6) يدل على استحباب شراء الطعام للاهل وحمله إليهم وانه مع ملامة الناس الترك اولى (آت).
[*]

[124]


من الله المتواضعون كذلك أبعد الناس من الله المتكبرون.
2 1 عنه، عن أبيه، عن علي بن الحكم رفعه إلى أبي بصير قال: دخلت على أبي الحسن موسى عليه السلام في السنة التي قبض فيها أبوعبدالله عليه السلام فقلت: جعلت فداك مالك ذبحت كبشا ونحر فلان بدنة(1)؟ فقال: يا أبا محمد إن نوحا عليه السلام كان في السفينة وكان فيها ما شاء الله وكانت السفينة مأمورة فطافت بالبيت وهو طواف النساء وخلى سبيلها نوح عليه السلام، فأوحى الله عزوجل إلى الجبال أني واضع سفينة نوح عبدي على جبل منكن، فتطاولت وشمخت(2) وتواضع الجودي وهو جبل عندكم فضربت السفينة بجؤجؤها الجبل(3)، قال: فقال نوح عليه السلام عند ذلك: يا ماري اتقن، وهو بالسريانية [يا] رب أصلح، قال: فظننت أن أبا الحسن عليه السلام عرض بنفسه(4).
13 عنه، عن عدة من أصحابه(5)، عن علي بن أسباط، عن الحسن بن الجهم، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قال: التواضع أن تعطي الناس ما تحب أن تعطاه.
وفي حديث آخر قال: قلت: ما حد التواضع الذي إذا فعله العبد كان متواضعا؟ فقال: التواضع درجات منها أن يعرف المرء قدر نفسه فينزلها منزلتها بقلب سليم، لا يحب أن يأتي إلى أحد إلا مثل ما يؤتى إليه، إن رأى سيئة درأها(6) بالحسنة، كاظم الغيظ عاف عن الناس، والله يحب المحسنين.

___________________________________
(1) البدنة: الناقة أو البقرة والجمع بدن بضمتين وبدن باسكان الدال.
(2) أى ترفعت وعلت.
(3) الجؤجؤ كهدهد: الصدر.
(4) عرض بنفسه يعنى أراد بهذه الحكاية أن يتبين أنه إنما تواضع بذبح الشاة دون أن ينحر البدنة ليجبر الله تواضعه ذلك بالرفعة في قدره في الدنيا والاخرة (في).
(5) في بعض النسخ [عن عدة من أصحابنا].
(6) أى دفعها.