باب الخوف والرجاء

1 عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن حديد، عن منصور بن يونس، عن الحارث بن المغيرة، أو أبيه، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت له: ما كان في وصية لقمان؟ قال: كان فيها الاعاجيب وكان أعجب ما كان فيها أن قال لابنه: خف الله عزوجل خيفة لوجئته ببر الثقلين لعذبك وارج الله رجاء لوجئته بذنوب الثقلين لرحمك ثم قال أبوعبدالله عليه السلام: كان أبي يقول: إنه ليس من عبد مؤمن إلا [و] في قلبه نوران: نور خيفة ونور رجاء، لووزن هذا لم يزد على هذا ولو وزن هذا لم يزد على هذا.
2 محمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن يحيى بن المبارك، عن عبدالله بن

_____________________________
(4) يدل على أنه ينبغى أن يكون الخوف والرجاء كلاهما كاملين في النفس ولاتنافى بينهما فان ملاحظة سعة رحمة الله وغنائه وجوده ولطفه على عباده سبب الرجاء والنظر إلى شدة بأس الله وبطشه وما أوعد العاصين من عباده موجب للخوف مع أن أسباب الخوف ترجع إلى نقص العبد وتقصيره وسوء أعماله عن الوصول إلى مراتب القرب والوصال وانهماكه فيما يوجب الخسران والوبال وأسباب الرجاء تؤول إلى لطف الله ورحمته وعفوه وغفرانه ووفور إحسانه، وكل منهما في أعلى مدارج الكمال (آت).
[*]

[68]


جبلة، عن إسحاق بن عمار قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: يا إسحاق خف الله كأنك تراه وإن كنت لاتراه فإنه يراك(1)، فإن كنت ترى أنه لا يراك فقد كفرت، وإن كنت تعلم أنه يراك ثم برزت له بالمعصية، فقد جعلته من أهون الناظرين عليك(2).
3 محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن الهيثم بن واقد قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: من خاف الله أخاف الله منه كل شئ، ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شئ.
4 عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبدالله، عن أبيه، عن حمزة بن عبدالله الجعفري، عن جميل بن دراج، عن أبي حمزة قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: من عرف الله خاف الله ومن خاف الله سخت نفسه عن الدنيا(3).
5 عنه، عن ابن أبي نجران، عمن ذكره، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت له: قوم يعملون بالمعاصي ويقولون نرجو، فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم الموت، فقال: هؤلاء قوم يترجحون(4) في الاماني، كذبوا، ليسوا براجين، إن من رجا شيئا طلبه ومن خاف من شئ هرب منه.
6 ورواه علي بن محمد، رفعه قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: إن قوما من مواليك يلمون بالمعاصي(5) ويقولون نرجو، فقال: كذبوا ليسوا لنا بموال، اولئك

___________________________________
(1) اعلم أن الرؤ ية تطلق على الرؤية بالبصر وعلى الرؤية القلبية وهى كناية عن غاية الانكشاف والظهور والمعنى الاول هنا أنسب أى خف الله خوف من يشاهد بعينه وإن كان محالا. ويحتمل الثانى أيضا، فان المخاطب لما لم يكن من أهل الرؤية القلبية ولم يرتق إلى تلك الدرجد العلية فانها مخصوصه بالانبياء والاوصياء عليهم السلام قال: " كأنك تراه " وهذه مرتبة عين اليقين وأعلى مراتب السالكين. وقوله: " فان لم تكن تراه " اى إن لم تحصل لك هذه المرتبة من الانكشاف والعيان فكن بحيث تتذكر دائما أنه يراك. وهذه مقام المراقبة كما قال تعالى: " أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت إن الله كان عليكم رقيبا " والمراقبة مراعاة القلب باشتغاله به والمثمر لها تذكر أن الله تعالى مطلع على كل نفس بما كسبت وانه سبحانه عالم بسرائر القلوب وخطراتها فاذا استقر هذا العلم في القلب جذبه إلى مراقبة الله سبحانه دائما وترك معاصيه خوفا وحياء والمواضبة على طاعته وخدمته دائما. وقوله: " إن كنت ترى " تعليم لطريق جعل المراقبة ملكة للنفس فتصير سببا لترك المعاصى.
والحق أن هذه شبهة عظيمة للحكم بكفر ارباب المعاصي ولايمكن لتفصحى عنها إلا بالاتكال على عفوه وكرمه سبحانه ومن هنا يظهرأنه لايجمع الايمان الحقيقى مع الاصرار على المعاصى كما مرت الاشارة إليه (آت).
(2) في بعض النسخ [إليك].
(3) أى تركها.
(4) الترجح: الميل، يعنى مالت بهم عن الاستقامة أما نيهم الكاذبة (في).
(5) في القاموس ألم: باشرا المم؟ وبه نزل كلم والتم، واللمم: صغار الذنوب.
[*]

[69]


قوم ترجحت بهم الاماني، من رجا شيئا عمل له ومن خاف من شئ هرب منه(1) 7 عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابه، عن صالح بن حمزة، رفعه قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: إن من العبادة شدة الخوف من الله عزوجل يقول الله: " إنما يخشى الله من عباده العلماء "(2) وقال جل ثناؤه: فلا تخشوا الناس واخشون(3) " وقال تبارك وتعالى: " ومن يتق الله يجعل له مخرجا(4) "، قال: وقال أبوعبدالله عليه السلام: إن حب الشرف والذكر(5) لايكونان في قلب الخائف الراهب.
8 علي بن إبراهيم، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الحسن بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن أبي سعيد المكاري، عن أبي حمزة الثمالي، عن علي بن الحسين صلوات الله عليهما [قال:] إن رجلا ركب البحر بأهله فكسر بهم، فلم ينج ممن كان في السفينة إلا امرأة الرجل، فإنها نجت على لوح من ألواح السفينة حتى ألجأت على جزيرة من جزائر البحر وكان في تلك الجزيرة رجل يقطع الطريق ولم يدع لله حرمة إلا انتهكها فلم يعلم إلا والمرأة قائمة على رأسه، فرفع رأسه إليها فقال: إنسية أم جنية؟ فقالت: إنسية فلم يكلمها كلمة حتى جلس منها مجلس الرجل من أهله، فلما أن هم بها اضطربت، فقال لها: مالك تضطربين؟ فقالت:

___________________________________
(1) اعلم أن الاحاديث الواردة في سعة عفو الله سبحانه وجزيل رحمته ووفور مغفرته كثيرة جدا ولكن لابد لمن يرجوها ويتوقعامن العمل الخالص المعد لحصولها وترك الانهماك في المعاصى المفوت لهذا الاستعداد، فاحذر أن يغرك الشيطان ويثبطك عن العمل ويقنعك بمحض الرجاء والامل، وانظر إلى حال الانبياء والاولياء واجتهادهم في الطاعات وصرفهم العمر في العبادات ليلا ونهارا، أما كانوا يرجون عفو الله ورحمته، بلى والله كانوا أعلم بسعة رحمته وأرجأبها منك ومن كل أحد ولكن علمواان رجاء الرجمة من دون العمل غرور محض وسفه بحت.
فصرفوا في العبادات أعمارهم وقصروا على الطاعات ليلهم ونهارم (آت ملخصا).
(2) قال المحقق الطوسى في أوصاف الاشراف ما حاصله: إن الخوف والخشية وإن كانا بمعنى واحد في اللغة الا أن بينهما فرقا بين ارباب القلوب وهو أن الخوف تألم النفس من المكروه المنتظر والعقاب المتوقع بسبب إحتمال فعل المنهيات وترك الطاعات وهو يحصل لاكثر الخلق وإن كانت مراتبه متفاوتة جدا والمرتبة العليا لاتحصل الا للقليل والخشية حالة نفسانية تنشأ من الشعور بعظمة الرب وهيبته وخوف الحجب عنه وهذه الخالة لاتحصل الا لمن اطلع على جلال الكبرياء وذاق لذة القرب ولذلك قال سبحانه: إنما يخشى الله من عباده العلماء ".
(سورة الفاطر: 28) والخشية خوف خاص وقد يطلقون عليها الخوف أيضا، انتهى (آت).
(3) المائدة: 4 4.
(4) الطلاق: 2.
(5) اى حب الجاه والرياسة والمدح والشهرة (آت). [*]

[70]


أفرق من هذا(1) وأو مأت بيدها إلى السماء قال: فصنعت من هذا شيئا؟ قالت: لا وعزته، قال: فأنت تفرقين منه هذا الفرق ولم تصنعي من هذا شيئا وإنما أستكرهك استكراها فأنا والله أولى بهذا الفرق والخوف وأحق منك، قال: فقام ولم يحدث شيئا ورجع إلى أهله وليست له همة إلا التوبة والمراجعة، فبينا هو يمشي إذصادفه راهب يمشي في الطريق، فحميت عليهما الشمس فقال الراهب للشاب: ادع الله يظلنا بغمامة، فقد حميت علينا الشمس، فقال الشاب: ما أعلم أن لي عند ربي حسنة فأتجاسر على أن أسأله شيئا، قال: فأدعو أنا وتؤمن أنت؟ قال نعم فأقبل الراهب يدعوت والشاب يؤمن، فما كان بأسرع من أن أظلتهما غمامة، فمشيا تحتها مليا من النهار(2) ثم تفرقت الجادة جادتين فأخذ الشاب في واحدة وأخذ الراهب في واحدة فإذا السحابة مع الشاب، فقال: الراهب أنت خير مني، لك استجيب ولم يستجب لي فاخبرني ما قصتك؟ فأخبره بخبر المرأة فقال: غفر لك ما مضى حيث دخلك الخوف، فانظر كيف تكون فيما تستقبل.
9 محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن النعمان، عن حمزة بن حمران، قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: إن مما حفظ من خطب النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: يا أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم ألا إن المؤمن بعمل بين مخافتين: بين أجل قد مضى لايدري ما الله صانع فيه وبين أجل قد بقي لايدري ما الله قاض فيه، فليأخذ العبد المؤمن من نفسه لنفسه ومن دنياه لآخرته وفي الشيبة قبل الكبر وفي الحياة قبل الممات، فوالذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من مستعتب(3) وما بعدها من دار إلا الجنة أوالنار.
10 عنه، عن أحمد، عن ابن محبوب، عن داود الرقي، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عزوجل: " ولمن خاف مقام ربه جنتان(4) " قال: من علم أن الله يراه ويسمع ما يقول ويعلم ما يعمله من خير أوشر فيحجزه ذلك عن القبيح من الاعمال

___________________________________
(1) الفرق بالتحريك: الخوف.
(2) مليا من النهار أى ساعة طويلة.
(3) المستعتب موضع الاستعتاب أى طلب الرضا.
(4) الرحمن: 46.
[*]

[71]


فذلك الذي خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى.
11 عنه، عن أحمد بن محمد، عن ابن سنان، عن ابن مسكان، عن الحسن بن أبي سارة قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يكون خائفا راجيا، ولا يكون خائفا راجيا حتى يكون عاملا لما يخاف ويرجو.
12 علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن فضيل بن عثمان، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: المؤمن بين مخافتين: ذنب قدمضى لايدري ما صنع الله فيه وعمر قد بقي لايدري مايكتسب فيه من المهالك، فهو لا يصبح إلا خائفا ولا يصلحه إلا الخوف.
13 علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: كان أبي عليه السلام يقول: إنه ليس من عبد مؤمن إلا [و] في قلبه نوران: نور خيفة ونور رجاء، لو وزن هذا لم يزد على هذا ولو وزن هذا لم يزد على هذا.