باب محاسبة العمل(1)

1 علي بن إبراهيم، عن أبيه ; وعدة من اصحابنا، عن سهل بن زياد، جميعا، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: إنما الدهر ثلاثة أيام أنت فيما بينهن: مضى أمس بما فيه فلا يرجع أبدا فإن كنت عملت فيه خيرا لم تحزن لذهابه وفرحت بما استقبلته منه(2) وإن كنت قد فرطت فيه فحسرتك شديدة لذهابه وتفريطك فيه وأنت في يومك الذي أصبحت فيه من غد في غرة ولا تدري لعلك لا تبلغه وإن بلغته لعل حظك فيه في التفريط مثل حظك في الامس الماضي عنك.
فيوم من الثلاثة قد مضى أنت فيه مفرط، ويوم تنتظره لست أنت منه على يقين من ترك التفريط وإنما هو يومكم الذي أصبحت فيه وقد ينبغي لك إن عقلت وفكرت فيما فرطت في الامس الماضي مما فاتك فيه من حسنات ألا تكون اكتسبتها ومن سيئات ألا تكون أقصرت عنها وأنت مع هذا مع استقبال غد على غير ثقة من أن تبلغه وعلى غير يقين من اكتساب حسنة أو مرتدع عنه سيئة محبطة، فأنت من يومك الذي تستقبل على مثل يومك الذي استدبرت، فاعمل عمل رجل ليس يأمل من الايام إلا يومه الذي أصبح فيه وليلته، فاعمل أودع(3) والله المعين على ذلك.
2 علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني عن أبي الحسن الماضي صلوات الله عليه قال: ليس منا من لم يحاسب نفسه في كل يوم فإن عمل حسنا استزاد الله وإن عمل سيئا استغفر الله منه وتاب إليه.

___________________________________
(1) لم يكن هذا العنوان في أكثر النسخ.
(2) في بعض النسخ [أسلفته].
(3) اى فان شئت فاعمل وإن شئت دع فهو قريب من التهديد.
[*]

[454]


3 محمد بن يحيى، عن أحمدبن محمد بن عيسى، عن علي بن النعمان، عن إسحاق بن عمار، عن أبي النعمان العجلي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: ياأبا النعمان لايغرنك الناس من نفسك، فإن الامر يصل إليك دونهم، ولا تقطع نهارك بكذا وكذا فإن معك من يحفظ عليك عملك، وأحسن فإني لم أرشيئا أحسن دركاولا أسرع طلبا من حسنة محدثه لذنب قديم(1) عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن أبي النعمان مثله.
4 عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال: اصبروا على الدنيا فإنما هي ساعة فما مضى منه فلا تجد له ألما ولاسرورا، وما لم يجئ فلا تدري ما هو؟ وإنما هي ساعتك التي أنت فيها فاصبر فيها على طاعة الله واصبر فيها عن معصية الله.
5 عنه، عن بعض أصحابنا(2) رفعه قال: قال أبوعبدالله عليه السلام احمل نفسك لنفسك فإن لم تفعل يحملك غيرك.
6 عنه، رفعه قال: قال أبوعبدالله عليه السلام لرجل: إنك قد جعلت طبيب نفسك وبين لك الداء، وعرفت آية الصحة، ودللت على الدواء، فانظر كيف قيامك على نفسك.
7 عنه، رفعه قال: قال أبوعبدالله عليه السلام لرجل: اجعل قلبك قرينا برا

___________________________________
(1) " ولا يغرنك الناس من نفسك " المراد بالناس المادحون الذين لم يطلعوا على عيوبه والواعظون الذين يبالغون في ذكر الرحمة ويعرضون عن ذكر العقوبات، تقربا عند الملوك و الامراء والاغنياء.
" فان الامر " أى الجزاء والحساب والعقوبات متعلقة باعمالك " تصل إليك " لا إليهم وإن وصل إليهم عقاب هذا الاضلال.
" بكذا وكذا " أى بقول اللغو والباطل فان معك من يحفظ عليك عملك فان القول من جملة العمل (آت).
(2) " ضمير " عنه " هنا وفيما بعده راجع إلى أحمد بن محمد.وفى بعض النسخ [أصحابه].
[*]

[455]


أوولدا واصلا(1) واجعل عملك والداتتبعه واجعل نفسك عدوا تجاهدها واجعل مالك عارية تردها.
8 [و] عنه، رفعه قال: قال أبوعبدالله: اقصر نفسك عما يضرها من قبل أن تفارقك، واسع في فكاكها كما تسعى في طلب معيشتك، فإن نفسك رهينة بعملك.
9 عنه، عن بعض أصحابه، رفعه قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: كم من طالب للدنيا لم يدركها ومدرك لهاقد فارقها، فلا يشغلنك طلبها عن عملك والتمسها من معطيها و مالكها فكم من حريص على الدنيا قد صرعته واشتغل بما أدرك منها عن طلب آخرته حتى فنى عمره وأدركه أجله ; وقال أبوعبدالله عليه السلام: المسجون من سجنته دنياه عن آخرته.
10 وعنه، رفعه عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال: إذا أتت على الرجل أربعون سنة قيل له: خذ حذرك فإنك غيرمعذور وليس ابن الاربعين بأحق بالحذر من ابن العشرين فإن الذي يطلبهما واحد وليس براقد، فاعمل لما أمامك من الهول ودع عنك فضول القول.
11 عنه، عن علي بن الحكم، عن حسان، عن زيد الشحام قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: خذ لنفسك من نفسك، خذمنها في الصحة قبل السقم، وفي القوة قبل الضعف، وفي الحياة قبل الممات.
12 عنه، عن علي بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن بعض أصحابه، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن النهار إذا جاء قال: يا ابن آدم اعمل في يومك هذا خيرا أشهد لك به عند ربك يوم القيامة، فإني لم آتك فيما مضى ولا آتيك فيما بقي وإذا جاء الليل قال مثل ذلك.
13 الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد، عن شعيب بن عبدالله

___________________________________
(1) أى غير عاق. وفى بعض النسخ [واجعل عملك] بتقديم اللام على الميم.
[*]

[456]


عن بعض أصحابه: رفعه قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أميرالمؤمنين أوصني بوجه من وجوه البر أنجوبه قال أمير المؤمنين عليه السلام: أيها السائل استمع ثم استفهم ثم استيقن ثم استعمل(1) واعلم أن الناس ثلاثة: زاهد وصابر وراغب فأما الزاهد فقد خرجت الاحزان والافراح من قلبه فلا يفرح بشئ من الدنيا و لايأسى(2) على شئ منها فاته، فهو مستريح وأما الصابر فإنه يتمناها بقلبه فإذا نال منها ألجم نفسه عنهالسوء عاقبتها وشنآنها، لو اطلعت على قلبه عجبت من عفته وتواضعه وحزمه وأما الراغب فلا يبالي من أين جاء ته الدنيا من حلها أو [من] حرامها ولا يبالي ما دنس فيها عرضه وأهلك نفسه وأذهب مروء ته، فهم في غمرة يضطربون(3).
14 محمد بن يحيى، عن أحمدبن محمد، عن محمد بن سنان، عن محمد بن حكيم عمن حدثه، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه لايصغر(4) ما ينفع يوم القيامة ولا يصغر ما يضريوم القيامة، فكونوا فيما أخبر كم الله عزوجل كمن عاين.
15 علي بن إبراهيم، عن أبيه ; وعلي بن محمد القاساني، جميعا، عن القاسم بن محمد عن سليمان المنقري، عن حفص بن غياث(5) قال سمعت أباعبدالله يقول: إن قدرت أن لا تعرف فافعل وما عليك ألا يثني عليك الناس وما عليك أن تكون مذموما

___________________________________
(1) الامور مترتبة فان العمل موقوف على اليقين واليقين موقوف على الفهم والفهم موقوف على الاستماع من أهل العلم (آت).
(2) الاسى بالفتح والقصر: الحزن (أسى يأسى من باب علم أسى فهو آس) والمقصود أن قلب الزاهد متعلق بالله وبامر الاخرة لا بالدنيا فلا يفرح بشئ منها يأتيه ولا يحزن على شئ منها فاته لان الفرح بحصول محبوب والحزن بفواته.وشئ من الدنيا ليس بمحبوب عند الزاهد التارك لها بالكلية.
(3) في بعض النسخ [يعمهون] وفى بعضها [يصطرخون].
(4) صغر ككرم وفزح صار صغيرا ويمكن أن يقرء على المجهول من بناء التفعيل أى لايعد صغيرا.
" كمن عاين " هو مرتبة عيد اليقين (آت).
(5) كان هو عاميا قاضيا من قبل هارون طالبا للشهرة عند الولاة وخلفاء الجور ولذا عدل عن الحق واتبع اهل الضلال فالمناسب بحاله ترك الشهرة والاعتزال ولذا أمره عليه السلام بذلك (آت).
[*]

[457]


عند الناس إذا كنت محمودا عند الله، ثم قال: قال أبي علي بن أبي طالب عليه السلام: لاخير في العيش إلا لرجلين رجل يزداد كل يوم خيرا ورجل يتدارك منيته بالتوبة وأنى له بالتوبة والله لو سجد حتى ينقطع عنقة ما قبل الله تبارك وتعالى منه إلا بولايتنا أهل البيت، ألا ومن عرف حقنا ورجا الثواب فينا ورضي بقوته نصف مد في كل يوم وما سترعورته وما أكن رأسه وهم(1) والله في ذلك خائفون وجلون ودوا أنه حظهم من الدنيا وكذلك وصفهم الله عزوجل فقال: " والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون(2) " ثم قال: ما الذي آتوا؟ آتوا والله مع الطاعة المحبة والولايه وهم في ذلك خائفون، ليس خوفهم خوف شك ولكنهم خافوا أن يكونوا مقصرين في محبتنا وطاعتنا.
16 علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن إبراهيم بن مهزم، عن الحكم بن سالم قال: دخل قوم فو عظهم(3) ثم قال: ما منكم من أحد إلا وقد عاين الجنة وما فيها وعاين النار وما فيها إن كنتم تصدقون بالكتاب(4).
17 عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: لا تستكثروا كثير الخير ولا تستقلوا قليل الذنوب فإن قليل الذنوب يجتمع حتى يصير كثيرا وخافوا الله في السر حتى تعطوا من أنفسكم النصف وسارعوا إلى طاعة الله وأصدقوا الحديث وأدوا الامانة فإنما ذلك لكم ولا تدخلوا فيما لا يحل لكم، فإنما ذلك عليكم.

___________________________________
(1) الواو للحالية.وقيل: للاستيناف والضمير راجع إلى أصحاب الرسول وهو بعيد.
(2) المؤمنون 62.
(3) حكم بن سالم غير مذكور في الرجال وابراهيم الراوى عنه من أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام واحتمال الكاظم عليه السلام بعيد (آت).
(4) المعنى أن في القرآن احوال الجنة ودرجاتها وما فيها واوصاف النار ودركاتها وما فيها والله سبحانه أصدق الصادقين فمن صدق بالكتاب وعصى ربه فهو كاذب في دعواه وتصديقه ليس في درجة اليقين (آت).
[*]

[458]


18 علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن أبي أيوب، عن محمد ابن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: ما أحسن الحسنات بعد السيئات وما أقبح السيئات بعد الحسنات.
19 عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبدالله، عن ابن فضال، عمن ذكره عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إنكم في آجال مقبوضة(1) وأيام معدودة والموت يأتي بغتة، من يزرع خيرا يحصد غبطة ومن يزرع شرا يحصد ندامة ولكل زارع مازرع ولا يسبق البطئ منكم حظه ولايدرك حريص مالم يقدر له ; من اعطي خيرا فالله أعطاه ومن وقى شرافالله وقاه.
20 محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن بعض أصحابه، عن الحسن بن علي بن أبي عثمان، عن واصل، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: جاء رجل إلى أبي ذر فقال: يا أباذر ما لنانكره الموت؟ فقال: لانكم عمرتم الدنيا وأخربتم الآخرة فتكرهون أن تنقلوا من عمران إلى خراب.
فقال له: فكيف ترى قدومنا على الله؟ فقال: أما المحسن منكم فكالغائب يقدم على أهله وأما المسئ منكم فكا لآبق يرد على مولاه، قال: فكيف ترى حالنا عند الله؟ قال: اعرصوا أعمالكم على الكتاب، إن الله يقول: " إن الابرار لفي نعيم * وإن الفجار لفي جحيم(2) " قال: فقال الرجل: فأين رحمة الله؟ قال: رحمة الله قريب من المحسنين ; قال: أبوعبدالله عليه السلام: وكتب رجل إلى أبي ذر رضي الله عنه يا أباذر أطرفني بشئ من العلم فكتب إليه العلم كثير ولكن إن قدرت أن لاتسئ إلى من تحبه فافعل، قال: فقال له الرجل: وهل رأيت أحدا يسيئ إلى من يحبه؟ فقال له: نعم نفسك أحب الانفس إليك فاذا أنت عصيت الله فقدأسأت إليها.

___________________________________
(1) أى يقبض منها آنا فانا.
(2) الانفطار: 14 و 15.
[*]

[459]


1 2 عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سمعته يقول: اصبروا على طاعة الله وتصبروا عن معصية الله، فإنما الدنيا ساعة فما مضى فليس تجد له سرورا ولا حزنا ومالم يأت فليس تعرفه فاصبر على تلك الساعه التي أنت فيها، فكأنك قد اغتبطت(1).
22 علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن رجل، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال الخضر لموسى عليه السلام: يا موسى إن أصلح يوميك الذي هو أمامك فانظر أي يوم هو وأعد له الجواب، فانك موقوف ومسؤول وخذموعظتك من الدهر فإن الدهر طويل قصير، فاعمل كأنك ترى ثواب عملك ليكون أطمع لك في الآخرة(2) فإنما هو آت من الدنيا كما هو قد ولى منها.
23 عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن يعقوب بن يزيد، عمن ذكره عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قيل لامير المؤمنين عليه السلام: عظنا وأوجز، فقال: الدنيا حلالها حساب وحرامها عقاب وأنى لكم بالروح ولما تأسوابسنة نبيكم(3) تطلبون ما يطغيكم ولا ترضون ما يكفيكم(4).

_____________________________
(1) على بناء المعلوم أى عن قريب تصير بعد الموت في حالة حسنة يغبطك الناس لها و يتمنون حالك ولا تبقى عليك مرارة صبرك. في القاموس الغبطة بالكسر حسن الحال والمسرة وقد اغتبط والحسد وتمنى نعمة على أن لا تتحول عن صاحبها (آت).
(2) في بعض النسخ: [في الاجر].
(3) سنة النبى صلى الله عليه وآله: طريقته وسيرته في حياته من الملبس والمسكن والعبادة والرأفة وغير ذلك.
(4) " يطغيكم " اشارة إلى قوله تعالى: " إن الانسان ليطغى أن رآه استغنى ".