باب السبق إلى الايمان

1 علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد قال: حدثنا أبوعمر والزبيري، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت له: إن للايمان درجات ومنازل، يتفاضل المؤمنون فيها عند الله؟ قال: نعم، قلت: صفه لي رحمك الله حتى أفهمه، قال: إن الله سبق بين المؤمنين كما يسبق بين الخيل يوم الرهان(1)، ثم فضلهم على درجاتهم في السبق إليه، فجعل كل امرئ منهم على درجة سبقه، لا ينقصه فيها من حقه ولا يتقدم مسبوق سابقا ولا مفضول فاضلا، تفاضل لذلك أو ائل هذه الامة وأواخرها ولو لم يكن للسابق إلى الايمان فضل على المسبوق إذاللحق آخر هذه الامة أولها، نعم ولتقد موهم إذا لم يكن لمن سبق إلى الايمان الفضل على من أبطأ عنه ولكن بدرجات الايمان قدم الله السابقين وبالابطاء عن الايمان أخر الله المقصرين لانا نجد من المؤمنين من الآخرين من هو أكثر عملا من الاولين وأكثر هم صلاة وصوما وحجا وزكاة وجهادا وإنفاقا ولو لم يكن سوابق يفضل بها المؤمنون بعضهم بعضا عند الله لكان الآخرون بكثرة العمل مقدمين على الاولين ولكن أبى الله عزوجل أن يدرك آخر درجات الايمان أولها، ويقدم فيها من أخر

___________________________________
(1) الرهان: المسابقة على الخيل.
[*]

[41]


الله أو يؤ خر فيها من قدم الله.
قلت: أخبرني عما ندب الله عزوجل المؤمنين إليه من الاستباق إلى الايمان، فقال: قول الله عزوجل: " سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والارض اعدت للذين آمنوا بالله ورسله(1) " وقال: " السابقون السابقون اولئك المقر بون(2) " وقال: " والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعو هم باحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه(3) " فبدأ بالماجرين الاولين على درجة سبقهم، ثم ثنى بالانصار ثم ثلث بالتابعين لهم بإحسان، فوضع كل قوم على قدر درجاتهم ومنازلهم عنده، ثم ذكر ما فضل الله عزوجل به أولياء ه بعضهم على بعض، فقال عزوجل: " تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم فوق بعض درجات إلى آخر الآية(4) وقال: " ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض(5) " وقال: " انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا(6) " وقال: " هم درجات عند الله(7) " وقال: " ويؤت كل ذي فضل فضله(8) " وقال: " الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله(9) " وقال: " فضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عطيما * درجات منه ومغفرة ورحمة(10) " وقال: " لايستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل اولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا(11) " وقال: " يرفع الله الذين آمنوامنكم والذين اوتوا العلم درجات(12) " وقال: " ذلك بأنهم لا يصيبهم ظما ولانصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عود نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح(13) " وقال: " وما تقدموا لانفسكم من خير تجدوه عندالله(14) " وقال:

___________________________________
(1) كذا في سورة الحديد وفي سورة آل عمران " وسارعوا إلى مغفرة من ربكم " وكان مقتضى الجمع بين الايتين أن المراد بالمسارعة: المسابقة أى سارعوا مسابقين إلى سبب مغفرة من ربكم من اليمان والاعمال الثالحة.
و " جنة " أى إلى الجنة و " عرضها كعرض السماء والارض " في آل عمران " عرضها السماوات والارض اعدت للمتقين " (آت).
(2) الواقعة 10 و 11.
(3) التوبة: 0 10.
(4) البقرة: 253.
(5) الاسراء: 55.
(6) الاسراء: 21.
(7) آل عمران: 3 16
(8) هود: 3.
(9) التوبة: 20
(10) النساء: 96.
(11) الحديد: 10.
(12) المجادلة: 11.
(13) التوبة: 120
(14) البقرة: 110. [*]

[42]


" فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مقال ذرة شرايره " فهذا ذكر درجات الايمان ومنازله عند الله عزوجل(1).

_____________________________
(1) الغرض من هذا الحديث بيان أن تفاضل درجات الايمان بقدر السبق والمبادرة إلى أجابة الدعوة إلى الايمان وهذا يحتمل عدة معان أحدهما أن يكون المراد بالسبق السبق في الذر وعند الميثاق فالمراد أوائلها واواخرها في الاقرار والاجابة هناك فالفضل للمتقدم والثاني أن يكون المراد بالسبق السبق في الشرف والرتبة والعلم والحكمة وزيادة العقل والبصيرة في الدين ووفور الايمان ولا سيما اليقين، وعلى هذا فالمراد بأوائلها واواخرها أوائلها وأواخرها في مراتب الشرف والعقل والعلم والثالث أن يكون المراد بالسبق السبق الزمانى في الدنيا عند دعوة النبي صلى الله عليه واله وسلم إياهم إلى الايمان والمراد بأوائل هذه الامة وأواخرها أوائلها وأواخرها في الاجابة للنبى صلى الله عليه واله وسلم وقبول الاسلام والتسليم بالقلب والانقياد للتكاليف الشرعية طوعا ويعرف الحكم في سائر الازمنة بالمقايسة.
والرابع أن يراد بالسبق السبق الزماني عند بلوغ الدعوة فيعم الازمنة المتأخرة عن زمن النبى صلى الله عليه واله وهذا المعنى يحتمل وجهين أحدهما أن يكون المراد بالاوائل والاواخر ماذكرناه وكذا السبب في الفضل، والاخر أن يكون المراد بالاوائل من كان في زمن النبى وبالاواخر من كان بعد ذلك ويكون سبب فضل الاوائل صعوبة قبول الاسلام وترك ما نشأوا عليه في ذلك الزمن وسهولته فيما بعد لاستقرار الامر وظهور الاسلام ونتشاره في البلاد مع أن الاوائل سبب لاهتداء الاواخر إذ بهم وبنصرتهم إستقر ما استقر وقوى ما قوى وبان مااستبان والله المستعان (في).