باب آخر منه وفيه أن الاسلام قبل الايمان

1 علي بن إبراهيم، عن العباس بن معروف، عن عبدالرحمن بن أبي نجران عن حماد بن عثمان، عن عبدالرحيم القصير قال: كتبت مع عبدالملك بن أعين إلى أبي عبدالله عليه السلام أساله عن الايمان ما هو؟ فكتب إلي مع عبدالملك بن أعين: سألت رحمك الله عن الايمان والايمان هو الاقرار باللسان وعقد في القلب وعمل بالاركان والايمان بعضه من بعض وهو دار وكذلك الاسلام دار والكفر دار فقد يكون العبد مسلما قبل أن يكون مؤمنا ولا يكون مؤمنا حتى يكون مسلما، فالاسلام قبل الايمان وهو يشارك الايمان، فاذا أتى العبد كبيرة من كبائر المعاصي أو صغيرة من صغائر المعاصي التي نهى الله عزوجل عنها كان خارجا من الايمان، ساقطا عنه اسم الايمان وثابتا عليه اسم الاسلام فان تاب واسغفر عاد إلى دار الايمان ولا يخرجه إلى الكفر إلا الجحود والاستحلال

[28]


أن يقول للحلال: هذا حرام وللحرام: هذا حلال ودان بذلك فعندها يكون خارجا من الاسلام والايمان، داخلا في الكفر وكان بمنزلة من دخل الحرم ثم دخل الكعبة وأحدث في الكعبة حدثا فاخرج عن الكعبة وعن الحرم فضربت عنقه وصار إلى النار.
2 عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران قال: سألته عن الايمان والاسلام قلت له: أفرق بين الاسلام والايمان قال: فأضرب لك مثله؟ قال: قلت: أورد ذلك، قال: مثل الايمان والاسلام مثل الكعبة الحرام من الحرم قد يكون في الحرم ولا يكون في الكعبة ولا يكون في الكعبة حتى يكون في الحرم وقد يكون مسلما ولا يكون مؤمنا ولا يكون مؤمنا حتى يكون مسلما، قال: قلت: فيخرج من الايمان شئ؟ قال: نعم، قلت: فيصيره إلى ما ذا؟ قال: إلى الاسلام أو الكفر.
وقال: لو أن رجلا دخل الكعبة فأفلت منه بوله اخرج من الكعبة ولم يخرج من الحرم فغسل ثوبه وتطهر، ثم لم يمنع أن يدخل الكعبة ولو أن رجلا دخل الكعبة فبال فيها معاندا اخرج من الكعبة ومن الحرم وضربت عنقه.
باب(1)
1 علي بن محمد، عن بعض أصحابه، عن آدم بن إسحاق، عن عبدالرزاق بن مهران، عن الحسين بن ميمون، عن محمد بن سالم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن [ا] ناسا تكلموا في هذا القرآن بغير علم وذلك أن الله تبارك وتعالى يقول: " هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن ام الكتاب واخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله(2) " الآية فالمنسوخات من المتشابهات ; والمحكمات من الناسخات، إن الله عز وجل بعث نوحا إلى قومه " أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون(3) " ثم دعاهم إلى الله

___________________________________
(1) انما لم يعنون الباب لانه قريب من البابين السابقين في انه مشتمل على معانى الاسلام والايمان لكن لما كان فيه زيادة تفصيل وتوضيح وفوائد كثيرة جعله بابا آخر (آت).
(2) آل عمران: 7.
(3) نوح: 3.
[*]

[29]


وحده وأن يعبدوه ولايشر كوا به شيئا، ثم بعث الانبياء عليهم السلام على ذلك إلى أن بلغوا محمدا صلى الله عليه وآله فدعاهم إلى أن يعبدوا الله ولا يشر كوا به شيئا وقال: " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفر قوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه، الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب(1) " فبعث الانبياء إلى قومهم بشهادة أن لا إله إلا الله والاقرار بما جاء [به] من عند الله فمن آمن مخلصا ومات على ذلك أدخله الله الجنة بذلك وذلك أن الله ليس بظلام للعبيد وذلك أن الله لم يكن يعذب عبدا حتى يغلظ عليه في القتل والمعاصي التي أوجب الله عليه وبها النار لمن عمل بها، فلما استجاب لكل نبي من استجاب له من قومه من المؤمنين، جعل لكل نبي منهم شرعة ومنهاجا والشرعة و المنهاج سبيل وسنة وقال الله لمحمد صلى الله عليه وآله: " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده(2) " وأمر كل نبي بالاخذ بالسبيل والسنة وكان من السنة و السبيل التي أمر الله عزوجل بها موسى عليه السلام أن جعل الله عليهم السبت وكان من أعظم السبت ولم يستحل أن يفعل ذلك من خشية الله، أدخله الله الجنة ومن استخف بحقه واستحل ما حرم الله عليه من عمل الذي نهاه الله عنه فيه، أدخله الله عزوجل النار وذلك حيث استحلوا الحيتان واحتبسوها وأكلوها يوم السبت، غضب الله عليهم من غير أن يكونوا أشر كوا بالرحمن ولا شكوا في شئ مما جاء به موسى عليه السلام، قال الله عزوجل: " ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين(3) " ثم بعث الله عيسى عليه السلام بشهادة أن لاإله إلا الله والاقرار بما جاء به من عندالله وجعل لهم شرعة ومنهاجا فهدمت السبت الذي امروا به أن يعظموه قبل ذلك وعامة ما كانوا عليه من السبيل والسنة التي جاء بها موسى فمن لم يتبع سبيل عيسى أدخله الله النار وإن كان الذي جاء به النبيون جميعا أن لا يشركوا بالله شيئا، ثم بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله و هو بمكة عشر سنين فلم يمت بمكة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن لا إله إلاالله و أن محمدا صلى الله عليه وآله رسول الله إلا أدخله الله الجنة باقراره وهو إيمان التصديق ولم يعذب الله

___________________________________
(1) الشورى: 13.
(2) النساء: 163.
(3) البقرة: 62.
[*]

[30]


أحدا ممن مات وهو متبع لمحمد صلى الله عليه وآله على ذلك إلا من أشرك بالرحمن وتصديق ذلك أن الله عزوجل أنزل عليه في سورة بني إسرائيل بمكة " وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إلى قوله تعالى إنه كان بعباده خبيرا بصيرا " أدب وعظة وتعليم ونهي خفيف ولم يعد عليه ولم يتواعد على اجتراح شئ مما نهى عنه وأنزل نهيا عن أشياء حذر عليها ولم يغلظ فيها ولم يتواعد عليها وقال: " ولا تقتلوا أولاد كم خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئا كبيرا ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا * ولاتقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأو فوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا * وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا * ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا * ولا تمش في الارض مرحا إنك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا * كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها * ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلفى في جهنم ملوما مدحورا " وأنزل في " والليل إذا يغشى " " فأنذرتكم نارا تلظى * لا يصليها إلا الاشقى الذي كذب وتولى " فهذا مشرك وأنزل في " " إذا السماء انشقت " وأما من اوتي كتابه وراء ظهره.
فسوف يدعو ثبورا.
ويصلى سعيرا * إنه كان في أهله مسرورا * إنه ظن أن لن يحور(1) بلى " فهذا مشرك وأنزل في [سورة] تبارك " كلما القي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالو بلى قد جاء نا نذير فكذبنا وقلنا: ما نزل الله من شئ " فهؤلاء مشركون وأنزل في الواقعة " وأما إن كان من المكذبين الضالين * فنزل من حميم * وتصلية جحيم " فهؤلاء مشركون وأنزل في الحاقة " وأما من اوتي كتابه بشماله فيقول ياليتني لم اوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه * ياليتها كان القاضية * ما أغنى عني ماليه إلى قوله إنه كان لايؤمن بالله العظيم " فهذا مشرك، وأنزل في طسم(2) " وبرزت الجحيم للغاوين * وقيل لهم أينما كنتم تعبدون من دون الله هل

___________________________________
(1) الحور: الرجوع.
(2) يعني سورة الشعراء 91 - 100.

[31]


ينضرونكم أو ينتصرون * فكبكوا فيهاهم والغاوون * وجنود إبليس أجمعون " جنود إبليس ذريته من الشياطين وقوله: " وما أضلنا إلا المجرمون " يعني المشركين الذين اقتدوابهم هؤلاء فاتبعوهم على شركهم وهم قوم محمد صلى الله عليه وآله ليس فيهم من اليهود والنصارى أحد وتصديق ذلك قول الله عزوجل: " كذبت قبلهم قوم نوح(1) " " كذب أصحاب الايكة(2) " " كذبت قوم لوط(3) " ليس فيهم اليهود الذين قالوا: عزير ابن الله ولا النصارى الذين قالوا: المسيح ابن الله، سيدخل الله اليهود والنصارى النار ويدخل كل قوم بأعمالهم ; وقولهم: وما أضلنا إلا المجرمون " إذ دعونا إلى سبيلهم ذلك قول الله عزوجل فيهم حين جمعهم إلى النار: " قالت اوليهم لا خريهم ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار(4) " وقوله: " كلما دخلت امة لعنت اختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا(4) " برى ء بعضهم من بعض ولعن بعضهم بعضا، يريد بعضهم أن يحج بعضا رجاء الفلج(5) فيفلتوا من عظيم ما نزل بهم وليس بأوان بلوى ولا اختبار ولا قبول معذرة ولات حين نجاة والايات وأشباههن مما نزل له بمكة ولا يدخل الله النار إلا مشركا، فلما أذن الله لمحمد صلى الله عليه وآله في الخروج من مكة إلى المدينة بني الاسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا صلى الله عليه وآله عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البت وصيام شهر رمضان وأنزل عليه الحدود وقسمة الفرائض وأخبره بالمعاصي التي أوجب الله عليها وبها النار لمن عمل بها وأنزل في بيان القاتل " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدله عذابا عظيما(6) " ولا يلعن الله مؤمنا قال الله عزوجل: " إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا * خالدين فيها أبدا لايجدون وليا ولا نصيرا(7) " وكيف يكون في المشيئة وقد ألحق به حين جزاه جهنم الغضب واللعنة وقدبين ذلك من الملعونون في كتابه وأنزل في مال اليتيم من أكله ظلما " إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا(8) " وذلك أن آكل مال اليتيم يجيئ يوم

___________________________________
(1) ص: 12.
(2) الشعراء 176.
(3) الشعراء: 160.
(4) الاعراف: 36 والاية هكذا " قالت اخريهم لاوليهم ". وقوله: " كلما دخلت.. الخ " مقدم على السابق وهو من سهو النساخ.
(5) الفلج: الفوز والظفر والافلات: التخلص من الشئ.
(6) النساء: 95.
(7) الاحزاب: 5 6 و 66.
(8) النساء: 169. [*]

[32]


القيامه والنار تلتهب في بطنه حتى يخرج لهب النار من فيه حتى يعرفه كل أهل الجمع أنه آكل مال اليتيم وأنزل في الكيل " ويل للمطففين(1) " ولم يجعل الويل لاحد حتى يسميه كافرا، قال الله عزوجل: " فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم(2) " وأنزل في العهد " إن الذين يشترون بعهدالله وأيمانهم ثمنا قليلا اولئك لاخلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولايزكيهم ولهم عذاب أليم(3) " والخلاق: النصيب، فمن لم يكن له نصيب في الآخرة فبأي شئ يدخل الجنة وأنزل بالمدينة " الزاني لاينكح ألا زانية أو مشركة والزانية لاينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين(4) " فلم يسم الله الزاني مؤمنا ولا الزانية مؤمنة وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ليس يمتري فيه أهل العلم أنه قال: لايزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن فانه إذا فعل ذلك خلع عنه الايمان كخلع القميص، ونزل بالمدينة " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلد وهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا واولئك هم الفاسقون * إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم(5) " فبرأه الله ما كان مقيما على الفرية من أن يسمى بالايمان، قال الله عزوجل: أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لايستوون(6) " وجعله الله منافقا، قال الله عزوجل: " إن المنافقين هم الفاسقون(7) " وجعله عزوجل من أولياء إبليس، قال: " إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه(8) " وجعله ملعونا فقال: " إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم * يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون(9) " وليست تشهد الجوارح على مؤمن إنما تشهد على من حقت عليه كلمة العذاب، فأما المؤمن فيعطى كتابه بيمينه قال الله عزوجل: " فأما من اوتي كتاب بيمينه فأولئك يقرؤن كتابهم ولا يظلمون فتيلا(10) " وسورة

___________________________________
(1) المطففين: 2. والتطفيف نقص المكيال.
(2) مريم: 38.
(3) آل عمران: 71.
(4) النور: 4.
(5) النور: 5.
(6) السجدة: 18
(7) التوبة: 67
(8) الكهف: 48
(9) النور: 23 و 24.
(10) الاسراء: 74. والاية هكذا " فمن اوتى كتابه.. الخ ": وفتيلا اى ادنا شئ، [*]

[33]


النور انزلت بعد سورة النساء وتصديق ذلك أن الله عزوجل أنزل عليه في سورة النساء " واللائي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فان شهدوا فأمسكو هن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أويجعل الله لهن سبيلا(1) " والسبيل الذي قال الله عزوجل: " سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون * الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذ كم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين(2) ".
2 محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل عن محمد بن فضيل عن أبي الصباح الكناني، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قيل لامير المؤمنين عليه السلام: من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله كان مؤمنا؟ قال: فأين فرائض الله؟.
قال: وسمعته يقول: كان علي عليه السلام يقول: لوكان الايمان كلاما لم ينزل فيه صوم ولا صلاة ولا حلال ولا حرام.
قال: وقلت لابي جعفر عليه السلام: إن عندنا قوما يقولون: إذا شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله فهو مؤمن، قال: فلم يضربون الحدود ولم تقطع أيديهم؟ وما خلق الله عزوجل خلقا أكرم على الله عز وجل من المؤمن، لان الملائكة خدام المؤمنين وأن جوار الله للمؤمنين وأن الجنة للمؤمنين وأن الحور العين للمؤمنين، ثم قال: فما بال من جحد الفرائض كان كافرا؟.
3 علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن سلام الجعفي قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الايمان، فقال: الايمان أن يطاع الله فلا يعصى.

___________________________________
(1) النساء: 14.
(2) النور: 1 و 2.