باب صفة النفاق والمنافق

قال: والنفاق على أربع دعائم: على الهوى، والهوينا، والخفيظة، والطمع(1).
فالهوى على أربع شعب: على البغي، والعدوان، والشهوة، والطغيان، فمن

___________________________________
(1) الهوينا تصغير الهونى، تأنيث الاهون وهو من الهون: الرفق واللين والتثبت والمراد هنا: التهاون في أمر الدين وترك الاهتمام فيه. والحفيظة: الغضب والحمية.
[*]

[394]


بغى كثرت غوائله وتخلى منه وقصر عليه(1) ومن اعتدى لم يؤمن بوائقه ولم يسلم قلبه ولم يملك نفسه عن الشهوات ومن لم يعدل نفسه في الشهوات خاض في الخبيثات ومن طغى ضل على عمد(2) بلا حجة.
والهوينا على أربع شعب: على الغرة، والامل، والهيبة، والمماطلة، وذلك بأن الهيبة ترد عن الحق، والمطاطلة تفرط في العمل حتى يقدم عليه الاجل، ولولا الامل علم الانسان حسب ماهو فيه(3) ولو علم حسب ماهو فيه مات خفاتا من الهول والوجل، والغرة تقصر بالمرء عن العمل.
والحفيظة على أربع شعب: على الكبر والفخر والحمية(4) والعصبية، فمن استكبر أدبر عن الحق ومن فخر فجر ومن حمى أصر على الذنوب ومن أخذته العصبية جار، فبئس الامر أمر بين إدبار وفجور وإصرار وجور على الصراط والطمع على أربع شعب: الفرح، والمرح، واللجاجة، والتكاثر، فالفرح مكروه عند الله، والمرح خبلاء، واللجاجة بلاء لمن اضطرته إلى حمل الآثام، والتكاثر لهو ولعب وشغل واستبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير.
فذلك النفاق ودعائمه وشعبه.
والله قاهر فوق عباده تعالى ذكره وجل وجهه وأحسن كل شئ خلقه وانبسطت يداه ووسعت كل شئ رحمته وظهر أمره وأشرق

___________________________________
(1) في بعض النسخ [ونصر عليه].
(2) " " " [على عمل].
(3) الحسب بالتحريك القدر والعدد والخفات بضم الخاء المعجمة: الموت فجأة.
(4) قال الراغب: عبر عن القوة الغضبية إذا ثارت وكثرت بالحمية فقيل: حميت على فلان أى غضبت عليه قال تعالى: " حمية الجاهلية " والعصبية: الاقارب من جهة الاب والعصبية حمايتهم والدفع عنهم، والتعصب المحاماة والمدافعة وهى والحمية من توابع الكبر وكان الفرق بينهما بان الحمية للنفس والعصبية للاقارب أو الحمية للاهل والعصبية للاقارب (آت).
[*]

[395]


نوره وفاضت بركته واستضاء‌ت حكمته(1) وهيمن كتابه وفلجت حجته وخلص دينه واستظهر سلطانه وحقت كلمته وأقسطت موازينه وبلغت رسله، فجعل السيئة ذنبا والذنب فتنة والفتنة دنسا وجعل الحسنى عتبى(2) والعتبى توبة والتوبة طهورا، فمن تاب اهتدى، ومن افتتن غوى، ما لم يتب إلى الله ويعترف بذنبه ولا يهلك على الله إلا هالك.
الله الله فما أوسع مالديه من التوبة والرحمة والبشرى والحلم العظيم وما أنكل ما عنده من الانكال والجحيم والبطش الشديد(3)، فمن ظفر بطاعته اجتنب كرامته ومن دخل في معصيته ذاق وبال نقمته وعما قليل ليصبحن نادمين.
2 محمد بن يحيى، عن الحسين بن إسحاق، عن علي بن مهزيار، عن محمد بن عبدالحميد والحسين بن سعيد جميعا، عن محمد بن الفضيل قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن مسألة فكتب إلي: " إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا * مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجدله سبيلا " ليسوا من الكافرين وليسوا من المؤمنين وليسوا من المسلمين، يظهرون الايمان ويصيرون إلى الكفر والتكذيب لعنهم الله.

___________________________________
(1) اى شريعة أو مصلحة او علمه بالاشياء وايجادها على غاية الاتقان وقوله: " وهيمن كتابه " أى صار كتابه حافظا ورقيبا وشاهدا على كل شئ لان فيه تبيان كل شئ أو هو قائم على سائر الكتب رقيب عليها لانه يشهد لها بالصحة والاخير أظهر لانه ناظر إلى قوله تعالى " و أنزلنا إليك الكتاب مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله " وقوله: " فلجت حجته " اى غلبت حجته الدالة على ربوبيته وتوحيده وقدرته وحكمته.
وقوله " خلص دينه " اى الدين الذى شرع للعباد خالص عن الكذب والباطل والغش.
وقيل الدين الطاعة وفيه تنبيه على أن الطاعة المختلطة بغير وجه الله تعالى ليست طاعة.
(2) الحسني: الاعمال الحسنة أو الكلمة الحسنى وهي العقائد الحقة.
والعتبى: الرضا، اى سببا لرضا الخالق أو الرجوع من الذنب والاساء‌ة والعصيان إلى الطاعة والتوبة والاحسان.
(3) النكل بالكسر: القيد لانه ينكل به أى يمنع وجمعه أنكال والجحيم من أسماء جهنم وأصله ما اشتد لهبه من النيران والبطش الاخذ القوى الشديد والوصف للتأكيد [*]

[396]


3 الحسين بن محمد، عن محمد بن جمهور عن عبدالله بن عبدالرحمن الاصم عن الهيثم بن واقد، عن محمد بن سليمان، عن ابن مسكان، عن ابي حمزة، عن علي ابن الحسين صلوات الله عليهما قال: إن المنافق ينهى ولا ينتهي ويأمر بما لايأتي وإذا قام إلى الصلاة اعترض قلت: ياابن رسول الله وما الاعتراض؟ قال: الالتفات وإذا ركع ربض(1)، يمسي و همه العشاء وهو مفطر ويصبح وهمه النوم ولم يسهر، إن حدثك كذبك وإن ائتمنته خانك وإن غبت اغتابك وإن وعدك أخلفك.
4 عنه، عن ابن جمهور، عن سليمان بن سماعة، عن عبدالملك بن بحر، رفعه مثل ذلك وزاد فيه إذا ركع ربض وإذا سجد نقر وإذا جلس شغر(2).
5 أبوعلي الاشعري، عن الحسن بن على الكوفي، عن عثمان بن عيسى، عن سعيد بن يسار، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: مثل المنافق مثل جذع النخل أراد صاحبه أن ينتفع به في بعض بنائه فلم يستقم له في الموضع الذي أراد، فحوله في موضع آخر فلم يستقم له، فكان آخر ذلك أن أحرقه بالنار.
6 عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحسن بن شمون، عن عبدالله بن عبدالرحمن، عن مسمع بن عبدالملك، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: مازاد خشوع الجسد على ما في القلب فهو عندنا نفاق(3).

___________________________________
(1) الربض بفتح الباء مأوى الغنم وكل مايؤوى ويستراح إليه.
(2) ذكره لبيان الزيادة وقوله: " إذا سجد نقر " اى خفف السجود.
و " إذا جلس شغر " قيل: اى أقعى كاقعاء الكلب.
وقيل: أى رفع ساقيه من الارض وقعد على عقبيه من شغر الكلب كمنع رفع أحد رجليه، بال أولم يبل والاظهر عندى انه إشارة إلى مايستحبه أكثر المخالفين في التشهد فانهم يجلسون على الورك الايسر ويجعلون الرجل اليمنى فوق اليسرى ويقيمون القدم اليمنى يحيث يكون رؤوس الاصابع إلى القبلة وفى بعض النسخ [شفر] بالفاء وقيل: هو من التشفير بمعنى النقص والاول أظهر (آت).
(3) في قوله: " عندنا " إيماء إلى أنه ليس بنفاق حقيقى بل هو خصلة مذمومة شبيهة بالنفاق (آت).
[*]