باب دعائم الكفر وشعبه

1 علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن عمربن اذينة، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس الهلالي، عن أميرالمؤمنين صلوات الله عليه قال: بني الكفر على أربع دعائم: الفسق(3) والغلو، والشك، والشبهة.
والفسق على أربع شعب: على الجفاء والعمى، والغفلة، والعتو(4)، فمن جفا احتقر الحق(5)، ومقت الفقهاء، وأصر على الحنث.
العظيم، ومن عمي نسي الذكر، واتبع الظن، وبارزخالقه(6)، وألح عليه الشيطان، وطلب المغفرة بلا توبة ولا استكانة(7) ولا غفلة ; ومن غفل جنى على نفسه(8) ; وانقلب على ظهره

___________________________________
(3) الفسق الخروج من الطاعة. والغلو مجاورة الحد في الدين. والشك هو تساوى النقيضين وفى المصباح قال أئمة اللغة هو اى الشك خلا ف اليقين وهو التردد بين الشيئين سواء استوى طرفاه او رجح أحدهما على الاخر.
والشبهة هى ترجيح الباطل بالباطل وتصوير غير الواقع بصورة الواقع وجلها بل كلها يحصل بمزج الباطل بالحق ولذلك سميت شبهة لانها تشبه الحق (لح).
(4) العتوا مصدر بمعنى التجبر والاستكبار (لح).
(5) وفى بعض النسخ [احتقر الخلق). الجفاء هو الغلظة في الطبع والخرق في المعاملة والفظاظة في القلب ورفض الصلة والبر والرفق. ويقال: هو مأخوذ من جفا السيل وهو مانفاه السيل. والعمى هو ابطال البصيرة القلبية وترك التفكر في الامور النافعة في الاخرة. والغفلة هى غيبة الشئ عن بال الانسان وعدم تذكره له.
(6) أى حاربه مطلقا او في اتباع الظن حيث ارتكب مانهاه (لح).
(7) الاستكانة: التواضع اى بلا تواضع لله.
(8) اى جنى عليه بما يهلكه.
[*]

[392]


وحسب غيه رشدا ; وغرته الاماني ; وأخذته الحسرة والندامة(1) إذا قضي الامر وانكشف عنه الغطاء وبداله ما لم يكن يحتسب ومن عتا(2) عن أمرالله شك ومن شك تعالى الله عليه(3) فأذله بسلطانه وصغره بجلاله كما اغتر بربه الكريم وفرط في أمره(4).
والغلو على أربع شعب: على التعمق بالرأي، والتنازع فيه، والزيغ، و الشقاق، فمن تعمق(5) لم ينب إلى الحق ولم يزدد إلا غرقا في الغمرات(6) ولم تنحسر عنه فتنة إلا غشيته اخرى، وانخرق دينه فهو يهوى في أمر مريج(7)، ومن نازع في الرأي وخاصم شهر بالعثل(8) من طول اللجاج، ومن زاغ قبحت عنده الحسنة و حسنت عند السيئة ومن شاق(9) أعورت عليه طرقه واعترض عليه أمره، فضاق عليه مخرجه إذا لم يتبع سبيل المؤمنين.
والشك على أربع شعب: على المرية، والهوى، والتردد، والاستسلام(10)

___________________________________
(1) أى أخذته الحسرة مما لحقه من الفضائح، والندامة مما فعله من القبائح.
(2) أى استكبر عن امره تعالى.
(3) " تعالى الله عليه " اى استولى الله عليه وأذله بتمكنه وقدرته (لح).
(4) اى قصر في طاعته.
(5) اى التعمق في الباطل وطلب أقصى غاية بالرأى والقياس. وقوله: " والتنازع فيه " اى مخاصمة الحق بالرأى الباطل. والزيغ أى الميل عن الحق إلى الباطل. والشقاق: المخالفة الشديدة مع اهل الحق.
وقوله: " لم يتب " اى لم يرجع (لح). وفى بعض النسخ [لم يتب].
(6) الغمرة: معظم الماء الساتر لمقرها. مثل للجهالة التى يغمر صاحبها والانحسار الانكشاف.
(7) قال الراغب، اصل المرج: الخلط والمرج الاختلاط، يقال: أمرهم مريج اى مختلط وقال البيضاوى في قوله تعالى: فهم في أمر مريج " اى مظطرب.
(8) العثل: الحمق. وفى أكثر النسخ [بالفشل] بالفاء والشين وهو الضعف والجبن.
(9) اى عارض ونازع اهل الدين والامام المبين. وقوله: " اعورت " اى صارت اعور، لاعلم لها فلا يهدى سالكها. وفى بعض النسخ [اوعرت] أى صعبت.
(10) المرية بالكسر والضم: الشك والجدل ومراه مماراة ومراء وامترى فيه وتمارى: شك " والتردد " أى بين الحق والباطل لان الشاك متردد تبينهما قد يختار هذا وقد يختار ذاك. والاستسلام: الانقياد لان الشاك واقف على الجهل مستسلم له (آت).
[*]

[393]


وهو قول الله عزوجل: فبأي آلاء ربك تتمارى(1) ".
وفي رواية اخرى: على المرية، والهول من الحق، والتردد، والاستسلام للجهل وأهله.
فمن هاله ما بين يديه نكص على عقبيه(2)، ومن امترى في الدين تردد في الريب(3)، وسبقه الاولون من المؤمنين، وأدركه الآخرون، ووطئته سنابك الشيطان(4)، ومن استسلم لهلكة الدنيا والآخرة هلك فيما بينهما، ومن نجا من ذلك فمن فضل اليقين، ولم يخلق الله خلقا أقل من اليقين.
والشبهة على أربع شعب: إعجاب بالزينة، وتسويل النفس، وتأول(5) العوج ولبس الحق بالباطل، وذلك بأن الزينة تصدف عن البينة وأن تسويل النفس تفحم على الشهوة(6)، وأن العوج يميل بصاحبه ميلا عظيما، وأن اللبس ظلمات بعضها فوق بعض فذلك الكفر ودعائمه وشعبه.

_____________________________
(1) النجم: 55. والممارت: المجادلة على مذهب الشك وشعبه.
(2) الهول: الخوف من الحق وقوله: " نكص " أى رجع عما كان عليه.
(3) أي تحير فيه لعدم النجاة منه.
(4) السنبك كقنفذ: ضرب من العدو وطرف الحافر، وهو كناية عن استيلاء الشيطان وجنوده من الجن والانس عليه (آت).
(5) التأول هذا بمعنى التأويل أى تأويل العوج وتغييره بوجه يخفى عوجه ويبرز استقامته فيظن انه مستقيم كما فعله أهل الخلاف في كثير من أحاديثهم الموضوعة (لح).
(6) صدف عنه: كما أنه جعل سائر أجزائه أجزاء لابواب أخر مرت في اول الكتاب (آت).