باب حب الدنيا والحرص عليها

1 علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن درست بن أبي منصور، عن رجل، عن أبي عبدالله عليه السلام، وهشام، عن أبي عبدالله عليه السلام(1) قال: راس كل خطيئة حب الدنيا.
2 علي، عن أبيه، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن حماد بن بشير قال: سمعت ابا عبدالله عليه السلام يقول: ماذئبان ضاريان في غنم قد فارقها رعاؤها، أحدهما في أولها والآخر في آخرها بأفسد فيها من حب المال والشرف في دين المسلم.
3 عنه، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: ما ذئبان ضاريان في غنم ليس لها راع، هذا في أولها وهذا في آخرها بأسرع فيها من حب المال والشرف في دين المؤمن.
4 محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن يحيى الخزاز، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن الشيطان يدير ابن آدم في كل شئ فإذا أعياه جثم له(2) عند المال فأخذ برقبته.
5 عنه، عن أحمد بن محمد، عن علي بن النعمان، عن أبي اسامة زيد، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من لم يتعز بعزاء الله تقطعت نفسه حسرات على الدنيا ومن أتبع بصره ما في أيدي الناس كثر همه ولم يشف

___________________________________
(1) كذا في جميع النسخ التى بأيدينا.
(2) " يدير ابن آدم " يبعثه على ارتكاب كل ضلالة ومعصية أو يكون معه ويلازمه عند عروض كل شبهة أو شهوة لعله يضله أويزله وقوله " إذاأعياه " أى لم يقبل منه ابن آدم حتى أعياه يترصد الشيطان له واختفى عند المال.
وجثم له جثما وجثوما: لزم مكانه ولم يبرح.
[*]

[316]


غيظه ومن لم يرلله عزوجل عليه نعمة إلا في مطعم أو مشرب أو ملبس فقد قصر عمله ودنا عذابه(1).
6 عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبدالله، عن يعقوب بن يزيد، عن زياد القندي، عن أبي وكيع، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث الاعور، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الدينار والدرهم أهلكامن كان قبلكم وهما مهلكا كم.
7 علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يحيى بن عقبة الازدي، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال أبوجعفر عليه السلام: مثل الحريص على الدنيا مثل دودة القز، كلما ازدادت من القز على نفسها لفا كان أبعد لها من الخروج حتى تموت غما(2).
وقال أبوعبدالله عليه السلام: أغنى الغنى من لم يكن للحرص أسيرا.
وقال: لاتشعروا قلوبكم(3) الاشتغال بما قد فات فتشغلوا أذها نكم عن الاستعداد لما لم يأت.
8 علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعلي بن محمد، جميعا عن القاسم بن محمد، عن

___________________________________
(1) العزاء الصبر والسلوة أو حسن الصبر، يقال: عزيته تعزية فتعزى ومعنى الحديث أن من لم يصبر ولم يحسن الصبر والسلوة على مارزقه الله من الدنيا بل أراد الزيادة في المال والجاه مما لم يرزقه اياه تقطعت نفسه متحسرا حسرة بعد حسرة على مايراه في يدى غيره ممن فاق عليه في العيش فهو لم يزل يتبع بصره ما في أيدى الناس ومن اتبع بصره ما في أيدى الناس كثر همه ولم يشف غيظه فهو لم ير أن لله عليه نعمة إلا نعم الدنيا وإنما يكون كذلك من لا يوقن بالاخرة ومن لم يوقن بالاخرة قصر عمله وإذا ليس له من الدنيا بزعمه الا قليل مع شدة طمعه في الدنيا وزينتها فقد دنى عذابه نعوذ بالله من ذلك ومنشأ ذلك كله الجهل وضعف الايمان وأيضا لما كان عمل أكثر الناس على قدر ما يرون من نعم الله عليهم عاجلاأو آجلا لا جرم من لم ير من النعم عليه الا القليل فلا يصدر عنه من العمل إلا قليل وهذا يوجب قصور العمل و دنو العذاب (في).
(2) هذا من أحسن التمثيلات للدنيا وقد أنشد بعضهم فيه.
ألم تر أن المرء طول حياته * حريص على ما يزال يناسجه كدود كدود القز ينسج دائما * فيهلك غما وسط ما هو ناسجه
(3) اى لاتلزموه إياه ولا تجعلوه شعارا.
[*]

[317]


سليمان المنقري، عن عبدالرزاق بن همام، عن معمر بن راشد، عن الزهري(1) محمد بن مسلم بن عبيد الله قال سئل علي بن الحسين عليهما السلام أي الاعمال أفضل عند الله؟ قال: ما من عمل بعد معرفة الله عزوجل ومعرفة رسوله صلى الله عليه وآله أفضل من بغض الدنيا فإن لذلك(2) لشعبا كثيرة وللمعاصي شعب فأول ما عصى الله به الكبر، معصية إبليس حين أبى واستكبر وكان من الكافرين، ثم الحرص وهي معصية آدم وحواء عليهما السلام حين قال الله عزوجل لهما: " كلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين(3) " فأخذا مالا حاجة بهما إليه، فدخل ذلك على ذريتهما إلى يوم القيامة وذلك أن أكثر ما يطلب ابن آدم مالا حاجة به إليه، ثم الحسد وهي معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله، فتشعب من ذلك حب النساء وحب الدنيا وحب الرئاسة وحب الراحة وحب الكلام وحب العلو والثروة، فصرن سبع خصال فاجتمعن كلهن في حب الدنيا فقال الانبياء والعلماء بعد معرفة ذلك: حب الدنيا رأس كل خطيئة والدنيا دنيا آن دنيا بلاغ ودنيا ملعونة.
9 وبهذا الاسناد، عن المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: في مناجاة موسى عليه السلام: يا موسى إن الدنيا دار عقوبة، عاقبت فيها آدم عند خطيئته وجعلتها ملعونة، ملعون ما فيها إلا ما كان فيها لي، يا موسى إن عبادي الصالحين زهدوا في الدنيا بقدر علمهم وسائر الخلق رغبوا فيها بقدر جهلهم وما من أحد عظمها فقرت عيناه فيها ولم يحقرها أحد إلا انتفع بها(4).

___________________________________
(1) في أكثر النسخ [عن الزهرى، عن محمد بن مسلم] والظاهر أنها سهو أو تصحيف فان الزهرى هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبدالله بن الحرت بن شهاب بن زهر بن كلاب وهو بدل أو عطف بيان للزهرى ويؤيده انه قد مر هذاالحديث بعينه في باب ذم الدنيا وليس فيه " عن " ولا ينافى ذلك كون مامر " محمد بن مسلم بن شهاب " لانه اسناد إلى الجد الاعلى هو شائع، والزهرى هو الذى خدم بنى امية منذ خمسين سنة وكان عاملا لبنى مروان ويتقلب في دنياهم روى بن ابى الحديد في شرح النهج عن جرير بن عبدالحميد عن محمد بن شيبة قال شهدت الزهرى وعروة بن الزبير في مسجد النبى صلى الله عليه وآله جالسين يذكران عليا ونالا منه وفى رجال الشيخ والعلامة والتفريشي، انه عدو.
(2) المشار إليه في قوله: " فان لذلك " بغض الدنيا أو الدنيا وقيل: العمل.
(3) البقرة: 35.
(4) " ما من أحد عظمهما فقرت عيناه فيها " اى عظمهما وتعلق قلبه بها تصير سببا لبعده عن الله.
ولاتبقى الدنيا له فيخسر الدنيا والاخرة ومن حقرهاتركها ولم يأخذ منها الا مايصير سببا لتحصيل الاخرة فينتفع بها في الدارين (آت) وفى بعض النسخ [فقرت عينا فيها].
[*]

[318]


10 محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن أبي جميلة، عن محمد الحلبي، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: ما ذئبان ضاريان في غنم قد فارقها رعاؤها، واحد في أولها وهذا في آخرها بأفسد فيها من حب المال والشرف في دين المسلم(1).
11 عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن منصور بن العباس عن سعيد بن جناح، عن عثمان بن سعيد، عن عبدالحميد بن علي الكوفي، عن مهاجر الاسدي، عن أبي عبدالله عليه السلام قال مر عيسى ابن مريم عليه السلام على قرية قدمات أهلها وطيرها ودوابها فقال: أما إنهم لم يموتوا إلا بسخطة(2) ولوماتوا متفرقين لتدافنوا، فقال الحواريون: يا روح الله وكلمته ! ادع الله أن يحييهم لنا فيخبرونا ما كانت أعمالهم فنجتنبها، فدعا عيسى عليه السلام ربه فنودي من الجو: أن نادهم، فقام عيسى عليه السلام بالليل على شرف من الارض فقال: يا أهل هذه القرية فأجابه منهم مجيب: لبيك يا روح الله وكلمته، فقال: ويحكم ماكانت أعمالكم؟ قال: عبادة الطاغوت وحب الدنيا مع خوف قليل وأمل بعيد وغفلة في لهو ولعب فقال: كيف كان حبكم للدنيا؟ قال: كحب الصبي لامه، إذا أقبلت علينا فرحنا وسررنا وإذا أدبرت عنا بكينا وحزنا، قال: كيف كانت عبادتكم للطاغوت قال: الطاعه لاهل المعاصي قال: كيف كان عاقبة أمركم؟ قال: بتنا ليلة في عافية و أصبحنا في الهاوية، فقال: وماالهاوية؟ فقال: سجين قال: وما سجين؟ قال: جبال من جمرت وقد علينا إلى يوم القيامة، قال: فماقلتم وماقيل لكم؟ قال: قلنا ردنا إلى الدنيا فنزهد فيها، قيل لنا: كذبتم، قال: ويحك كيف لم يكلمني غيرك من بينهم؟ قال: يا روح الله إنهم ملجمون بلجام من نار بأيدي ملائكة غلاظ شداد وإني كنت فيهم ولم أكن منهم، فلما نزل العذاب عمني معهم فأنا معلق بشعرة على شفيرجهنم(3) لا أدري اكبكب فيها أم أنجومنها، فالتفت عيسى عليه السلام

___________________________________
(1) تقدم بسند آخر.
(2) " بسخطة " السخط بالتحريك وبضم أوله وسكون ثانيه: الغضب.
(4) شفير جهنم: طرفه.
[*]

[319]


إلى الحواريين فقال: يا أولياء الله أكل الخبز اليابس بالملح الجريش(1) والنوم على المزابل خير كثير مع عافية الدنيا والآخرة.
2 1 علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: ما فتح الله على عبد بابا من أمر الدنيا إلا فتح الله عليه من الحرص مثله.
13 علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن حفص بن غياث، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال عيسى بن مريم صلوات الله عليه: تعملون للدنيا وأنتم ترزقون فيها بغير عمل ولا تعملون للآخرة وانتم لا ترزقون فيها إلا بالعمل ويلكم، علماء سوء، الاجر تأخذون، والعمل تضيعون، يوشك رب العمل(2) أن يقبل عمله ويوشك أن يخرجوا من ضيق الدنيا إلى ظلمة القبر، كيف يكون من أهل العلم من هو في مسيره إلى آخرته وهومقبل على دنياه وما يضره أحب إليه مما ينفعه.
14 عنه، عن أبيه، عن محمد بن عمرو فيما أعلم عن أبي علي الحذاء عن حريز، عن زرارة ; ومحمد بن مسلم، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: أبعد ما يكون العبد من الله عزوجل إذا لم يهمه إلا بطنه وفرجه.
15 محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن عبدالله بن سنان وعبدالعزيز العبدي، عن عبدالله بن أبي يعفور، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: من أصبح وأمسى والدنيا أكبر همه جعل الله تعالى الفقر بين عينيه وشتت أمره ولم ينل من الدنيا إلا ما قسم الله له ومن أصبح وأمسى والآخرة أكبر همه جعل الله الغنى في قلبه وجمع له أمره.

___________________________________
(1) في القاموس جرش الشى لم ينعم دقه فهو جريش وفى الصحاح ملح جريش لم يطيب.
قوله: " مع عافية الدنيا " أى في الدنيا من تشويش البال وفى الاخرة من العذاب.
(2) اريد برب العمل: العابد الذى تقلد اهل العلم في عبادته اعنى يعمل بما يأخذ عنهم، وفيه توبيخ لاهل الغير العامل (في). وقرأبعضهم " يقيل " بالياء المثناة من الاقالة أى يرد عمله فان المقيل يرد المتاع.
[*]

[320]


16 علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن سنان، عن حفص ابن قرط، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: من كثر اشتباكه بالدنيا كان أشد لحسرته عند فراقها.
17 علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عبدالعزيز العبدي، عن ابن أبي يعفور قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: من تعلق قلبه بالدنيا تعلق قلبه بثلاث خصال: هم لايفنى وأمل لايدرك ورجاء لاينال.