باب الكبائر

1 عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن أبي جميلة، عن الحلبي، عن أبي عبدالله عليه السلام: في قول الله عزوجل: " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما(2) " قال: الكبائر، التي أوجب الله عزوجل عليها النار.
2 عنه، عن ابن محبوب قال: كتب معي بعض أصحابنا إلى أبي الحسن عليه السلام يسأله عن الكبائر كم هي وما هي؟ فكتب: الكباثر: من اجتنب ما وعد الله عليه النار كفر عنه سيئاته إذا كان مؤمنا والسبع الموجبات(3): قتل النفس الحرام وعقوق الوالدين

___________________________________
(2) النساء: 31.
(3) عطف على " ماوعد الله " اى من اجتنب السبع الموجبات للنار كفر عنه سيئاته.
من باب عطف الخاص على العام لان الكبائر أكثر منها (لح). [*]

[277]


وأكل الربا، والتعرب بعد الهجرة(1) وقذف المحصنات، وأكل مال اليتيم، والفرار من الزحف(2).
3 علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن عبدالله بن مسكان، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سمعته يقول: الكبائر سبع: قتل المؤمن متعمدا(3) وقذف المحصنة، والفرارمن الزحف، والتعرب بعد الهجرة، وأكل مال اليتيم ظلما، وأكل الربا بعد البينة(4) وكل ما أوجب الله عليه النار.

___________________________________
(1) التعرب بعد الهجرة هو أن يعود إلى البادية ويقيم مع الاعراب بعد أن كان مهاجرا وكان من رجع بعد الهجرة إلى موضعه من غير عذر يعدونه كالمرتد.
كذا قاله ابن الاثير في نهايته ولا يبعد تعميمه لكل من تعلم آداب الشرع وسننه ثم تركها واعرض عنها ولم يعمل بها ويؤيده ما رواه الصدوق طاب ثراه في معانى اللاخبار باسناده إلى الصادق (ع) انه قال: المتعرب بعد الهجرة التارك لهذا الامر بعد معرفته.
والتعرب انما نهى عنه لاستلزامه ترك الدين والبعد عن العلم و الاداب كما قال الله تعالى: " الاعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله " واما إذا كان بعد الفقه والعلم فلا يكون تعربا ولذا وردأن التعرب هو ترك التعلم أو ترك الدين وقال بعض أصحابنا.
التعرب بعد الهجرة في زماننا هذا أن يشتغل الانسان بتحصيل العلم ثم يتركه ويصير منه غريبا، وقال العلامة (قدس سره) في المنتهى لما نزل قوله تعالى: " ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها " أوجب النبى صلى الله عليه وآله المهاجرة على من يضعف عن اظهار شعائرالاسلام.
وقذف المحصنة بفتح الصاد: رمى العفيفة غير المشهورة بالزنا وظاهر الخبر شموله لما إذا كان القاذف رجلا أو إمرأة وإن كان ظاهر الايات التخصيص بالرجال لكن أجمعوا على أن حكم النساء وحكم الرجال أيضا في الحد كذلك.
(2) الزحف: المشى يقال: زحف إليه زحفا وزحوفا من باب منع أى مشى.
ويطلق على الجيش الكبير تسمية بالمصدر.
والفرار من العدو بعد الالتقاء بشرط أن لايزيد وعلى الضعف كبيرة الا في التحرف لقتال أو التحيز إلى فئة والمراد بالتحرف لقتال الاستعداد له بأن يصلح آلات الحرب أو يطلب الطعام والماء لجوعه أو عطشه أو يجتنب عن مواجهة الشمس والريح أو يطلب مكانا أحسن أو نحو ذلك (آت).
(3) قد وقع في بعض الروايات أن المعتمد هو أن يقتله لايمانه ليكون الخلود بمعناه (آت) أراد به قوله تعالى: " ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزؤه جهنم خالدا فيها " والقاعدة المسلمة أن الخلود لمن كفر بالله تعالى أو أشرك أو الحد في دينه فقط ومن قتل مؤمنا إن قتله لايمانه فهو كافر بالله وإن قتله لغير ذلك فهو فسق جزاؤه دخول النار لا الخلود.ليس في مرتبة هذه الست في الكبر ولا في عدادها لم يعد معها مفصلا كانها بمجموعها كواحد مثلها.(في). [*]

[278]


4 يونس، عن عبدالله بن سنان قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: إن من الكبائر عقوق الوالدين، واليأس من روح الله، والامن لمكرالله(1).
وقدروي [أن] أكبر الكبائر الشرك بالله.
5 يونس، عن حماد، عن نعمان الرازي قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: من زنى خرج من الايمان، ومن شرب الخمر خرج من الايمان، ومن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا خرج من الايمان.
6 عنه، عن محمد بن عبده قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: لايزني الزاني وهو مؤمن؟ قال: لا، إذا كان على بطنها سلب الايمان فاذا قام رد إليه فاذا عاد سلب قلت: فإنه يريد أن يعود؟ فقال: ما أكثر من يريد أن يعود فلا يعود إليه أبدا.
7 يونس، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عزوجل: " الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش إلا اللمم(2) " قال: الفواحش الزنى والسرقة، واللمم: الرجل يلم بالذنب فيستغفر الله منه.
قلت: بين الضلال والكفر منزلة؟ فقال: ما أكثر عرى الايمان(3).
8 علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبدالرحمن بن الحجاج عن عبيدبن زرارة قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الكبائر، فقال: هن في كتاب علي عليه السلام سبع: الكفر بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، وأكل الربا بعد البينة، وأكل مال اليتيم ظلما، والفرار من الزحف، والتعرب بعد الهجرة، قال: فقلت: فهذا أكبر المعاصي؟ قال: نعم قلت: فأكل درهم من مال اليتيم ظلما أكبر أم ترك الصلاة؟ قال: ترك الصلاة، قلت: فما عددت ترك الصلاة في الكبائر؟ فقال: أي شئ أول ما

___________________________________
(1) " الامن لمكر الله " أى عذابه واستدراجه وإمهاله عند المعاصى (آت).
(2) اللمم: صغار الذنوب قال الراغب: اللمم: قاربة المعصية وعبربه عن الصغير.
ويقال: فلان يفعل كذا لمما أى حينا بعد حين وذلك قوله: " الذين يجتنبون كبائرالاثم والفواحش إلا اللمم " وهو من قولك: ألممت بكذا إذا نزلت به وقاربته من غير مواقعة.
(3) أراد السائل هل يوجد ضال ليس بكافر أو كل من كان ضالا فهو كافر فاشار عليه السلام في جوابه باختيار الشق الاول وبين ذلك بان عرى الايمان كثيرة منها ما هو بحيث من يتركها لا يصير كافرا بل يصير ضالا، فقد تحقق المنزلة بينهما بتحقق بعض عرى الايمان دون بعض والمراد بعرى الايمان مراتبه تشبيها بعروة الكوز في احتياج حمله إلى التمسك بها.
[*]

[279]


قلت لك؟ قال قلت: الكفر، قال: فإن تارك الصلاة كافر. يعني من غير علة(1).
9 عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن حبيب، عن عبدالله بن عبدالرحمن الاصم، عن عبدالله بن مسكان، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: ما من عبد إلا وعليه أربعون جنة(2) حتى يعمل أربعين كبيرة فإذا عمل أربعين كبيرة انكشفت عنه الجنن فيوحي الله إليهم أن استروا عبدي بأجنحتكم فتستره الملائكة بأجنحتها، قال: فمايدع شيئا من القبيح إلا قارفه(3) حتى

___________________________________
(1) قوله: " يعنى " من كلام المؤلف أو بعض الرواة وكونه من كلامه عليه السلام على سبيل الالتفات بعيد جدا (آت).
(2) الجنة بالضم: السترة والجمع جنن بضم الجيم وفتح النون. وكأن المراد بالجنن الطافه سبحانه التى تصير سببا لترك المعاصى وامتناعه، فبكل كبيرة كانت من نوع واحد أو أنواع مختلفة يستحق منع لطف من ألطافه أورحماته تعالى وعفوه وغفرانه فلا يفضحه الله بها فاذا استحق غضب الله سلبت عنه لكن يرحمه سبحانه ويأمر الملائكة بستره ولكن ليس سترهم كستر الله تعالى. أو المراد بالجنن ترك الكبائر فان تركها موجب لغفران الصغائر عند الله وسترها عن الناس فاذا عمل بكبيرة لم يتحتم على الله مغفرة صغائره وشرع الناس في تجسس عيوبه وهكذا إلى أن يعمل جميع الكبائر وهى أربعون تقريبا فيفتضح عند الله وعند الناس بكبائره وصغائره. أو أراد بالجنن الطاعات التى هى مكفرة لذنوبه عند الله وساترة لعيوبه عند الناس ويؤيده ما ورد عن الصادق عليه السلام أن الصلاة سترة وكفارة لما بينها من الذنوب فهذه ثلاثة وجوه خطر بالبال على سبيل الامكان والاحتمال (آت).
وقال الفيض (ره): كأن الجنن كناية عن نتائج أخلاقه الحسنة وثمرات اعماله الصالحة التى تخلق منها الملائكة. واجنحة الملائكة كناية عن معارفه الحقة التى بها يرتقى في الدرجات وذلك لان العمل أسرع زوالا من المعرفة وإنما يأخذ في بعض اهل البيت لانهم الحائلون بينه وبين الذنوب التى صارت محبوبة له ومعشوقة لنفسه الخبيثة بمواعضهم ووصاياهم عليهم السلام انتهى. وقيل إن تلك الجنن اجنحة الملائكة ولا يخفى إباء مابعده عنه إلا بتكليف تام. وله معنى آخر وهو السادس من الوجوه التى ذكروه وهو أن المراد بالجنن الملائكة أنفسهم لانهم جنن له من دفع شر الشيطان ووساوسه فاذا عمل كبيرة فارق عنه ملك إلى أن يفارق الجميع فاذا فارقوه جميعا أوحى الله إليهم أن إستروه بأجنحتكم من بعيد ليكون محفوضا في الجملة من شر الشياطين فضمير إليهم في قوله: " فيوحى الله إليهم " راجع إلى الجنن.
(3) اقترف الذنب: اتاه وفعله. وقارفه: قاربه. وقوله: " حتى يمتدح " في القاموس تمدح: تكلف أن يمدح وافتخر وتشبع بما ليس عنده وقال: مدحه كمنعه: أحسن الثناء عليه كمدحه وامتدحه وتمدحه. فالامتداح استعمل هنا بمعنى التمدح وفى بعض النسخ [يمتدح] وهو أظهر. [*]

[280]


يمتدح إلى الناس بفعله القبيح، فيقول الملائكة: يارب هذا عبدك ما يدع شيئا إلاركبه وإنا لنستحيي مما يصنع، فيوحي الله عزوجل إليهم أن ارفعوا أجنحتكم عنه فإذا فعل ذلك أخذ في بغضنا أهل البيت فعندذلك ينهتك ستره في السماء وستره في الارض، فيقول الملائكة: يارب هذا عبدك قد بقي مهتوك الستر(1) فيوحي الله عزوجل إليهم: لو كانت لله فيه حاجة ما أمركم أن ترفعوا أجنحتكم عنه.
ورواه ابن فضال، عن ابن مسكان.
10 علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم عن مسعدة بن صدقة قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: الكبائر: القنوط من رحمة الله، واليأس(2)، من روح الله، والامن من مكر الله، وقتل النفس التي حرم الله، وعقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم ظلما، وأكل الربا بعد البينة، والتعرب بعد الهجرة، وقذف المحصنة، والفرار من الزحف، فقيل له: أرأيت المرتكب للكبيرة يموت عليها، أتخرجه من الايمان، وإن عذب بها فيكون عذابه كعذاب المشركين، أوله انقطاع؟ قال: يخرج من الاسلام إذا زعم أنها حلالولذلك يعذب أشد العذاب وإن كان معترفا بأنها كبيرة وهي عليه حرام وأنه يعذب عليها وأنها غير حلال، فإنه معذب عليها وهو أهون عذابا من الاول ويخرجه من الايمان ولا يخرجه من الاسلام.
11 محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن ابن بكير قال: قلت لابي جعفر عليه السلام في قول رسول الله صلى الله عليه وآله: وإذا زنى الرجل فارقه روح الايمان؟ قال: هو قوله: " وأيدهم بروح منه " ذاك الذي يفارقه

___________________________________
(1) لايقال: قول الملائكة هذا بناء على أنهم يريدون ستره وهذا ينافى قولهم المذكور قبله لاشعاره بانهم يريدون هتك ستره، لانا نقول: دلالة قولهم الاول على ذلك ممنوع لاحتمال أن يكون طالبا لاصلاحه وتوفيقه كما يومي إليه قوله تعالى: " لوكان لله فيه حاجة " أى كان مستحقا للطف والتوفيق (آت).
(2) وفى بعض النسخ [والاياس]. ولعل الثانية عطف بيان للاولى لعدم التغاير بينهما في المعنى إذلا فرق بين اليأس والقنوط ولابين الروح والرحمة وربما يخص اليأس بالامور الدنيوية والقنوط بالامور الاخروية (في).
[*]

[281]


12 علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن ربعي، عن الفضيل، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: يسلب منه روح الايمان مادام على بطنها فإذا نزل عادالايمان قال: قلت [له]: أرأيت إن هم(1)؟ قال: لا، أرأيت إن هم أن يسرق أتقطع يده؟.
13 علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن صباح بن سيابة قال: كنت عند أبي عبدالله عليه السلام فقال له محمد بن عبده: يزني الزاني وهو مؤمن؟ قال: لا إذا كان على بطنها سلب الايمان منه فإذا قام رد عليه، قلت: فانه أرادأن يعود؟ قال: ما أكثر ما يهم أن يعود ثم لا يعود.
14 الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الوشاء، عن أبان، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سمعته يقول: الكبائر سبعة(2): منها قتل النفس متعمدا، والشرك بالله العظيم، وقدف المحصنة، وأكل الربا بعد البينة، والفرار من الزحف والتعرب بعد الهجرة، وعقوق الوالدين، وأكل مال اليتيم ظلما، قال: والتعرب والشرك واحد.
(3) 15 أبان، عن زياد الكناسي(4) قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: والذي إذادعاه أبوه لعن أبا ه والذي إذا أجابه ابنه يضربه(5).
16 عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد خالد، عن أبيه، رفعه، عن محمد بن داود الغنوي، عن الاصبغ بن نباتة قال: جاء رجل إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه فقال:

___________________________________
(1) أى إن قصد الزنا هل يفارقه روح الايمان، او إن كان بعد الزنا قاصدا للعود هل يمنع ذلك عود الايمان؟ قال: لا والاول أظهر (آت)
(2) كأن التاء بتأويل الكبيرة بالذنب إن لم يكن من تصحيف النساخ وليست لفظة " سبعة " في الوافى(3) آخر الحديث اعتذار عما يترا أى من المخالفه بين الاجمال والتفصيل في العدد فذكره بعده من قبيل ذكر الخاص بعد العام لبيان الفرد الحفى.
(4) يمكن أن يكون عطفا على الخبر السابق بان الكناسى روى الخبر السابق مع هذه الزيادة(5) " يضربه " من الضرب أو من الاضرار وهما داخلان في العقوق.
[*]

[282]


يا أمير المؤمنين إن ناسا زعمو أن العبد لا يزني وهو مؤمن ولا يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر وهو مؤمن ولا يأكل الربا وهو مؤمن ولايسفك الدم الحرام وهو مؤمن، فقد ثقل علي هذا وحرج منه صدري حين أزعم أن هذا العبد يصلي صلاتي ويدعو دعائي ويناكحني وانا كحه ويوارثني واوارثه وقد خرج من الايمان من أجل ذنب يسير أصابه، فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: صدقت سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول، والدليل عليه كتاب الله.
خلق الله عزوجل الناس على ثلاث طبقات وأنزلهم ثلاث منازل وذلك قول الله عزوجل في الكتاب: أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة والسابقون(1)، فأما ما ذكر من أمر السابقين فإنهم أنبياء مرسلون وغير مرسلين، جعل الله فيهم خمسة أرواح: روح القدس وروح الايمان وروح القوة وروح الشهوة وروح البدن، فبروح القدس بعثوا أنبياء مرسلين وغير مرسلين وبها علموا الاشياء وبروح الايمان عبدوا الله ولم يشركوا به شيئا وبروح القوة جاهدوا عدو هم وعالجوا معاشهم وبروح الشهوة أصابوا لذيذ الطعام ونكحوا الحلال من شباب النساء، وبروح البدن دبوا ودرجوا(2) فهؤلاء مغفورلهم مصفوح عن ذنوبهم(3) ثم قال: قال الله عزوجل: " تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس " ثم قال: في جماعتهم " وأيدهم بروح منه(4) " يقول: أكرمهم بها ففضلهم على من سواهم، فهؤلاء مغفور لهم مصفوح عن ذنوبهم.
ثم ذكر أصحاب الميمنة وهم المؤمنون حقا بأعيانهم، جعل الله فيهم أربعة أرواح: روح الايمان وروح القوة وروح الشهوة وروح البدن، فلا يزال العبد

___________________________________
(1) اشارة إلى قوله سبحانه في سورة الواقعة: " وكنتم أزواجا ثلاثة فاصحاب الميمنة.. الاية ".
(2) دب: مشى كالحية ودرج بمعناه.
(3) هاتان الفقرتان ليستافى البصائر وعلى مافى الكتاب كأن الذنب هنا مادل على ترك الاولى او كنايتان عن عدم صدورها عنهم.
(4) البقرة: 253.
[*]

[283]


يستكمل هذه الارواح الاربعة حتى تاتي عليه حالات، فقال الرجل: يا أمير المؤمنين ما هذه الحالات؟ فقال: أما اولا هن فهو كما قال الله عزوجل: " ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم بعد علم شيئا(1) " فهذا ينتقص منه جميع الارواح وليس بالذي يخرج من دين الله لان الفاعل به رده إلى أرذل عمره فهو لايعرف للصلاة وقتا ولا يستطيع التهجد بالليل ولا بالنهار ولاالقيام في الصف مع الناس فهذا نقصان من روح الايمان وليس يضره شيئا ; ومنهم من ينتقص منه روح القوة، فلا يستطيع جهاد عدوه ولا يستطيع طلب المعيشة ومنهم من ينتقص منه روح الشهوة فلو مرت به أصبح بنات آدم يحن إليها(2) ولم يقم وتبقى روح البدن فيه فهو يدب ويدرج حتى يأتيه ملك الموت فهذا الحال خير(3) لان الله عزوجل هو الفاعل به وقد تأتي عليه حالات في قوته وشبابه فيهم بالخطيئة فيشجعه روح القوة ويزين له روح الشهوة ويقوده روح البدن حتى توقعه في الخطيئة فإذا لا مسها نقص من الايمان وتفصى منه(4) فليس يعود فيه حتى يتوب، فإذا تاب تاب الله عليه وإن عاد أدخله الله نار جهنم.
فأما أصحاب المشأمة فهم اليهود والنصارى يقول الله عزوجل: " الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناء هم " يعرفون محمدا والولاية في التوارة والانجيل كما يعرفون أبناء هم في منازلهم " وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون " " الحق من ربك (أنك الرسول إليهم) فلا تكونن من الممترين(5) " فلما جحدوا ما عرفوا ابتلاهم [الله] بذلك فسلبهم روح الايمان وأسكن أبدانهم ثلاثة أرواح روح القوة وروح الشهوة وروح البدن، ثم أضافهم إلى الانعام، فقال: " إن هم

___________________________________
(1) النحل: 70 وسيأتى في الروضة أن أرذل العمر مائة سنة.
(2) " أصبح بنات آدم " اى أحسن وجها. وفى بعض النسخ [أحسن بنات آدم]. وقوله: " لم يحن " أى لايشتاق إليها. وقوله: " لم يقم " أى لم يقم إليها لطلبهاو مراودتها.
(3) والحال صفة فمذكر ومؤنث فيقال: حال حسن وحسنة وفى بعض النسخ [بحال خير](4) بالفاء والصاد المهملة أى خرج من الايمان أو خرج الايمان منه.
(5) البقرة: 146، 147.
[*]

[284]


إلا كالا نعام(1) " لان الدابة إنما تحمل بروح القوة وتعتلف بروح الشهوة وتسير بروح البدن، فقال [له] السائل: أحييت قلبي بإذن الله يا أمير المؤمنين.
17 علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن داود قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا زنا الرجل فارقه روح الايمان؟ قال: فقال: هو مثل قول الله عزوجل [: " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون(2) " ثم قال: غير هذا أبين منه، ذلك قول الله عزوجل]: " وأيدهم بروح منه " هو الذي فارقه.
18 يونس، عن ابن بكير، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " إن الله لايغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء(3) " الكبائر فما سواها قلا: قلت: دخلت الكبائر في الاستثناء قال: نعم.
(4) 9 1 يونس، عن إسحاق بن عمار قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: الكبائر فيها استثناء أن يغفر لمن يشاء؟ قال: نعم.
20 يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سمعته يقول: " ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خبرا كثيرا(5) " قال: معرفة الامام واجتناب الكبائر التي أوجب الله عليها النار.
21 علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن حكيم قال: قلت: لابي الحسن عليه السلام: الكبائر تخرج من الايمان؟ فقال: نعم ومادون الكبائر

___________________________________
(1) الفرقان: 44.
(2) ما بين القوسين ليس في بعض النسخ وهو أظهر وعلى تقديره فصدر الاية " ياايها الذين آمنوا انفقوا من طيبات ماكسبتم ومما اخرجنا لكم من الارض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " سورة البقرة آية 268. وقوله سبحانه: " تنفقون " حال مقدرة من فاعل " تيمموا " ويجوز أن يتعلق به منه يكون الضمير للخبيث.
(3) النساء: 48.
(4) قوله: " في الاستثناء " أى في التعليق بالمشيئة.
(5) البقرة: 269.
[*]

[285]


قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لايزني الزاني وهو مؤمن ولا يسرق السارق وهو مؤمن.
2 2 ابن أبي عمير، عن علي [بن] الزيات، عن عبيد بن زرارة قال: دخل ابن قيس الماصر وعمرو بن ذر وأظن معهما أبوحنيفة على أبي جعفر عليه السلام فتكلم ابن قيس الماصر فقال: إنا لا نخرج أهل دعوتنا وأهل ملتنا من الايمان في المعاصي والذنوب، قال: فقال له أبوجعفر عليه السلام: يا ابن قيس أما رسول الله صلى الله عليه وآله فقد قال: لايزني الزاني وهو مؤمن ولا يسرق السارق وهو مؤمن، فاذهب أنت وأصحابك حيث شئت.
23 علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن عبدالله بن سنان قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الرجل يرتكب الكبيرة من الكبائر فيموت، هل يخرج ذلك من الاسلام وإن عذب كان عذابه كعذاب المشركين أم له مدة وانقطاع؟ فقال: من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنها حلال أخرجه ذلك من الاسلام و عذب أشد العذاب وإن كان معترفا أنه أذنب ومات عليه أخرجه من الايمان ولم يخرجه من الاسلام وكان عذابه أهون من عذاب الاول.
24 عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عبدالعظيم بن عبدالله الحسني قال: حدثني أبوجعفر صلوات الله عليه قال: سمعت أبي يقول: سمعت أبي موسى بن جعفر عليهم السلام يقول: دخل عمرو بن عبيد(1) على أبي عبدالله عليه السلام فلما سلم وجلس تلا هذه الآية: " الذين يجتنبون كبائر الاثم والفواحش(2) " ثم أمسك فقال له أبوعبدالله عليه السلام: ما أسكتك؟ قال: احب أن أعرف الكبائر من كتاب الله عزوجل، فقال: نعم يا عمرو أكبر الكبائر الاشراك بالله، يقول الله: " ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة(3) " وبعده الاياس من روح الله، لان الله عزوجل يقول: " إنه لاييأس من روح الله الا القوم الكافرون(4) ثم الامن لمكر الله، لان الله

___________________________________
(1) الظاهر أنه عمروبن عبيد المعتزلى المعروف.
(2) النجم: 2 3.
(3) المائدة: 72. والاية في المصاحف هكذا " انه من يشرك بالله.. الخ "
(4) يوسف: 87.
[*]

[286]


عزوجل يقول: " فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون(1) " ومنها عقوق الوالدين لان الله سبحانه جعل العاق جبارا شقيا(2) وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، لان الله عزوجل يقول: " فجزاؤه جهنم خالدا فيها.. إلى آخر الآية(3) " وقذف المحصنة، لان الله عزوجل يقول: " لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم(4) " وأكل مال اليتيم، لان الله عزوجل يقول: " إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا(5) " والفرار من الزحف لان الله عزوجل يقول: " ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير(6) " وأكل الربا لان الله عزوجل يقول: " الذين يأكلون الربا لايقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس(7) " والسحر، لان الله عزوجل يقول: " ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق(8) " والزنا، لان الله عزوجل يقول: " ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا(9) " واليمين الغموس الفاجرة(10) لان الله عزوجل يقول: " الذين يشترون

___________________________________
(1) الاعراف 99.
(2) اشارة إلى قوله سبحانه في سورة مريم: " وبرا بوالدتى ولم أك جبارا شقيا .
(3) النساء: 93.
(4) النور: 23 " لعنوا في الدنيا " أى ابعدوامن رحمة الله.
(5) النساء: 10.
(6) الانفال: 16. قوله: " متحرفا.. اه " حال، يريد الكر بعد الفر تغريرا للعدوفانه من مكائد الحرب.
(7) البقرة: 277. اى الذى يصرعه الشيطان من الجنون. ومن المس متعلق بيتخبط و من للتبين.
(8) البقرة: 102. اى اذى اشترى السحر بدل دين الله. والخلاق: النصيب.
(9) الفرقان: 69 وقوله: " يلق أثاما " أى عقوبة وجزاء لما فعل. وقوله: " يخلد فيه مهانا " اى يدوم في العذاب مستخفا.
(10) في النهاية اليمين الغموس هى اليمين الكاذبة الفاجرة كالتى يقتطع بها الحالف مال غيره، سميت غموسا لانها تغمس صاحبها في الاثم ثم في النار وفعول للمبالغة.
[*]

[287]


بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا اولئك لاخلاق لهم في الآخرة(1) " والغلول لان الله عز وجل يقول: " ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة(2) " ومنع الزكاة المفروضة، لان الله عزوجل يقول: فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم(3) " وشهادة الزور وكتمان الشهادة لان الله عزوجل يقول: " ومن يكتمها فإنه آثم قلبه(4) " وشرب الخمر لان الله عزوجل نهى عنها كما نهى عن عبادة الاوثان وترك الصلاة متعمدا أو شيئا مما فرض الله، لان رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من ترك الصلاة متعمدا فقد برئ من ذمة الله وذمة رسول الله صلى الله عليه وآله، ونقض العهد وقطيعة الرحم،، لان الله عزوجل يقول: " اولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار(5) " قال: فخرج عمرو وله صراخ من بكائه وهو يقول: هلك من قال برأيه ونازعكم في الفضل والعلم.

___________________________________
(1) آل عمران: 77.
(2) آل عمران: 161. والغلول: الخيانة في المغنم والسرقة من الغنيمة قبل القسمة.
(3) التوبة: 35. وكوى فلانا أى أحرق جلده بحديدة.
(4) البقرة: 283.
(5) التوبة: 26. " سوء الدار " أى عذاب جهنم أو سوء عاقبة الدار في مقابلة عقبى الدار.