باب الهداية أنها من الله عزوجل

1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل، عن إسماعيل السراج، عن ابن مسكان، عن ثابت بن سعيد قال: قال أبوعبدالله: يا ثابت مالكم وللناس، كفوا عن الناس ولا تدعوا أحدا إلى أمركم، فوالله لو أن أهل السماوات وأهل الارضين اجتمعوا على أن يهدوا عبدا يريد الله ضلالته ما استطاعوا على أن يهدوه، ولو أن أهل السماوات وأهل الارضين اجتمعوا على أن يضلوا عبدا يريد الله هدايته ما استطاعوا أن يضلوه، كفوا عن الناس ولا يقول أحد: عمي وأخي وابن عمي وجاري، فإن الله إذا أراد بعبد خيرا طيب روحه فلا يسمع معروفا إلا عرفه ولا منكرا إلا أنكره، ثم يقذف الله في قلبه كلمة يجمع بها أمره.(1)

___________________________________

(1) مسألة ان (الهداية لله وليس للناس فيها صنع) مما ثبتت بالنقل والعقل وان كان مستبعدا في بادئ النظر جدا، فاستمع لما يتلى: المعارف الالهية العالية كالتوحيد والنبوة والامامة ونظائرها مما لا يكفى فيها مجرد العلم واليقين كما قال تعالى: (جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم - الاية -) وقال تعالى: (وأضله الله على علم - الاية -) بل يحتاج مع العلم النظرى إلى الايمان بها وهو مطاوعة نفسانية وانفعال قلبى خاص يوجب الجريان في الجملة بالاعمال المناسبة للعلم المفروض وكما ان العلوم النظرية معلومة للانظار والافكار الصحيحة المنتجة، كذلك هذا الاذعان والقبول القلبى معلول لملكات او احوال قلبية مناسبة له فلا يمكن للبخيل الذى فيه ملكة راسخة من البخل ان يؤمن بحسن السخاء وبذل المال الا إذا حصل - في نفسه من جهة حسن التربية وتراكم العمل حالة الانقياد والقبول بحسن السخاء والجود بزوال الصورة المباينة من البخل فالاستدلال للحق انما يوجب ظهوره على من كان صحيح النظر واما إيمانه به و انقياده له فله سبب تكوينى هو حصول الحالة او الملكة النفسانية الملائمة لحصوله وليس مستندا إلى اختيار الانسان حتى يوجد في نفسه او في غيره الانقياد والايمان بالحق من دون سببه التكوينى وهو الهيئة النفسانية المذكورة، فثبت ان للايمان والاهتداء وغير ذلك سببا تكوينيا غير ارادة الانسان واختياره وهو مجموع النظر الصحيح والهيئة النفسانية الملائمة الغير المنافية للحق، فهو منسوب إلى الله سبحانه دون اختيار الانسان على حد ساير الامور التكوينية المنسوبة اليه تعالى.

ولذلك كانت الروايات تنسب الايمان والكفر والهداية والضلال إلى الله سبحانه وتنفى كونها باختيار الانسان وتنهى عن الاصرار في القبول والمراء والجدال في الدعوة إلى الحق كما يدل عليه قوله في رواية عقبة الاتية: (ولا تخاصموا الناس لدينكم فان المخاصمة ممرضة للقلب) الحديث فانها تثير عوامل العصبية والاباء عن الحق واما ما ورد في الكتاب والسنة من الاوامر بحسن التربية والحث على التبليغ والانذار والدعوة والتذكرة فانها مقربات للانسان من الايمان والطاعة وليست بموجبة و لا ملزمة وبالتأمل فيما ما ذكرناه يظهر معنى روايات الباب والله الهادى (الطباطبائى) [*]

[166]

2 - علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن أبن أبي عمير، عن محمد بن حمران، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال: إن الله عزوجل إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة من نور وفتح مسامع قلبه ووكل به ملكا يسدده، وإذا أراد بعبد سوء ا نكت في قلبه نكتة سوداء وسد مسامع قلبه ووكل به شيطانا يضله، ثم تلا هذه الآية: " فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ".

3 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن أبيه قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: اجعلوا أمركم لله، ولا تجعلوه للناس فإنه ما كان لله فهو لله، وما كان للناس فلا يصعد إلى الله، ولا تخاصموا الناس لدينكم فإن المخاصمة ممرضة للقلب، إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وآله: " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء " وقال: " أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " ذروا الناس فإن الناس أخذوا عن الناس وإنكم أخذتم عن رسول الله صلى الله عليه وآله، إني سمعت أبي عليه السلام يقول: إن الله عزوجل إذا كتب على عبد أن يدخل في هذا الامر كان أسرع إليه من الطير إلى وكره.

[167]

4 - أبوعلي الاشعري، عن محمد بن عبدالجبار، عن صفوان بن يحيى، عن محمد بن مروان، عن فضيل بن يسار قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: ندعو الناس إلى هذا الامر؟ فقال: لا يا فضيل إن الله إذا أراد بعبد خيرا أمر ملكا فأخذ بعنقه فأدخله في هذا الامر طائعا أو كارها(1).

تم كتاب العقل والعلم والتوحيد من كتاب الكافي ويتلوه، كتاب الحجة [في الجزء الثاني من كتاب الكافي تأليف الشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب الكلينى رحمة الله عليه].

___________________________________

(1) قوله: (طائعا او كارها اه‍) أى: سواء رضيته نفسه إذا كان محلى بحلية الصفات الكريمة النفسانية وملازمة التقوى وساعدته الدنيا كالانسان الصحيح البدن والقوى إذا عرض عليه غذاء لذيذ من غير مانع فانه يتناوله برضى من نفسه، أو كرهته نفسه إذا كان في نفسه مع صفة القبول صفات اخرى لا ترضاه او لم تساعده عليه الدنيا وكان دونه حظر خارجى كالانسان المريض يتناول الدواء الكريه الطعم على كره من شهوته ورضى من عقله الحاكم بلزوم شربه للصحة المطلوبة (الطباطبائى).

[*]