باب السعادة والشقاء

1 - محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن منصور ابن حازم، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن الله خلق السعادة والشقاء قبل أن يخلق خلقه فمن خلقه الله سعيدا لم يبغضه أبدا، وإن عمل شرا أبغض عمله ولم يبغضه، وإن كان شقيا لم يحبه أبدا وإن عمل صالحا أحب عمله وأبغضه لما يصير إليه، فإذا أحب الله شيئا

[153]

لم يبغضه أبدا وإذا أبغض شيئا لم يحبه أبدا(1)

2 - علي بن محمد رفعه، عن شعيب العقرقوفي، عن أبي بصير قال: كنت بين يدي أبي عبدالله عليه السلام جالسا وقد سأله سائل فقال: جعلت فداك يا ابن رسول الله من ين لحق الشقاء أهل المعصية حتى حكم الله لهم في علمه بالعذاب على عملهم؟ فقال أبوعبدالله عليه السلام: أيها السائل حكم الله عز وجل لا يقوم له أحد من خلقه بحقه، فلما حكم بذلك وهب لاهل محبته القوة على معرفته، ووضع عنم ثقل العمل بحقيقة ما هم أهله، ووهب لاهل المعصية القوة على معصيتهم لسبق علمه فيهم ومنعهم إطاقة القبول منه فوافقوا(2) ما سبق لهم في علمه ولم يقدروا أن يأتوا حالا تنجيهم من عذابه، لان علمه أولى بحقيقة التصديق وهو معنى شاء ما شاء وهو سره.

___________________________________

(1) مما لا شك فيه ولا ريب ان التربية مؤثرة في الانسان في الجملة وعلى ذلك بناء عمل النوع الانسانى في جميع ادوار حياته وانه يقرب بالتربية الجميلة إلى السعادة وبغيرها إلى غيرها بحسب ما يظن من معنى السعادة والشقاء وان ذلك بواسطة الافعال التى يرى الانسان تمكنه من فعلها وتركها (الافعال الاختيارية) فنسبة هذه الافعال إلى الانسان بالامكان (ممكن ان يفعل وان لا يفعل) وكذلك نسبة السعادة والشقاء (وهما نتيجتا تراكم الاوصاف النفسانية الحاصلة من هذه الافعال) اليه بالامكان، هذا والانسان احد أجزاء علة الفعل الصادر عنه كالاكل مثلا فان ارادة الانسان احد اجزاء العلة التى يمكن صدوره منه وإذا فرض مع ارادته وجود المادة وقرنها منه وصلاحية التناول وكذلك جميع ما يتوقف عليه وجوده من الشرائط وارتفاع الموانع من غير استثناء أصلا كان الفعل واجب الصدور ضرورى الوجود (لا يمكن ان لا يقع) إذا عرفت هذا ظهر لك ان السعادة والشقاء اللذين يلحقان الانسان بواسطة افعاله االاختيارية إذا نسبا إلى الانسان فقط كانت النسبة فيها الامكان والاختيار وإذا نسبا إلى مجموع العلة التامة التى احد اجزائها الانسان كانت النسبة الضرورة والحتم وأنت تعلم ان القضاء هو علم الله الله تعالى وحكمه من جهة العلل التامة فمن هنا تعلم ان كل انسان مقضى في حقه السعادة او الشقاء قضاء لا يرد ولا يبدل ولا ينافى ذلك امكان اختياره السعادة والشقاء، فقوله (ع) (ان الله خلق السعادة والشقاء قبل ان يخلق خلقه الخ) معناه انه تعالى علم ان العلل التامة ماذا يوجب في حق الانسان من سعادة وشقاء وحكم في ذلك ولا ينافى ذلك كون الافعال اختيارية للانسان وكذا السعادة والشقاء اللاحقين له من جهة افعاله والله تعالى يحب الجميل ويبغض القبيح الشرير فمن كان سعيدا احب الله ذاته وان كان ربما يصدر عنه الفعل القبيح المبغوض ومن كان شقيا ابغض ذاته وان كانت ربما يصدر عنه الفعل الحسن المحبوب.

وبهذا البيان يظهر معنى الروايتين التاليتين ايضا، فحكم الله تعالى وقضاؤه يتبع العلة التامة للشئ التى لا يتخلف عنه واما حكم الناس وقضاؤهم فيتبع علمهم الناقص ببعض جهات الشئ وشطرا من اجزاء علته الموجودة ولذلك ربما يتخلف فيختم لبعض من هو سعيد عندهم بالشقاء ولبعض من هو اشقى عندهم بالسعادة. (الطباطبائى)

(2) في بعض النسخ [فواقعوا]. [*]

[154]

3 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن النضر بن سويد عن يحيى بن عمران الحلبي، عن معلى بن عثمان، عن على بن حنظلة، عن أبي عبدالله عليه السلام، أنه قال: يسلك بالسعيد في طريق الاشقياء حتى يقول الناس: ما أشبهه بهم بل هو منهم ثم يتداركه السعادة، وقد يسلك بالشقي طريق السعداء حتى يقول الناس: ما أشبهه بهم، بل هو منهم ثم يتداركه الشقاء إن من كتبه الله سعيدا وإن لم يبق من الدنيا إلا فواق ناقة ختم له بالسعادة.