باب في ابطال الرؤية(1)

1 - محمد بن أبي عبد الله، عن علي بن أبي القاسم، عن يعقوب بن إسحاق(2) قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام أسأله: كيف يعبد العبد ربه وهو لا يراه؟ فوقع عليه السلام: يا أبا يوسف جل سيدي ومولاي والمنعم علي وعلى آبائي أن يرى، قال: وسألته: هل رأى رسول الله صلى الله عليه وآله ربه؟ فوقع عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى أرى رسوله بقلبه من نور عظمته ما حب.

2 - أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبدالجبار، عن صفوان بن يحيى قال: سألني

___________________________________

(1) اعلم أن الامة اختلفوا في رؤية الله سبحانه وتعالى عن ذلك على أقوال فذهب المشبهة و الكرامية إلى جواز رؤيته تعالى في الدارين في الجهة والمكان لكونه تعالى عندهم جسما وذهب الاشاعرة إلى جواز رؤيته تعالى في الاخرة منزها عن المقابلة والجهة والمكان وذهب المعتزلة والامامية إلى امتناعها في الدنيا والاخرة وقد دلت الايات الكريمة والبراهين العقلية والاخبار المتواترة عن أهل بيت الرسول صلوات الله عليهم على امتناعها مطلقا كما ستعرف وقد أفرد العلامة المجاهد السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي رحمة الله كتابا أسماه: (كلمة حول الرؤية) فجاء شكر الله سعيه - وافيا كما يهواه الحق ويرتضيه الانصاف ونحن نذكر منه بعض الادلة العقلية: منها: أن كل من استضاء بنور العقل يعلم أن الرؤية البصرية لا يمكن وقوعها ولا تصورها إلا أن يكون المرئي في جهة ومكان ومسافة خاصة بينه وبين رائيه، ولا بد أن يكون مقابلا لعين الرائي وكل ذلك ممتنع على الله تعالى مستحيل باجماع أهل التنزيه من الاشاعرة وغيرهم.

ومنها: ان الرؤية التي يقول الاشاعرة بامكانها ووقوعها اما ان تقع على الله كله فيكون مركبا محدودا متناهيا محصورا يشغل فراغ الناحية المرئي فيها فتخلو منه بقية النواحي واما أن تقع على بعضه فيكون مبعضا مركبا متحيزا وكل ذلك مما يمنعه ويبرأ منه أهل التنزيه من الاشاعرة وغيرهم.

ومنها: ان كل مرئي بجارحة العين مشار اليه بحدقتها وأهل التنزيه من الاشاعرة وغيرهم ينزهون الله تعالى عن أن يشار اليه بحدقة كما ينزهونه عن الاشارة اليه بأصبع أو غيرها.

ومنها أن الرؤية بالعين الباصرة لا تكون في حيز الممكنات ما لم تتصل اشعة البصر بالمرئي ومنزهو الله تعالى من الاشاعرة وغيرهم مجمعون على امتناع اتصال شئ ما بذاته جل وعلا.

ومنها: ان الاستقرار يشهد أن كل متصور لابد أن يكون اما محسوسا أو متخيلا من أشياء محسوسة، أو قائما في نفس المتصور بفطرته التي فطر عليها فالاول كالاجرام وألوانها المحسوسة بالبصر وكالحلاوة والمرارة ونحوهما من المحسوسة بافذائقة، والثاني كقول القائل: أعلام ياقوت نشرن على رماح من زبرجد ونحوه مما تدركه المخيلة مركبا من عدة اشياء أدركه البصر، والثالث: كالالم واللذة والراحة والعناء والسرور والحزن ونحوها مما يدركه الانسان من نفسه بفطرته، وحيث ان الله سبحانه متعال عن هذا كله لم يكن تصوره ممكنا.

(2) " يعقوب بن اسحاق " ظن اصحاب الرجال انه هو ابن السكيت والظاهر انه غيره لان ابن السكيت قتله المتوكل في زمان الهادي ولم يدرك أبا محمد العسكري عليه السلام (آت).

[*]

[96]

أبوقرة المحدث أن ادخله على أبي الحسن الرضا عليه السلام فاستأذنته في ذلك فأذن لي فدخل عليه فسأله عن الحلال والحرام والاحكام حتى بلغ سؤاله إلى التوحيد فقال أبوقرة: إنا روينا أن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيين فقسم الكلام لموسى ولمحمد الرؤية، فقال أبوالحسن عليه السلام: فمن المبلغ عن الله إلى الثقلين من الجن والانس " لا تدركه الابصار ولا يحيطون به علما.

وليس كمثله شئ " أليس محمد؟ قال: بلى قال: كيف يجيئ رجل إلى الخلق جميعا فيخبرهم أنه جاء من عند الله وأنه يدعوهم إلى الله بأمر الله فيقول: " لا تدركه الابصار ولا يحيطون به علما وليس كمثله شئ " ثم يقول أنا رأيته بعيني وأحطت به علما وهو على صورة البشر؟ ! أما تستحون؟ ! ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون ياتي من عند الله بشئ، ثم يأتي بخلافه من وجه آخر؟ ! قال أبوقرة: فإنه يقول: " ولقد رآه نزلة اخرى " فقال أبوالحسن عليه السلام: إن بعد هذه الآية ما يدل على ما رأى.

حيث قال: " ما كذب الفؤاد ما رأى " يقول: ما كذب فؤاد محمد ما رأت عيناه، ثم أخبر بما رأى فقال " لقد رأى من آيات ربه الكبرى(1) " فآيات الله غير الله وقد قال الله: " ولا يحيطون به علما(2) " فإذا رأته الابصار فقد أحاطت به العلم ووقعت المعرفة، فقال أبوقرة: فتكذب بالروايات؟ فقال أبوالحسن عليه السلام: إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبتها.

وما أجمع المسلمون عليه أنه لا يحاط به علما ولا تدركه الابصار وليس كمثله شئ؟.

3 - أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن سيف، عن محمد بن عبيد قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام أسأله عن الرؤية وما ترويه العامة والخاصة وسألته أن يشرح لي ذلك، فكتب بخطه: اتفق الجميع لا تمانع بينهم أن العرفة من جهة الرؤية ضرورة فإذا جاز أن يرى الله بالعين وقعت المعرفة ضرورة ثم لم تخل تلك المعرفة من أن تكون إيمانا أو ليست بإيمان فإن كانت تلك المعرفة من جهة الرؤية إيمانا فالمعرفة التي في دار الدنيا من جهة الاكتساب ليست بإيمان لانها ضده، فلا يكون في الدنيا مؤمن لانهم لم يروا الله عز ذكره وإن لم تكن تلك المعرفة التي من جهة

___________________________________

(1) الايات في سورة النجم 1 1 18.

(2) طه: 109.

[*]

[97]

الرؤية إيمانا لم تخل هذه المعرفة التي من جهة الاكتساب أن تزول ولا تزول في المعاد(1) فهذا دليل على أن الله عزوجل لا يرى بالعين إذ العين تؤدي إلى ما وصفناه.

4 - وعنه، عن أحمد بن إسحاق قال: كتبت إلى أبي الحسن الثالث عليه السلام أسأله عن الرؤية وما اختلف فيه الناس فكتب: لا تجوز الرؤية، ما لم يكن بين الرائي والمرئي هواء [لم](2) ينفذه البصر فإذا انقطع الهواء عن الرائي والمرئي لم تصح الرؤية، وكان في ذلك الاشتباه، لان الرائي متى ساوى المرئي في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه وكان ذلك التشبيه لان الاسباب لابد من اتصالها بالمسببات.

5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن معبد، عن عبدالله بن سنان، عن أبيه قال: حضرت أبا جعفر عليه السلام فدخل عليه رجل من الخوارج فقال له: يا أبا جعفر أي شئ تعبد؟ قال: الله تعالى، قال: رأيته؟ قال: بل لم تره العيون بمشاهدة الابصار(3) ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان، لا يعرف بالقياس ولا يدرك بالحواس ولا يشبه بالناس، موصوف بالآيات، معروف بالعلامات، لا يجور في حكمه، ذلك الله، لا إله إلا هو، قال: فخرج الرجل وهو يقول: " الله أعلم حيث يجعل رسالته "(4).

6 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر،

___________________________________

(1) إذ يلزم أن يحشروا بلا ايمان وفي توحيد الصدوق: أو لا تزول.

(2) كلمة " لم " في بعض النسخ موجودة وليست في بعضها فعلى الاول يكون قوله " لا تجوز الرؤية " بيانا للمدعى وقوله: " مالم يكن " ابتداء الدليل وعلى الثاني قوله: " لا تجوز " ابتداء الدليل وعلى التقديرين حاصل الكلام أنه (ع) استدل على عدم جواز الرؤية بأنها تستلزم كون المرئي جسمانيا ذا جهة وحيز، وبين ذلك بأنه لابد أن يكون بين الرائي والمري هواء ينفذه البصر وظاهره كون الرؤية بخروج الشعاع وان أمكن أن يكون كناية عن تحقق الابصار بذلك وتوقفه عليه فاذا لم يكن بينهما هواء وانقطع الهواء وعدم الضياء الذي هو أيضا من شرائط الرؤية عن الرائي و المرئي لم تصح الرؤية بالبصر، وكان في ذلك أي في كون الهواء بين الرائي والمرئي، الاشتباه يعنى شبه كل منهما بالاخر لان الرائي متى ساوى المرئي وماثله في النسبة إلى السبب الذي أوجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه ومشابهة أحدهما الاخر في توسط الهواء بينهما وكان في ذلك التشبيه أي كون الرائي والمرئي في طرفي الهواء الواقع بينهما يستلزم الحكم بمشابهة المرئي بالرائي من حيث الوقوع في جهة ليصح كون الهواء بينهما فيكون متحيزا ذا صورة وضعية فان كون الشئ في طرف مخصوص من طرفي الهواء وتوسط الهواء بينه وبين شئ آخر سبب عقلي للحكم بكونه في جهة ومتحيزا و ذا وضع وهو المراد بقوله: لان الاسباب لابد من اتصالها بالمسببات ويحتمل أن يكون ذلك تعليلا لجميع ما ذكر من كون الرؤية متوقفة على الهواء إلى آخر ما ذكر. (آت)

(3) في توحيد الصدوق [العيان] مكان " الابصار ".

(4) في بعض النسخ [رسالاته]. [*]

[98]

عن أبي الحسن الموصلي، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: جاء حبر إلى أمير المؤمنين صلوات الله عليه فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك حين عبدته؟ قال: فقال: ويلك ما كنت أعبد ربا لم أره، قال: وكيف رأيته؟ قال: ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الابصار ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان(1).

7 - أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبدالجبار، عن صفوان بن يحيى، عن عاصم ابن حميد، عن ابي عبدالله عليه السلام قال: ذاكرت أبا عبدالله عليه السلام فيما يروون من الرؤية فقال: الشمس جزء من سبعين جزء‌ا من نور الكرسي والكرسي جزء من سبعين جزء ا من نور العرش والعرش جزء من سبعين جزء ا من نور الحجاب والحجاب جزء من سبعين جزء ا من نور الستر فإن كانوا صادقين فليملاوا أعينهم من الشمس ليس دونها سحاب.

8 - محمد بن يحيى وغيره، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لما اسري بي إلى السماء بلغ بي جبرئيل مكانا لم يطأه قط جبرئيل فكشف له فأراه الله من نور عظمته ما أحب.