كتاب التوحيد(1) .. (باب حدوث العالم(2) وإثبات المحدث)

1 - أخبرنا أبوجعفر محمد بن يعقوب قال: حدثني علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن الحسن بن إبراهيم، عن يونس بن عبدالرحمن، عن علي بن منصور قال: قال لي هشام بن الحكم: كان بمصر زنديق تبلغه عن أبي عبدالله عليه السلام أشياء فخرج إلى المدينة ليناظره فلم يصادفه بها وقيل له إنه خارج بمكة فخرج إلى مكة ونحن مع أبي عبدالله فصادفنا ونحن مع أبي عبدالله عليه السلام في الطواف وكان اسمه عبدالملك وكنيته أبوعبدالله(3) فضرب كتفه كتف أبي عبدالله عليه السلام، فقال له أبوعبدالله عليه السلام: ما اسمك؟ فقال: اسمي عبدالملك، قال: فما كنيتك؟ قال: كنيتي أبوعبدالله، فقال له أبوعبدالله عليه السلام: فمن هذا الملك الذي أنت عبده؟ أمن ملوك الارض أم من ملوك السماء؟ وأخبرني عن ابنك عبد إله السماء أم عبد إله الارض؟ قل: ما شئت تخصم(4) قال هشام بن الحكم: فقلت

___________________________________

(1) إن التوحيد يطلق على معان: احدها: نفي الشريك في الالهية اي استحقاق العبادة وهي أقصى غاية التذلل والخضوع ولذلك لا يستعمل إلا في التذلل لله تعالى لانه المولى لاعظم النعم بل جميعها فهو المستحق لاقصى الخضوع وغايته، والمخالف في ذلك مشركوا العرب وأضرابهم فانهم بعد علمهم بأن صانع العالم واحد كانوا يشركون الاصنام في عبادته.

ثانيها: نفي الشريك في صانعية العالم والمخالف في ذلك الثنوية واضرابهم.

ثالثها ما يشمل المعنيين المتقدمين وتنزيهه عما لا يليق بذاته وصفاته تعالى من النقص والعجز والجهل والتركيب والاحتياج والمكان وغير ذلك من الصفات السلبية وتوصيفه بالصفات الثبوتية الكمالية. رابعها: ما يشمل تلك المعاني و تنزيهه سبحانه عما توجب النقص في أفعاله ايضا من الظلم وترك اللطف وغيرها وبالجملة كل ما يتعلق به سبحانه ذاتا وأفعالا إثباتا ونفيا.

والظاهر ان المراد هنا هذا المعنى. (آت)

(2) أراد بالعالم ما سوى الله تعالى والمراد بحدوثه كونه مسبوقا بالعدم وكون زمان وجوده متناهيا في جانب الاول. (آت).

(3) كذا.

(4) على بناء المفعول أي: ان تقل ما شئت تصير مخصوصا مغلوبا بقولك. (آت). [*]

[73]

للزنديق أما ترد عليه، قال: فقبح قولي(1) فقال أبوعبدالله: إذا فرغت من الطواف فأتنا فلما فرغ أبوعبدالله أتاه الزنديق فقعد بين يدي أبي عبدالله ونحن مجتمعون عنده، فقال أبوعبدالله عليه السلام للزنديق: أتعلم أن للارض تحتا وفوقا؟ قال: نعم، قال فدخلت تحتها؟ قال: لا، قال: فما يدريك ما تحتها؟ قال: لا أدري إلا أني أظن أن ليس تحتها شئ، فقال: أبوعبدالله عليه السلام فالظن عجز، لما لا تستيقن؟(2) ثم قال أبوعبدالله: أفصعدت السماء؟ قال: لا، قال: أفتدري ما فيها؟ قال: لا، قال: عجبا لك لم تبلغ المشرق ولم تبلغ المغرب ولم تنزل الارض ولم تصعد السماء ولم تجز هناك فتعرف ما خلفهن وأنت جاحد بما فيهن وهل يجحد العاقل ما لا يعرف؟ ! قال الزنديق: ما كلمني بهذا أحد غيرك، فقال أبوعبدالله عليه السلام: فأنت من ذلك في شك فلعله هو ولعله ليس هو؟ فقال الزنديق: ولعل ذلك، فقال أبوعبدالله عليه السلام: أيها الرجل ! ليس لمن لا يعلم حجة على من يعلم ولا حجة للجاهل يا أخا أهل مصر ! تفهم عني فإنا لا نشك في الله أبدا أما ترى الشمس(3) والقمر والليل والنهار يلجان فلا يشتبهان و يرجعان، قد اضطرا ليس لهما مكان إلا مكانهما، فإن كانا يقدران على أن يذهبا فلم يرجعان؟ وإن كانا غير مضطرين فلم لا يصير الليل نهارا والنهار ليلا؟ اضطرا والله يا أخا أهل مصر إلى دوامهما والذي اضطرهما أحكم منهما وأكبر، فقال الزنديق: صدقت، ثم قال: أبوعبدالله عليه السلام يا أخا أهل مصر(4) إن الذي تذهبون إليه وتظنون أنه الدهر إن كان الدهر يذهب بهم لم لا يردهم وإن كان يردهم لم لا يذهب بهم؟ القوم مضطرون يا أخا أهل مصر لم السماء مرفوعة(5) والارض موضوعة

___________________________________

(1) على بناء المجرد أي كان كلامي في حضوره (ع) بغير اذنه قبيحا. أو على بناء التفعيل أي: عد الزنديق قولي قبيحا. ويحتمل حينئذ ارجاع ضمير الفاعل إليه (ع). (آت).

(2) في بعض النسخ [لمن لا يستيقن].

(3) استدل عليه السلام على اثبات الصانع المجرد المنزه عن مشابهة المصنوعات بوجوه ثلاثة هذا أولها وهو لبيان ابطال ما زعموه من استناد الحوادث السفلية إلى الدورات الفلكية وعدم احتياجها إلى علة اخرى سوى ذواتها. (آت).

(4) هذا هو الوجه الثاني وهو مشتمل على ابطال مذهب الخصم القائل بمبدئية الدهر للكائنات الفاسدات كقولهم " ان يهلكنا الا الدهر " (آت).

(5) هذا هو الوجه الثالث وهو مبنى على الاستدلال بأحوال جميع اجزاء العالم من العلويات والسفليات وارتباط بعضها ببعض وتلازمها وكون جميعها على غاية الاحكام والاتقان. (آت) [*]

[74]

لم لا يسقط السماء على الارض، لم لا تنحدر الارض فوق طباقها ولا يتماسكان(1) ولا يتماسك من عليها؟ قال الزنديق: أمسكهما الله ربهما وسيدهما، قال: فآمن الزنديق على يدي أبي عبدالله عليه السلام، فقال له حمران: جعلت فداك إن آمنت الزنادقة على يدك فقد آمن الكفار على يدي أبيك، فقال المؤمن الذي آمن على يدي أبي عبدالله عليه السلام: اجعلني من تلامذتك، فقال أبوعبدالله: يا هشام بن الحكم خذه إليك وعلمه، فعلمه هشام فكان معلم(2) اهل الشام وأهل مصر الايمان وحسنت طهارته حتى رضي بها أبوعبدالله.

2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن علي(3) عن عبد الرحمن بن محمد بن أبي هشام، عن أحمد بن محسن الميثمي قال: كنت عند أبي منصور المتطبب فقال: أخبرني رجل من أصحابي قال: كنت أنا وابن أبي العوجاء وعبدالله بن المقفع في المسجد الحرام فقال ابن المقفع، ترون هذا الخلق - وأومأ بيده إلى موضع الطواف - ما منهم أحد اوجب له اسم الانسانية إلا ذلك الشيخ الجالس - يعني أبا عبدالله جعفر بن محمد عليهما السلام - فأما الباقون فرعاع وبهائم(4) فقال له ابن أبي العوجاء: وكيف أوجبت هذا الاسم لهذا الشيخ دون هؤلاء؟ قال: لاني رأيت عنده ما لم أره عندهم فقال له ابن أبي العوجاء: لابد من اختبار ما قلت فيه منه، قال: فقال ابن المقفع: لا تفعل فإني أخاف أن يفسد عليك ما في يدك(5)، فقال: ليس ذا رأيك ولكن تخاف أن يضعف

___________________________________

(1) أي: في صورتي السقوط والانحدار والمراد انه ظهر انه لا يمكنها التماسك بل لابد من ماسك يمسكهما والمراد بالانحدار الحركة المستديرة (آت).

(2) الظاهر رجوع الضمير إلى هشام ويحتمل إرجاعه إلى المؤمن أي صار كاملا بحيث صار بعد ذلك معلم أهل الشام وأهل مصر (آت).

(3) هو محمد بن على الكوفي أبوسمينة الصيرفي عينه الصدوق رحمة الله في كتاب التوحيد في اسناد هذا الحديث. وابن أبي العوجاء هو عبدالكريم كان من تلامذة الحسن البصري فانحرف عن التوحيد فقيل له تركت مذهب صاحبك ودخلت فيما لا أصل له ولا حقيقة؟ فقال: ان صاحبي كان مخلطا كان يقول طورا بالقدر وطورا بالجبر وما اعلمه اعتقد مذهبا دام عليه وابن المقفع هو عبدالله ابن المقفع الفارسي المشهور الماهر في صنعة الانشاء والادب كان مجوسيا اسلم على يد عيسى بن على عم المنصور بحسب الظاهر وكان كابن أبي العوجاء وابن طالوت وابن الاعمى على طريق الزندقة وهو الذي عرب كتاب كليلة ودمنة.

(4) الرعاع بالمهملات وفتح اوله: الاحداث الطغام الرذال. (في).

(5) اي من العقائد.

[*]

[75]

رأيك عندي في إحلالك(1) إياه المحل الذي وصفت، فقال ابن المقفع: أما إذا توهمت علي هذا فقم إليه وتحفظ ما استطعت من الزلل ولا تثني عنانك إلى استرسال(2) فيسلمك إلى عقال(3) وسمه مالك أو عليك؟ قال: فقام ابن أبي العوجاء وبقيت أنا وابن المقفع جالسين فلما رجع إلينا ابن أبي العوجاء قال: ويلك يا ابن المقفع ما هذا ببشر وإن كان في الدنيا روحاني يتجسد إذا شاء ظاهرا ويتروح إذا شاء باطنا فهو هذا، فقال له: وكيف ذلك؟ قال: جلست إليه فلما لم يبق عنده غيري ابتدأني فقال: إن يكن الامر على ما يقول هؤلاء - وهو على ما يقولون(4) - يعني اهل الطواف - فقد سلموا وعطبتم وان يكن الامر علي ما تقولون - وليس كما تقولون - فقد استويتم وهم، فقلت له: يرحمك الله وأي شئ نقول وأي شئ يقولون؟ ما قولي وقولهم إلا واحدا، فقال: وكيف يكون قولك وقولهم واحدا؟ وهم يقولون: إن لهم معادا وثوابا وعقابا ويدينون بأن في السماء إلها وأنها عمران وأنتم تزعمون أن السماء خراب ليس فيها أحد، قال: فاغتنمتها(5) منه فقلت له: ما منعه إن كان الامر كما يقولون أن يظهر لخلقه ويدعوهم إلى عبادته حتى لا يختلف منهم اثنان ولم احتجب عنهم وأرسل إليهم الرسل؟ ولو باشرهم بنفسه كان أقرب إلى الايمان به؟ فقال لي: ويلك وكيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك: نشوء‌ك ولم تكن وكبرك بعد صغرك وقوتك بعد ضعفك وضعفك بعد قوتك وسقمك بعد صحتك وصحتك بعد سقمك ورضاك بعد غضبك وغضبك بعد رضاك وحزنك

___________________________________

(1) احلالك بالمهملة وفي بعض النسخ بالمعجمة وهو تصحيف. (آت)

(2) " ولا تثنى " نفي في معنى النهي وفي توحيد الصدوق لا تثن بصيغة النهي وهو أظهر و على التقديرين مشتق من الثنى وهو العطف والميل أي: لا ترخ عنانك إليك بأن تميل إلى الرفق والاسترسال والتساهل فتقبل منه بعض ما يلقى إليك. (آت).

(3) " فيسلمك " من التسليم أو الاسلام " إلى عقال " وهي ككتاب ما يشد به يد البعير أي: يعقلك بتلك المقدمات التي تسلمت منه بحيث لا يبقى لك مفر كالبعير المعقول. " وسمه مالك أو عليك " على صيغة الامر أي اجعل على ماتريد ان تتكلم علامة لتعلم أي شئ لك أو عليك ونقل عن الشيخ البهائي قدس سره: انه من السوم من سام البايع السلعة يسوم سوما إذا عرضها على المشتري وسامها المشتري بمعنى استامها والضمير راجع إلى الشيخ على طريق الحذف والايصال والموصول مفعوله. (آت)

(4) اعترض (ع) الجملة الحالية بين الشرط والجزاء للاشارة إلى ماهو الحق ولئلا يتوهم انه (ع) في شك من ذلك وقوله: " كلام ابن أبي العوجاء. (آت) وعطبتم أي: هلكتم. (في).

(5) اي اعددت اقواله غنيمة إذ من مدعياته انفتح لى باب المناظرة معه عليه السلام.

[*]

[76]

بعد فرحك وفرحك بعد حزنك وحبك بعد بغضك وبغضك بعد حبك وعزمك بعد أناتك وأناتك(1) بعد عزمك وشهوتك بعد كراهتك وكراهتك بعد شهوتك ورغبتك بعد رهبتك ورهبتك بعد رغبتك ورجاء‌ك بعد يأس ويأسك بعد رجائك، وخاطرك(2) بما لم يكن في وهمك وعزوب ما أنت معتقده عن ذهنك(3) وما زال يعدد علي قدرته التي هي في نفسي التي لا أدفعها حتى ظننت أنه سيظهر فيما بيني وبينه.

* - [عنه عن بعض أصحابنا رفعه وزاد في حديث ابن أبي العوجاء حين سأله أبوعبدالله عليه السلام قال: عاد ابن أبي العوجاء في اليوم الثاني إلى مجلس أبي عبدالله عليه السلام فجلس وهو ساكت لا ينطق فقال أبوعبدالله عليه السلام: كأنك جئت تعيد بعض ما كنا فيه؟ فقال: أردت ذلك يا ابن رسول الله فقال له أبوعبدالله عليه السلام: ما أعجب هذا تنكر الله وتشهد أني ابن رسول الله ! فقال: العادة تحملني على ذلك، فقال له العالم عليه السلام فما يمنعك من الكلام؟ قال: إجلالا لك ومهابة ما ينطلق لساني بين يديك فإني شاهدت العلماء وناظرت المتكلمين فما تداخلني هيبة قط مثل ما تداخلني من هيبتك، قال: يكون ذلك ولكن أفتح عليك بسؤال وأقبل عليه فقال له: أمصنوع أنت أو غير مصنوع؟ فقال عبدالكريم بن أبي العوجاء بل أنا غير مصنوع فقال له العالم عليه السلام: فصف لي لو كنت مصنوعا كيف كنت تكون؟ فبقي عبدالكريم مليا لا يحير جوابا(4) وولع بخشبة كانت بين يديه وهو يقول طويل عريض عميق قصير متحرك ساكن كل ذلك صفة خلقه، فقال له العالم: فإن كنت لم تعلم صفة الصنعة غيرها فاجعل نفسك مصنوعا لما تجد في نفسك مما يحدث من هذه الامور، فقال له

___________________________________

(1) اسم من التأني وفي بعض النسخ [انائك] بالنون والهمزة بمعنى الفتور والتأخر والابطاء وفي بعضها [ابائك] بالباء الموحدة بمعنى الامتناع.

(2) الخاطر من الخطور وهو حصول الشئ مشعورا به في الذهن. (آت)

(3) حاصل استدلاله عليه السلام انك لما وجدت في نفسك آثار القدرة التي ليست من مقدوراتك ضرورة علمت أن لها بارئا قادرا وكيف يكون غائبا عن الشخص من لا يخلو الناس ساعة عن آثار كثيرة تصل منه إليه. (آت)

(*) توجد الرواية في غير واحد من النسخ المخطوطة الموجودة عندنا ورواها الصدوق (ره) في التوحيد قال: حدثنا علي بن احمد بن محمد بن عمران الدقاق قال: حدثنا محمد بن يعقوب باسناده رفع الحديث (ان ابن أبي العوجاء...) وذكرها المجلسي في مرآت العقول وشرحها مجملا.

(4) بالمهملة أي: لا ينطق ولا يقدر عليه: والولوع بالشئ الحرص عليه والمبالغة في تناوله. (آت).

[*]

[77]

عبدالكريم: سألتني عن مسأله لم يسألني عنها أحد قبلك ولا يسألني أحد بعدك عن مثلها، فقال أبوعبدالله عليه السلام: هبك(1) علمت أنك لم تسأل فيما مضى فما علمك أنك لا تسأل فيما بعد، على أنك يا عبدالكريم نقضت قولك لانك تزعم أن الاشياء من الاول سواء فكيف قدمت وأخرت، ثم قال: يا عبدالكريم أزيدك وضوحا أرأيت لو كان معك كيس فيه جواهر فقال لك قائل: هل في الكيس دينار فنفيت كون الدينار في الكيس، فقال لك صف لي الدينار وكنت غير عالم بصفته هل كان لك أن تنفي كون الدينار عن الكيس وأنت لا تعلم؟ قال: لا، فقال: أبوعبدالله عليه السلام فالعالم أكبر وأطول وأعرض من الكيس فلعل في العالم صنعة من حيث لا تعلم صفة الصنعة من غير الصنعة، فانقطع عبدالكريم وأجاب إلى الاسلام بعض أصحابه وبقي معه بعض.

فعاد في اليوم الثالث فقال: أقلب السؤال فقال له أبوعبدالله عليه السلام: سل عما شئت فقال: ما الدليل على حدث الاجسام؟ فقال: إني ما وجدت شيئا صغيرا ولا كبيرا إلا وإذا ضم إليه مثله صار أكبر وفي ذلك زوال وانتقال عن الحالة الاولى ولو كان قديما ما زال ولا حال لان الذي يزول ويحول يجوز أن يوجد ويبطل فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدث وفي كونه في الازل دخوله في العدم ولن تجتمع صفة الازل والعدم و الحدوث والقدم في شئ واحد، فقال عبدالكريم: هبك علمت في جري الحالتين والزمانين على ما ذكرت واستدللت بذلك على حدوثها فلو بقيت الاشياء على صغرها من أين كان لك أن تستدل على حدوثهن؟ فقال العالم عليه السلام: إنما نتكلم على هذا العالم الموضوع فلو رفعناه ووضعنا عالما آخر كان لا شئ أدل على الحدث من رفعنا إياه ووضعنا غيره ولكن اجيبك من حيث قدرت أن تلزمنا فنقول: إن الاشياء لو دامت على صغرها لكان في الوهم أنه متى ضم شئ إلى مثله كان أكبر وفي جواز التغيير عليه خروجه من القدم كما أن في تغييره دخوله في الحدث ليس لك وراء ه شئ يا عبدالكريم فانقطع وخزي.

فلما كان من العام القابل التقي معه في الحرم فقال له بعض شيعته: إن ابن أبي العوجاء قد أسلم فقال العالم عليه السلام: هو أعمى من ذلك لا يسلم، فلما بصر بالعالم قال:

___________________________________

(1) هبك: اي افرض نفسك انك علمت ما مضى وسلمنا ذلك لك. (آت).

[*]

[78]

سيدي ومولاي، فقال له العالم عليه السلام: ما جاء بك إلى هذا الموضع؟ فقال: عادة الجسد وسنة البلد ولننظر ما الناس فيه من الجنون والحلق ورمي الحجارة؟ فقال له العالم عليه السلام أنت بعد على عتوك وضلالك يا عبدالكريم فذهب يتكلم فقال له عليه السلام: لا جدال في الحج ونفض ردائه من يده وقال: إن يكن الامر كما تقول وليس كما تقول نجونا ونجوت وإن يكن الامر كما نقول وهو كما نقول نجونا وهلكت، فأقبل عبدالكريم على من معه فقال: وجدت في قلبي حزازة(1) فردوني فردوه فمات لا رحمة الله].

3 - حدثني محمد بن جعفر الاسدي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي الرازي عن الحسين بن الحسن بن برد(2) الدينوري، عن محمد بن علي(3) عن محمد بن عبدالله الخراساني خادم الرضا عليه السلام قال: دخل رجل من الزنادقة علي أبي الحسن عليه السلام وعنده جماعة فقال أبوالحسن عليه السلام: أيها الرجل أرأيت إن كان القول قولكم وليس هو كما تقولون ألسنا وإياكم شرعا سواء، لا يضرنا ما صلينا وصمنا وزكينا وأقررنا؟ فسكت الرجل، ثم قال أبوالحسن عليه السلام: وإن كان القول وهو قولنا ألستم قد هلكتم ونجونا؟.

فقال رحمك الله أوجدني(4) كيف هو وأين هو؟ فقال: ويلك إن الذي ذهبت إليه غلط هو أين الاين بلا أين وكيف الكيف بلا كيف فلا يعرف بالكيفوفية ولا باينونية ولا يدرك بحاسة ولا يقاس بشئ.

فقال الرجل: فإذا أنه لا شئ إذا لم يدرك بحاسة من الحواس؟ فقال أبوالحسن عليه السلام: ويلك لما عجزت حواسك عن إدراكه أنكرت ربوبيته؟ ! ونحن إذا عجزت حواسنا عن إدراكه أيقنا أنه ربنا بخلاف شئ من الاشياء.

قال الرجل: فأخبرني متى كان؟ قال أبوالحسن عليه السلام: أخبرني متى لم يكن فاخبرك متى كان قال الرجل: فما الدليل عليه؟ فقال أبوالحسن عليه السلام: إني لما نظرت إلى جسدي ولم يمكني فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول ودفع المكاره عنه وجر المنفعة إليه علمت أن لهذا البنيان بانيا فأقررت به مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته وإنشاء

___________________________________

(1) الحزازة وجع في القلب.

(2) بضم الباء الموحدة وسكون الراء المهملة والدال.

(3) الظاهر انه هو أبوسمينة الكوفي كما صرح به الصدوق (ره) في التوحيد.

(4) يقال أوجده الله مطلوبه أي: أظفره به يعني أفدني كيفيته ومكانه وأظفرني بمطلبي الذي هو العالم بالكيفية. (آت).

[*]

[79]

السحاب وتصريف الرياح ومجرى الشمس والقمر والنجوم وغير ذلك من الآيات العجيبات المبينات علمت ان لهذا مقدرا ومنشئا.

4 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن إسحاق الخفاف أو عن أبيه، عن محمد بن إسحاق قال: إن عبدالله الديصاني(1) سأل هشام بن الحكم فقال له: ألك رب؟ فقال: بلى، قال أقادر هو؟ قال: نعم قادر قاهر قال: يقدر أن يدخل الدنيا كلها البيضة لا تكبر البيضة ولا تصغر الدنيا؟ قال هشام: النظرة(2) فقال له: قد أنظرتك حولا، ثم خرج عنه فركب هشام إلى أبي عبدالله عليه السلام فاستأذن عليه فأذن له فقال له: يا ابن رسول الله أتاني عبدالله الديصاني بمسألة ليس المعول فيها إلا على الله وعليك، فقال له أبوعبدالله عليه السلام: عماذا سألك؟ فقال: قال لي: كيت وكيت، فقال أبوعبدالله عليه السلام: يا هشام كم حواسك؟ قال خمس قال: أيها أصغر؟ قال الناظر قال: وكم قدر الناظر قال: مثل العدسة أو أقل منها فقال له: يا هشام ! فانظر أمامك وفوقك وأخبرني بما ترى، فقال: أرى سماء وأرضا ودورا وقصورا و براري وجبالا وأنهارا فقال له أبوعبدالله عليه السلام: إن الذي قدر أن يدخل الذي تراه العدسة او اقل منها قادر أن يدخل الدنيا كلها البيضة(3) لا تصغر الدنيا ولا تكبر البيضة، فأكب هشام عليه وقبل يديه ورأسه ورجليه وقال: حسبي يا ابن رسول الله وانصرف إلى منزله، وغدا عليه الديصاني فقال له: يا هشام إني جئتك مسلما ولم أجئك متقاضيا للجواب، فقال له هشام: إن كنت جئت متقاضيا فهاك الجواب، فخرج الديصاني عنه حتى أتى باب أبي عبدالله عليه السلام فاستأذن عليه فأذن له فلما قعد قال له: يا جعفر بن محمد ! دلني على معبودي؟ فقال له أبوعبدالله عليه السلام: ما اسمك؟ فخرج عنه ولم يخبره باسمه فقال له أصحابه: كيف لم تخبره باسمك؟ قال: لو كنت قلت له: عبدالله، كان يقول: من هذا الذي أنت له عبد، فقالوا: له عد إليه وقل له: يدلك على معبودك ولا

___________________________________

(1) بالتحريك من داص يديص ديصانا إذا زاغ ومال، معناه الملحد: (آت).

(2) النظرة أي المهلة.

(3) هذه مجادلة بالتي هي أحسن وجواب جدلي مسكت يناسب فهم السائل والجواب البرهاني أن يقال ان عدم تعلق قدرته تعالى على ذلك ليس من نقصان في قدرته تعالى ولا القصور في عمومها وشمولها كل شئ بل انما ذاك من نقصان المفروض وامتناعه الذاتي وبطلانه الصرف وعدم حظه من الشيئية. (في).

[*]

[80]

يسألك عن اسمك، فرجع إليه فقال له: يا جعفر بن محمد دلني على معبودي ولا تسألني عن اسمي؟ فقال له أبوعبدالله عليه السلام: اجلس وإذا غلام له صغير في كفه بيضة يلعب بها فقال له أبوعبدالله عليه السلام: ناولني يا غلام البيضة فناوله إياها فقال له أبوعبدالله عليه السلام: يا ديصاني: هذا حصن مكنون له جلد غليظ وتحت الجلد الغليظ جلد رقيق وتحت الجلد الرقيق ذهبة مائعة وفضة ذائبة فلا الذهبة المائعة تختلط بالفضة الذائبة ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهبة المائعة فهي على حالها لم يخرج منها خارج مصلح فيخبر عن صلاحها ولا دخل فيها مفسد فيخبر عن فسادها لا يدري للذكر خلقت أم للانثى، تنفلق(1) عن مثل ألوان الطواويس أترى لها مدبرا؟(2) قال: فأطرق مليا(3) ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأنك إمام وحجة من الله على خلقه وأنا تائب مما كنت فيه.

5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عباس بن عمر والفقيمي(4) عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي أتى أبا عبدالله عليه السلام وكان من قول أبي عبدالله عليه السلام: لا يخلو قولك(5): إنهما اثنان من أن يكونا قديمين قويين أو يكونا ضعيفين أو يكون أحدهما

___________________________________

(1) أي تنشق. والطواويس جمع طاووس

(2) استفهام تقرير أو إنكار، أي لا ترى لها مدبرا من أمثالنا فلا بد لها من مدبر غير مرئي ولا جسم ولا جسماني لا يحتاج علمه بالاشياء إلى الدخول فيها والدنو منها مطلقا. (آت).

(3) أي: سكت ناظرا إلى الارض زمانا طويلا. (آت).

(4) بضم الفاء وفتح القاف وسكون الياء مصغرا.

(5) قوله عليه السلام: " لا يخلو قولك إنهما اثنان " تحرير هذا الدليل انه لو كان المبدأ الاول الموجود بذاته اثنين فلا يخلو من ان يكونا قديمين قويين أو ضعيفين او يكون احدهما قويا والاخر ضعيفا والمراد بالقوي ان يكون قادرا على فعل الكل وفاعلا له بالارادة مع استبداده به والمراد بالضعيف الذي لا يقوى على فعل الكل ولا يستبد به ولا يقاوم القوي فان كانا قويين فلم لا يدفع كل منهما صاحبه ويتفرد به اي يلزم منه عدم وقوع الفعل وإن كان أحدهما ضعيفا فليلزم من ضعف وجوده احتياجه إلى العلة الموجدة لانه لا يتصور الا بجواز خلو المهية عن الوجود وهو معنى الامكان وإن كانا ضعيفين بأن يقدر ويقوي كل منهما على بعض أو على الكل لكن فعل بعضا بالارادة فلا يخلو من أن يكونا متفقين في الحقيقة من كل جهة بحيث لا يكون لكل منهما جهة تشخص يتعين بها عن صاحبه فمعناه وحدتهما وهذا خلف او يكونا مفترقين من كل جهة فانتظام الخلق وائتلاف الامر يدل على وحدة المدبر ثم إن فرض الاثنينية ولو من جهة يستلزم أن يكون بينهما مميز فاصل عبر عنه الامام (ع) بالفرجة حيث أنها الفاصل بين الاجسام تنبيها على ان اولئك الزنادقة لا يدركون غير المحسوسات ولا ينبغي مخاطبتهم إلا بما يليق استعماله في المحسوسات وهو المميز لابد ان يكون قديما موجودا بذاته وإلا لزم وحدتهما كما ذكرنا فيلزم أن يكون المبدء ثلاثة وفرض التثليث يقتضي المميز بينهما وهكذا إلى ما لا نهاية له. (رف ملخصا). [*]

[81]

قويا والآخر ضعيفا، فإن كانا قويين فلم لا يدفع كل واحد منهما صاحبه ويتفرد بالتدبير وإن زعمت أن أحدهما قوي والآخر ضعيف ثبت أنه واحد كما نقول، للعجز الظاهر في الثاني، فإن قلت: إنهما اثنان، لم يخل من أن يكونا متفقين من كل جهة(1) أو مفترقين من كل جهة فلما رأينا الخلق منتظما، والفلك جاريا، والتدبير واحدا والليل والنهار والشمس والقمر دل صحة الامر والتدبير وائتلاف الامر على أن المدبر واحد ثم يلزمك إن ادعيت اثنين فرجة ما بينهما حتى يكونا اثنين فصارت الفرجة ثالثا بينهما قديما معهما فيلزمك ثلاثة، فإن ادعيت ثلاثة لزمك ما قلت في الاثنين حتى نكون بينهم فرجة فيكونوا خمسة ثم يتناهى في العدد إلى ما لا نهاية له في الكثرة، قال هشام: فكان من سؤال الزنديق أن قال: فما الدليل عليه(2)؟ فقال أبوعبدالله عليه السلام: وجود الافاعيل دلت على أن صانعا صنعها ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني علمت أن له بانيا وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده، قال: فما هو(3)؟ قال: شئ بخلاف الاشياء ارجع بقولي إلى إثبات معنى وأنه شئ بحقيقة الشيئية غير أنه لا جسم ولا صورة ولا يحس ولا يجس ولا يدرك بالحواس الخمس، لا تدركه الاوهام ولا تنقصه الدهور ولا تغيره الازمان.

6 - محمد بن يعقوب قال: حدثني عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي، عن أبيه، عن علي بن النعمان، عن ابن مسكان عن داود بن فرقد، عن أبي سعيد

___________________________________

(1) في بعض النسخ [من كل وجه] وكذا في الثاني.

(2) يعني بما ذكرت قد ثبت وحدة المبدء الاول للعالم على تقدير وجوده، فما الدليل على وجوده؟ فأجاب عليه السلام بأن وجود الافاعيل وهي جمع افعولة وهي الفعل العجيب الذي روعى فيه الحكمة كخلق الانسان وعروقه وأحشائه وعضلاته وآلات القبض والبسط ونحو ذلك مما لا يتأتى الا من قادر حكيم. (آت).

(3) " قوله: فما هو " إما سؤال عن حقيقة بالكنه ففي الجواب إشارة إلى أنه لا يمكن معرفته بالكنه وإنما يعرف بوجه يمتاز به عن جميع ما عداه، أو سؤال عن حقيقته بالوجه الذي يمتاز به عن جميع ما عداه وعلى التقديرين فالجواب بيان الوجه الذي يمتاز عما عداه وهو أنه شئ بخلاف الاشياء، أي لا يمكن تعقل ذاته الا بهذا الوجه وهو أنه موجود بخلاف سائر الموجودات في الذات والصفات وفي نحو الاتصاف بها، وقوله: " ارجع " على صيغة الامر أو المتكلم وحده. (آت).

(4) وزان سبحان هو عبدالله بن مسكان الكوفي كان من أجلاء أصحاب الصادق عليه السلام وأحد من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، وروى أنه كان لا يدخل على أبي عبدالله عليه السلام شفقة من أن لا يوفيه حق اجلاله وكان يسمع من أصحابه ويأبى أن يدخل عليه اجلالا له عليه السلام.

[*]

[82]

الزهري، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كفى لاولي الالباب بخلق الرب المسخر، وملك الرب القاهر، وجلال الرب الظاهر، ونور الرب الباهر(1) وبرهان الرب الصادق، وما أنطق به ألسن العباد، وما أرسل به الرسل، وما أنزل على العباد دليلا على الرب.

_____________________________

(1) البهر الاضائة أو الغلبة، يقال: بهر القمر إذا أضاء حتى غلب ضوؤه ضوء الكواكب. (آت).