باب اختلاف الحديث

1 - علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم ابن عمر اليماني، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس الهلالي، قال: قلت.

لامير المؤمنين عليه السلام: إني سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئا من تفسير القرآن وأحاديث عن نبي الله صلى الله عليه وآله غير ما في أيدي الناس، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الاحاديث عن نبي الله صلى الله عليه وآله أنتم تخالفونهم فيها، وتزعمون أن ذلك كله باطل، أفترى الناس يكذبون على رسول الله صلى الله عليه وآله متعمدين، ويفسرون القرآن بآرائهم؟ قال: فأقبل علي فقال: قد سألت فافهم الجواب.

إن في أيدي الناس حقا وباطلا، وصدقا وكذبا، وناسخا ومنسوخا، وعاما وخاصا، ومحكما ومتشابها، وحفظا ووهما، وقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله على عهده حتى قام خطيبا فقال: أيها الناس قد كثرت علي الكذابة(2) فمن كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار، ثم كذب عليه من بعده، وإنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس: رجل منافق يظهر الايمان، متصنع بالاسلام(3)

___________________________________

(2) بكسر الكاف وتخفيف الذال مصدر كذب يكذب اي كثرت على كذبة الكذابين، ويصح أيضا جعل الكذاب بمعنى المكذوب والتاء للتأنيث أي الاحاديث المفتراة أو بفتح الكاف وتشديد الذال بمعنى الواحد الكثير الكذب والتاء لزيادة المبالغة والمعنى: كثرت على اكاذيب الكذابة او التاء للتأنيث والمعنى كثرت الجماعة الكذابة ولعل الاخير أظهر وعلى التقادير الظاهر أن الجار متعلق بالكذابة ويحتمل تعلقه بكثرت على تضمين اجمعت ونحوه. وهذا الخبر على تقديري صدقه وكذبه يدل على وقوع الكذب عليه صلى الله عليه وآله وقوله: فليتبوء على صيغة الامر ومعناه الخبر. (آت)

(3) اي: متكلف له ومتدلس به غير متصف به في نفس الامر. (آت).

[*]

[63]

لا يتأثم ولا يتحرج(1) أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله متعمدا، فلو علم الناس أنه منافق كذاب، لم يقبلوا منه ولم يصدقوه، ولكنهم قالوا هذا قد صحب رسول الله صلى الله عليه وآله ورآه وسمع منه، وأخذوا عنه، وهم لا يعرفون حاله، وقد أخبره الله عن المنافقين بما أخبره(2) ووصفهم بما وصفهم فقال عزوجل: " وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم(3) " ثم بقوا بعده فتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بالزور والكذب والبهتان فولوهم الاعمال(4)، وحملوهم على رقاب الناس، وأكلوا بهم الدنيا، وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله، فهذا أحد الاربعة.

ورجل سمع من رسول الله شيئا لم يحمله على وجهه ووهم فيه، ولم يتعمد كذبا فهو في يده، يقول به ويعمل به ويرويه فيقول: أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله فلو علم المسلمون أنه وهم لم يقبلوه ولو علم هو أنه وهم لرفضه.

ورجل ثالث سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله شيئا أمر به ثم نهى عنه وهو لا يعلم، أو سمعه ينهى عن شئ ثم أمر به وهو لا يعلم، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ، ولو علم أنه منسوخ لرفضه، ولم علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه.

وآخر رابع لم يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله، مبغض للكذب خوفا من الله و تعظيما لرسول الله صلى الله عليه وآله، لم ينسه(5)، بل حفظ ما سمع على وجهه فجاء به كما سمع لم يزد فيه ولم ينقص منه، وعلم الناسخ من المنسوخ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ فإن أمر النبي صلى الله عليه وآله مثل القرآن ناسخ ومنسوخ [وخاص وعام] ومحكم ومتشابه قد كان يكون(6) من رسول الله صلى الله عليه وآله الكلام له وجهان: كلام عام وكلام خاص مثل

___________________________________

(1) " لا يتأثم " اي: لا يكف نفسه عن موجب الاثم، أو لا يعد نفسه آثما بالكذب على رسول الله صلى الله عليه واله وكذا قوله لا يتحرج اي لا يتجنب الاثم.

(2) أي كان ظاهرا حسنا وكلامهم كلاما مزيفا مدلسا يوجب اغترار الناس بهم ووتصديقهم فيما ينقلونه عن النبي صلى الله عليه وآله ويرشد إلى ذلك انه سبحانه خاطب نبيه صلى الله عليه وآله بقوله: " إذا " رأيتهم تعجبك أجسامهم أي لصباحتهم وحسن منظرهم " وان يقولوا تسمع لقولهم " أي تصغى إليهم لذلاقة السنتهم.

(3) المنافقون: 3.

(4) اي ائمة الضلال بسبب وضع الاخبار اعطوا هؤلاء المنافقين الولايات وسلطوهم على الناس.

(5) في بعض النسخ [لم يسه].

(6) اسم كان ضمير الشأن و " يكون " تامة وهي مع اسمها الخبر وله وجهان: نعت للكلام لانه في حكم النكرة أو حال منه وإن جعلت " يكون " ناقصة فهو خبرها. (آت) [*]

[64]

القرآن وقال الله عزوجل في كتابه: " ما آتاكم الرسول فخذوه، وما نهاكم عنه فانتهوا(1) " فيشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عنى الله به ورسوله صلى الله عليه وآله وليس كل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كان يسأله عن الشئ فيفهم وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه حتى أن كانوا ليحبون أن يجيئ الاعرابي والطاري(2) فيسأل رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يسمعوا.

وقد كنت أدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله كل يوم دخلة وكل ليلة دخلة فيخليني فيها أدور معه حيث دار، وقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أنه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري فربما كان في بيتي يأتيني رسول الله صلى الله عليه وآله أكثر ذلك في بيتي وكنت إذا دخلت عليه بعض منازله أخلاني وأقام عني نسائه.

فلا يبقى عنده غيري وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم تقم عني فاطمة ولا أحد من بني، وكنت إذا سألته أجابني وإذا سكت عنه وفنيت مسائلي ابتدأني، فما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وآله آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بخطي وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وخاصها وعامها، ودعا الله أن يعطيني فهمها، وحفظها، فما نسيت آية من كتاب الله ولا علما أملاه علي وكتبته، منذ دعا الله لي بما دعا، وما ترك شيئا علمه الله من حلال ولا حرام، ولا أمر ولا نهي كان أو يكون ولا كتاب منزل على أحد قبله من طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته، فلم أنس حرفا واحدا، ثم وضع يده على صدري ودعا الله لي أن يملا قلبي علما وفهما وحكما ونورا، فقلت: يا نبي الله بأبي أنت وامي منذ دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئا ولم يفتني شئ لم أكتبه أفتتخوف علي النسيان فيما بعد؟ فقال: لا لست أتخوف عليك النسيان والجهل.

2 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن أبي أيوب الخزاز، عن محمد بن مسلم، عن ابي عبدالله عليه السلام قال: قلت له: ما بال أقوام يروون عن فلان وفلان عن رسول الله صلى الله عليه وآله لا يتهمون بالكذب، فيجيئ منكم خلافه؟ قال: إن

___________________________________

(1) الحشر: 7.

(2) " الطاري " الغريب لذي اتاه عن قريب من غير انس به وبكلامه. (على ما فسره المجلسي ره) ثم قال: وإنما كانوا يحبون قدومهما اما لاستفهامهم وعدم استعظامهم او لانه صلى الله عليه وآله كان يتكلم على وفق عقولهم فيوضحه حتى يفهم غيرهم. (آت).

[*]

[65]

الحديث ينسخ كما ينسخ القرآن.

3 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن منصور بن حازم قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: ما بالي أسألك عن المسألة فتجيبني فيها بالجواب، ثم يجيئك غيري فتجيبه فيها بجواب آخر؟ فقال: إنا نجيب الناس على الزيادة والنقصان، قال: قلت: فأخبرني عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله صدقوا على محمد صلى الله عليه وآله أم كذبوا؟ قال: بل صدقوا، قال: قلت: فما بالهم اختلفوا؟ فقال: أما تعلم أن الرجل كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وآله فيسأله عن المسألة فيجيبه فيها بالجواب ثم يجيبه بعد ذلك ما ينسخ ذلك الجواب، فنسخت الاحاديث بعضها بعضا.

4 - علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي عبيدة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال لي: يا زياد ما تقول لو أفتينا رجلا ممن يتولانا بشئ من التقية؟ قال: قلت له: أنت أعلم جعلت فداك، قال: إن أخذ به فهو خير له وأعظم أجرا.

وفي رواية أخرى إن أخذ به اوجر، وإن تركه والله أثم.

5 - أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبدالجبار، عن الحسن بن علي، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن مسألة فأجابني ثم جاء ه رجل فسأله عنها فأجابه بخلاف ما أجابني، ثم جاء رجل آخر فأجابه بخلاف ما أجابني وأجاب صاحبي، فلما خرج الرجلان قلت: يا ابن رسول الله رجلان من اهل العراق من شيعتكم قدما يسألان فأجبت كل واحد منهما بغير ما أجبت به صاحبه؟ فقال: يا زرارة ! إن هذا خير لنا وأبقى لنا ولكن ولو اجتمعتم على أمر واحد لصدقكم الناس علينا ولكان أقل لبقائنا وبقائكم.

قال: ثم قلت لابي عبدالله عليه السلام: شيعتكم لو حملتموهم على الاسنة أو على النار(1) لمضوا وهم يخرجون من عندكم مختلفين، قال: فأجابني بمثل جواب أبيه.

6 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن نصر الخثعمي قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: من عرف أنا لا نقول إلا حقا فليكتف بما

___________________________________

(1) جمع سنان. اي: على أن يمضوا مقابل الاسنة أو في النار. (آت).

[*]

[66]

يعلم منا فإن سمع منا خلاف ما يعلم فليعلم أن ذلك دفاع منا عنه(1).

7 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، والحسن بن محبوب جميعا عن سماعة، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه: أحدهما يأمر بأخذه والآخر ينهاه عنه، كيف يصنع؟ فقال: يرجئه(2) حتى يلقي من يخبره، فهو في سعة حتي يلقاه، وفي رواية اخرى بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك(3).

___________________________________

(1) اي قولنا بخلاف ما يعلمه منا دفع للضرر والفتنة منا عنه فليرض بذلك ويعمل به. (آت)

(2) أي: يؤخر العمل والاخذ باحدهما.

(3) قال العلامة المجلسي رحمة الله، اعلم أنه يمكن دفع الاختلاف الذي يترائى بين الخبرين بوجوه قد أومأنا إلى بعضها الاول: أن يكونالارجاء في الحكم والفتوى والتخيير في العمل كما يومي اليه الخبر الاول. الثاني: ان يكون الارجاء فيما إذا أمكن الوصول إلى الامام عليه السلام والتخيير فيما إذا لم يمكن كهذا الزمان. الثالث أن يكون الارجاء في المعاملات والتخيير في العبادات إذ بعض اخبار التخيير ورد في المعاملات. الرابع: أن يخص الارجاء فيه بأن لا يكون مضطرا إلى العمل باحدهما والتخيير بما إذا لم يكن له بد من العمل باحدهما ويؤيده ما رواه الطبرسي في كتاب الاحتجاج عن سماعة بن مهران قال: سألت أبا عبدالله (ع) قلت: يرد علينا حديثان واحد يأمرنا بالاخذ به والاخر ينهانا عنه؟ قال: لا تعمل بواحد منهما حتى تلقى صاحبك فتسأله قال: قلت: لابد من أن يعمل باحدهما؟ قال: خذ بما فيه خلاف العامة. الخامس: يحمل الارجاء على الاستحباب والتخيير على الجواز وروى الصدوق (ره) في كتاب عيون اخبار الرضا عن ابيه ومحمد بن الحسن بن احمد بن الوليد عن سعد بن عبدالله عن محمد بن عبدالله المسمعي عن احمد بن الحسن الميثمي عن الرضا (ع) في حديث طويل ذكر في آخره: وان رسول الله صلى الله عليه وآله نهى عن اشياء ليس نهى حرام بل اعافة وكراهة، وأمر بأشياء ليس أمر فرض ولا واجب بل أمر فضل ورجحان في الدين ثم رخص فيه في ذلك للمعلول وغير المعلول فما كان عن رسول الله صلى الله ليه وآله نهى اعافة أو امر فضل فذلك الذي يسع استعمال الرخص إذا ورد عليكم عنا فيه الخبر باتفاق يرويه من يرويه في النهي ولا ينكره وكان الخبران صحيحين معروفين باتفاق الناقلة فيهما يجب الاخذ بأحدهما أو بهما جميعا أو بأيهما شئت واحببت موسع ذلك لك من باب التسليم لرسول الله والرد اليه والينا وكان تارك ذلك من باب العناد والانكار وترك التسليم لرسول الله مشركا بالله العظيم فما ورد عليكم من خبرين مختلفين فاعرضوهما على كتاب الله فما كان في كتاب الله موجودا حلالا أو حراما فاتبعوا ما وافق الكتاب وما لم يكن في الكتاب فاعرضوه على سنن رسول الله فما كان في السنة موجودا منهيا عنه نهى حرام او مأمورا به عن رسول صلى الله عليه وآله امر الزام فاتبعوا ما وافق نهى رسول الله وامره وما كان في السنة نهى اعافة او كراهة ثم كان الخبر الاخر خلافه فذلك رخصة فيما عافة رسول الله صلى الله عليه وآله وكرهه ولم يحرمه فذلك الذي يسع الاخذ بهما جميعا او بأيهما شئت وسعك الاختيار من باب التسليم والاتباع والرد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ومالم تجدوه في شئ من هذه الوجوه فردوا الينا علمه فنحن اولى بذلك ولا تقولوا فيه بآرائكم وعليكم بالكف والتثبت والوقوف وانتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا ومن هذا الخبر يظهر وجه جمع آخر (آت).

[*]

[67]

8 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، عن الحسين بن المختار عن بعض أصحأبنا، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: أرأيتك لو حدثتك بحديث العام ثم جئتني من قابل فحدثتك بخلافه بأيهما كنت تأخذ؟ قال: قلت: كنت آخذ بالاخير، فقال لي: رحمك الله.

9 - وعنه، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس، عن داود بن فرقد عن المعلى بن خنيس قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: إذا جاء حديث عن أولكم وحديث عن آخركم بأيهما نأخذ؟ فقال: خذوا به حتى يبلغكم عن الحي، فإن بلغكم عن الحي فخذوا قوله، قال: ثم قال أبوعبدالله عليه السلام: إنا والله لا ندخلكم إلا فيما يسعكم، وفي حديث آخر خذوا بالاحدث.

10 - محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن عيسى، عن صفوان بن يحيى، عن داود بن الحصين، عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحل ذلك؟ قال: من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذ سحتا، وإن كان حقا ثابتا له، لانه أخذه بحكم الطاغوت، وقد أمر الله أن يكفر به قال الله تعالى: " يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد امروا أن يكفروا به "(1).

قلت: فكيف يصنعان؟ قال: ينظران [إلى] من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكما فإني قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فانما استخف بحكم الله وعلينا رد والراد علينا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله.

قلت: فإن كان كل رجل اختار رجلا من أصحابنا فرضيا أن يكونا الناظرين في حقهما، واختلفا فيما حكما وكلاهما اختلفا في حديثكم؟

___________________________________

(1) النساء: 60. والطاغوت مشتق من الطغيان وهو الشيطان والمراد هنا من يحكم بالباطل ويتصدي للحكم ولا يكون اهلا له سمى به لفرط طغيانه او لتشبيهه بالشيطان، والاية بتأييد الخبر تدل على عدم جواز الترافع إلى حكام الجور مطلقا وربما قيل بجواز التوسل بهم إلى اخذ الحق المعلوم اضطرارا مع عدم امكان الترافع إلى الفقيه العدل. (آت ملخصا). [*]

[68]

قال: الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما(1) ولا يلتفت إلى مايحكم به الآخر، قال: قلت: فإنهما عدلان مرضيان عند أصحابنا لا يفضل واحد منهما على الآخر(2)؟ قال: فقال: ينظر إلى ما كان من روايتهم عنا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه من أصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذ الذي ليس بمشهور عند أصحابك فإن المجمع عليه لا ريب فيه، وإنما الامور ثلاثة: أمر بين رشده فيتبع، وأمر بين غيه فيجتنب، وأمر مشكل يرد علمه إلى الله وإلى رسوله، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: حلال بين وحرام بين وشبهات بين ذلك، فمن ترك الشبهات نجا من المحرمات ومن أخذ بالشبهات ارتكب المحرمات وهلك من حيث لا يعلم.

قلت: فإن كان الخبران عنكما(3) مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟ قال: ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسنة وخالف العامة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنة ووافق العامة، قلت: جعلت فداك أرأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ووجدنا أحد الخبرين موافقا للعامة والآخر مخالفا لهم بأي الخبرين يؤخذ؟ قال: ما خالف العامة ففيه الرشاد.

فقلت: جعلت فداك فإن وافقهما الخبران جميعا.

قال: ينظر إلى ما هم إليه أميل، حكامهم وقضاتهم فيترك(4) ويؤخذ بالآخر.

قلت: فإن وافق حكامهم الخبرين جميعا؟ قال: إذا كان ذلك فارجه(5) حتى تلقى إمامك فإن الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات.

___________________________________

(1) في الجواب اشعار بأنه لابد من كونها عادلين فقيهين صادقين ورعين. والفقه هو العلم بالاحكام الشرعية. (آت).

(2) وفي بعض النسخ: [على صاحبه].

(3) يعني الباقر والصادق عليهما السلام. (آت).

(4) أي ينظر إلى ما حكامهم وقضاتهم إليه أميل. وحكامهم بدل من الضمير المنفصل في قوله: ماهم.

(5) أي: قف.

[*]