باب البدع والرأي والمقائيس

1 - الحسين بن محمد الاشعري، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، و عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال جميعا، عن عاصم بن حميد، عن محمد ابن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام الناس فقال: أيها الناس إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع، وأحكام تبتدع، يخالف فيها كتاب الله، يتولى فيها رجال رجالا، فلو أن الباطل خلص لم يخف على ذي حجى، ولو أن الحق خلص لم يكن اختلاف ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث(1) فيمزجان فيجيئان معا فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى.

2 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن محمد بن جمهور العمي يرفعه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا ظهرت البدع في امتي فليظهر العالم علمه، فمن لم يفعل فعليه لعنة الله.

3 - وبهذا الاسناد، عن محمد بن جمهور رفعه قال(2): من أتى ذا بدعة فعظمه فإنما يسعى في هدم الاسلام.

4 - وبهذا الاسناد عن محمد بن جمهور رفعه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله ابى الله لصاحب البدعة بالتوبة، قيل: يا رسول الله وكيف ذلك؟ قال: إنه قد اشرب قلبه حبها.

5 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن معاوية بن وهب قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن عند كل بدعة تكون من بعدي يكاد بها الايمان وليا من أهل بيتي موكلا به يذب عنه، ينطق بإلهام من الله ويعلن الحق وينوره، ويرد كيد الكائدين، يعبر عن الضعفاء فاعتبروا يا أولي الابصار وتوكلوا على الله.

6 - محمد بن يحيى، عن بعض أصحابه، وعلي بن إبراهم [عن أبيه] عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبدالله عليه السلام، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب

___________________________________

(1) بالكسر قبضة من حشيش مختلط فيها الرطب باليابس.

(2) كذا.

[*]

[55]

رفعه، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: إن من أبغض الخلق إلى الله عزوجل لرجلين: رجل وكله الله إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل، مشعوف(1) بكلام بدعة، قد لهج بالصوم والصلاة فهو فتنة لمن افتتن به، ضال عن هدي من كان قبله(2)، مضل لمن اقتدى به في حياته وبعد موته، حمال خطايا غيره، رهن بخطيئته.

ورجل قمش رجلا في جهال الناس، عان(3) بأغباش الفتنة، قد سماه أشباه الناس عالما ولم يغن(4) فيه يوما سالما، بكر(5) فاستكثر، ما قل منه خير مما كثر، حتى إذا ارتوى من آجن(6) واكتنز من غير طائل(7) جلس بين الناس قاضيا ضامنا لتخليص ما التبس على غيره، وإن خالف قاضيا سبقه، لم يأمن أن ينقض حكمه من يأتي بعده، كفعله بمن كان قبله، وإن نزلت به إحدى المبهمات المعضلات هيأ لها حشوا من رأيه، ثم قطع به، فهو من لبس الشبهات في مثل غزل العنكبوت لا يدري أصاب أم أخطأ، لا يحسب العلم في شئ مما أنكر، ولا يرى أن وراء ما بلغ فيه مذهبا، إن قاس شيئا بشئ لم يكذب نظره وإن أظلم عليه أمر اكتتم به، لما يعلم من جهل نفسه، لكيلا يقال له: لا يعلم، ثم جسر فقضى، فهو مفتاح عشوات(8)، ركاب شبهات، خباط جهالات، لا يعتذر مما لا يعلم فيسلم ولا يعض في العلم بضرس قاطع فيغنم، يذري الروايات ذرو الريح الهشيم(9)

___________________________________

(1) في بعض النسخ بالغين المعجمة وفي بعضها بالمهملة وبهما قرء قوله تعالى: " قد شغفها حبا " وعلى الاول معناه: دخل حب كلام البدعة شغاف قلبه أي حجابه وقيل سويداء ه وعلى الثاني غلبه حبه وأحرقه فان الشعف بالمهملة شدة الحب واحراقه القلب. (آ ت)

(2) بفتح الهاء وسكون المهملة أي السيرة والطريقة.

(3) كذا في أكثر النسخ من قولهم عنى فيهم أسيرا أي اقام فيهم على اسارة واحتبس وعناه غيره حبسه والعاني: الاسير، او من عنى بالكسر بمعنى تعب، او من عنى به فهو عان أي اهتم به واشتغل وفي بعض النسخ بالغين المعجمة من الغنى بالمكان كرضى اي: أقام به، أو من غنى بالكسر أيضا بمعنى عاش. والغبش بالتحريك ظلمة آخر الليل. (آ ت).

(4) أي لم يلبث يوما تاما.

(5) أي خرج للطلب بكرة وهي كناية عن شدة طلبه واهتمامه في كل يوم او في اول العمر إلى جمع الشبهات والاراء الباطنة.

(6) أي شرب حتى ارتوى، والاجن: الماء المتغير المتعفن.

(7) أي عد ما جمعه كنزا وهو غير طائل. أي ما لا نفع فيه.

(8) العشوة: الظلمة أي يفتح على الناس ظلمات الشبهات، والخبط المشي على غير استواء.

(9) أي كما أن الريح في حمل الهشيم وتبديده لا تبالى بتمزيقه واختلال نسقه كذلك هذا الجاهل تفعل بالروايات ما تفعل الريح بالهشيم، والهشيم ما يبس من النبت وتفتت.

[*]

[56]

تبكي منه المواريث، وتصرخ منه الدماء، يستحل بقضائه الفرج الحرام، ويحرم بقضائه الفرج الحلال، لا ملئ بإصدار ما عليه ورد(1)، ولا هو أهل لما منه فرط، من ادعائه علم الحق.

7 - الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أبان ابن عثمان، عن أبي شيبة الخراساني قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: إن أصحاب المقائيس طلبوا العلم بالمقائيس فلم تزدهم المقائيس من الحق إلا بعدا وإن دين الله لا يصاب بالمقائيس.

8 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان رفعه، عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليهما السلام قال: كل بدعة ضلالة وكل ضلالة سبيلها إلى النار.

9 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن حكيم قال: قلت لابي الحسن موسى عليه السلام: جعلت فداك فقهنا في الدين وأغنانا الله بكم عن الناس حتى أن الجماعة منا لتكون في المجلس ما يسأل رجل صاحبه تحضره المسألة و يحضره جوابها فيما من الله علينا بكم فربما ورد علينا الشئ لم يأتنا فيه عنك ولا عن آبائك شئ فنظرنا إلى أحسن ما يحضرنا وأوفق الاشياء لما جاء نا عنكم فنأخذ به؟ فقال هيهات هيهات، في ذلك والله هلك من هلك يا ابن حكيم، قال: ثم قال: لعن الله أبا حنيفة كان يقول: قال علي، وقلت.

قال محمد بن حكيم لهشام بن الحكم: والله ما أردت إلا أن يرخص لي في القياس 10 - محمد بن أبي عبدالله رفعه، عن يونس بن عبدالرحمن، قال: قلت لابي الحسن الاول عليه السلام: بما أوحد الله؟ فقال: يا يونس لا تكونن مبتدعا، من نظر برأيه هلك، ومن ترك أهل بيت نبيه صلى الله عليه وآله ضل، ومن ترك كتاب الله وقول نبيه كفر.

11 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الوشاء، عن مثنى الحناط، عن أبي بصير قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: ترد علينا أشياء ليس نعرفها في كتاب الله ولا سنة فننظر فيها؟ فقال: لا، أما إنك إن أصبت لم تؤجر، وإن أخطأت كذبت على الله عز وجل.

12 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن

___________________________________

(1) الملئ بالهمزة: الثقة والغنى. والاصدار: الارجاع.

[*]

[57]

عمر بن أبان الكلبي، عن عبدالرحيم القصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

13 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبدالرحمن، عن سماعة بن مهران، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: قلت: أصلحك الله إنا نجتمع فنتذاكر ما عندنا فلا يرد علينا شئ إلا وعندنا فيه شئ مسطر(1) وذلك مما أنعم الله به علينا بكم، ثم يرد علينا الشئ الصغير ليس عندنا فيه شئ فينظر بعضنا إلى بعض، وعندنا ما يشبهه فنقيس على أحسنه؟ فقال: ومالكم وللقياس؟ إنما هلك من هلك من قبلكم بالقياس، ثم قال: إذا جاء كم ما تعلمون، فقولوا به وإن جائكم ما لا تعلمون فها - وأهوى بيده إلى فيه - ثم قال: لعن الله أبا حنيفة كان يقول: قال علي وقلت أنا، وقالت الصحابة وقلت، ثم قال: أكنت تجلس إليه؟ فقلت: لا ولكن هذا كلامه، فقلت: أصلحك الله أتى رسول الله صلى الله عليه وآله الناس بما يكتفون به في عهده؟ قال: نعم وما يحتاجون إليه إلى يوم القيامة، فقلت: فضاع من ذلك شئ؟ فقال: لا هو عند أهله.

14 - عنه، عن محمد، عن يونس، عن أبان، عن أبي شيبة قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول ضل علم ابن شبرمة عند الجامعة(2) إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وخط علي عليه السلام بيده إن الجامعة لم تدع لاحد كلاما، فيها علم الحلال والحرام إن أصحاب القياس طلبوا العلم بالقياس فلم يزدادوا من الحق إلا بعدا، إن دين الله لا يصاب بالقياس.

5 1 - محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبان بن تغلب(3) عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن السنة لا تقاس ألا ترى أن امرأة تقضي صومها ولا تقضي صلاتها يا أبان ! إن السنة إذا قيست محق الدين.

16 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام عن القياس فقال: مالكم والقياس إن الله لا يسأل كيف أحل وكيف حرم.

17 - علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة(4) بن صدقة قال: حدثني

___________________________________

(1) في بعض النسخ " مسطور " وفي بعضها " مستطر "

(2) أي ضاع وبطل واضمحل علمه في جنب كتاب الجامعة الذي لم يدع لاحد كلاما. (في)

(3) بفتح المثناة من فوق المفتوحة والغين المعجمة الساكنة واللام المكسورة وزان تضرب.

(4) بفتح الميم وسكون السين المهملة وفتح العين والدال المهملتين.

[*]

[58]

جعفر، عن أبيه عليهما السلام أن عليا صلوات الله عليه قال: من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس، ومن دان الله بالرأي لم يزل دهره في ارتماس، قال: وقال أبوجعفر عليه السلام: من أفتى الناس برأيه فقد دان الله بما لا يعلم، ومن دان الله بما لا يعلم فقد ضاد الله حيث احل وحرم فيما لا يعلم.

18 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي بن يقطين، عن الحسين بن مياح(1)، عن أبيه، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن إبليس قاس نفسه بآدم فقال: خلقتني من نار وخلقته من طين، ولو قاس الجوهر الذي خلق الله منه آدم بالنار، كان ذلك أكثر نورا وضياء من النار.

19 - علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس، عن حريز عن زرارةقال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الحلال والحرام فقال: حلال محمد حلال أبدا إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبدا إلى يوم القيامة، لا يكون غيره ولا يجيئ غيره، وقال: قال علي عليه السلام: ما أحد ابتدع بدعة إلا ترك بها سنة.

20 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن عبدالله العقيلي، عن عيسى بن عبدالله القرشي قال: دخل أبوحنيفة على أبي عبدالله عليه السلام فقال له: يا أبا حنيفة ! بلغني أنك تقيس؟ قال: نعم قال: لا تقس فإن أول من قاس إبليس حين قال: خلقتني من نار وخلقته من طين، فقاس ما بين النار والطين، ولو قاس نورية آدم بنورية النار عرف فضل ما بين النورين، وصفاء أحدهما على الآخر.

21 - علي، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن قتيبة قال: سأل رجل أبا عبدالله عليه السلام عن مسألة فأجابه فيها، فقال الرجل: أرأيت إن كان كذا وكذا ما يكون(2) القول فيها؟ فقال له: مه ما أجبتك فيه من شئ فهو عن رسول الله صلى الله عليه وآله لسنا من: " أرأيت(3) " في شئ.

___________________________________

(1) بفتح الميم وتشديد الياء المثناة من تحت والالف والحاء المهملة.

(2) في بعض النسخ " ما كان يكون ".

(3) لما كان مراده أخبرني عن رأيك الذي تختاره بالظن والاجتهاد نهاه عليه السلام عن هذا الظن وبين له أنهم لا يقولون شيئا إلا بالجزم واليقين وبما وصل إليهم من سيد المرسلين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين. (آ ت).

[*]

[59]

22 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه مرسلا قال: قال أبوجعفر عليه السلام: لا تتخذوا من دون الله وليجة(1) فلا تكونوا مؤمنين فإن كان سبب ونسب وقرابة ووليجة وبدعة وشبهة منقطع إلا ما أثبته القرآن.

_____________________________

(1) وليجة الرجل بطانته وخاصته ومن يعتمد عليه في اموره والمراد هنا المعتمد عليه في أمر الدين، ومن اعتمد في أمر الدين وتقرير الشريعة على غير الله يكون متعبدا لغير الله فلا يكون مؤمنا بالله واليوم الاخر وذلك لان كل مالم يثبته القرآن من النسب والقرابة والوليجة والبدعة منقطع لا تبقى ولا ينتفع بها في الاخرة فلا يجامع الايمان بالله واليوم الاخر الاعتماد عليها في أمر الدين. (آت)