باب مولد أمير المؤمنين صلوات الله عليه

ولد أمير المؤمين عليه السلام بعد عام الفيل بثلاثين سنة وقتل عليه السلام في شهر رمضان لتسع بقين منه ليلة الاحد سنة أربعين من الهجرة وهو ابن ثلاث وستين سنة، بقي بعد قبض النبي صلى الله عليه وآله ثلاثين سنة وامه فاطمة بنت أسد بن هشام بن عبد مناف وهو أول هاشمي ولده هاشم مرتين.

1 - الحسين بن محمد، عن محمد بن يحيى الفارسي، عن أبي حنيفة محمد بن يحيى، عن الوليد بن أبان، عن محمد بن عبدالله بن مسكان، عن أبيه قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: إن فاطمة بنت أسد جاء‌ت إلى أبي طالب لتبشره بمولد النبي صلى الله عليه وآله فقال أبوطالب: اصبري سبتا(2) ابشرك بمثله إلا النبوة، وقال: السبت ثلاثون سنة وكان بين رسول الله صلى الله عليه وآله

___________________________________

(2) السبت بالسين المهملة ثم الباء الموحدة ثم التاء المثناة الفوقانية وقد يزاد النون قبل الموحدة: الدهر والبرهة من الزمان وخص في الحديث بالثلاثين (في).

[453]

وأمير المؤمنين عليه السلام ثلاثون سنة.

2 - علي بن محمد بن عبدالله، عن السياري، عن محمد بن جمهور، عن بعض أصحابنا عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن فاطمة بنت أسد ام أمير المؤمنين كانت أول امرأة هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله من مكة إلى المدينة على قدميها وكانت من أبر الناس برسول الله صلى الله عليه وآله، فسمعت رسول الله وهو يقول: إن الناس يحشرون يوم القيامة عراة كما ولدوا فقالت: واسوأتاه، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: فإني أسأل الله أن يبعثك كاسية.

وسمعته يذكر ضغطة القبر، فقالت: واضعفاه، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: فإني أسأل الله أن يكفيك ذلك، وقالت لرسول الله صلى الله عليه وآله يوما: إني اريد أن أعتق جاريتي هذه، فقال لها: إن فعلت أعتق الله بكل عضو منها عضوا منك من النار، فلما مرضت أوصت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وأمرت أنى يعتق خادمها، واعتقل لسانها فجعلت تومي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله إيماء، فقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وصيتها.

فبينما هو ذات يوم قاعد إذ أتاه أمير المؤمنين عليه السلام وهو يبكي فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: ما يبكيك؟ فقال: ماتت امي فاطمة، فقال رسول الله: وامي والله وقام مسرعا حتى دخل فنظر إليها وبكى، ثم أمر النساء أن يغسلنها وقال صلى الله عليه وآله: إذا فرغتن فلا تحدثن شيئا حتى تعلمنني، فلما فرغن أعلمنه بذلك، فأعطاهن أحد قميصيه الذي يلي جسده وأمرهن أن يكفنها فيه وقال للمسلمين: إذا رأيتموني قد فعلت شيئا لم أفعله قبل ذلك فسلوني لم فعلته، فلما فرغن من غسلها وكفنها دخل صلى الله عليه وآله فحمل جنازتها على عاتقه، فلم يزل تحت جنازتها حتى أوردها قبرها، ثم وضعها ودخل القبر فاضطجع فيه، ثم قام فأخذها على يديه حتى وضعها في القبر ثم انكب عليها طويلا يناجيها ويقول لها: ابنك، ابنك [ابنك] ثم خرج وسوى عليها، ثم انكب على قبرها فسمعوه يقول: لا إله إلا الله، اللهم إني أستودعها إياك ثم انصرف، فقال له المسلمون: إنا رأيناك فعلت أشياء لم تفعلها قبل اليوم فقال: اليوم فقدت بر أبي طالب، إن كانت ليكون عندها الشئ فتؤثرني به على نفسها وولدها وإني

[454]

ذكرت القيامة وأن الناس يحشرون عراة، فقالت: واسوأتاه، فضمنت لها أن يبعثها الله كاسية وذكرت ضغطة القبر فقالت واضعفاه، فضمنت لها أن يكفيها الله ذلك، فكفنتها بقميصي واضطجعت في قبرها لذلك، وانكببت عليها فلقنتها ما تسأل عنه، فإنها سئلت عن ربها فقالت وسئلت عن رسولها فأجابت وسئلت عن وليها وإمامها فارتج عليها، فقلت: ابنك، ابنك [ابنك].

3 - بعض أصحابنا، عمن ذكره، عن ابن محبوب، عن عمر بن أبان الكلبي، عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: لما ولد رسول الله صلى عليه وآله فتح لآمنه بياض فارس وقصور الشام، فجاء‌ت فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين إلى ابي طالب ضاحكة مستبشرة، فاعلمته ما قالت آمنة، فقال لها أبوطالب: وتتعجبين من هذا إنك تحبلين وتلدين بوصيه ووزيره.

4 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن البرقي(1)، عن أحمد ابن زيد النيسابوري قال: حدثني عمر بن إبراهيم الهاشمي، عن عبدالملك بن عمر عن اسيد بن صفوان صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لما كان اليوم الذي قبض فيه أمير المؤمنين عليه السلام ارتج(2) الموضع بالبكاء ودهش الناس كيوم قبض النبي صلى الله عليه وآله و جاء رجل باكيا وهو مسرع مسترجع وهو يقول: اليوم انقطعت خلافة النبوة حتى وقف على باب البيت الذي فيه أمير المؤمنين عليه السلام فقال: رحمك الله يا أبا الحسن كنت أول القوم إسلاما وأخلصهم إيمانا، وأشدهم يقينا، وأخوفهم لله، وأعظمهم عناء وأحوطهم(3) على رسول الله صلى الله عليه وآله وآمنهم على أصحابه، وأفضلهم مناقب، وأكرمهم سوابق، وأرفعهم درجة، وأقربهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وأشبههم به هديا وخلقا وسمتا(4) وفعلا، وأشرفهم منزلة، وأكرمهم عليه، فجزاك الله عن الاسلام وعن رسوله وعن المسلمين خيرا.

قويت حين ضعف أصحابه، وبرزت حين استكانوا، ونهضت حين وهنوا، ولزمت

___________________________________

(1) المراد بالبرقى هنا محمد لا ابنه احمد ؛(آت).

(2) اى اضطرب.

(3) اى اشدهم حياطة وحفظا وصيانة وتعهدا. (في).

(4) الهدى: الطريقة والسيرة. والسمت هيئة اهل الخير (في).

[455]

منهاج رسول الله صلى الله عليه وآله إذ هم أصحابه، [و] كنت خليفته حقا، لم تنازع ولم تضرع برغم المنافقين، وغيظ الكافرين، وكره الحاسدين، وصغر الفاسقين(1).

فقمت بالامر حين فشلوا، ونطقت حين تتعتعوا(2)، ومضيت بنور الله إذ وقفوا، فاتبعوك فهدوا، وكنت أخفضهم صوتا، وأعلاهم قنوتا(3) وأقلهم كلاما، وأصوبهم نطقا، وأكبرهم رأيا، وأشجعهم قلبا، وأشدهم يقينا، وأحسنهم عملا، وأعرفهم بالامور.

كنت والله يعسوبا للدين، أولا وآخرا: الاول حين تفرق الناس، والآخر حين فشلوا، كنت للمؤمنين أبا رحيما، إذ صاروا عليك عيالا، فحملت أثقال ما عنه ضعفوا، وحفظت ما أضاعوا، ورعيت ما أهملوا، وشمرت إذ [ا] اجتمعوا، وعلوت إذ هلعوا، وصبرت إذ أسرعوا، وأدركت أوتار ما طلبوا، ونالوا بك ما لم يحتسبوا.

كنت على الكافرين عذابا صبا ونهبا، وللمؤمنين عمدا وحصنا، فطرت والله بنعمائها وفزت بحبائها، وأحرزت سوابقها، وذهبت بفضائلها، لم تفلل حجتك، ولم يزغ قلبك، ولم تضعف بصيرتك، ولم تجبن نفسك ولم تخر(4).

كنت كالجبل لا تحركه العواصف، وكنت كما قال: امن الناس في صحبتك وذات يدك، وكنت كما قال: ضعيفا في بدنك، قويا في امر الله، متواضعا في نفسك، عظيما عند الله، كبيرا في الارض، جليلا عند المؤمنين، لم يكن لاحد فيك مهمز، ولا لقائل فيك مغمز [ولا لاحد فيك مطمع] ولا لاحد عندك هوادة، الضعيف الذليل عندك قوي عزيز حتى تأخذ له بحقه، والقوي العزيز عندك ضعيف ذليل حتى تأخذ منه الحق، والقريب والبعيد عندك في ذلك سواء، شأنك الحق والصدق والرفق، وقولك حكم وحتم وأمرك حلم وحزم، ورأيك علم وعزم فيما فعلت، وقد نهج السبيل، وسهل العسير

___________________________________

(1) في بعض النسخ [وضغن الفاسقين] وهو الحقد. والفشل: الجبن.

(2) التعتعة في الكلام: التردد فيه من حصر أوعى.

(3) في بعض النسخ [اعلاهم قدما وأطيبهم كلاما وأصوبهم منطقا].

(4) من الخرور وهو السقوط وفى بعض النسخ [ولم تخل].

[*]

[456]

واطفئت النيران، واعتدل بك الدين، وقوي بك الاسلام، فظهر أمر الله ولو كره الكافرون، وثبت بك الاسلام والمؤمنون، وسبقت سبقا بعيدا، وأتعبت من بعدك تعبا شديدا، فجللت عن البكاء، وعظمت رزيتك في السماء، وهدت مصيبتك الانام، فإنا لله وإنا إليه راجعون، رضينا عن الله قضاه، وسلمنا لله أمره، فوالله لم يصاب المسلمون بمثلك أبدا.

كنت للمؤمنين كهفا وصحنا، وقنة راسيا(1)، وعلى الكافرين غلظة وغيظا، فألحقك الله بنبيه، ولا أحرمنا أجرك، ولا أضلنا بعدك، وسكت القوم حتى انقضى كلامه وبكى وبكى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله ثم طلبوه فلم يصادفوه.

5 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن صفوان الجمال قال: كنت أنا وعامر وعبدالله بن جذاعة الازدي عند أبي عبدالله عليه السلام قال: فقال له عامر: جعلت فداك إن الناس يزعمون أن أمير المؤمنين عليه السلام دفن بالرحبة؟ قال: لا، قال: فأين دفن؟ قال: إنه لما مات احتمله الحسن عليه السلام فأتي به ظهر الكوفة قريبا من النجف يسرة عن الغري يمنة عن الحيرة فدفنه بن زكوات(2) بيض، قال: فلما كان بعد ذهبت إلى الموضع، فتوهمت موضعا منه، ثم أتيته فأخبرته فقال لي: أصبت رحمك الله - ثلاث مرات -.

6 - أحمد بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن القاسم بن محمد، عن عبدالله بن سنان قال: أتاني عمر بن يزيد فقال لي: اركب، فركبت معه، فمضينا حتى أتينا منزل حفص الكناسي فاستخرجته فركب معنا، ثم مضينا حتى أتينا الغري فانتهينا إلى قبر، فقال: انزلوا هذا قبر أمير المؤمنين عليه السلام، فقلنا من أين علمت؟ فقال: أتيته مع أبي عبد الله عليه السلام حيث كان بالحيرة غير مرة وخبرني أنه قبره.

7 - محمد بن يحيى، عن سلمة بن الخطاب، عن عبدالله بن محمد، عن عبدالله بن القاسم

___________________________________

(1) القنة بالضم والنون: والجبل وراسيا اى ثابتا.

(2) كذا في اكثر نسخ الحديث ولعله اراد التلال الصغيرة التى كانت محيطة بقبره صلوات الله عليه.

شبهها لضيائها وتوقدها عند شروق الشمس عليها لاشتمالها على الحصيات البيض والدرارى بالجمرة الملتهبة كما ذكره اللغويون (آت) أو هو تصحيف (ربوات) جمع ربوة وهو التل.

[*]

[457]

عن عيسى شلقان قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: إن أمير المؤمنين عليه السلام له خؤولة في بني مخزوم وإن شابا منهم أتاه فقال: يا خالي إن أخي مات وقد حزنت عليه حزنا شديدا، قال: فقال له: تشتهي أن تراه؟ قال: بلى، قال: فأرني قبره، قال: فخرج ومعه بردة رسول الله صلى اله عليه وآله متزرا بها، فلما انتهى إلى القبر تلملمت(1) شفتاه ثم ركضه برجلهفخرج من قبره وهو يقول بلسان الفرس، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: ألم تمت وأنت رجل من العرب؟ قال: بلى ولكنا متنا على سنة فلان وفلان فانقلبت ألسنتنا.

8 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، وعلى بن محمد، عن سهل بن زياد جميعا، عن ابن محبوب، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما قبض أمير المؤمنين عليه السلام قام الحسن بن علي عليه السلام في مسجد الكوفة فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله ثم قال: أيها الناس إنه قد قبض في هذ الليلة رجل ما سبقه الاولون ولا يدركه الآخرون، إنه كان لصاحب راية رسول الله صلى الله عليه وآله، عن يمينه جبرئيل وعن يساره ميكائيل، لا ينثني(2) حتى يفتح الله له والله ما ترك بيضاء ولا حمراء إلا سبعمائة درهم فضلت عن عطائه، أراد أن يشتري بها خادما لاهله.

والله لقد قبض في الليلة التي فيها قبض وصي موسى يوشع بن نون والليلة التي عرج فيها بعيسى ابن مريم، والليلة التي نزل فيها القرآن.

9 - علي بن محمد رفعه قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: لما غسل أمير المؤمنين عليه السلام نودوا من جانب البيت إن أخذتم مقدم السرير كفيتم مؤخره، وإن أخذتم مؤخره كفيتم مقدمه.

[10 - عبدالله بن جعفر وسعد بن عبدالله جميعا، عن إبراهيم بن مهزيار، عن أخيه علي بن مهزيار، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن حبيب السجستاني قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ولدت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله بعد مبعث رسول الله بخمس سنين وتوفيت ولها ثمان عشرة سنة وخمسة وسبعون يوما(3).]

___________________________________

(1) في ب ع ض‌ء ل ن س خ [تململت].

(2) لا ينثنى اى لا ينصرف من الشئ بمعنى الرجوع يعنى لا يرجع.

(3) هذه الرواية موجودة ههنا فيما رأيناها من النسخ ومحلها في باب الاتى في مولد الزهراء عليها السلام وفى بعض النسخ جعلت نسخة، والظاهر انها كتبت في الطرف فكتبها النساخ هنا.

[458]

11 - سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضال، عن عبدالله بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله عليه السلام أنه سمعه يقول: لما قبض أمير المؤمنين عليه السلام أخرجه الحسن والحسين ورجلان آخران حتى إذا خرجوا من الكوفة تركوها عن أيمانهم(1) ثم أخذوا في الجبانة(2) حتى مروا به إلى الغري فدفنوه وسووا قبره فانصرفوا.

_____________________________

(1) في بعض النسخ [يمينهم].

(2) الجبان والجبانة مشددتين المقبرة.