باب الاشارة والنص على الحسين بن علي عليهما السلام

1 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح [قال الكليني] وعدة من أصحابنا، عن ابن زياد، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن هارون بن الجهم، عن محمد ابن مسلم قال سمعت ابا جفعر عليه السلام يقول: لما حضر الحسن بن علي عليهما السلام الوفاة قال للحسين عليه السلام: يا أخي إني اوصيك بوصية فاحفظها، إذا أنا مت فهيئني ثم وجهني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله لاحدث به عهدا ثم اصرفني إلى امي عليها السلام ثم ردني فادفني بالبقيع، واعلم أنه سيصيبني من عائشة ما يعلم الله والناس صنيعها وعداوتها لله ولرسوله وعداوتها لنا أهل البيت، فلما قبض الحسن عليه السلام [و] وضع على السرير ثم انطلقوا به إلى مصلى رسول الله صلى الله عليه وآله الذي كان يصلي فيه على الجنائز فصلى عليه الحسين عليه السلام وحمل وادخل إلى المسجد فلما اوقف على قبر رسول الله صلى الله عليه وآله ذهب ذو العوينين(1) إلى عائشة فقال لها: إنهم قد أقبلوا بالحسن ليدفنوا مع النبي صلى الله عليه وآله فخرجت مبادرة على بغل بسرج - فكانت أول امرأة ركبت في الاسلام سرجا - فقالت نحوا ابنكم عن بيتي، فإنه لا يدفن في بيتي ويهتك على رسول الله حجابه، فقال لها الحسين عليه السلام: قديما هتكت أنت وأبوك حجاب رسول الله صلى الله عليه وآله وأدخلت عليه ببيته من لا يحب قربه، وإن الله سائلك عن ذلك يا عائشة.

2 - محمد بن الحسن وعلي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن بعض أصحابنا، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: لما حضرت

___________________________________

(1) الصحيح ذو العوينتين بل ذو العيينتين تثنية عينية وهو كناية عن الجاسوس [*]

[301]

الحسن بن علي عليهما السلام الوفاة، قال: يا قنبر انظر هل ترى من وراء بابك مؤمنا من غير آل محمد عليهم السلام؟ فقال: الله تعالى ورسوله وابن رسوله أعلم به مني، قال: ادع لي محمد بن علي، فأتيته فلما دخلت عليه، قال: هل حدث إلا خير؟ قلت: أجب أبا محمد فعجل على شسع نعله، فلم يسوه وخرج معي يعدو، فلما قام بين يديه سلم، فقال له الحسن بن علي عليهما السلام: اجلس فإنه ليس مثلك يغيب عن سماع كلام يحيى به الاموات، ويموت به الاحياء، كونوا أوعية العلم، ومصابيح الهدى، فإن ضوء النهار بعضه أضوء من بعض.

أما علمت أن الله جعل ولد إبراهيم عليه السلام أئمة، وفضل بعضهم على بعض، وآتى داود عليه السلام: زبورا وقد علمت بما استأثر به محمدا صلى الله عليه وآله يا محمد بن علي إني أخاف عليك الحسد وإنما وصف الله به الكافرين، فقال الله عزوجل: " كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق(1) " ولم يجعل الله عزوجل للشيطان عليك سلطانا، يا محمد بن علي ألا اخبرك بما سمعت من أبيك فيك؟ قال: بلى، قال: سمعت أباك عليه السلام يقول يوم البصرة: من أحب ان يبرني في الدينا والآخرة فليبر محمدا ولدي، يا محمد بن علي لو شئت أن اخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لاخبرتك، يا محمد بن علي أما علمت أن الحسين بن علي عليهما السلام بعد وفاة نفسي، ومفارقة روحي جسمي، إمام من بعدي، وعند الله جل اسمه في الكتاب، وراثة من النبي صلى الله عليه وآله أضافها الله عزوجل له في وراثة أبيه وامه فعلم الله أنكم خيرة خلقه، فاصطفى منكم محمدا صلى الله عليه وآله واختار محمد عليا عليه السلام واختارني علي عليه السلام بالامامة واخترت أنا الحسين عليه السلام، فقال له محمد بن علي: أنت إمام وأنت وسيلتي إلى محمد صلى الله عليه وآله والله لوددت أن نفسي ذهبت قبل أن أسمع منك هذا الكلام ألا وإن في رأسي كلاما لا تنزفه الدلاء(2) ولا تغيره نغمة الرياح، كالكتاب المعجم في الرق المنمنم(5) أهم بابدائه فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل أو ما جاء‌ت به الرسل، وإنه لكلام يكل به

___________________________________

(1) البقرة: 10

(2) النزف: النزح، النغمة: الصوت، والمنمنم: المزين.

[*]

[302]

لسان الناطق، ويد الكاتب، حتى لا يجد قلما، ويؤتوا بالقرطاس حمما(1) فلا يبلغ إلى فضلك وكذلك يجزي الله المحسنين ولا قوة إلا بالله، الحسين أعلمنا علما، و أثقلنا حلما، وأقربنا من رسول الله صلى الله عليه وآله رحما، كان فقيها قبل أن يخلق، وقرأ الوحي قبل أن ينطق، ولو علم الله في أحد خيرا ما اصطفى محمدا صلى الله عليه وآله، فلما اختار الله محمدا واختار محمد عليا واختارك علي إماما واخترت الحسين، سلمنا ورضينا، من [هو] بغيره يرضى و [من غيره] كنا نسلم به من مشكلات أمرنا.

3 - وبهذا الاسناد، عن سهل، عن محمد بن سليمان، عن هارون بن الجهم، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لما احتضر الحسن بن علي عليهما السلام قال للحسين: يا أخي إني اوصيك بوصية فاحفظها، فإذا أنا مت فهيئني ثم وجهني إلى رسول الله صلى الله عليه السلم لاحدث به عهدا ثم اصرفني إلى امي فاطمة عليها السلام ثم ردني فادفني بالبقيع، واعلم أنه سيصيبني من الحميراء ما يعلم الناس من صنيعها وعداوتها لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وعداوتها لنا أهل البيت، فلما قبض الحسن عليه السلام [و] وضع على سريره فانطلقوا به إلى مصلى رسول الله صلى الله عليه وآله الذي كان يصلي فيه على الجنائز فصلى على الحسن عليه السلام فلما أن صلى عليه حمل فادخل المسجد، فلما اوقف على قبر رسول الله صلى الله عليه وآله بلغ عائشة الخبر وقيل لها: إنهم قد أقبلوا بالحسن بن علي ليدفن مع رسول الله فخرجت مبادرة على بغل بسرج - فكانت أول امرأة ركبت في الاسلام سرجا - فوقفت وقالت: نحوا ابنكم عن بيتي، فإنه لا يدفن فيه شئ ولا يهتك على رسول الله حجابه، فقال لها الحسين بن علي صلوات الله عليهما: قديما هتكت انت وأبوك حجاب رسول الله وأدخلت بيته من لا يحب رسول الله قربه، وإن الله سائلك عن ذلك يا عائشة، إن أخي أمرني أن أقربه من أبيه رسول الله صلى الله عليه وآله ليحدث به عهدا واعلمي أن أخي أعلم الناس بالله ورسوله وأعلم بتأويل كتابه من أن يهتك على رسول الله ستره، لان الله تبارك وتعالى يقول: " يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم(2) " وقد أدخلت أنت بيت رسول الله صلى الله عليه وآله الرجال بغير أذنه وقد

___________________________________

(1) الحمم: الرماد: وهو كناية عن تفسخها.

(2) الاحزاب: 3 5.

[*]

[303]

قال الله عزوجل " يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي " ولعمري لقد ضربت أنت لابيك وفاروقه عند اذن رسول الله صلى الله عليه وآله المعاول، وقال الله عزوجل " إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله اولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى(1) " ولعمري لقد أدخل أبوك وفاروقه على رسول الله صلى الله عليه وآله بقربهما منه الاذى، وما رعيا من حقه ما أمرهما الله به على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله، إن الله حرم من المؤمنين أمواتا ما حرم منهم أحياء، وتالله يا عائشة لو كان هذا الذي كرهتيه من دفن الحسن عند أبيه رسول الله صلوات الله عليهما جائزا فيما بيننا وبين الله لعلمت أنه سيدفن وإن رغم معطسك.

قال: ثم تكلم محمد بن الحنفية وقال: يا عائشة يوما على بغل، ويوما على جمل، فما تملكين نفسك ولا تملكين الارض عداوة لبني هاشم، قال: فأقبلت عليه فقالت: يا ابن الحنفية هؤلاء الفواطم يتكلمون فما كلامك؟ فقال لها الحسين عليه السلام: وأنى تبعدين محمدا من الفواطم، فوالله لقد ولدته ثلاث فواطم: فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمرو بن مخزوم، وفاطمة بنت أسد بن هاشم، وفاطمة بنت زائدة بن الاصم ابن رواحة بن حجر بن عبد معيص بن عامر، قال فقالت عائشة للحسين عليه السلام: نحوا ابنكم واذهبوا به فإنكم قوم خصمون.

قال: فمضى الحسين عليه السلام إلى قبر امه ثم أخرجه فدفنه بالبقيع.

___________________________________

(1) الحجرات: 3.