السابق

التالي

[15 : 47 ]

و أقسم لئن وجده بعدها يمشي في أرض المدينة و ما حولها ليقتلنه و خرج عثمان فجهزه و اشترى له بعيرا ثم قال ارتحل و سار رسول

الله ص إلى حمراء الأسد و أقام معاوية إلى اليوم الثالث ليعرف أخبار النبي ص و يأتي بها قريشا فلما كان في اليوم الرابع قال

رسول الله ص إن معاوية أصبح قريبا لم ينفذ فاطلبوه فأصابوه و قد أخطأ الطريق فأدركوه و كان اللذان أسرعا في طلبه زيد بن حارثة

و عمار بن ياسر فوجداه بالجماء فضربه زيد بالسيف و قال عمار إن لي فيه حقا فرمياه بسهم فقتلاه ثم انصرفا إلى المدينة بخبره و

يقال إنه أدرك على ثمانية أميال من المدينة فلم يزل زيد و عمار يرميانه بالنبل حتى مات. قال و معاوية هذا أبو عائشة بنت معاوية

أم عبد الملك بن مروان. قال و ذكر الواقدي في كتابه مثل هذه الرواية سواء. قال البلاذري و قال ابن الكلبي إن معاوية بن المغيرة

جدع أنف حمزة يوم أحد و هو قتيل فأخذ بقرب أحد فقتل على أحد بعد انصراف قريش بثلاث و لا عقب له إلا عائشة أم عبد الملك بن

مروان قال و يقال إن عليا ع هو الذي قتل معاوية بن المغيرة. قلت و رواية ابن الكلبي عندي أصح لأن هزيمة المشركين كانت في

الصدمة الأولى عقيب قتل بني عبد الدار أصحاب الألوية و كان قتل حمزة بعد ذلك لما كر خالد بن الوليد الخيل من وراء المسلمين

فاختلطوا و انتقض صفهم و قتل بعضهم بعضا فكيف يصح إن يجتمع لمعاوية كونه قد جدع أنف حمزة و كونه قد انهزم مع

المشركين في الصدمة الأولى هذا متناقض لأنه إذا كان قد انهزم في أول الحرب استحال أن يكون

[15 : 48 ]

حاضرا عند حمزة حين قتل و الصحيح ما ذكره ابن الكلبي من أنه شهد الحرب كلها و جدع أنف حمزة ثم حصل في أيدي المسلمين بعد

انصراف قريش لأنه تأخر عنهم لعارض عرض له فأدركه حينه فقتل

القول في مقتل المجذر بن زياد البلوي و الحارث بن يزيد بن الصامت

قال الواقدي كان المجذر بن زياد البلوي حليف بني عوف بن الخزرج ممن شهد بدرا مع رسول الله ص و كانت له قصة في الجاهلية

قبل قدوم النبي ص المدينة و ذلك أن حضير الكتائب والد أسيد بن حضير جاء إلى بني عمرو بن عوف فكلم سويد بن الصامت و خوات

بن جبير و أبا لبابة بن عبد المنذر و يقال سهل بن حنيف فقال هل لكم إن تزوروني فأسقيكم شرابا و أنحر لكم و تقيمون عندي أياما

قالوا نعم نحن نأتيك يوم كذا فلما كان ذلك اليوم جاءوه فنحر لهم جزورا و سقاهم خمرا و أقاموا عنده ثلاثة أيام حتى تغير اللحم و

كان سويد بن الصامت يومئذ شيخا كبيرا فلما مضت الأيام الثلاثة قالوا ما نرانا إلا راجعين إلى أهلنا فقال حضير ما أحببتم إن أحببتم

فأقيموا و إن أحببتم فانصرفوا فخرج الفتيان بسويد بن الصامت يحملانه على جمل من الثمل فمروا لاصقين بالحرة حتى كانوا

قريبا من بني عيينة فجلس سويد يبول و هو ثمل سكرا فبصر به إنسان من الخزرج فخرج حتى أتى المجذر بن زياد فقال هل لك في

الغنيمة الباردة قال ما هي قال سويد بن الصامت أعزل لا سلاح معه ثمل فخرج المجذر بن زياد بالسيف مصلتا فلما رآه الفتيان و هما

أعزلان لا سلاح معهما وليا و العداوة بين الأوس

[15 : 49 ]

و الخزرج شديدة فانصرفا مسرعين و ثبت الشيخ و لا حراك به فوقف المجذر بن زياد فقال قد أمكن الله منك قال ما تريد بي قال

قتلك قال فارفع عن الطعام و اخفض عن الدماغ فإذا رجعت إلى أمك فقل إني قتلت سويد بن الصامت فقتله فكان قتله هو الذي هيج

وقعة بعاث فلما قدم رسول الله ص المدينة أسلم الحارث بن سويد بن الصامت و أسلم المجذر فشهدا بدرا فجعل الحارث بن سويد

يطلب المجذر في المعركة ليقتله بأبيه فلا يقدر عليه يومئذ فلما كان يوم أحد و جال المسلمون تلك الجولة أتاه الحارث من خلفه

فضرب عنقه فرجع رسول الله ص إلى المدينة ثم خرج إلى حمراء الأسد فلما رجع من حمراء الأسد أتاه جبرائيل ع فأخبره أن الحارث

بن سويد قتل المجذر غيلة و أمره بقتله فركب رسول الله ص إلى قباء في اليوم الذي أخبره جبرائيل في يوم حار و كان ذلك يوما لا

يركب فيه رسول الله ص إلى قباء إنما كانت الأيام التي يأتي فيها رسول الله ص قباء يوم السبت و يوم الإثنين فلما دخل رسول الله

ص مسجد قباء صلى فيه ما شاء الله أن يصلي و سمعت الأنصار فجاءوا يسلمون عليه و أنكروا إتيانه تلك الساعة في ذلك اليوم

فجلس ع يتحدث و يتصفح الناس حتى طلع الحارث بن سويد في ملحفة مورسة فلما رآه رسول الله ص دعا عويم بن ساعدة فقال له

قدم الحارث بن سويد إلى باب المسجد فاضرب عنقه بمجذر بن زياد فإنه قتله يوم أحد فأخذه عويم فقال الحارث دعني أكلم رسول

الله و رسول الله ص يريد أن يركب و دعا بحماره إلى باب المسجد فجعل الحارث يقول قد و الله قتلته يا رسول الله و ما كان قتلي

إياه رجوعا عن الإسلام

[15 : 50 ]

و لا ارتيابا فيه و لكنه حمية الشيطان و أمر وكلت فيه إلى نفسي و إني أتوب إلى الله و إلى رسوله مما عملت و أخرج ديته و أصوم

شهرين متتابعين و أعتق رقبة و أطعم ستين مسكينا إني أتوب إلى الله يا رسول الله و جعل يمسك بركاب رسول الله ص و بنو

المجذر حضور لا يقول لهم رسول الله ص شيئا حتى إذا استوعب كلامه قال قدمه يا عويم فاضرب عنقه و ركب رسول الله ص فقدمه

عويم بن ساعدة على باب المسجد فضرب عنقه. قال الواقدي و يقال إن الذي أعلم رسول الله قتل الحارث المجذر يوم أحد حبيب بن

يساف نظر إليه حين قتله فجاء إلى النبي ص فأخبره فركب رسول الله ص يتفحص عن هذا الأمر فبينا هو على حماره نزل جبرائيل ع

فخبره بذلك فأمر رسول الله ص عويما فضرب عنقه ففي ذلك قال حسان

يا حار في سنة من نوم أولكم أم كنت ويحك مغترا بجبريل

فأما البلاذري فإنه ذكر هذا و قال و يقال إن الجلاس بن سويد بن الصامت هو الذي قتل المجذر يوم أحد غيلة إلا أن شعر حسان يدل

على أنه الحارث. قال الواقدي و البلاذري و كان سويد بن الصامت حين ضربه المجذر بقي قليلا ثم مات فقال قبل أن يموت يخاطب

أولاده

أبلغ جلاسا و عبد الله مالكه و إن دعيت فلا تخذلهما حار

[15 : 51 ]

اقتل جذارة إذ ما كنت لاقيهم و الحي عوفا على عرف و إنكار

قال البلاذري جذرة و جذارة أخوان و هما ابنا عوف بن الحارث بن الخزرج. قلت هذه الروايات كما ترى و قد ذكر ابن ماكولا في

الإكمال أن الحارث بن سويد قتل المجذر غيلة يوم أحد ثم التحق بمكة كافرا ذكره في حرف الميم من هذا الكتاب و هذا هو الأشبه

عندي

القول فيمن مات من المسلمين بأحد جملة

قال الواقدي ذكر سعيد بن المسيب و أبو سعيد الخدري أنه قتل من الأنصار خاصة أحد و سبعون و بمثله قال مجاهد. قال فأربعة من

قريش و هم حمزة بن عبد المطلب قتله وحشي و عبد الله بن جحش بن رئاب قتله أبو الحكم بن الأخنس بن شريق و شماس بن عثمان

بن الشريد من بني مخزوم قتله أبي بن خلف و مصعب بن عمير قتله ابن قميئة. قال و قد زاد قوم خامسا و هو سعد مولى حاطب من بني

أسد بن عبد العزى و قال قوم أيضا إن أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي جرح يوم أحد و مات من تلك الجراحة بعد أيام. قال الواقدي

و قال قوم قتل ابنا الهبيب من بني سعد بن ليث و هما عبد الله

[15 : 52 ]

و عبد الرحمن و رجلان من بني مزينة و هما وهب بن قابوس و ابن أخيه الحارث بن عتبة بن قابوس فيكون جميع من قتل من

المسلمين ذلك اليوم نحو أحد و ثمانين رجلا فأما تفصيل أسماء الأنصار فمذكور في كتب المحدثين و ليس هذا الموضع مكان ذكره

القول فيمن قتل من المشركين بأحد

قال الواقدي قتل من بني عبد الدار طلحة بن أبي طلحة صاحب لواء قريش قتله علي بن أبي طالب ع مبارزة و عثمان بن أبي طلحة قتله

حمزة بن عبد المطلب و أبو سعيد بن أبي طلحة قتله سعد بن أبي وقاص و مسافع بن طلحة بن أبي طلحة قتله عاصم بن ثابت بن أبي

الأقلح و كلاب بن طلحة بن أبي طلحة قتله الزبير بن العوام و الحارث بن طلحة بن أبي طلحة قتله عاصم بن ثابت و الجلاس بن

طلحة بن أبي طلحة قتله طلحة بن عبيد الله و أرطاة بن عبد شرحبيل قتله علي بن أبي طالب ع و قارظ بن شريح بن عثمان بن عبد

الدار و يروى قاسط بالسين و الطاء المهملتين قال الواقدي لا يدرى من قتله و قال البلاذري قتله علي بن أبي طالب ع و صواب

مولاهم قتله علي بن أبي طالب ع و قيل قتله قزمان و أبو عزيز بن عمير أخو مصعب بن عمير قتله قزمان فهؤلاء أحد عشر. و من بني

أسد بن عبد العزى عبد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد قتله أبو دجانة في رواية الواقدي و في رواية محمد بن إسحاق قتله

علي بن أبي طالب ع و قال البلاذري قال ابن الكلبي إن عبد الله بن حميد قتل يوم بدر

[15 : 53 ]

و من بني زهرة أبو الحكم بن الأخنس بن شريق قتله علي بن أبي طالب ع و سباع بن عبد العزى الخزاعي و اسم عبد العزى عمر بن

نضله بن عباس بن سليم و هو ابن أم أنمار الحجامة بمكة قتله حمزة بن عبد المطلب فهذان رجلان. و من بني مخزوم أمية بن أبي

حذيفة بن المغيرة قتله علي ع و هشام بن أبي أمية بن المغيرة قتله قزمان و الوليد بن العاص بن هشام قتله قزمان و خالد بن أعلم

العقيلي قتله قزمان و عثمان بن عبد الله بن المغيرة قتله الحارث بن الصمة فهؤلاء خمسة. و من بني عامر بن لؤي عبيد بن حاجز قتله

أبو دجانة و شيبة بن مالك بن المضرب قتله طلحة بن عبيد الله و هذان اثنان. و من بني جمح أبي بن خلف قتله رسول الله ص بيده و

أبو عزة قتله عاصم بن ثابت صبرا بأمر رسول الله ص فهذان اثنان. و من بني عبد مناة بن كنانة خالد بن سفيان بن عويف و أبو الشعثاء

بن سفيان بن عويف و أبو الحمراء بن سفيان بن عويف و غراب بن سفيان بن عويف هؤلاء الإخوة الأربعة قتلهم علي بن أبي طالب ع

في رواية محمد بن حبيب. فأما الواقدي فلم يذكر في باب من قتل من المشركين بأحد لهم قاتلا معينا و لكنه ذكر في كلام آخر قبل هذا

الباب أن أبا سبرة بن الحارث بن علقمة قتل أحد بني سفيان بن عويف و أن رشيدا الفارسي مولى بني معاوية لقي آخر من بني سفيان

بن عويف مقنعا في الحديد و هو يقول أنا ابن عويف فيعرض له سعد مولى حاطب فضربه ابن

[15 : 54 ]

عويف ضربة جزله باثنتين فأقبل رشيد على ابن عويف فضربه على عاتقه فقطع الدرع حتى جزله اثنتين و قال خذها و أنا الغلام

الفارسي فقال رسول الله ص و هو يراه و يسمعه أ لا قلت أنا الغلام الأنصاري قال فيعرض لرشيد أخ للمقتول أحد بني سفيان بن

عويف أيضا و أقبل يعدو نحوه كأنه كلب يقول أنا ابن عويف و يضربه رشيد أيضا على رأسه و عليه المغفر ففلق رأسه و قال خذها و

أنا الغلام الأنصاري فتبسم رسول الله ص و قال أحسنت يا أبا عبد الله فكناه رسول الله ص يومئذ و لا ولد له. قلت فأما البلاذري فلم

يذكر لهم قاتلا و لكنه عدهم في جملة من قتل من المشركين بأحد و كذلك ابن إسحاق لم يذكر من قتلهم فإن صحت رواية الواقدي

فعلي ع لم يكن قد قتل منهم إلا واحدا و إن كانت رواية ابن حبيب صحيحة فالأربعة من قتلاه ع و قد رأيت في بعض كتب أبي الحسن

المدائني أيضا أن عليا ع هو الذي قتل بني سفيان بن عويف يوم أحد و روى له شعرا في ذلك. و من بني عبد شمس معاوية بن المغيرة

بن أبي العاص قتله علي ع في إحدى الروايات و قيل قتله زيد بن حارثة و عمار بن ياسر. فجميع من قتل من المشركين يوم أحد ثمانية

و عشرون قتل علي ع منهم ما اتفق عليه و ما اختلف فيه اثني عشر و هو إلى جملة القتلى كعدة من قتل يوم بدر إلى جملة القتلى يومئذ

و هو قريب من النصف

[15 : 55 ]

القول في خروج النبي ص و بعد انصرافه من أحد إلى المشركين ليوقع بهم على ما هو به من الوهن

قال الواقدي بلغ رسول الله ص أن المشركين قد عزموا أن يردوا إلى المدينة فينهبوها فأحب أن يريهم قوة فصلى الصبح يوم الأحد

لثمان خلون من شوال و معه وجوه الأوس و الخزرج و كانوا باتوا تلك الليلة في بابه يحرسونه من البيات فيهم سعد بن عبادة و سعد

بن معاذ و الحباب بن المنذر و أوس بن خولي و قتادة بن النعمان في عدة منهم فلما انصرف من صلاة الصبح أمر بلالا أن ينادي في

الناس أن رسول الله ص يأمركم بطلب عدوكم و لا يخرج معنا إلا من شهد القتال بالأمس فخرج سعد بن معاذ راجعا إلى قومه يأمرهم

بالمسير و الجراح في الناس فاشية عامة بني عبد الأشهل جريح بل كلها فجاء سعد بن معاذ فقال إن رسول الله ص يأمركم أن تطلبوا

عدوكم قال يقول أسيد بن حضير و به سبع جراحات و هو يريد أن يداويها سمعا و طاعة لله و لرسوله فأخذ سلاحه و لم يعرج على

دواء جراحة و لحق برسول الله ص و جاء سعد بن عبادة قومه بني ساعدة فأمرهم بالمسير فلبسوا و لحقوا و جاء أبو قتادة أهل خربا و

هم يداوون الجراح فقال هذا منادي رسول الله ص يأمركم بطلب العدو فوثبوا إلى سلاحهم و لم يعرجوا على جراحاتهم فخرج من

بني سلمة أربعون جريحا بالطفيل بن النعمان ثلاثة عشر جرحا و بخراش بن الصمة عشر جراحات و بكعب بن مالك بضعة عشر جرحا و

بقطبة بن عامر بن خديج بيده تسع جراحات حتى وافوا النبي ص بقبر أبي عتبة و عليهم السلاح

[15 : 56 ]

و قد صفوا لرسول الله ص فلما نظر إليهم و الجراح فيهم فاشية قال اللهم ارحم بني سلمة. قال الواقدي و حدثني عتبة بن جبيرة عن

رجال من قومه أن عبد الله بن سهل و رافع بن سهل من بني عبد الأشهل رجعا من أحد و بهما جراح كثيرة و عبد الله أثقلهما جرحا فلما

أصبحا و جاء سعد بن معاذ قومه يخبرهم أن رسول الله ص يأمرهم بطلب العدو قال أحدهما لصاحبه و الله إن تركنا غزاة مع رسول

الله ص لغبن و الله ما عندنا دابة نركبها و لا ندري كيف نصنع قال عبد الله انطلق بنا قال رافع لا و الله ما بي مشي قال أخوه انطلق

بنا نقصد و نجوز و خرجا يزحفان فضعف رافع فكان عبد الله يحمله على ظهره عقبه و يمشي الآخر عقبه حتى أتوا رسول الله ص عند

العشاء و هم يوقدون النيران فأتي بهما رسول الله ص و على حرسه تلك الليلة عباد بن بشر فقال رسول الله ص لهما ما حبسكما

فأخبراه بعلتهما فدعا لهما بخير و قال إن طالت لكما مدة كانت لكما مراكب من خيل و بغال و إبل و ليس ذلك بخير لكما. قال

الواقدي و قال جابر بن عبد الله يا رسول الله إن مناديا نادى ألا يخرج معنا إلا من حضر القتال بالأمس و قد كنت حريصا بالأمس على

الحضور و لكن أبي خلفني على أخوات لي و قال يا بني لا ينبغي لك أن تدعهن و لا رجل معهن و أخاف عليهن و هن نسيات ضعاف و أنا

خارج مع رسول الله ص لعل الله يرزقني الشهادة فتخلفت عليهن فاستأثر علي بالشهادة و كنت رجوتها فأذن لي يا رسول الله أن أسير

معك فأذن له رسول الله ص قال جابر فلم يخرج معه أحد لم يشهد القتال بالأمس غيري و استأذنه رجال لم يحضروا القتال فأبى ذلك

[15 : 57 ]

عليهم فدعا رسول الله ص بلواءه و هو معقود لم يحل من أمس فدفعه إلى علي ع و يقال دفعه إلى أبي بكر فخرج رسول الله ص و هو

مجروح في وجهه أثر الحلقتين و مشجوج في جبهته في أصول الشعر و رباعيته قد شظيت و شفته قد كلمت من باطنها و منكبه الأيمن

موهن بضربة ابن قميئة و ركبتاه مجحوشتان فدخل المسجد فصلى ركعتين و الناس قد حشدوا و نزل أهل العوالي حيث جاءهم

الصريخ و دعا بفرسه على باب المسجد و تلقاه طلحة بن عبيد الله و قد سمع المنادي فخرج ينظر متى يسير رسول الله ص فإذا هو و

عليه الدرع و المغفر لا يرى منه إلا عيناه فقال يا طلحة سلاحك قال قريبا قال طلحة فأخرج و أعدو فألبس درعي و آخذ سيفي و أطرح

درقتي في صدري و إن بي لتسع جراحات و لأنا أهتم بجراح رسول الله ص مني بجراحي فأقبل رسول الله ص على طلحة فقال أين ترى

القوم الآن قال هم بالسيالة فقال رسول الله ص ذلك الذي ظننت أما إنهم يا طلحة لن ينالوا منا مثل أمس حتى يفتح الله مكة علينا

قال و بعث رسول الله ص ثلاثة نفر من أسلم طليعة في آثار القوم فانقطع أحدهم و انقطع قبال نعل الآخر و لحق الثالث بقريش و هم

بحمراء الأسد و لهم زجل يأتمرون في الرجوع إلى المدينة و صفوان بن أمية ينهاهم عن ذلك و لحق الذي انقطع قبال نعله بصاحبه

فبصرت قريش بالرجلين فعطفت عليهما فأصابوهما و انتهى المسلمون إلى مصرعهما بحمراء الأسد فقبرهما رسول الله ص في قبر

واحد فهما القرينان.

[15 : 58 ]

قال الواقدي اسماهما سليط و نعمان. قال الواقدي قال جابر بن عبد الله كانت عامة أزوادنا ذلك اليوم التمر و حمل سعد بن عبادة

ثلاثين بعيرا تمرا حتى وافت حمراء الأسد و ساق جزرا فنحروا في يوم ثنتين و في يوم ثلاثا و أمرهم رسول الله ص بجمع الحطب

فإذا أمسوا أمرهم أن يوقدوا النيران فيوقد كل رجل نارا فلقد كنا تلك الليلة نوقد خمسمائة نار حتى نرى من المكان البعيد و ذهب

ذكر معسكرنا و نيراننا في كل وجه و كان ذلك مما كبت الله به عدونا. قال الواقدي و جاء معبد بن أبي معبد الخزاعي و هو يومئذ

مشرك إلى النبي ص و كانت خزاعة سلما للنبي ص فقال يا محمد عز علينا ما أصابك في نفسك و ما أصابك في أصحابك و لوددنا أن

الله تعالى أعلى كعبك و أن المصيبة كانت بغيرك ثم مضى معبد حتى يجد أبا سفيان و قريشا بالروحاء و هم يقولون لا محمدا أصبتم

و لا الكواعب أردفتم فبئسما صنعتم و هم مجمعون على الرجوع إلى المدينة و يقول قائلهم فيما بينهم ما صنعنا شيئا أصبنا أشرافهم

ثم رجعنا قبل أن نستأصلهم و قبل أن يكون لهم وفر و كان المتكلم بهذا عكرمة بن أبي جهل فلما جاء معبد إلى أبي سفيان قال هذا

معبد و عنده الخبر ما وراءك يا معبد قال تركت محمدا و أصحابه خلفي يتحرقون عليكم بمثل النيران و قد اجتمع معه من تخلف عنه

بالأمس من الأوس و الخزرج و تعاهدوا ألا يرجعوا حتى يلحقوكم فيثأروا منكم و قد غضبوا لقومهم غضبا شديدا و لمن أصبتم من

أشرافهم قالوا ويحك ما تقول قال و الله ما أرى

[15 : 59 ]

أن ترتحلوا حتى تروا نواصي الخيل و لقد حملني ما رأيت منهم أن قلت أبياتا قالوا و ما هي فأنشدهم هذا الشعر

كادت تهد من الأصوات راحلتي إذ سألت الأرض بالجرد الأبابيل

تعدو بأسد ضراء لا تنابلة عند اللقاء و لا ميل معازيل

فقلت ويل ابن حرب من لقائهم إذا تغطمطت البطحاء بالجيل

و قد كان صفوان بن أمية رد القوم بكلامه قبل أن يطلع معبد و قال لهم صفوان يا قوم لا تفعلوا فإن القوم قد حربوا و أخشى أن

يجمعوا عليكم من تخلف من الخزرج فارجعوا و الدولة لكم فإني لا آمن إن رجعتم إليهم أن تكون الدولة عليكم قال فلذلك

قال رسول الله ص أرشدهم صفوان و ما كان برشيد ثم قال و الذي نفسي بيده لقد سومت لهم الحجارة و لو رجعوا لكانوا كأمس

الذاهب

قال فانصرف القوم سراعا خائفين من الطلب لهم و مر بأبي سفيان قوم من عبد القيس يريدون المدينة فقال لهم هل أنتم مبلغو محمد

و أصحابه ما أرسلكم به على أن أوقر لكم أباعركم زبيبا غدا بعكاظ إن أنتم جئتموني قالوا نعم قال حيثما

[15 : 60 ]

لقيتم محمدا و أصحابه فأخبروهم أنا قد أجمعنا الرجعة إليهم و أنا آثاركم و انطلق أبو سفيان إلى مكة و قدم الركب على النبي ص و

أصحابه بالحمراء فأخبروهم بالذي أمرهم أبو سفيان فقالوا حسبنا الله و نعم الوكيل فأنزل ذلك في القرآن و أرسل معبد رجلا من

خزاعة إلى رسول الله ص يعلمه أنه قد انصرف أبو سفيان و أصحابه خائفين وجلين فانصرف رسول الله ص بعد ثلاث إلى المدينة

[15 : 61 ]

الفصل الخامس في شرح غزاة مؤتة

نذكرها من كتاب الواقدي و نزيد على ذلك ما رواه محمد بن إسحاق في كتابه على عادتنا فيما تقدم قال الواقدي حدثني ربيعة بن

عثمان عن عمر بن الحكم قال بعث رسول الله ص الحارث بن عمير الأزدي في سنة ثمان إلى ملك بصرى بكتاب فلما نزل مؤتة عرض له

شرحبيل بن عمرو الغساني فقال أين تريد قال الشام قال لعلك من رسل محمد قال نعم فأمر به فأوثق رباطا ثم قدمه فضرب عنقه و لم

يقتل لرسول الله ص رسول غيره و بلغ ذلك رسول الله ص فاشتد عليه و ندب الناس و أخبرهم بمقتل الحارث فأسرعوا و خرجوا

فعسكروا بالجرف فلما صلى رسول الله ص الظهر جلس و جلس أصحابه حوله و جاء النعمان بن مهض اليهودي فوقف مع الناس

فقال رسول الله ص زيد بن حارثة أمير الناس فإن قتل زيد بن حارثة فجعفر بن أبي طالب فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة فإن

أصيب ابن رواحة فليرتض المسلمون من بينهم رجلا فليجعلوه عليهم

فقال النعمان بن مهض يا أبا القاسم إن كنت نبيا فسيصاب من سميت قليلا كانوا أو كثيرا إن الأنبياء في بني إسرائيل كانوا إذا

استعملوا الرجل على القوم ثم قالوا إن أصيب فلان فلو سمى مائة أصيبوا جميعا ثم جعل اليهودي يقول لزيد بن حارثة اعهد فلا

ترجع إلى محمد أبدا إن كان نبيا قال زيد أشهد أنه نبي صادق فلما أجمعوا

[15 : 62 ]

المسير و عقد رسول الله ص لهم اللواء بيده دفعه إلى زيد بن حارثة و هو لواء أبيض و مشى الناس إلى أمراء رسول الله ص

يودعونهم و يدعون لهم و كانوا ثلاثة آلاف فلما ساروا في معسكرهم ناداهم المسلمون دفع الله عنكم و ردكم صالحين سالمين

غانمين فقال عبد الله بن رواحة

لكنني أسأل الرحمن مغفرة و ضربة ذات فرغ تقذف الزبدا

أو طعنة بيدي حران مجهزة بحربة تنفذ الأحشاء و الكبدا

حتى يقولوا إذا مروا على جدثي يا أرشد الله من غاز فقد رشدا

قلت اتفق المحدثون على أن زيد بن حارثة كان هو الأمير الأول و أنكرت الشيعة ذلك و قالوا كان جعفر بن أبي طالب هو الأمير الأول

فإن قتل فزيد بن حارثة فإن قتل فعبد الله بن رواحة و رووا في ذلك روايات و قد وجدت في الأشعار التي ذكرها محمد بن إسحاق في

كتاب المغازي ما يشهد لقولهم فمن ذلك ما رواه عن حسان بن ثابت و هو

تأوبني ليل بيثرب أعسر و هم إذا ما نوم الناس مسهر

لذكرى حبيب هيجت لي عبرة سفوحا و أسباب البكاء التذكر

بلى إن فقدان الحبيب بلية و كم من كريم يبتلى ثم يصبر

فلا يبعدن الله قتلى تتابعوا بمؤتة منهم ذو الجناحين جعفر

و زيد و عبد الله حين تتابعوا جميعا و أسياف المنية تخطر

[15 : 63 ]

رأيت خيار المؤمنين تواردوا شعوب و خلق بعدهم يتأخر

غداة غدوا بالمؤمنين يقودهم إلى الموت ميمون النقيبة أزهر

أغر كضوء البدر من آل هاشم أبي إذا سيم الظلامة أصعر

فطاعن حتى مال غير موسد بمعترك فيه القنا متكسر

فصار مع المستشهدين ثوابه جنان و ملتف الحدائق أخضر

و كنا نرى في جعفر من محمد وقارا و أمرا حازما حين يأمر

و ما زال في الإسلام من آل هاشم دعائم صدق لا ترام و مفخر

هم جبل الإسلام و الناس حولهم رضام إلى طور يطول و يقهر

بهاليل منهم جعفر و ابن أمه علي و منهم أحمد المتخير

و حمزة و العباس منهم و منهم عقيل و ماء العود من حيث يعصر

بهم تفرج الغماء من كل مأزق عماس إذا ما ضاق بالناس مصدر

هم أولياء الله أنزل حكمه عليهم و فيهم و الكتاب المطهر

و منها قول كعب بن مالك الأنصاري من قصيدة أولها

نام العيون و دمع عينك يهمل سحا كما وكف الرباب المسبل

وجدا على النفر الذين تتابعوا قتلى بمؤتة أسندوا لم ينقلوا

ساروا أمام المسلمين كأنهم طود يقودهم الهزبر المشبل

إذ يهتدون بجعفر و لوائه قدام أولهم و نعم الأول

حتى تقوضت الصفوف و جعفر حيث التقى جمع الغواة مجدل

[15 : 64 ]

فتغير القمر المنير لفقده و الشمس قد كسفت و كادت تأفل

قوم علا بنيانهم من هاشم فرع أشم و سؤدد متأثل

قوم بهم عصم الإله عباده و عليهم نزل الكتاب المنزل

فضلوا المعاشر عفة و تكرما و تعمدت أخلاقهم من يجهل

قال الواقدي فحدثني ابن أبي سبرة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن رافع بن إسحاق عن زيد بن أرقم أن رسول الله ص

خطبهم فأوصاهم فقال أوصيكم بتقوى الله و بمن معكم من المسلمين خيرا اغزوا باسم الله و في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله لا

تغدروا و لا تغلوا و لا تقتلوا وليدا و إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى إحدى ثلاث فأيتهن أجابوك إليها فاقبل منهم و اكفف

عنهم ادعهم إلى الدخول في الإسلام فإن فعلوا فاقبل و اكفف ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى المهاجرين فإن فعلوا فأخبرهم أن

لهم ما للمهاجرين و عليهم ما على المهاجرين و إن دخلوا في الإسلام و اختاروا دارهم فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين

يجري عليهم حكم الله و لا يكون لهم في الفيء و لا في الغنيمة شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن أبوا فادعهم إلى إعطاء

الجزية فإن فعلوا فاقبل منهم و اكفف عنهم فإن أبوا فاستعن بالله و قاتلهم و إن أنت حاصرت أهل حصن أو مدينة فأرادوا أن

تستنزلهم على حكم الله فلا تستنزلهم على حكم الله و لكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أ تصيب حكم الله فيهم أم لا و إن

حاصرت أهل حصن أو مدينة و أرادوا أن تجعل لهم ذمة الله و ذمة رسول الله فلا تجعل لهم ذمة الله و ذمة رسول الله و لكن اجعل

لهم ذمتك و ذمة أبيك و أصحابك فإنكم إن تخفروا ذممكم و ذمم آبائكم خير لكم من أن تخفروا ذمة الله و ذمة رسوله

[15 : 65 ]

قال الواقدي و حدثني أبو صفوان عن خالد بن يزيد قال خرج النبي ص مشيعا لأهل مؤتة حتى بلغ ثنية الوداع فوقف و وقفوا حوله

فقال اغزوا بسم الله فقاتلوا عدو الله و عدوكم بالشام و ستجدون فيها رجالا في الصوامع معتزلين الناس فلا تعرضوا لهم و

ستجدون آخرين للشيطان في رءوسهم مفاحص فاقلعوها بالسيوف و لا تقتلن امرأة و لا صغيرا ضرعا و لا كبيرا فانيا و لا تقطعن نخلا و

لا شجرا و لا تهدمن بناء

قال الواقدي فلما دعا ودع عبد الله بن رواحة رسول الله ص قال له مرني بشيء أحفظه عنك قال إنك قادم غدا بلدا السجود فيه قليل

فأكثروا السجود فقال عبد الله زدني يا رسول الله قال اذكر الله فإنه عون لك على ما تطلب فقام من عنده حتى إذا مضى ذاهبا رجع

فقال يا رسول الله إن الله وتر يحب الوتر فقال يا ابن رواحة ما عجزت فلا تعجز إن أسأت عشرا أن تحسن واحدة فقال ابن رواحة لا

أسألك عن شيء بعدها

و روى محمد بن إسحاق أن عبد الله بن رواحة ودع رسول الله ص بشعر منه

فثبت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى و نصرا كالذي نصروا

إني تفرست فيك الخير نافلة فراسة خالفتهم في الذي نظروا

أنت الرسول فمن يحرم نوافله و البشر منه فقد أودى به القدر

قال محمد بن إسحاق فلما ودع المسلمين بكى فقالوا له ما يبكيك يا عبد الله قال و الله ما بي حب الدنيا و لا صبابة إليها و لكني

سمعت رسول الله ص

[15 : 66 ]

يقرأ وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلّا وارِدُها فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود قال الواقدي و كان زيد بن أرقم يحدث قال كنت يتيما في حجر

عبد الله بن رواحة فلم أر والي يتيم كان خيرا لي منه خرجت معه في وجهة إلى مؤتة و صب بي و صببت به فكان يردفني خلف رحله

فقال ذات ليلة و هو على راحلته بين شعبتي رحله

إذا بلغتني و حملت رحلي مسافة أربع بعد الحساء

فشأنك فانعمي و خلاك ذم و لا أرجع إلى أهلي ورائي

و آب المسلمون و خلفوني بأرض الشام مشتهر الثواء

و زودني الأقارب من دعاء إلى الرحمن و انقطع الإخاء

هنالك لا أبالي طلع نخل و لا نخل أسافلها رواء

فلما سمعت منه هذا الشعر بكيت فخفقني بالدرة و قال و ما عليك يا لكع أن يرزقني الله الشهادة فأستريح من الدنيا و نصبها و

همومها و أحزانها و أحداثها و ترجع أنت بين شعبتي الرحل. قال الواقدي و مضى المسلمون فنزلوا وادي القرى فأقاموا به أياما و

ساروا حتى نزلوا بمؤتة و بلغهم أن هرقل ملك الروم قد نزل ماء من مياه البلقاء في بكر و بهراء و لخم و جذام و غيرهم مائة ألف

مقاتل و عليهم رجل من بلي فأقام المسلمون ليلتين ينظرون

[15 : 67 ]

في أمرهم و قالوا نكتب إلى رسول الله ص فنخبره الخبر فإما أن يردنا أو يزيدنا رجالا فبينا الناس على ذلك من أمرهم جاءهم عبد الله

بن رواحة فشجعهم و قال و الله ما كنا نقاتل الناس بكثرة عدة و لا كثرة سلاح و لا كثرة خيل إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به

انطلقوا فقاتلوا فقد و الله رأينا يوم بدر و ما معنا إلا فرسان إنما هي إحدى الحسنيين إما الظهور عليهم فذاك ما وعدنا الله و رسوله

و ليس لوعده خلف و إما الشهادة فنلحق بالإخوان نرافقهم في الجنان فشجع الناس على قول ابن رواحة. قال الواقدي و روى أبو

هريرة قال شهدت مؤتة فلما رأينا المشركين رأينا ما لا قبل لنا به من العدد و السلاح و الكراع و الديباج و الحرير و الذهب فبرق

بصري فقال لي ثابت بن أرقم ما لك يا أبا هريرة كأنك ترى جموعا كثيرة قلت نعم قال لم تشهدنا ببدر إنا لم ننصر بالكثرة. قال

الواقدي فالتقى القوم فأخذ اللواء زيد بن حارثة فقاتل حتى قتل طعنوه بالرماح ثم أخذه جعفر فنزل عن فرس له شقراء فعرقبها ثم

قاتل حتى قتل. قال الواقدي قيل إنه ضربه رجل من الروم فقطعه نصفين فوقع أحد نصفيه في كرم هناك فوجد فيه ثلاثون أو بضع و

ثلاثون جرحا. قال الواقدي و قد روى نافع عن ابن عمر أنه وجد في بدن جعفر بن أبي طالب اثنتان و سبعون ضربة و طعنة بالسيوف و

الرماح. قال البلاذري قطعت يداه و لذلك

قال رسول الله ص لقد أبدله الله بهما جناحين يطير بهما في الجنة

و لذلك سمي الطيار. قال الواقدي ثم أخذ الراية عبد الله بن رواحة فنكل يسيرا ثم حمل فقاتل

[15 : 68 ]

حتى قتل فلما قتل انهزم المسلمون أسوأ هزيمة كانت في كل وجه ثم تراجعوا فأخذ اللواء ثابت بن أرقم و جعل يصيح بالأنصار

فثاب إليه منهم قليل فقال لخالد بن الوليد خذ اللواء يا أبا سليمان قال خالد لا بل خذه أنت فلك سن و قد شهدت بدرا قال ثابت خذه

أيها الرجل فو الله ما أخذته إلا لك فأخذه خالد و حمل به ساعة و جعل المشركون يحملون عليه حتى دهمه منهم بشر كثير فانحاز

بالمسلمين و انكشفوا راجعين. قال الواقدي و قد روى أن خالدا ثبت بالناس فلم ينهزموا و الصحيح أن خالدا انهزم بالناس. قال

الواقدي حدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة أن النبي ص لما التقى الناس بمؤتة جلس على المنبر و كشف له ما بينه و

بين الشام فهو ينظر إلى معركتهم فقال أخذ الراية زيد بن حارثة فجاءه الشيطان فحبب إليه الحياة و كره إليه الموت و حبب إليه

الدنيا فقال الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين تحبب إلي الدنيا فمضى قدما حتى استشهد ثم صلى عليه و قال استغفروا

له فقد دخل الجنة و هو يسعى ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب فجاءه الشيطان فمناه الحياة و كره إليه الموت و مناه الدنيا فقال

الآن حين استحكم الإيمان في قلوب المؤمنين تتمنى الدنيا ثم مضى قدما حتى استشهد فصلى عليه رسول الله ص و دعا له

ثم قال استغفروا لأخيكم فإنه شهيد قد دخل الجنة فهو يطير فيها بجناحين من ياقوت حيث شاء

ثم قال أخذ الراية عبد الله بن رواحة ثم دخل معترضا فشق ذلك على الأنصار فقال رسول الله ص أصابته الجراح قيل يا رسول الله

فما اعتراضه قال لما أصابته الجراح نكل فعاتب نفسه فشجع فاستشهد فدخل الجنة فسري عن قومه.

[15 : 69 ]

و

روى محمد بن إسحاق قال لما ذكر رسول الله ص زيدا و جعفرا سكت عن عبد الله بن رواحة حتى تغيرت وجوه الأنصار و ظنوا أنه قد

كان من عبد الله بعض ما يكرهون ثم قال أخذها عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل شهيدا ثم قال لقد رفعوا لي في الجنة فيما يرى

النائم على سرر من ذهب فرأيت في سرير ابن رواحة ازورارا عن سريري صاحبيه فقلت لم هذا فقيل لأنهما مضيا و تردد هذا بعض التردد

ثم مضى

قال و روى محمد بن إسحاق أنه لما أخذ جعفر بن أبي طالب الراية قاتل قتالا شديدا حتى إذا لحمه القتال اقتحم عن فرس له شقراء

فعقرها ثم قاتل القوم حتى قتل فكان جعفر رضي الله عنه أول رجل عقر فرسه في الإسلام. قال محمد بن إسحاق و لما أخذ ابن رواحة

الراية جعل يتردد بعض التردد و يستقدم نفسه يستنزلها و قال

أقسمت يا نفس لتنزلنه طوعا و إلا سوف تكرهنه

ما لي أراك تكرهين الجنة إذ أجلب الناس و شدوا الرنه

قد طالما قد كنت مطمئنه هل أنت إلا نطفة في شنه

ثم ارتجز أيضا فقال

يا نفس إلا تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليت

[15 : 70 ]

و ما تمنيت فقد أعطيت إن تفعلي فعلهما هديت

و إن تأخرت فقد شقيت

ثم نزل عن فرسه فقاتل فأتاه ابن عم له ببضعة من لحم فقال اشدد بهذا صلبك فأخذها من يده فانتهش منها نهشة ثم سمع الحطمة في

ناحية من الناس فقال و أنت يا ابن رواحة في الدنيا ثم ألقاها من يده و أخذ سيفه فتقدم فقاتل حتى قتل. قال الواقدي حدثني داود بن

سنان قال سمعت ثعلبة بن أبي مالك يقول انكشف خالد بن الوليد يومئذ بالناس حتى عيروا بالفرار و تشاءم الناس به. قال و روى أبو

سعيد الخدري قال أقبل خالد بالناس منهزمين فلما سمع أهل المدينة بهم تلقوهم بالجرف فجعلوا يحثون في وجوههم التراب و

يقولون يا فرار أ فررتم في سبيل الله فقال رسول الله ص ليسوا بالفرار و لكنهم كرار إن شاء الله. قال الواقدي و قال عبيد الله بن

عبد الله بن عتبة ما لقي جيش بعثوا مبعثا ما لقي أصحاب مؤتة من أهل المدينة لقوهم بالشر حتى إن الرجل ينصرف إلى بيته و أهله

فيدق عليهم فيأبون أن يفتحوا له يقولون ألا تقدمت مع أصحابك فقتلت و جلس الكبراء منهم في بيوتهم استحياء من الناس حتى

أرسل النبي ص رجلا يقول لهم أنتم الكرار في سبيل الله فخرجوا.

قال الواقدي فحدثني مالك بن أبي الرجال عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أم جعفر بنت محمد بن جعفر عن جدتها أسماء بنت

عميس قالت أصبحت في اليوم الذي أصيب فيه جعفر و أصحابه فأتاني رسول الله ص و قد منأت أربعين منا من أدم و عجنت عجيني و

أخذت بني فغسلت وجوههم و دهنتهم فدخلت على

[15 : 71 ]

رسول الله ص فقال يا أسماء أين بنو جعفر فجئت بهم إليه فضمهم و شمهم ثم ذرفت عيناه فبكى فقلت يا رسول الله لعله بلغك عن

جعفر شيء قال نعم إنه قتل اليوم فقمت أصيح و اجتمع إلى النساء فجعل رسول الله ص يقول يا أسماء لا تقولي هجرا و لا تضربي

صدرا ثم خرج حتى دخل على ابنته فاطمة رضي الله عنها و هي تقول وا عماه فقال على مثل جعفر فلتبك الباكية ثم قال اصنعوا لآل

جعفر طعاما فقد شغلوا عن أنفسهم اليوم

قال الواقدي و حدثني محمد بن مسلم عن يحيى بن أبي يعلى قال سمعت عبد الله بن جعفر يقول أنا أحفظ حين دخل النبي ص على

أمي فنعى إليها أبي فأنظر إليه و هو يمسح على رأسي و رأس أخي و عيناه تهراقان بالدمع حتى قطرت لحيته ثم قال اللهم إن جعفرا

قدم إلي أحسن الثواب فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في ذريته ثم قال يا أسماء أ لا أبشرك قالت بلى بأبي و أمي

قال فإن الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة قالت بأبي و أمي فأعلم الناس ذلك فقام رسول الله ص و أخذ بيدي يمسح بيده

رأسي حتى رقي على المنبر و أجلسني أمامه على الدرجة السفلى و إن الحزن ليعرف عليه فتكلم فقال إن المرء كثير بأخيه و ابن عمه

ألا إن جعفرا قد استشهد و قد جعل الله له جناحين يطير بهما في الجنة ثم نزل فدخل بيته و أدخلني و أمر بطعام فصنع لنا و أرسل

إلى أخي فتغدينا عنده غداء طيبا عمدت سلمى خادمته إلى شعير فطحنته ثم نشفته ثم أنضجته و آدمته بزيت و جعلت عليه فلفلا

فتغديت أنا و أخي معه و أقمنا عنده ثلاثة أيام ندور معه في بيوت نسائه ثم أرجعنا إلى بيتنا و أتاني رسول الله ص بعد ذلك و أنا

أساوم في شاة فقال اللهم بارك له في صفقته فو الله ما بعت شيئا و لا اشتريت إلا بورك فيه

[15 : 72 ]

فصل في ذكر بعض مناقب جعفر بن أبي طالب

روى أبو الفرج الأصفهاني في كتاب مقاتل الطالبيين أن كنية جعفر بن أبي طالب أبو المساكين و قال و كان ثالث الإخوة من ولد أبي

طالب أكبرهم طالب و بعده عقيل و بعده جعفر و بعده علي و كل واحد منهم أكبر من الآخر بعشر سنين و علي أصغرهم سنا و أمهم

جميعا فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف و هي أول هاشمية ولدت لهاشمي و فضلها كثير و قربها من رسول الله ص و تعظيمه لها

معلوم عند أهل الحديث. و روى أبو الفرج لجعفر رضي الله عنه فضل كثير و قد ورد فيه حديث كثير

من ذلك أن رسول الله ص لما فتح خيبر قدم جعفر بن أبي طالب من الحبشة فالتزمه رسول الله ص و جعل يقبل بين عينيه و يقول ما

أدري بأيهما أنا أشد فرحا بقدوم جعفر أم بفتح خيبر

قال و قد روى خالد الحذاء عن عكرمة عن أبي هريرة أنه قال ما ركب المطايا و لا ركب الكور و لا انتعل و لا احتذى النعال أحد بعد

رسول الله ص أفضل من جعفر بن أبي طالب.

قال و قد روى عطية عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله ص خير الناس حمزة و جعفر و علي

و قد روى جعفر بن محمد عن أبيه ع قال قال رسول الله ص خلق الناس من أشجار شتى و خلقت أنا و جعفر من شجرة واحدة أو قال من

طينة واحدة

[15 : 73 ]

قال و بالإسناد قال رسول الله ص لجعفر أنت أشبهت خلقي و خلقي

و قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستيعاب كانت سن جعفر ع يوم قتل إحدى و أربعين سنة.

قال أبو عمر و قد روى ابن المسيب أن رسول الله ص قال مثل لي جعفر و زيد و عبد الله في خيمة من در كل واحد منهم على سرير

فرأيت زيدا و ابن رواحة في أعناقهما صدودا و رأيت جعفرا مستقيما ليس فيه صدود فسألت فقيل لي إنهما حين غشيهما الموت أعرضا

و صدا بوجهيهما و أما جعفر فلم يفعل

قال أبو عمر أيضا و روي عن الشعبي قال سمعت عبد الله بن جعفر يقول كنت إذا سألت عمي عليا ع شيئا و يمنعني أقول له بحق جعفر

فيعطيني. و

روى أبو عمر أيضا في حرف الزاي في باب زيد بن حارثة أن رسول الله ص لما أتاه قتل جعفر و زيد بمؤتة بكى و قال أخواي و مؤنساي

و محدثاي

و اعلم أن هذه الكلمات التي ذكرها الرضي رحمة الله عليه ملتقطة من كتابه ع الذي كتبه جوابا عن كتاب معاوية النافذ إليه مع أبي

مسلم الخولاني و قد ذكره أهل السيرة في كتبهم روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين عن عمر بن سعد عن أبي ورقاء قال جاء أبو مسلم

الخولاني في ناس من قراء أهل الشام إلى معاوية قبل مسير أمير المؤمنين ع إلى صفين فقالوا له يا معاوية علام تقاتل عليا و ليس

لك

[15 : 74 ]

مثل صحبته و لا هجرته و لا قرابته و لا سابقته فقال إني لا أدعي أن لي في الإسلام مثل صحبته و لا مثل هجرته و لا قرابته و لكن

خبروني عنكم أ لستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما قالوا بلى قال فليدفع إلينا قتلته لنقتلهم به و لا قتال بيننا و بينه قالا فاكتب إليه

كتابا يأته به بعضنا فكتب مع أبي مسلم الخولاني من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب سلام عليك فإني أحمد إليك الله

الذي لا إله إلا هو أما بعد فإن الله اصطفى محمدا بعلمه و جعله الأمين على وحيه و الرسول إلى خلقه و اجتبى له من المسلمين

أعوانا أيده الله تعالى بهم فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام فكان أفضلهم في الإسلام و أنصحهم لله و رسوله

الخليفة من بعده ثم خليفة خليفته من بعد خليفته ثم الثالث الخليفة المظلوم عثمان فكلهم حسدت و على كلهم بغيت عرفنا ذلك في

نظرك الشزر و قولك الهجر و تنفسك الصعداء و إبطائك عن الخلفاء تقاد إلى كل منهم كما يقاد الفحل المخشوش حتى تبايع و أنت

كاره ثم لم تكن لأحد منهم بأعظم حسدا منك لابن عمك عثمان و كان أحقهم ألا تفعل ذلك في قرابته و صهره فقطعت رحمه و قبحت

محاسنه و ألبت الناس عليه و بطنت و ظهرت حتى ضربت إليه آباط الإبل و قيدت إليه الإبل العراب و حمل عليه السلاح في حرم

رسول الله ص فقتل معك في المحلة و أنت تسمع في داره الهائعة لا تردع الظن و التهمة عن نفسك بقول و لا عمل و أقسم قسما

صادقا لو قمت فيما كان من أمره مقاما واحدا تنهنه الناس

[15 : 75 ]

عنه ما عدل بك من قبلنا من الناس أحدا و لمحا ذلك عندهم ما كانوا يعرفونك به من المجانبة لعثمان و البغي عليه و أخرى أنت بها

عند أنصار عثمان ظنين إيواؤك قتلة عثمان فهم عضدك و أنصارك و يدك و بطانتك و قد ذكر لي أنك تتنصل من دمه فإن كنت صادقا

فأمكنا من قتلته نقتلهم به و نحن أسرع الناس إليك و إلا فإنه ليس لك و لأصحابك إلا السيف و الذي لا إله إلا هو لنطلبن قتلة عثمان

في الجبال و الرمال و البر و البحر حتى يقتلهم الله أو لتلحقن أرواحنا بالله و السلام. قال نصر فلما قدم أبو مسلم على علي ع بهذا

الكتاب قام فحمد الله و أثنى عليه ثم قال أما بعد فإنك قد قمت بأمر وليته و و الله ما أحب أنه لغيرك إن أعطيت الحق من نفسك إن

عثمان قتل مسلما محرما مظلوما فادفع إلينا قتلته و أنت أميرنا فإن خالفك من الناس أحد كانت أيدينا لك ناصرة و ألسنتنا لك شاهدة

و كنت ذا عذر و حجة فقال له علي ع اغد علي غدا فخذ جواب كتابك فانصرف ثم رجع من غد ليأخذ جواب كتابه فوجد الناس قد بلغهم

الذي جاء فيه قبل فلبست الشيعة أسلحتها ثم غدوا فملئوا المسجد فنادوا كلنا قتلة عثمان و أكثروا من النداء بذلك و أذن لأبي مسلم

فدخل فدفع علي ع جواب كتاب معاوية فقال أبو مسلم لقد رأيت قوما ما لك معهم أمر قال و ما ذاك قال بلغ القوم أنك تريد أن تدفع

إلينا قتلة عثمان فضجوا و اجتمعوا و لبسوا السلاح و زعموا أنهم قتلة عثمان فقال علي ع و الله ما أردت أن أدفعهم إليكم طرفة عين

قط لقد ضربت هذا الأمر أنفه و عينه فما رأيته ينبغي لي أن أدفعهم إليك و لا إلى غيرك فخرج أبو مسلم بالكتاب و هو يقول الآن

طاب الضراب

[15 : 76 ]

و

كان جواب علي ع من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان أما بعد فإن أخا خولان قدم علي بكتاب منك تذكر فيه

محمدا ص و ما أنعم الله به عليه من الهدى و الوحي فالحمد لله الذي صدقه الوعد و أيده بالنصر و مكن له في البلاد و أظهره على

أهل العداوة و الشنئان من قومه الذين وثبوا عليه و شنفوا له و أظهروا تكذيبه و بارزوه بالعداوة و ظاهروا على إخراجه و على

إخراج أصحابه و أهله و ألبوا عليه العرب و جادلوهم على حربه و جهدوا في أمره كل الجهد و قلبوا له الأمور حتى جاء الحق و ظهر

أمر الله و هم كارهون و كان أشد الناس عليه تأليبا و تحريضا أسرته و الأدنى فالأدنى من قومه إلا من عصم الله و ذكرت أن الله تعالى

اجتبى له من المسلمين أعوانا أيده الله بهم فكانوا في منازلهم عنده على قدر فضائلهم في الإسلام فكان أفضلهم زعمت في الإسلام و

أنصحهم لله و لرسوله الخليفة و خليفة الخليفة و لعمري إن مكانهما في الإسلام لعظيم و إن المصاب بهما لجرح في الإسلام شديد

فرحمهما الله و جزاهما أحسن ما عملا و ذكرت أن عثمان كان في الفضل تاليا فإن يك عثمان محسنا فسيجزيه الله بإحسانه و إن يك

مسيئا فسيلقى ربا غفورا لا يتعاظمه ذنب أن يغفره و لعمري إني لأرجو إذا أعطى الله الناس على قدر فضائلهم في الإسلام و نصيحتهم

لله و لرسوله أن يكون نصيبنا في ذلك الأوفر إن محمدا ص لما دعا إلى الإيمان بالله و التوحيد له كنا أهل البيت أول من آمن به و

صدقه فيما جاء فبتنا أحوالا كاملة مجرمة تامة و ما يعبد الله في ربع ساكن من

[15 : 77 ]

العرب غيرنا فأراد قومنا قتل نبينا و اجتياح أصلنا و هموا بنا الهموم و فعلوا بنا الأفاعيل و منعونا الميرة و أمسكوا عنا العذب و

أحلسونا الخوف و جعلوا علينا الأرصاد و العيون و اضطرونا إلى جبل وعر و أوقدوا لنا نار الحرب و كتبوا بينهم كتابا لا يؤاكلوننا و

لا يشاربوننا و لا يناكحوننا و لا يبايعوننا و لا نأمن منهم حتى ندفع إليهم محمدا فيقتلوه و يمثلوا به فلم نكن نأمن فيهم إلا من

موسم إلى موسم فعزم الله لنا على منعه و الذب عن حوزته و الرمي من وراء حرمته و القيام بأسيافنا دونه في ساعات الخوف بالليل و

النهار فمؤمننا يرجو بذلك الثواب و كافرنا يحامي عن الأصل و أما من أسلم من قريش فإنهم مما نحن فيه خلاء منهم الحليف

الممنوع و منهم ذو العشيرة التي تدافع عنه فلا يبغيه أحد مثل ما بغانا به قومنا من التلف فهم من القتل بمكان نجوة و أمن فكان

ذلك ما شاء الله أن يكون ثم أمر الله تعالى رسوله بالهجرة و أذن له بعد ذلك في قتال المشركين فكان إذا احمر البأس و دعيت نزال

أقام أهل بيته فاستقدموا فوقى أصحابه بهم حد الأسنة و السيوف فقتل عبيدة يوم بدر و حمزة يوم أحد و جعفر و زيد يوم مؤتة و

أراد من لو شئت ذكرت اسمه مثل الذي أرادوا من الشهادة مع النبي ص غير مرة إلا أن آجالهم عجلت و منيته أخرت و الله ولى

الإحسان إليهم و المنة عليهم بما أسلفوا من أمر الصالحات فما سمعت بأحد و لا رأيته هو أنصح في طاعة رسوله و لا لنبيه و لا أصبر

على اللأواء و السراء و الضراء و حين البأس و مواطن المكروه مع النبي ص من هؤلاء النفر الذين سميت لك و في المهاجرين خير

كثير يعرف جزاهم الله خيرا بأحسن

[15 : 78 ]

أعمالهم و ذكرت حسدي الخلفاء و إبطائي عنهم و بغيي عليهم فأما البغي فمعاذ الله أن يكون و أما الإبطاء عنهم و الكراهية لأمرهم

فلست أعتذر إلى الناس من ذلك إن الله تعالى ذكره لما قبض نبيه ص قالت قريش منا أمير و قالت الأنصار منا أمير فقالت قريش منا

محمد نحن أحق بالأمر فعرفت ذلك الأنصار فسلمت لهم الولاية و السلطان فإذا استحقوها بمحمد ص دون الأنصار فإن أولى الناس

بمحمد أحق به منهم و إلا فإن الأنصار أعظم العرب فيها نصيبا فلا أدري أصحابي سلموا من أن يكونوا حقي أخذوا أو الأنصار ظلموا

بل عرفت إن حقي هو المأخوذ و قد تركته لهم تجاوزا لله عنهم و أما ما ذكرت من أمر عثمان و قطيعتي رحمه و تأليبي عليه فإن عثمان

عمل ما قد بلغك فصنع الناس به ما رأيت و إنك لتعلم أني قد كنت في عزلة عنه إلا أن تتجني فتجن ما بدا لك و أما ما ذكرت من أمر قتله

عثمان فإني نظرت في هذا الأمر و ضربت أنفه و عينه فلم أر دفعهم إليك و لا إلى غيرك و لعمري لئن لم تنزع عن غيك و شقاقك

لتعرفنهم عن قليل يطلبونك لا يكلفونك أن تطلبهم في بر و لا بحر و لا سهل و لا جبل و قد أتاني أبوك حين ولى الناس أبا بكر فقال

أنت أحق بمقام محمد و أولى الناس بهذا الأمر و أنا زعيم لك بذلك على من خالف ابسط يدك أبايعك فلم أفعل و أنت تعلم أن أباك

قد قال ذلك و أراده حتى كنت أنا الذي أبيت لقرب عهد الناس بالكفر مخافة الفرقة بين أهل الإسلام فأبوك كان أعرف بحقي منك فإن

تعرف من حقي ما كان أبوك يعرف تصب رشدك و إن لم تفعل فسيغني الله عنك و السلام

[15 : 79 ]

10- و من كتاب له ع إلى معاوية أيضا

وَ كَيْفَ أَنْتَ صَانِعٌ إِذَا تَكَشَّفَتْ عَنْكَ جَلَابِيبُ مَا أَنْتَ فِيهِ مِنْ دُنْيَا قَدْ تَبَهَّجَتْ بِزِينَتِهَا وَ خَدَعَتْ بِلَذَّتِهَا دَعَتْكَ فَأَجَبْتَهَا وَ قَادَتْكَ فَاتَّبَعْتَهَا وَ

أَمَرَتْكَ فَأَطَعْتَهَا وَ إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَقِفَكَ وَاقِفٌ عَلَى مَا لَا يُنْجِيكَ مِنْهُ مُنْج فَاقْعَسْ عَنْ هَذَا الْأَمْرِ وَ خُذْ أُهْبَةَ الْحِسَابِ وَ شَمِّرْ لِمَا قَدْ نَزَلَ بِكَ وَ

لَا تُمَكِّنِ الْغُوَاةَ مِنْ سَمْعِكَ وَ إِلَّا تَفْعَلْ أُعْلِمْكَ مَا أَغْفَلْتَ مِنْ نَفْسِكَ فَإِنَّكَ مُتْرَفٌ قَدْ أَخَذَ الشَّيْطَانُ مِنْكَ مَأْخَذَهُ وَ بَلَغَ فِيكَ أَمَلَهُ وَ جَرَى مِنْكَ

مَجْرَى الرُّوحِ وَ الدَّمِ وَ مَتَى كُنْتُمْ يَا مُعَاوِيَةُ سَاسَةَ الرَّعِيَّةِ وَ وُلَاةَ أَمْرِ الْأُمَّةِ بِغَيْرِ قَدَم سَابِق وَ لَا شَرَف بَاسِق وَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ لُزُومِ سَوَابِقِ

الشَّقَاءِ وَ أُحَذِّرُكَ أَنْ تَكُونَ مُتَمَادِياً فِي غِرَّةِ الْأُمْنِيِّةِ مُخْتَلِفَ الْعَلَانِيَةِ وَ السَّرِيرَةِ وَ قَدْ دَعَوْتَ إِلَى الْحَرْبِ فَدَعِ النَّاسَ جَانِباً وَ اخْرُجْ إِلَيَّ وَ

أَعْفِ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْقِتَالِ لِتَعْلَمَ أَيُّنَا الْمَرِينُ عَلَى قَلْبِهِ وَ الْمُغَطَّى عَلَى بَصَرِهِ فَأَنَا أَبُو حَسَن قَاتِلُ جَدِّكَ وَ أَخِيكَ وَ خَالِكَ شَدْخاً يَوْمَ بَدْر وَ

ذَلِكَ السَّيْفُ مَعِي وَ بِذَلِكَ الْقَلْبِ أَلْقَى عَدُوِّي مَا اسْتَبْدَلْتُ دِيناً وَ لَا اسْتَحْدَثْتُ نَبِيّاً وَ إِنِّي لَعَلَى الْمِنْهَاجِ الَّذِي تَرَكْتُمُوهُ طَائِعِينَ وَ دَخَلْتُمْ

فِيهِ مُكْرَهِينَ وَ زَعَمْتَ أَنَّكَ جِئْتَ ثَائِراً بِدَمِ عُثْمَانَ وَ لَقَدْ عَلِمْتَ حَيْثُ وَقَعَ دَمُ عُثْمَانَ فَاطْلُبْهُ

[15 : 80 ]

مِنْ هُنَاكَ إِنْ كُنْتَ طَالِباً فَكَأَنِّي قَدْ رَأَيْتُكَ تَضِجُّ مِنَ الْحَرْبِ إِذَا عَضَّتْكَ ضَجِيجَ الْجِمَالِ بِالْأَثْقَالِ وَ كَأَنِّي بِجَمَاعَتِكَ تَدْعُونِي جَزَعاً مِنَ الضَّرْبِ

الْمُتَتَابِعِ وَ الْقَضَاءِ الْوَاقِعِ وَ مَصَارِعَ بَعْدَ مَصَارِعَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَ هِيَ كَافِرَةٌ جَاحِدَةٌ أَوْ مُبَايِعَةٌ حَائِدَةٌ

الجلابيب جمع جلباب و هي الملحفة في الأصل و استعير لغيرها من الثياب و تجلبب الرجل جلببة و لم تدغم لأنها ملحقة بدحرجة.

قوله و تبهجت بزينتها صارت ذات بهجة أي زينة و حسن و قد بهج الرجل بالضم و يوشك يسرع. و يقفك واقف يعني الموت و يروى

و لا ينحيك مجن و هو الترس و الرواية الأولى أصح. قوله فاقعس عن هذا الأمر أي تأخر عنه و الماضي قعس بالفتح و مثله تقاعس و

اقعنسس. و أهبة الحساب عدته و تأهب استعد و جمع الأهبة أهب. و شمر لما قد نزل بك أي جد و اجتهد و خف و منه رجل شمري بفتح

الشين و تكسر. و الغواة جمع غاو و هو الضال. قوله و إلا تفعل يقول و إن كنت لا تفعل ما قد أمرتك و وعظتك به فإني أعرفك من

نفسك ما أغفلت معرفته. إنك مترف و المترف الذي قد أترفته النعمة أي أطغته

[15 : 81 ]

قد أخذ الشيطان منك مأخذه و يروى مآخذه بالجمع أي تناول الشيطان منك لبك و عقلك و مأخذه مصدر أي تناولك الشيطان تناوله

المعروف و حذف مفعول أخذ لدلالة الكلام عليه و لأن اللفظة تجري مجرى المثل. قوله و جرى منك مجرى الروح و الدم هذه

كلمة رسول الله ص إن الشيطان ليجري من ابن آدم مجرى الدم

ثم خرج ع إلى أمر آخر فقال لمعاوية و متى كنتم ساسة الرعية و ولاة أمر الأمة ينبغي أن يحمل هذا الكلام على نفي كونهم سادة و

ولاة في الإسلام و إلا ففي الجاهلية لا ينكر رئاسة بني عبد شمس و لست أقول برياستهم على بني هاشم و لكنهم كانوا رؤساء على

كثير من بطون قريش أ لا ترى أن بني نوفل بن عبد مناف ما زالوا أتباعا لهم و أن بني عبد شمس كانوا في يوم بدر قادة الجيش كان

رئيس الجيش عتبة بن ربيعة و كانوا في يوم أحد و يوم الخندق قادة الجيش كان الرئيس في هذين اليومين أبا سفيان بن حرب و

أيضا فإن في لفظة أمير المؤمنين ع ما يشعر بما قلناه و هو قوله و ولاة أمر الأمة فإن الأمة في العرب هم المسلمون أمة محمد ص.

قوله ع بغير قدم سابق يقال لفلان قدم صدق أي سابقة و أثرة حسنة. قوله ع و لا شرف باسق أي عال. و تمادى تفاعل من المدى و هو

الغاية أي لم يقف بل مضى قدما. و الغرة الغفلة و الأمنية طمع النفس و مختلف السريرة و العلانية منافق. قوله ع فدع الناس جانبا

منصوب على الظرف.

[15 : 82 ]

و المرين على قلبه المغلوب عليه من قوله تعالى كَلّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ و قيل الرين الذنب على القريب. و

إنما قال أمير المؤمنين ع لمعاوية هذه الكلمة لأن معاوية قالها في رسالة كتبها و وقفت عليها من كتاب أبي العباس يعقوب بن أبي

أحمد الصيمري الذي جمعه من كلام علي ع و خطبه و أولها أما بعد فإنك المطبوع على قلبك المغطى على بصرك الشر من شيمتك و

العتو من خليقتك فشمر للحرب و اصبر للضرب فو الله ليرجعن الأمر إلى ما علمت و العاقبة للمتقين هيهات هيهات أخطأك ما تمنى و

هوى قلبك فيما هوى فأربع على ظلعك و قس شبرك بفترك تعلم أين حالك من حال من يزن الجبال حلمه و يفصل بين أهل الشك

علمه و السلام.

فكتب إليه أمير المؤمنين ع أما بعد يا ابن صخر يا ابن اللعين يزن الجبال فيما زعمت حلمك و يفصل بين أهل الشك علمك و أنت

الجاهل القليل الفقه المتفاوت العقل الشارد عن الدين و قلت فشمر للحرب و اصبر فإن كنت صادقا فيما تزعم و يعينك عليه ابن

النابغة فدع الناس جانبا و أعف الفريقين من القتال و ابرز إلي لتعلم أينا المرين على قلبه المغطى على بصره فأنا أبو الحسن حقا

قاتل أخيك و خالك و جدك شدخا يوم بدر و ذلك السيف معي و بذلك القلب ألقى عدوي

[15 : 83 ]

قوله ع شدخا الشدخ كسر الشيء الأجوف شدخت رأسه فانشدخ و هؤلاء الثلاثة حنظلة بن أبي سفيان و الوليد بن عتبة و أبوه عتبة

بن ربيعة فحنظلة أخوه و الوليد خاله و عتبة جده و قد تقدم ذكر قتلة إياهم في غزاة بدر. و الثائر طالب الثأر و قوله قد علمت حيث

وقع دم عثمان فاطلبه من هناك يريد به إن كنت تطلب ثأرك من عند من أجلب و حاصر فالذي فعل ذلك طلحة و الزبير فاطلب ثأرك من

بني تميم و من بني أسد بن عبد العزى و إن كنت تطلبه ممن خذل فاطلبه من نفسك فإنك خذلته و كنت قادرا على أن ترفده و تمده

بالرجال فخذلته و قعدت عنه بعد أن استنجدك و استغاث بك. و تضج تصوت و الجاحدة المنكرة و الحائدة العادلة عن الحق. و اعلم

أن قوله و كأني بجماعتك يدعونني جزعا من السيف إلى كتاب الله تعالى إما أن يكون فراسة نبوية صادقة و هذا عظيم و إما أن

يكون إخبارا عن غيب مفصل و هو أعظم و أعجب و على كلا الأمرين فهو غاية العجب و قد رأيت له ذكر هذا المعنى في كتاب غير هذا و

هو أما بعد فما أعجب ما يأتيني منك و ما أعلمني بمنزلتك التي أنت إليها صائر و نحوها سائر و ليس إبطائي عنك إلا لوقت أنا به

مصدق و أنت به مكذب و كأني أراك و أنت تضج من الحرب و إخوانك يدعونني خوفا من السيف إلى كتاب هم به كافرون و له

جاحدون. و وقفت له ع على كتاب آخر إلى معاوية يذكر فيه هذا المعنى أوله

أما بعد فطالما دعوت أنت و أولياؤك أولياء الشيطان الحق أساطير و نبذتموه وراء

[15 : 84 ]

ظهوركم و حاولتم إطفاءه بأفواهكم وَ يَأْبَى اللّهُ إِلّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ و لعمري لينفذن العلم فيك و ليتمن النور

بصغرك و قماءتك و لتخسأن طريدا مدحورا أو قتيلا مثبورا و لتجزين بعملك حيث لا ناصر لك و لا مصرخ عندك و قد أسهبت في ذكر

عثمان و لعمري ما قتله غيرك و لا خذله سواك و لقد تربصت به الدوائر و تمنيت له الأماني طمعا فيما ظهر منك و دل عليه فعلك و إني

لأرجو أن ألحقك به على أعظم من ذنبه و أكبر من خطيئته فأنا ابن عبد المطلب صاحب السيف و إن قائمه لفي يدي و قد علمت من

قتلت به من صناديد بني عبد شمس و فراعنة بني سهم و جمح و بني مخزوم و أيتمت أبناءهم و أيمت نساءهم و أذكرك ما لست له

ناسيا يوم قتلت أخاك حنظلة و جررت برجله إلى القليب و أسرت أخاك عمرا فجعلت عنقه بين ساقيه رباطا و طلبتك ففررت و لك

حصاص فلو لا أني لا أتبع فارا لجعلتك ثالثهما و أنا أولي لك بالله ألية برة غير فاجرة لئن جمعتني و إياك جوامع الأقدار لأتركنك مثلا

يتمثل به الناس أبدا و لأجعجعن بك في مناخك حتى يحكم الله بيني و بينك و هو خير الحاكمين و لئن أنسأ الله في أجلي قليلا

لأغزينك سرايا المسلمين و لأنهدن إليك في جحفل من المهاجرين و الأنصار ثم لا أقبل لك معذرة و لا شفاعة و لا أجيبك إلى طلب و

سؤال و لترجعن إلى تحيرك و ترددك و تلددك فقد شاهدت و أبصرت و رأيت

[15 : 85 ]

سحب الموت كيف هطلت عليك بصيبها حتى اعتصمت بكتاب أنت و أبوك أول من كفر و كذب بنزوله و لقد كنت تفرستها و آذنتك أنك

فاعلها و قد مضى منها ما مضى و انقضى من كيدك فيها ما انقضى و أنا سائر نحوك على أثر هذا الكتاب فاختر لنفسك و انظر لها و

تداركها فإنك إن فطرت و استمررت على غيك و غلوائك حتى ينهد إليك عباد الله أرتجت عليك الأمور و منعت أمرا هو اليوم منك

مقبول يا ابن حرب إن لجاجك في منازعة الأمر أهله من سفاه الرأي فلا يطمعنك أهل الضلال و لا يوبقنك سفه رأي الجهال فو الذي

نفس علي بيده لئن برقت في وجهك بارقة من ذي الفقار لتصعقن صعقة لا تفيق منها حتى ينفخ في الصور النفخة التي يئست منها كَما

يَئِسَ الْكُفّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ

قلت سألت النقيب أبا زيد عن معاوية هل شهد بدرا مع المشركين فقال نعم شهدها ثلاثة من أولاد أبي سفيان حنظلة و عمرو و معاوية

قتل أحدهم و أسر الآخر و أفلت معاوية هاربا على رجليه فقدم مكة و قد انتفخ قدماه و ورمت ساقاه فعالج نفسه شهرين حتى برأ. قال

النقيب أبو زيد و لا خلاف عند أحد أن عليا ع قتل حنظلة و أسر عمرا أخاه و لقد شهد بدرا و هرب على رجليه من هو أعظم منهما و من

أخيهما عمرو بن عبد ود فارس يوم الأحزاب شهدها و نجا هاربا على قدميه و هو شيخ كبير

[15 : 86 ]

و ارتث جريحا فوصل إلى مكة و هو وقيذ فلم يشهد أحدا فلما برأ شهد الخندق فقتله قاتل الأبطال و الذي فاته يوم بدر استدركه يوم

الخندق. ثم قال لي النقيب رحمه الله أ ما سمعت نادرة الأعمش و مناظره فقلت ما أعلم ما تريد فقال سأل رجل الأعمش و كان قد ناظر

صاحبا له هل معاوية من أهل بدر أم لا فقال له أصلحك الله هل شهد معاوية بدرا فقال نعم من ذلك الجانب و اعلم أن هذه الخطبة قد

ذكرها نصر بن مزاحم في كتاب صفين على وجه يقتضي أن ما ذكره الرضي رحمه الله منها قد ضم إليه بعض خطبة أخرى و هذه عادته لأن

غرضه التقاط الفصيح و البليغ من كلامه و

الذي ذكره نصر بن مزاحم هذه صورته من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية بن أبي سفيان سلام على من اتبع الهدى فإني أحمد

إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فإنك قد رأيت مرور الدنيا و انقضاءها و تصرمها و تصرفها بأهلها و خير ما اكتسب من الدنيا ما

أصابه العباد الصالحون منها من التقوى و من يقس الدنيا بالآخرة يجد بينهما بعيدا و اعلم يا معاوية أنك قد ادعيت أمرا لست من

أهله لا في القديم و لا في الحديث و لست تقول فيه بأمر بين يعرف له أثر و لا عليك منه شاهد من كتاب الله و لست متعلقا بآية من

[15 : 87 ]

كتاب الله و لا عهد من رسول الله ص فكيف أنت صانع إذا تقشعت عنك غيابة ما أتت فيه من دنيا قد فتنت بزينتها و ركنت إلى لذاتها و

خلي بينك و بين عدوك فيها و هو عدو و كلب مضل جاهد مليح ملح مع ما قد ثبت في نفسك من جهتها دعتك فأجبتها و قادتك فاتبعتها و

أمرتك فأطعتها فاقعس عن هذا الأمر و خذ أهبة الحساب فإنه يوشك أن يقفك واقف على ما لا يجنك مجن و متى كنتم يا معاوية ساسة

الرعية أو ولاة لأمر هذه الأمة بلا قدم حسن و لا شرف تليد على قومكم فاستيقظ من سنتك و ارجع إلى خالقك و شمر لما سينزل بك و

لا تمكن عدوك الشيطان من بغيته فيك مع أني أعرف أن الله و رسوله صادقان نعوذ بالله من لزوم سابق الشقاء و إلا تفعل فإني

أعلمك ما أغفلت من نفسك إنك مترف قد أخذ منك الشيطان مأخذه فجرى منك مجرى الدم في العروق و لست من أئمة هذه الأمة و لا

من رعاتها و اعلم أن هذا الأمر لو كان إلى الناس أو بأيديهم لحسدوناه و لامتنوا علينا به و لكنه قضاء ممن منحناه و اختصنا به على

لسان نبيه الصادق المصدق لا أفلح من شك بعد العرفان و البينة رب احكم بيننا و بين عدونا بالحق و أنت خير الحاكمين

قال نصر فكتب معاوية إليه الجواب من معاوية بن أبي سفيان إلى علي بن أبي طالب أما بعد فدع الحسد فإنك طالما لم تنتفع به و لا

تفسد سابقة

[15 : 88 ]

جهادك بشرة نخوتك فإن الأعمال بخواتيمها و لا تمحص سابقتك بقتال من لا حق لك في حقه فإنك إن تفعل لا تضر بذلك إلا نفسك و

لا تمحق إلا عملك و لا تبطل إلا حجتك و لعمري إن ما مضى لك من السابقات لشبيه أن يكون ممحوقا لما اجترأت عليه من سفك

الدماء و خلاف أهل الحق فاقرأ السورة التي يذكر فيها الفلق و تعوذ من نفسك فإنك الحاسد إذا حسد

[15 : 89 ]

11- و من وصية له ع وصى بها جيشا بعثه إلى العدو

فَإِذَا نَزَلْتُمْ بِعَدُوّ أَوْ نَزَلَ بِكُمْ فَلْيَكُنْ مُعَسْكَرُكُمْ فِي قُبُلِ الْأَشْرَافِ أَوْ سِفَاحِ الْجِبَالِ أَوْ أَثْنَاءِ الْأَنْهَارِ كَيْمَا يَكُونَ لَكُمْ رِدْءاً وَ دُونَكُمْ مَرَدّاً وَ

لْتَكُنْ مُقَاتَلَتُكُمْ مِنْ وَجْه وَاحِد أَوِ اثْنَيْنِ وَ اجْعَلُوا لَكُمْ رُقَبَاءَ فِي صَيَاصِي الْجِبَالِ وَ مَنَاكِبِ الْهِضَابِ لِئَلَّا يَأْتِيَكُمُ الْعَدُوُّ مِنْ مَكَانِ مَخَافَة أَوْ

أَمْن وَ اعْلَمُوا أَنَّ مُقَدِّمَةَ الْقَوْمِ عُيُونُهُمْ وَ عُيُونَ الْمُقَدِّمَةِ طَلَائِعُهُمْ وَ إِيَّاكُمْ وَ التَّفَرُّقَ فَإِذَا نَزَلْتُمْ فَانْزِلُوا جَمِيعاً وَ إِذَا ارْتَحَلْتُمْ فَارْتَحِلُوا

جَمِيعاً وَ إِذَا غَشِيكُمُ اللَّيْلُ فَاجْعَلُوا الرِّمَاحَ كِفَّةً وَ لَا تَذُوقُوا النَّوْمَ إِلَّا غِرَاراً أَوْ مَضْمَضَةً

المعسكر بفتح الكاف موضع العسكر و حيث ينزل. الأشراف الأماكن العالية و قبلها ما استقبلك منها و ضده الدبر. و سفاح الجبال

أسافلها حيث يسفح منها الماء. و أثناء الأنهار ما انعطف منها واحدها ثني و المعنى أنه أمرهم أن ينزلوا مسندين ظهورهم إلى مكان

عال كالهضاب العظيمة أو الجبال أو منعطف الأنهار التي تجري مجرى الخنادق على العسكر ليأمنوا بذلك من البيات و ليأمنوا أيضا

من إتيان العدو لهم

[15 : 90 ]

من خلفهم و قد فسر ذلك بقوله كيما يكون لكم ردءا و الردء العون قال الله تعالى فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي. و دونكم مردا أي

حاجزا بينكم و بين العدو. ثم أمرهم بأن يكون مقاتلتهم بفتح التاء و هي مصدر قاتل من وجه واحد أو اثنين أي لا تتفرقوا و لا يكن

قتالكم العدو في جهات متشعبة فإن ذلك أدعى إلى الوهن و اجتماعكم أدعى إلى الظفر ثم أمرهم أن يجعلوا رقباء في صياصي الجبال

و صياصي الجبال أعاليها و ما جرى مجرى الحصون منها و أصل الصياصي القرون ثم استعير ذلك للحصون لأنه يمتنع بها كما يمتنع

ذو القرن بقرنه و مناكب الهضاب أعاليها لئلا يأتيكم العدو إما من حيث تأمنون أو من حيث تخافون. قوله ع مقدمة القوم عيونهم

المقدمة بكسر الدال و هم الذين يتقدمون الجيش أصله مقدمة القوم أي الفرقة المتقدمة و الطلائع طائفة من الجيش تبعث ليعلم

منها أحوال العدو و قال ع المقدمة عيون الجيش و الطلائع عيون المقدمة فالطلائع إذا عيون الجيش. ثم نهاهم عن التفرق و أمرهم

أن ينزلوا جميعا و يرحلوا جميعا لئلا يفجأهم العدو بغتة على غير تعبئة و اجتماع فيستأصلهم ثم أمرهم أن يجعلوا الرماح كفة إذا

غشيهم الليل و الكاف مكسورة أي اجعلوها مستديرة حولكم كالدائرة و كل ما استدار كفة بالكسر نحو كفة الميزان و كل ما استطال

كفة بالضم نحو كفة الثوب و هي حاشيته و كفة الرمل و هو ما كان منه كالحبل. ثم نهاهم عن النوم إلا غرارا أو مضمضة و كلا

اللفظتين ما قل من النوم.

[15 : 91 ]

و قال شبيب الخارجي الليل يكفيك الجبان و يصف الشجاع. و كان إذا أمسى قال لأصحابه أتاكم المدد يعني الليل. قيل لبعض

الملوك بيت عدوك قال أكره أن أجعل غلبتي سرقة. و لما فصل قحطبة من خراسان و في جملته خالد بن برمك بينا هو على سطح بيت

في قرية نزلاها و هم يتغدون نظر إلى الصحراء فرأى أقاطيع ظباء قد أقبلت من جهة الصحاري حتى كادت تخالط العسكر فقال خالد

لقحطبة أيها الأمير ناد في الناس يا خيل الله اركبي فإن العدو قد قرب منك و عامة أصحابك لن يسرجوا و يلجموا حتى يروا سرعان

الخيل فقام قحطبة مذعورا فلم ير شيئا يروعه و لم يعاين غبارا فقال لخالد ما هذا الرأي فقال أيها الأمير لا تتشاغل بي و ناد في

الناس أ ما ترى أقاطيع الوحوش قد أقبلت و فارقت مواضعها حتى خالطت الناس و إن وراءها لجمعا كثيفا قال فو الله ما أسرجوا و لا

ألجموا حتى رأوا النقع و ساطع الغبار فسلموا و لو لا ذلك لكان الجيش قد اصطلم

[15 : 92 ]

12- و من وصية له ع وصى بها معقل بن قيس الرياحي حين أنفذه إلى الشام في ثلاثة آلاف مقدمة له

اتَّقِ اللَّهَ الَّذِي لَا بُدَّ لَكَ مِنْ لِقَائِهِ وَ لَا مُنْتَهَى لَكَ دُونَهُ وَ لَا تُقَاتِلَنَّ إِلَّا مَنْ قَاتَلَكَ وَ سِرِ الْبَرْدَيْنِ وَ غَوِّرْ بِالنَّاسِ وَ رَفِّهْ فِي السَّيْرِ وَ لَا تَسِرْ أَوَّلَ

اللَّيْلِ فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ سَكَناً وَ قَدَّرَهُ مُقَاماً لَا ظَعْناً فَأَرِحْ فِيهِ بَدَنَكَ وَ رَوِّحْ ظَهْرَكَ فَإِذَا وَقَفْتَ حِينَ يَنْبَطِحُ السَّحَرُ أَوْ حِينَ يَنْفَجِرُ الْفَجْرُ فَسِرْ

عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ فَإِذَا لَقِيتَ الْعَدُوَّ فَقِفْ مِنْ أَصْحَابِكَ وَسَطاً وَ لَا تَدْنُ مِنَ الْقَوْمِ دُنُوَّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يُنْشِبَ الْحَرْبَ وَ لَا تَبَاعَدْ عَنْهُمْ تَبَاعُدَ مَنْ

يَهَابُ الْبَأْسَ حَتَّى يَأْتِيَكَ أَمْرِي وَ لَا يَحْمِلَنَّكُمُ شَنَآنُهُمْ عَلَى قِتَالِهِمْ قَبْلَ دُعَائِهِمْ وَ الْإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ

معقل بن قيس كان من رجال الكوفة و أبطالها و له رئاسة و قدم أوفده عمار بن ياسر إلى عمر بن الخطاب مع الهرمزان لفتح تستر و

كان من شيعة علي ع وجهه إلى بني ساقة فقتل منهم و سبى و حارب المستورد بن علفة الخارجي

[15 : 93 ]

من تميم الرباب فقتل كل واحد منهما صاحبه بدجلة و قد ذكرنا خبرهما فيما سبق و معقل بن قيس رياحي من ولد رياح بن يربوع بن

حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. قوله ع و لا تقاتلن إلا من قاتلك نهى عن البغي. و سر البردين هما الغداة و العشي و هما الأبردان

أيضا. و وصاه أن يرفق بالناس و لا يكلفهم السير في الحر. قوله ع و غور بالناس انزل بهم القائلة و المصدر التغوير و يقال للقائلة

الغائرة. قوله ع و رفه في السير أي دع الإبل ترد رفها و هو أن ترد الماء كل يوم متى شاءت و لا ترهقها و تجشمها السير و يجوز أن

يكون قوله و رفه في السير من قولك رفهت عن الغريم أي نفست عنه. قوله ع و لا تسر أول الليل قد ورد في ذلك خبر مرفوع و في

الخبر أنه حين تنشر الشياطين و قد علل أمير المؤمنين ع النهي بقوله فإن الله تعالى جعله سكنا و قدره مقاما لا ظعنا يقول لما امتن

الله تعالى على عباده بأن جعل لهم الليل ليسكنوا فيه كره أن يخالفوا ذلك و لكن لقائل أن يقول فكيف لم يكره السير و الحركة في

آخره و هو من جملة الليل أيضا و يمكن أن يكون فهم من رسول الله ص أن الليل الذي جعل سكنا للبشر إنما هو من أوله إلى وقت

السحر.

[15 : 94 ]

ثم أمره ع بأن يريح في الليل بدنه و ظهره و هي الإبل و بنو فلان مظهرون أي لهم ظهر ينقلون عليه كما تقول منجبون أي لهم

نجائب. قال الراوندي الظهر الخيول و ليس بصحيح و الصحيح ما ذكرناه. قوله ع فإذا وقفت أي فإذا وقفت ثقلك و رحلك لتسير

فليكن ذلك حين ينبطح السحر. قال الراوندي فإذا وقفت ثم قال و قد روي فإذا واقفت قال يعني إذا وقفت تجارب العدو و إذا واقفته

و ما ذكره ليس بصحيح و لا روي و إنما هو تصحيف أ لا تراه كيف قال بعده بقليل فإذا لقيت العدو و إنما مراده هاهنا الوصاة بأن

يكون السير وقت السحر و وقت الفجر. قوله ع حين ينبطح السحر أي حين يتسع و يمتد أي لا يكون السحر الأول أي ما بين

السحر الأول و بين الفجر الأول و أصل الانبطاح السعة و منه الأبطح بمكة و منه البطيحة و تبطح السيل أي اتسع في البطحاء و

الفجر انفجر انشق. ثم أمره ع إذا لقي العدو أن يقف بين أصحابه وسطا لأنه الرئيس و الواجب أن يكون الرئيس في قلب الجيش كما

أن قلب الإنسان في وسط جسده و لأنه إذا كان وسطا كانت نسبته إلى كل الجوانب واحدة و إذا كان في أحد الطرفين بعد من الطرف

الآخر فربما يختل نظامه و يضطرب. ثم نهاه ع أن يدنو من العدو دنو من يريد أن ينشب الحرب و نهاه أن يبعد منهم بعد من يهاب

الحرب و هي البأس قال الله تعالى وَ حِينَ الْبَأْسِ

السابق

التالي