السابق

التالي

[12 : 3 ]

الجزء الثاني عشر

تتمة باب الخطب و الأوامر

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد العدل

223- و من كلام له ع

لِلَّهِ بِلَادُ فُلَان فَلَقَدْ قَوَّمَ الْأَوَدَ وَ دَاوَى الْعَمَدَ وَ أَقَامَ السُّنَّةَ وَ خَلَّفَ الْفِتْنَةَ ذَهَبَ نَقِيُّ الثَّوْبِ قَلِيلَ الْعَيْبِ أَصَابَ خَيْرَهَا وَ سَبَقَ شَرَّهَا. أَدَّى

إِلَى اللَّهِ طَاعَتَهُ وَ اتَّقَاهُ بِحَقِّهِ رَحَلَ وَ تَرَكَهُمْ فِي طُرُقِ مُتَشَعِّبَة لَا يَهْتَدِي بِهَا الضَّالُّ وَ لَا يَسْتَيْقِنُ الْمُهْتَدِي

العرب تقول لله بلاد فلان و لله در فلان و لله نادي فلان و لله نائح فلان و المراد بالأول لله البلاد التي أنشأته و أنبتته و بالثاني لله

الثدي الذي أرضعه و بالثالث لله المجلس الذي ربي فيه و بالرابع لله النائحة التي تنوح عليه و تندبه ما ذا تعهد من محاسنه. و يروى

لله بلاء فلان أي لله ما صنع و فلان المكنى عنه عمر بن الخطاب و قد وجدت النسخة التي بخط الرضي أبي الحسن جامع نهج البلاغة

و تحت فلان عمر

[12 : 4 ]

حدثني بذلك فخار بن معد الموسوي الأودي الشاعر و سألت عنه النقيب أبا جعفر يحيى بن أبي زيد العلوي فقال لي هو عمر فقلت له أ

يثني عليه أمير المؤمنين ع هذا الثناء فقال نعم أما الإمامية فيقولون إن ذلك من التقية و استصلاح أصحابه و أما الصالحيون من

الزيدية فيقولون إنه أثنى عليه حق الثناء و لم يضع المدح إلا في موضعه و نصابه و أما الجارودية من الزيدية فيقولون إنه كلام

قاله في أمر عثمان أخرجه مخرج الذم له و التنقص لأعماله كما يمدح الآن الأمير الميت في أيام الأمير الحي بعده فيكون ذلك تعريضا

به. فقلت له إلا أنه لا يجوز التعريض و الاستزادة للحاضر بمدح الماضي إلا إذا كان ذلك المدح صدقا لا يخالطه ريب و لا شبهة فإذا

اعترف أمير المؤمنين بأنه أقام السنة و ذهب نقي الثوب قليل العيب و أنه أدى إلى الله طاعته و اتقاه بحقه فهذا غاية ما يكون من

المدح و فيه إبطال قول من طعن على عثمان بن عفان. فلم يجبني بشيء و قال هو ما قلت لك. فأما الراوندي فإنه قال في الشرح إنه

ع مدح بعض أصحابه بحسن السيرة و إن الفتنة هي التي وقعت بعد رسول الله ص من الاختيار و الأثرة. و هذا بعيد لأن لفظ أمير

المؤمنين يشعر إشعارا ظاهرا بأنه يمدح واليا ذا رعية و سيرة أ لا تراه كيف يقول فلقد قوم الأود و داوى العمد و أقام السنة و خلف

الفتنة و كيف يقول أصاب خيرها و سبق شرها و كيف يقول أدى إلى الله طاعته و كيف يقول رحل و تركهم في طرق متشعبة.

[12 : 5 ]

و هذا الضمير و هو الهاء و الميم في قوله ع و تركهم هل يصح أن يعود إلا إلى الرعايا و هل يسوغ أن يقال هذا الكلام لسوقة من

عرض الناس و كل من مات قبل وفاة النبي ص كان سوقة لا سلطان له فلا يصح أن يحمل هذا الكلام على إرادة أحد من الذين قتلوا أو

ماتوا قبل وفاة النبي ص كعثمان بن مظعون أو مصعب بن عمير أو حمزة بن عبد المطلب أو عبيدة بن الحارث و غيرهم من الناس و

التأويلات الباردة الغثة لا تعجبني على أن أبا جعفر محمد بن جرير الطبري قد صرح أو كاد يصرح بأن المعني بهذا الكلام عمر قال

الطبري لما مات عمر بكته النساء فقالت إحدى نوادبه وا حزناه على عمر حزنا انتشر حتى ملأ البشر و قالت ابنة أبي حثمة وا عمراه

أقام الأود و أبرأ العمد و أمات الفتن و أحيا السنن خرج نقي الثوب بريئا من العيب.

قال الطبري فروى صالح بن كيسان عن المغيرة بن شعبة قال لما دفن عمر أتيت عليا ع و أنا أحب أن أسمع منه في عمر شيئا فخرج

ينفض رأسه و لحيته و قد اغتسل و هو ملتحف بثوب لا يشك أن الأمر يصير إليه فقال رحم الله ابن الخطاب لقد صدقت ابنة أبي حثمة

ذهب بخيرها و نجا من شرها أما و الله ما قالت و لكن قولت

و هذا كما ترى يقوي الظن أن المراد و المعني بالكلام إنما هو عمر بن الخطاب.

[12 : 6 ]

قوله فلقد قوم الأود أي العوج أود الشيء بالكسر يأود أودا أي أعوج و تأود العود يتأود. و العمد انفضاخ سنام البعير و منه يقال

للعاشق عميد القلب و معموده. قوله أصاب خيرها أي خير الولاية و جاء بضميرها و لم يجر ذكرها لعادة العرب في أمثال ذلك كقوله

تعالى حَتّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ. و سبق شرها أي مات أو قتل قبل الأحداث و الاختلاط الذي جرى بين المسلمين. قوله و اتقاه بحقه أي

بأداء حقه و القيام به. فإن قلت و أي معنى في قوله و اتقاه بأداء حقه و هل يتقى الإنسان الله بأداء الحق إنما قد تكون التقوى علة في

أداء الحق فأما أن يتقي بأدائه فهو غير معقول. قلت أراد ع أنه اتقى الله و دلنا على أنه اتقى الله بأدائه حقه فأداء الحق علة في علمنا

بأنه قد اتقى الله سبحانه. ثم ذكر أنه رحل و ترك الناس في طرق متشعبة متفرقة فالضال لا يهتدي فيها و المهتدي لا يعلم أنه على

المنهج القويم و هذه الصفات إذا تأملها المنصف و أماط عن نفسه الهوى علم أن أمير المؤمنين ع لم يعن بها إلا عمر لو لم يكن قد

روي لنا توقيفا و نقلا أن المعني بها عمر فكيف و قد رويناه عمن لا يتهم في هذا الباب

نكت من كلام عمر و سيرته و أخلاقه

و نحن نذكر في هذا الموضع نكتا من كلام عمر و سيرته و أخلاقه.

[12 : 7 ]

أتي عمر بمال فقال له عبد الرحمن بن عوف يا أمير المؤمنين لو حبست من هذا المال في بيت المال لنائبة تكون أو أمر يحدث فقال

كلمة ما عرض بها إلا شيطان كفاني حجتها و وقاني فتنتها أعصي الله العام مخافة قابل أعد لهم تقوى الله قال الله سبحانه وَ مَنْ يَتَّقِ

اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ. استكتب أبو موسى الأشعري نصرانيا فكتب إليه عمر اعزله و استعمل بدله حنيفيا

فكتب له أبو موسى إن من غنائه و خيره و خبرته كيت و كيت فكتب له عمر ليس لنا أن نأتمنهم و قد خونهم الله و لا أن نرفعهم و قد

وضعهم الله و لا أن نستنصحهم في الدين و قد وترهم الإسلام و لا أن نعزهم و قد أمرنا بأن يعطوا الجزية عن يد و هم صاغرون.

فكتب أبو موسى أن البلد لا يصلح إلا به فكتب إليه عمر مات النصراني و السلام. و كتب إلى معاوية إياك و الاحتجاب دون الناس و

ائذن للضعيف و أدنه حتى ينبسط لسانه و يجترئ قلبه و تعهد الغريب فإنه إذا طال حبسه و دام إذنه ضعف قلبه و ترك حقه عزل عمر

زيادا عن كتابة أبي موسى الأشعري في بعض قدماته عليه فقال له عن عجز أم عن خيانة فقال لا عن واحدة منهما و لكني أكره أن أحمل

على العامة فضل عقلك.

[12 : 8 ]

و قال إني و الله لا أدع حقا لله لشكاية تظهر و لا لضب يحتمل و لا محاباة لبشر و إنك و الله ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن

تطيع الله فيه. و كتب إلى سعد بن أبي وقاص يا سعد سعد بني أهيب إن الله إذا أحب عبدا حببه إلى خلقه فاعتبر منزلتك من الله

بمنزلتك من الناس و اعلم أن ما لك عند الله مثل ما لله عندك. و سأل رجلا عن شيء فقال الله أعلم فقال قد شقينا إن كنا لا نعلم أن

الله أعلم إذا سئل أحدكم عما لا يعلم فليقل لا أدري. و قال عبد الملك على المنبر أنصفونا يا معشر الرعية تريدون منا سيرة أبي بكر

و عمر و لم تسيروا في أنفسكم و لا فينا سيرة أبي بكر و عمر نسأل الله أن يعين كلا على كل. و دخل عمر على ابنه عبد الله فوجد

عنده لحما عبيطا معلقا فقال ما هذا اللحم قال اشتهيت فاشتريت فقال أ و كلما اشتهيت شيئا أكلته كفى بالمرء سرفا أن أكل كل ما

اشتهاه. مر عمر على مزبلة فتأذى بريحها أصحابه فقال هذه دنياكم التي تحرصون عليها.

[12 : 9 ]

و من كلامه للأحنف يا أحنف من كثر ضحكه قلت هيبته و من مزح استخف به و من أكثر من شيء عرف به و من كثر كلامه كثر سقطه و من

كثر سقطه قل حياؤه و من قل حياؤه قل ورعه و من قل ورعه مات قلبه. و قال لابنه عبد الله يا بني اتق الله يقك و أقرض الله يجزك و

اشكره يزدك و اعلم أنه لا مال لمن لا رفق له و لا جديد لمن لا خلق له و لا عمل لمن لا نية له. و خطب يوم استخلف فقال أيها الناس

إنه ليس فيكم أحد أقوى عندي من الضعيف حتى آخذ الحق له و لا أضعف من القوي حتى آخذ الحق منه. و قال لابن عباس يا عبد الله

أنتم أهل رسول الله و آله و بنو عمه فما تقول منع قومكم منكم قال لا أدري علتها و الله ما أضمرنا لهم إلا خيرا قال اللهم غفرا إن

قومكم كرهوا أن يجتمع لكم النبوة و الخلافة فتذهبوا في السماء شمخا و بذخا و لعلكم تقولون إن أبا بكر أول من أخركم أما إنه

لم يقصد ذلك و لكن حضر أمر لم يكن بحضرته أحزم مما فعل و لو لا رأي أبي بكر في لجعل لكم من الأمر نصيبا و لو فعل ما هنأكم

مع قومكم إنهم ينظرون إليكم نظر الثور إلى جازره. و كان يقول ليت شعري متى أشفى من غيظي أ حين أقدر فيقال لي لو عفوت أم

حين أعجل فيقال لو صبرت. و رأى أعرابيا يصلي صلاة خفيفة فلما قضاها قال اللهم زوجني الحور العين فقال له لقد أسأت النقد و

أعظمت الخطبة. و قيل له كان الناس في الجاهلية يدعون على من ظلمهم فيستجاب لهم و لسنا نرى

[12 : 10 ]

ذلك الآن قال لأن ذلك كان الحاجز بينهم و بين الظلم و أما الآن فالساعة موعدهم و الساعة أدهى و أمر. و من كلامه من عرض نفسه

للتهمة فلا يلومن من أساء به الظن و من كتم سره كانت الخيرة بيده. ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك و لا تظن

بكلمة خرجت من أخيك المسلم شرا و أنت تجد لها في الخير محملا أو عليك بإخوان الصدق و كيس أكياسهم فإنهم زينة في الرخاء و

عدة عند البلاء و لا تتهاونن بالخلق فيهينك الله و لا تعترض بما لا يعنيك و اعتزل عدوك و تحفظ من خليلك إلا الأمين فإن الأمين من

الناس لا يعادله شيء و لا تصحب الفاجر فيعلمك من فجوره و لا تفش إليه سرك و استشر في أمرك أهل التقوى و كفى بك عيبا أن

يبدو لك من أخيك ما يخفى عليك من نفسك و أن تؤذي جليسك بما تأتي مثله. و قال ثلاث يصفين لك الود في قلب أخيك أن تبدأه

بالسلام إذا لقيته و أن تدعوه بأحب أسمائه إليه و أن توسع له في المجلس. و قال أحب أن يكون الرجل في أهله كالصبي و إذا أصيخ

إليه كان رجلا. بينا عمر ذات يوم إذا رأى شابا يخطر بيديه فيقول أنا ابن بطحاء مكة كديها و كداها فناداه عمر فجاء فقال إن يكن لك

دين فلك كرم و إن يكن لك عقل فلك مروءة و إن يكن لك مال فلك شرف و إلا فأنت و الحمار سواء.

[12 : 11 ]

و قال يا معشر المهاجرين لا تكثروا الدخول على أهل الدنيا و أرباب الإمرة و الولاية فإنه مسخطة للرب و إياكم و البطنة فإنها

مكسلة عن الصلاة و مفسدة للجسد مورثة للسقم و إن الله يبغض الحبر السمين و لكن عليكم بالقصد في قوتكم فإنه أدنى من

الإصلاح و أبعد من السرف و أقوى على عبادة الله و لن يهلك عبد حتى يؤثر شهوته على دينه. و قال تعلموا أن الطمع فقر و أن اليأس

غنى و من يئس من شيء استغنى عنه و التؤدة في كل شيء خير إلا ما كان من أمر الآخرة. و قال من اتقى الله لم يشف الله غيظه و من

خاف الله لم يفعل ما يريد و لو لا يوم القيامة لكان غير ما ترون. و قال إني لأعلم أجود الناس و أحلم الناس أجودهم من أعطى من

حرمه و أحلمهم من عفا عمن ظلمه. و كتب إلى ساكني الأمصار أما بعد فعلموا أولادكم العوم و الفروسية رووهم ما سار من المثل و

حسن من الشعر. و قال لا تزال العرب أعزة ما نزعت في القوس و نزت في ظهور الخيل و قال و هو يذكر النساء أكثروا لهن من قول لا

فإن نعم مفسدة تغريهن على المسألة. و قال ما بال أحدكم يثني الوسادة عند امرأة معزبة إن المرأة لحم على وضم إلا ما ذب عنه.

[12 : 12 ]

و كتب إلى أبي موسى أما بعد فإن للناس نفرة عن سلطانهم فأعوذ بالله أن يدركني و إياك عمياء مجهولة و ضغائن محمولة و أهواء

متبعة و دنيا مؤثرة أقم الحدود و اجلس للمظالم و لو ساعة من نهار و إذا عرض لك أمران أحدهما لله و الآخر للدنيا فابدأ بعمل

الآخرة فإن الدنيا تفنى و الآخرة تبقى و كن من مال الله عز و جل على حذر و اجف الفساق و اجعلهم يدا و يدا و رجلا و رجلا و إذا

كانت بين القبائل نائرة يا لفلان يا لفلان فإنما تلك نجوى الشيطان فاضربهم بالسيف حتى يفيئوا إلى أمر الله و تكون دعواهم إلى

الله و إلى الإسلام و قد بلغني أن ضبة تدعو يا لضبة و إني و الله أعلم أن ضبة ما ساق الله بها خيرا قط و لا منع بها من سوء قط فإذا

جاءك كتابي هذا فأنهكهم ضربا و عقوبة حتى يفرقوا إن لم يفقهوا و الصق بغيلان بن خرشة من بينهم و عد مرضى المسلمين و اشهد

جنائزهم و افتح لهم بابك و باشر أمورهم بنفسك فإنما أنت رجل منهم غير إن الله قد جعلك أثقلهم حملا و قد بلغني أنه فشا لك و

لأهل بيتك هيئة في لباسك و مطعمك و مركبك ليس للمسلمين مثلها فإياك يا عبد الله بن قيس أن تكون بمنزلة البهيمة التي مرت

بواد خصيب فلم يكن لها همة إلا السمن و إنما حظها من السمن لغيرها و اعلم أن للعامل مردا إلى الله فإذا زاغ العامل زاغت رعيته و

إن أشقى الناس من شقيت به نفسه و رعيته و السلام و خطب عمر فقال أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله الذي يبقى و يفنى ما سواه و

الذي بطاعته ينفع أولياءه و بمعصيته يضر أعداءه إنه ليس لهالك هلك عذر في تعمد ضلالة حسبها هدى و لا ترك حق حسبه ضلالة قد

ثبتت الحجة و وضحت الطرق و انقطع العذر و لا حجة لأحد على الله عز و جل ألا إن أحق ما تعاهد به الراعي

[12 : 13 ]

رعيته أن يتعاهدهم بالذي لله تعالى عليهم في وظائف دينهم الذي هداهم به و إنما علينا أن نأمركم بالذي أمركم الله به من طاعته و

ننهاكم عما نهاكم الله عنه من معصيته و أن نقيم أمر الله في قريب الناس و بعيدهم و لا نبالى على من قال الحق ليتعلم الجاهل و

يتعظ المفرط و يقتدي المقتدي و قد علمت أن أقواما يتمنون في أنفسهم و يقولون نحن نصلي مع المصلين و نجاهد مع المجاهدين

إلا أن الإيمان ليس بالتمني و لكنه بالحقائق إلا من قام على الفرائض و سدد نيته و اتقى الله فذلكم الناجي و من زاد اجتهادا وجد عند

الله مزيدا. و إنما المجاهدون الذين جاهدوا أهواءهم و الجهاد اجتناب المحارم ألا إن الأمر جد و قد يقاتل أقوام لا يريدون إلا

الذكر و قد يقاتل أقوام لا يريدون إلا الأجر و إن الله يرضى منكم باليسير و أثابكم على اليسير الكثير. الوظائف الوظائف أدوها

تؤدكم إلى الجنة و السنة السنة الزموها تنجكم من البدعة. تعلموا و لا تعجزوا فإن من عجز تكلف و إن شرار الأمور محدثاتها و إن

الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في الضلالة فافهموا ما توعظون به فإن الحريب من حرب دينه و إن السعيد من وعظ بغيره. و قال

و عليكم بالسمع و الطاعة فإن الله قضى لهما بالعزة و إياكم و التفرق و المعصية فإن الله قضى لهما بالذلة. أقول قولي هذا و

أستغفر الله العظيم لي و لكم. بعث سعد بن أبي وقاص أيام القادسية إلى عمر قباء كسرى و سيفه و منطقته

[12 : 14 ]

و سراويله و تاجه و قميصه و خفيه فنظر عمر في وجوه القوم عنده فكان أجسمهم و أمدهم قامة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي

فقال يا سراق قم فالبس قال سراقة طمعت فيه فقمت فلبست فقال أدبر فأدبرت و قال أقبل فأقبلت فقال بخ بخ أعرابي من بني مدلج

عليه قباء كسرى و سراويله و سيفه و منطقته و تاجه و خفاه رب يوم يا سراق لو كان فيه دون هذا من متاع كسرى و آل كسرى لكان

شرفا لك و لقومك انزع فنزعت فقال اللهم إنك منعت هذا نبيك و رسولك و كان أحب إليك مني و أكرم و منعته أبا بكر و كان أحب

إليك مني و أكرم ثم أعطيتنيه فأعوذ بك أن تكون أعطيتنيه لتمكر بي ثم بكى حتى رحمه من كان عنده. و قال لعبد الرحمن بن عوف

أقسمت عليك لما بعته ثم قسمته قبل أن تمسي فما أدركه المساء إلا و قد بيع و قسم ثمنه على المسلمين. جيء بتاج كسرى إلى عمر

فاستعظم الناس قيمته للجواهر التي كانت عليه فقال إن قوما أدوا هذا لأمناء فقال علي ع إنك عففت فعفوا و لو رتعت لرتعوا. كان عمر

يعس ليلا فنزلت رفقة من التجار بالمصلى فقال لعبد الرحمن بن عوف هل لك أن تحرسهم الليلة من السرق فباتا يحرسانهم و يصليان

ما كتب الله لهما فسمع عمر بكاء صبي فأصغى نحوه فطال بكاؤه فتوجه إليه فقال لأمه اتقي الله و أحسني إلى صبيك ثم عاد إلى

مكانه فسمع بكاءه فعاد إلى أمه فقال لها مثل ذلك ثم عاد إلى مكانه فسمع بكاءه فأتى أمه فقال ويحك إني لأراك أم سوء لا أرى

ابنك يقر منذ الليلة فقالت يا عبد الله لقد آذيتني منذ الليلة إني أريغه

[12 : 15 ]

على الفطام فيأبى قال و لم قالت لأن عمر لا يفرض لرضيع و إنما يفرض للفطيم قال و كم له قالت اثنا عشر شهرا قال ويحك لا

تعجليه فصلى الفجر و ما يستبين الناس قراءته من غلبة البكاء عليه فلما سلم قال يا بؤسا لعمركم كم قتل من أولاد المسلمين فطلب

مناديا فنادى ألا لا تعجلوا صبيانكم عن الرضاع و لا تفطموا قبل أوان الفطام فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام. و كتب بذلك إلى

سائر الآفاق. مر عمر بشاب من الأنصار و هو ظم آن فاستسقاه فخاض له عسلا فرده و لم يشرب و قال إني سمعت الله سبحانه يقول

أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَ اسْتَمْتَعْتُمْ بِها فقال الفتى إنها و الله ليست لك فاقرأ يا أمير المؤمنين ما قبلها وَ يَوْمَ

يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا أ فنحن منهم فشرب و قال كل الناس أفقه من عمر. و أوصى

عمر حين طعنه أبو لؤلؤة من يستخلفه المسلمون بعده من أهل الشورى فقال أوصيك بتقوى الله لا شريك له و أوصيك بالمهاجرين

الأولين خيرا أن تعرف لهم سابقتهم و أوصيك بالأنصار خيرا أقبل من محسنهم و تجاوز عن مسيئهم و أوصيك بأهل الأمصار خيرا

فإنهم ردء العدو و جباة الفيء لا تحمل فيئهم إلى غيرهم إلا عن فضل منهم و أوصيك بأهل البادية خيرا فإنهم أصل العرب و مادة

الإسلام أن يؤخذ من حواشي أموالهم فيرد على فقرائهم و أوصيك بأهل الذمة خيرا أن تقاتل

[12 : 16 ]

من ورائهم و لا تكلفهم فوق طاقتهم إذا أدوا ما عليهم للمسلمين طوعا أو عن يد و هم صاغرون. و أوصيك بتقوى الله و شدة الحذر منه

و مخافة مقته أن يطلع منك على ريبة و أوصيك أن تخشى الله في الناس و لا تخشى الناس في الله و أوصيك بالعدل في الرعية و

التفرغ لحوائجهم و ثغورهم و ألا تعين غنيهم على فقيرهم فإن في ذلك بإذن الله سلامة لقلبك و حطا لذنوبك و خيرا في عاقبة أمرك

و أوصيك أن تشتد في أمر الله و في حدوده و الزجر عن معاصيه على قريب الناس و بعيدهم و لا تأخذك الرأفة و الرحمة في أحد منهم

حتى تنتهك منه مثل جرمه و اجعل الناس عندك سواء لا تبال على من وجب الحق لا تأخذك في الله لومة لائم و إياك و الأثرة و

المحاباة فيما ولاك الله مما أفاء الله على المسلمين فتجور و تظلم و تحرم نفسك من ذلك ما قد وسعه الله عليك فإنك في منزلة من

منازل الدنيا و أنت إلى الآخرة جد قريب فإن صدقت في دنياك عفة و عدلا فيما بسط لك اقترفت رضوانا و إيمانا و إن غلبك الهوى

اقترفت فيه سخط الله و مقته. و أوصيك ألا ترخص لنفسك و لا لغيرك في ظلم أهل الذمة. و اعلم أني قد أوصيتك و خصصتك و

نصحت لك أبتغي بذلك وجه الله و الدار الآخرة و دللتك على ما كنت دالا عليه نفسي فإن عملت بالذي وعظتك و انتهيت إلى الذي

أمرتك أخذت منه نصيبا وافرا و حظا وافيا و إن لم تقبل ذلك و لم تعمل و لم تترك معاظم الأمور عند الذي يرضي الله به سبحانه

عنك يكن ذاك بك انتقاصا و يكن رأيك فيه مدخولا فالأهواء مشتركة و رأس الخطيئة إبليس الداعي إلى كل هلكة قد أضل القرون

السالفة قبلك و أوردهم النار و لبئس الثمن أن يكون حظ امرئ من دنياه موالاة عدو الله الداعي إلى معاصيه اركب الحق و خض إليه

الغمرات و كن واعظا لنفسك.

[12 : 17 ]

و أنشدك لما ترحمت إلى جماعة المسلمين و أجللت كبيرهم و رحمت صغيرهم و قربت عالمهم لا تضربهم فيذلوا و لا تستأثر عليهم

بالفيء فتغضبهم و لا تحرمهم عطاياهم عند محلها فتفقرهم و لا تجمرهم في البعوث فتقطع نسلهم و لا تجعل الأموال دولة بين

الأغنياء منهم و لا تغلق بابك دونهم فيأكل قويهم ضعيفهم. هذه وصيتي إياك و أشهد الله عليك و أقرأ عليك السلام و الله على كل

شيء شهيد. و خطب عمر فقال لا يبلغني أن امرأة تجاوز صداقها صداق زوجات رسول الله ص إلا ارتجعت ذلك منها فقامت إليه امرأة

فقالت و الله ما جعل الله ذلك لك إنه تعالى يقول وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً فقال عمر أ لا تعجبون من إمام أخطأ

و امرأة أصابت ناضلت إمامكم فنضلته. و كان يعس ليلة فمر بدار سمع فيها صوتا فارتاب و تسور فرأى رجلا عند امرأة و زق خمر فقال

يا عدو الله أ ظننت أن الله يسترك و أنت على معصيته فقال لا تعجل يا أمير المؤمنين إن كنت أخطأت في واحدة فقد أخطأت في ثلاث

قال الله تعالى وَ لا تَجَسَّسُوا و قد تجسست و قال وَ أْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها

[12 : 18 ]

و قد تسورت و قال فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا و ما سلمت فقال هل عندك من خير إن عفوت عنك قال نعم و الله لا أعود فقال اذهب

فقد عفوت عنك. و خطب يوما فقال أيها الناس ما الجزع مما لا بد منه و ما الطمع فيما لا يرجى و ما الحيلة فيما سيزول و إنما الشيء

من أصله و قد مضت قبلكم الأصول و نحن فروعها فما بقاء الفرع بعد ذهاب أصله. إنما الناس في هذه الدنيا أغراض تنتبل فيهم المنايا

نصب المصائب في كل جرعة شرق و في كل أكلة غصص لا تنالون نعمة إلا بفراق أخرى و لا يستقبل معمر من عمره يوما إلا بهدم آخر

من أجله و هم أعوان الحتوف على أنفسهم فأين المهرب مما هو كائن ما أصغر المصيبة اليوم مع عظم الفائدة غدا و ما أعظم خيبة

الخائب و خسران الخاسر يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ إِلّا مَنْ أَتَى اللّهَ بِقَلْب سَلِيم. و أكثر الناس روى هذا الكلام لعلي ع و قد ذكره

صاحب نهج البلاغة و شرحناه فيما سبق. حمل من العراق إلى عمر مال فخرج هو و مولى له فنظر إلى الإبل فاستكثرها فجعل يقول

الحمد لله يكررها و يرددها و جعل مولاه يقول هذا من فضل الله و رحمته و يكررها و يرددها. فقال عمر كذبت لا أم لك أظنك ذهبت

إلى أن هذا هو ما عناه سبحانه

[12 : 19 ]

بقوله قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا و إنما ذلك الهدى أ ما تسمعه يقول هُوَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ و هذا مما يجمعون. و

روى الأحنف بن قيس قال قدمنا على عمر بفتح عظيم نبشره به فقال أين نزلتم قلنا في مكان كذا فقام معنا حتى انتهينا إلى مناخ ركابنا

و قد أضعفها الكلال و جهدها السير فقال هلا اتقيتم الله في ركابكم هذه أ ما علمتم أن لها عليكم حقا هلا احترموها هلا حللتم بها

فأكلت من نبات الأرض فقلنا يا أمير المؤمنين إنا قدمنا بفتح عظيم فأحببنا التسرع إليك و إلى المسلمين بما يسرهم. فانصرف راجعا

و نحن معه فأتى رجل فقال يا أمير المؤمنين إن فلانا ظلمني فأعدني عليه فرفع في السماء درته و ضرب بها رأسه و قال تدعون عمر و

هو معرض لكم حتى إذا شغل في أمر المسلمين أتيتموه أعدني أعدني فانصرف الرجل يتذمر فقال عمر علي بالرجل فجيء به فألقى إليه

المخفقة فقال اقتص قال بل أدعه لله و لك قال ليس كذلك بل تدعه إما لله و إرادة ما عنده و إما تدعه لي قال أدعه لله قال انصرف ثم

جاء حتى دخل منزله و نحن معه فصلى ركعتين خفيفتين ثم جلس فقال يا ابن الخطاب كنت وضيعا فرفعك الله و كنت ضالا فهداك الله

و كنت ذليلا فأعزك الله ثم حملك على رقاب الناس فجاء رجل يستعديك على من ظلمه فضربته ما ذا تقول لربك غدا فجعل يعاتب

نفسه معاتبة ظننت أنه من خير أهل الأرض.

[12 : 20 ]

و ذكر أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث أن رجلا أتى عمر يسأله و يشكو إليه الفقر فقال هلكت يا أمير المؤمنين فقال أ

هلكت و أنت تنث نثيث الحميت أعطوه فأعطوه ربعة من مال الصدقة تبعها ظئراها ثم أنشأ يحدث عن نفسه فقال لقد رأيتني و أختا لي

نرعى على أبوينا ناضحا لنا قد ألبستنا أمنا نقبتها و زودتنا يمنتيها هبيدا فنخرج بناضحنا فإذا طلعت الشمس ألقيت النقبة إلى أختي

و خرجت أسعى عريان فنرجع إلى أمنا و قد جعلت لنا لفيته من ذلك الهبيد فيا خصباه. و روى ابن عباس رضي الله عنه قال دخلت على

عمر في أول خلافته و قد ألقي له صاع من تمر على خصفة فدعاني إلى الأكل فأكلت تمرة واحدة و أقبل يأكل حتى أتى عليه ثم شرب

من جر كان عنده و استلقى على مرفقه له و طفق يحمد الله يكرر ذلك ثم قال من أين جئت يا عبد الله قلت من المسجد قال كيف خلفت

ابن عمك فظننته يعنى عبد الله بن جعفر قلت خلفته يلعب مع أترابه قال لم أعن ذلك إنما عنيت عظيمكم أهل البيت قلت خلفته يمتح

بالغرب على نخيلات من فلان و هو يقرأ القرآن قال يا عبد الله عليك دماء البدن إن كتمتنيها هل بقي في نفسه

[12 : 21 ]

شيء من أمر الخلافة قلت نعم قال أ يزعم أن رسول الله ص نص عليه قلت نعم و أزيدك سألت أبي عما يدعيه فقال صدق فقال عمر لقد

كان من رسول الله ص في أمره ذرو من قول لا يثبت حجة و لا يقطع عذرا و لقد كان يربع في أمره وقتا ما و لقد أراد في مرضه أن يصرح

باسمه فمنعت من ذلك إشفاقا و حيطة على الإسلام لا و رب هذه البنية لا تجتمع عليه قريش أبدا و لو وليها لانتقضت عليه العرب من

أقطارها فعلم رسول الله ص أني علمت ما في نفسه فأمسك و أبى الله إلا إمضاء ما حتم. ذكر هذا الخبر أحمد بن أبي طاهر صاحب كتاب

تاريخ بغداد في كتابه مسندا. ابتنى أبو سفيان دارا بمكة فأتى أهلها عمر فقالوا إنه قد ضيق علينا الوادي و أسال علينا الماء فأتاه عمر

فقال خذ هذا الحجر فضعه هناك و ارفع هذا و اخفض هذا ففعل فقال الحمد لله الذي أذل أبا سفيان بأبطح مكة. و قال عمر و الله لقد

لان قلبي في الله حتى لهو ألين من الزبد و لقد اشتد قلبي في الله حتى لهو أشد من الحجر. كان عمر إذا أتاه الخصمان برك على ركبتيه

و قال اللهم أعني عليهما فإن كلا منهما يريدني عن ديني.

[12 : 22 ]

و خطب عمر فقال أيها الناس إنما كنا نعرفكم و النبي ص بين أظهرنا إذ ينزل الوحي و إذ ينبئنا الله من أخباركم ألا و إن النبي ص قد

انطلق و الوحي قد انقطع و إنما نعرفكم بما يبدو منكم من أظهر خيرا ظننا به خيرا و أحببناه عليه و من أظهر شرا ظننا به شرا و

أبغضناه عليه سرائركم بينكم و بين ربكم ألا إنه قد أتى علي حين و أنا أحسب أنه لا يقرأ القرآن أحد إلا يريد به وجه الله و ما عند

الله و قد خيل إلي بأخرة أن رجالا قد قرءوه يريدون به ما عند الناس فأريدوا الله بقراءتكم و أريدوا الله بأعمالكم. ألا و إني لا أرسل

عمالي إليكم أيها الناس ليضربوا أبشاركم و لا ليأخذوا أموالكم و لكن أرسلهم إليكم ليعلموكم دينكم و سنتكم فمن فعل به سوى

ذلك فليرفعه إلي لأقتص له فقد رأيت رسول الله ص يقتص من نفسه. ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم و لا تمنعوهم حقوقهم

فتفقروهم و لا تنزلوهم الغياض فتضيعوهم. و قال مرة قد أعياني أهل الكوفة إن استعملت عليهم لينا استضعفوه و إن استعملت عليهم

شديدا شكوه و لوددت أني وجدت رجلا قويا أمينا استعمله عليهم فقال له رجل أنا أدلك يا أمير المؤمنين على الرجل القوي الأمين

قال من هو قال عبد الله بن عمر قال قاتلك الله و الله ما أردت الله بها لاها الله لا أستعمله عليها و لا على غيرها و أنت فقم فاخرج فمذ

الآن لا أسميك إلا المنافق فقام الرجل و خرج. و كتب إلى سعد بن أبي وقاص أن شاور طليحة بن خويلد و عمرو بن معديكرب فإن كل

صانع أعلم بصنعته و لا تولهما من أمر المسلمين شيئا

[12 : 23 ]

و غضب عمر على بعض عماله فكلم امرأة من نساء عمر في أن تسترضيه له فكلمته فيه فغضب و قال و فيم أنت من هذا يا عدوة الله

إنما أنت لعبة نلعب بك و تفركين. و من كلامه أشكو إلى الله جلد الخائن و عجز الثقة. قال عمرو بن ميمون لقد رأيت عمر بن الخطاب

قبل أن يصاب بأيام واقفا على حذيفة بن اليمان و عثمان بن حنيف و هو يقول لهما أ تخافان أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيقه فقالا

لا إنما حملناها أمرا هي له مطيقة فأعاد عليهما القول انظرا أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيقه فقالا لا فقال عمر إن عشت لأدعن

أرامل العراق لا يحتجن بعدي إلى رجل أبدا فما أتت عليه رابعة حتى أصيب. كان عمر إذا استعمل عاملا كتب عليه كتابا و أشهد عليه

رهطا من المسلمين ألا يركب برذونا و لا يأكل نقيا و لا يلبس رقيقا و لا يغلق بابه دون حاجات المسلمين ثم يقول اللهم اشهد. و

استعمل عمر النعمان بن عدي بن نضلة على ميسان فبلغه عنه الشعر الذي قاله و هو

و من مبلغ الحسناء أن حليلها بميسان يسقى من زجاج و حنتم

إذا شئت غنتني دهاقين قرية و صناجة تحدو على كل منسم

[12 : 24 ]

فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني و لا تسقني بالأصغر المتثلم

لعل أمير المؤمنين يسوءه تنادمنا بالجوسق المتهدم

فكتب إليه بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غافِرِ الذَّنْبِ وَ قابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ

لا إِلهَ إِلّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ أما بعد فقد بلغني قولك

لعل أمير المؤمنين يسوءه

البيت و ايم الله إنه ليسوءني فاقدم فقد عزلتك. فلما قدم عليه قال يا أمير المؤمنين و الله ما شربتها قط و إنما هو شعر طفح على

لساني و إني لشاعر. فقال عمر أظن ذاك و لكن لا تعمل لي على عمل أبدا. استعمل عمر رجلا من قريش على عمل فبلغه عنه أنه قال

اسقني شربة تروي عظامي و اسق بالله مثلها ابن هشام

فأشخصه إليه و فطن القرشي فضم إليه بيتا آخر فلما مثل بين يديه قال له أنت القائل

اسقني شربة تروي عظامي

قال نعم يا أمير المؤمنين فهلا أبلغك الواشي ما بعده قال ما الذي بعده قال

عسلا باردا بماء غمام إنني لا أحب شرب المدام

قال آلله آلله ثم قال ارجع إلى عملك.

[12 : 25 ]

قال عمر أيما عامل من عمالي ظلم أحدا ثم بلغتني مظلمته فلم أغيرها فأنا الذي ظلمته. و قال للأحنف بن قيس و قد قدم عليه فاحتبسه

عنده حولا يا أحنف إني قد خبرتك و بلوتك فرأيت علانيتك حسنة و أنا أرجو أن تكون سريرتك مثل علانيتك و إن كنا لنحدث أنه

إنما يهلك هذه الأمة كل منافق عليم. و كتب عمر إلى سعد بن أبي وقاص أن مترس بالفارسية هو الأمان فمن قلتم له ذلك ممن لا يفقه

لسانكم فقد أمنتموه. و قال لأمير من أمراء الشام كيف سيرتك كيف تصنع في القرآن و الأحكام فأخبره فقال أحسنت اذهب فقد

أقررتك على عملك فلما ولي رجع فقال يا أمير المؤمنين إني رأيت البارحة رؤيا أقصها عليك رأيت الشمس و القمر يقتتلان و مع كل

واحد منهما جنود من الكواكب فقال فمع أيهما كنت قال مع القمر فقال قد عزلتك قال الله تعالى وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ

فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً. كان عمر جالسا في المسجد فمر به رجل فقال ويل لك يا عمر من النار فقال قربوه إلي

فدنا منه فقال لم قلت لي ما قلت قال تستعمل عمالك و تشترط عليهم

[12 : 26 ]

ثم لا تنظر هل وفوا لك بشروط أم لا قال و ما ذاك قال عاملك على مصر اشترطت عليه فترك ما أمرته به و ارتكب ما نهيته عنه ثم شرح

له كثيرا من أمره فأرسل عمر رجلين من الأنصار فقال لهما انتهيا إليه فاسألا عنه فإن كان كذب عليه فأعلماني و إن رأيتما ما يسوءكما

فلا تملكاه من أمره شيئا حتى تأتيا به فذهبا فسألا عنه فوجداه قد صدق عليه فجاءا إلى بابه فاستأذنا عليه فقال حاجبه إنه ليس عليه

اليوم إذن قالا ليخرجن إلينا أو لنحرقن عليه بابه و جاء أحدهما بشعلة من نار فدخل الآذن فأخبره فخرج إليهما قالا إنا رسولا عمر

إليك لتأتيه قال إن لنا حاجة تمهلانني لأتزود قالا إنه عزم علينا ألا نمهلك فاحتملاه فأتيا به عمر فلما أتاه سلم عليه فلم يعرفه و قال

من أنت و كان رجلا أسمر فلما أصاب من ريف مصر ابيض و سمن فقال أنا عاملك على مصر أنا فلان قال ويحك ركبت ما نهيت عنه و

تركت ما أمرت به و الله لأعاقبنك عقوبة أبلغ إليك فيها ائتوني بكساء من صوف و عصا و ثلاثمائة شاة من غنم الصدقة فقال البس هذه

الدراعة فقد رأيت أباك و هذه خير من دراعته و خذ هذه العصا فهي خير من عصا أبيك و اذهب بهذه الشياه فارعها في مكان كذا و ذلك

في يوم صائف و لا تمنع السابلة من ألبانها شيئا إلا آل عمر فإني لا أعلم أحدا من آل عمر أصاب من ألبان غنم الصدقة و لحومها شيئا.

فلما ذهب رده و قال أ فهمت ما قلت فضرب بنفسه الأرض و قال يا أمير المؤمنين لا أستطيع هذا فإن شئت فاضرب عنقي قال فإن رددتك

فأي رجل تكون قال و الله لا يبلغك بعدها إلا ما تحب فرده فكان نعم الرجل و قال عمر و الله

[12 : 27 ]

لا أنزعن فلانا من القضاء حتى أستعمل عوضه رجلا إذا رآه الفاجر فرق. و روى عبد الله بن بريدة قال بينا عمر يعس ذات ليلة انتهى

إلى باب متجاف و امرأة تغني نسوة

هل من سبيل إلى خمر فأشربها أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج

فقال عمر أما ما عشت فلا. فلما أصبح دعا نصر بن حجاج و هو نصر بن الحجاج بن علابط البهزي السلمي فأبصره و هو من أحسن

الناس وجها و أصبحهم و أملحهم حسنا فأمر أن يطم شعره فخرجت جبهته فازداد حسنا فقال له عمر اذهب فاعتم فاعتم فبدت وفرته

فأمر بحلقها فازداد حسنا فقال له فتنت نساء المدينة يا ابن حجاج لا تجاورني في بلدة أنا مقيم بها ثم سيره إلى البصرة. فروى

الأصمعي قال أبرد عمر بريدا إلى عتبة بن أبي سفيان بالبصرة فأقام بها أياما ثم نادى منادي عتبة من أراد أن يكتب إلى أهله بالمدينة

أو إلى أمير المؤمنين شيئا فليكتب فإن بريد المسلمين خارج. فكتب الناس و دس نصر بن حجاج كتابا فيه لعبد الله عمر أمير

المؤمنين من نصر بن حجاج سلام عليك أما بعد يا أمير المؤمنين

لعمري لئن سيرتني أو حرمتني لما نلت من عرضي عليك حرام

أ إن غنت الذلفاء يوما بمنية و بعض أماني النساء غرام

[12 : 28 ]

ظننت بي الظن الذي ليس بعده بقاء فما لي في الندي كلام

و أصبحت منفيا في غير ريبة و قد كان لي بالمكتين مقام

سيمنعني مما تظن تكرمي و آباء صدق سالفون كرام

و يمنعها مما تمنت صلاتها و حال لها في دينها و صيام

فهاتان حالانا فهل أنت راجع فقد جب مني كاهل و سنام

فقال عمر أما ولي ولاية فلا و أقطعه أرضا بالبصرة و دارا. فلما قتل عمر ركب راحلته و لحق بالمدينة. و ذكر المبرد محمد بن يزيد

الثمالي قال كان عمر أصلع فلما حلق وفرة نصر بن حجاج قال نصر و كان شاعرا

تضن ابن خطاب علي بجمة إذا رجلت تهتز هز السلاسل

فصلع رأسا لم يصلعه ربه يرف رفيفا بعد أسود جائل

لقد حسد الفرعان أصلع لم يكن إذا ما مشى بالفرع بالمتخايل

محمد بن سعيد قال بينا يطوف عمر في بعض سكك المدينة إذ سمع امرأة تهتف من خدرها

هل من سبيل إلى خمر فأشربها أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج

[12 : 29 ]

إلى فتى ماجد الأعراق مقتبل سهل المحيا كريم غير ملجاج

تنميه أعراق صدق حين تنسبه أخي قداح عن المكروب فراج

سامي النواظر من بهز له قدم تضيء صورته في الحالك الداجي

فقال عمر ألا لا أدري معي رجلا يهتف به العواتق في خدورهن علي بنصر بن حجاج فأتي به فإذا هو أحسن الناس وجها و عينا و شعرا

فأمر بشعره فجز فخرجت له وجنتان كأنه قمر فأمره أن يعتم فاعتم ففتن النساء بعينيه فقال عمر لا و الله لا تساكنني بأرض أنا بها قال

و لم يا أمير المؤمنين قال هو ما أقول لك فسيره إلى البصرة. و خافت المرأة التي سمع عمر منها ما سمع أن يبدر إليها منه شيء

فدست إليه أبياتا

قل للأمير الذي تخشى بوادره ما لي و للخمر أو نصر بن حجاج

إني بليت أبا حفص بغيرهما شرب الحليب و طرف فاتر ساج

لا تجعل الظن حقا أو تبينه إن السبيل سبيل الخائف الراجي

ما منية قلتها عرضا بضائرة و الناس من هالك قدما و من ناج

إن الهوى رعية التقوى تقيده حتى أقر بإلجام و إسراج

فبكى عمر و قال الحمد لله الذي قيد الهوى بالتقوى. و أتته يوما أم نصر حين اشتدت عليها غيبة ابنها فتعرضت لعمر بين الأذان و

الإقامة فقعدت له على الطريق فلما خرج يريد الصلاة هتفت به و قالت يا أمير المؤمنين لأجاثينك غدا بين يدي الله عز و جل و

لأخاصمنك إليه يبيت عاصم و عبد الله إلى

[12 : 30 ]

جانبيك و بيني و بين ابني الفيافي و القفار و المفاوز و الجبال قال من هذه قيل أم نصر بن حجاج فقال يا أم نصر إن عاصما و عبد

الله لم تهتف بهما العواتق من وراء الخدور. و يروى أن نصر بن الحجاج لما سيره عمر إلى البصرة نزل بها على مجاشع بن مسعود

السلمي و كان خليفة أبي موسى عليها و كانت له امرأة شابة جميلة فهويت نصرا و هويها فبينا الشيخ جالس و نصر عنده إذ كتب في

الأرض شيئا فقرأته المرأة فقالت أنا و الله فقال مجاشع ما قال لك قالت إنه قال ما أصفى لقحتكم هذه فقال مجاشع إن الكلمة التي

قلت ليست أختا لهذا الكلام عزمت عليك لما أخبرتني قالت إنه قال ما أحسن سوار ابنتكم هذه قال و لا هذه فإنه كتب في الأرض فرأى

الخط فدعا بإناء فوضعه عليه ثم أحضر غلاما من غلمانه فقال اقرأ فقرأه و إذا هو أنا و الله أحبك فقال هذه لهذه اعتدي أيتها المرأة و

تزوجها يا ابن أخي إن أردت. ثم غدا على أبي موسى فأخبره فقال أبو موسى أقسم ما أخرجه عمر عن المدينة من خير ثم طرده إلى

فارس و عليها عثمان بن أبي العاص الثقفي فنزل على دهقانة فأعجبها فأرسلت إليه فبلغ خبرها عثمان فبعث إليه أن اخرج عن أرض

فارس فإنك لم تخرج عن المدينة و البصرة من خير فقال و الله لئن أخرجتموني لألحقن ببلاد الشرك فكتب بذلك إلى عمر فكتب أن

جزوا شعره و شمروا قميصه و ألزموه المساجد. و روى عبد الله بن بريدة أن عمر خرج ليلا يعس فإذا نسوة يتحدثن و إذا هن

[12 : 31 ]

يقلن أي فتيان المدينة أصبح فقالت امرأة منهن أبو ذؤيب و الله فلما أصبح عمر سأل عنه فإذا هو من بني سليم و إذا هو ابن عم نصر

بن حجاج فأرسل إليه فحضر فإذا هو أجمل الناس و أملحهم فلما نظر إليه قال أنت و الله ذئبها يكررها و يرددها لا و الذي نفسي بيده

لا تجامعني بأرض أبدا. فقال يا أمير المؤمنين إن كنت لا بد مسيري فسيرني حيث سيرت ابن عمي نصر بن حجاج فأمر بتسييره إلى

البصرة فأشخص إليها. خطب عمر في الليلة التي دفن فيها أبو بكر فقال إن الله تعالى نهج سبيله و كفانا برسوله فلم يبق إلا الدعاء و

الاقتداء الحمد لله الذي ابتلاني بكم و ابتلاكم بي و أبقاني فيكم بعد صاحبي و أعوذ بالله أن أزل أو أضل فأعادي له وليا أو أوالي له

عدوا ألا إني و صاحبي كنفر ثلاثة قفلوا من طيبة فأخذ أحدهم مهلة إلى داره و قراره فسلك أرضا مضيئة متشابهة الأعلام فلم يزل عن

الطريق و لم يحرم السبيل حتى أسلمه إلى أهله ثم تلاه الآخر فسلك سبيله و اتبع أثره فأفضى إليه و لقي صاحبه ثم تلاهما الثالث

فإن سلك سبيلهما و اتبع أثرهما أفضى إليهما و لاقاهما و إن زل يمينا أو شمالا لم يجامعهما أبدا. ألا و إن العرب جمل أنف قد

أعطيت خطامه ألا و إني حامله على المحجة و مستعين بالله عليه. ألا و إني داع فأمنوا اللهم إني شحيح فسخني اللهم إني غليظ

فليني اللهم إني ضعيف فقوني اللهم أوجب لي بموالاتك و موالاة أوليائك ولايتك و معونتك و أبرئني

[12 : 32 ]

من الآفات بمعاداة أعدائك و توفني مع الأبرار و لا تحشرني في زمرة الأشقياء اللهم لا تكثر لي من الدنيا فأطغى و لا تقلل لي فأشقى

فإن ما قل و كفى خير مما كثر و ألهى. وفد على عمر قوم من أهل العراق منهم جرير بن عبد الله فأتاهم بجفنة قد صبغت بخل و زيت و

قال خذوا فأخذوا أخذا ضفيفا فقال ما بالكم تقرمون قرم الشاة الكسيرة أظنكم تريدون حلوا و حامضا و حارا و باردا ثم قذفا في

البطون لو شئت أن أدهمق لكم لفعلت و لكنا نستبقي من دنيانا ما نجده في آخرتنا و لو شئنا أن نأمر بصغار الضأن فتسمط و لبأت

الخبز فيخبز و نأمر بالزبيب فينبذ لنا في الأسعان حتى إذا صار مثل عين اليعقوب أكلنا هذا و شربنا هذا لفعلت و الله إني ما أعجز عن

كراكر و أسنمة و صلائق و صناب لكن الله تعالى قال لقوم عيرهم أمرا فعلوه أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا و إني نظرت في

هذا الأمر

[12 : 33 ]

فجعلت إن أردت الدنيا أضررت بالآخرة و إن أردت الآخرة أضررت بالدنيا و إذا كان الأمر هكذا فأضروا بالفانية. خرج عمر يوما إلى

المسجد و عليه قميص في ظهره أربع رقاع فقرأ حتى انتهى إلى قوله وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا فقال ما الأب ثم قال إن هذا لهو التكلف و ما

عليك يا ابن الخطاب ألا تدري ما الأب. و جاء قوم من الصحابة إلى حفصة فقالوا لو كلمت أباك في أن يلين من عيشه لعله أقوى له

على النظر في أمور المسلمين فجاءته فقالت إن ناسا من قومك كلموني في أن أكلمك في أن تلين من عيشك فقال يا بنية غششت أباك

و نصحت لقومك. و روى سالم بن عبد الله بن عمر قال لما ولي عمر قعد على رزق أبي بكر الذي كان فرضه لنفسه فاشتدت حاجته

فاجتمع نفر من المهاجرين منهم علي و عثمان و طلحة و الزبير و قالوا لو قلنا لعمر يزيد في رزقه فقال عثمان إنه عمر فهلموا فلنستبن

ما عنده من وراء وراء نأتي حفصة فنكلمها و نستكتمها أسماءنا فدخلوا عليها و سألوها أن تكلمه و لا تخبره بأسماء من أتاها إلا أن

يقبل فلقيت عمر في ذلك فرأت الغضب في وجهه و قال من أتاك قالت لا سبيل إلى ذلك فقال لو علمت من هم لسؤت أوجههم أنت

بيني و بينهم نشدتك الله ما أفضل ما اقتنى رسول الله ص في بيتك من الملبس قالت ثوبان ممشقان كان يلبسهما للوفد و يخطب

[12 : 34 ]

فيهما في الجمع قال فأي طعام ناله عندك أرفع قالت خبزنا مرة خبزة شعير فصببت عليها و هي حارة أسفلها عكة لنا كان فيها سمن و

عسل فجعلتها هشة حلوة دسمة فأكل منها فاستطابها قال فأي مبسط كان يبسط عندك أوطأ قالت كساء ثخين كنا نرقعه في الصيف

فنجعله ثخينا فإذا كان الشتاء بسطنا نصفه و تدثرنا بنصفه قال فأبلغيهم أن رسول الله ص قدر فوضع الفضول مواضعها و تبلغ ما أبر

و إني قدرت فو الله لأضعن الفضول مواضعها و لأتبلغن ما أبر حبة وفد على عمر وفد فيه رجال الناس من الآفاق فوضع لهم بسطا من

عباء و قدم إليهم طعاما غليظا فقالت له ابنته حفصة أم المؤمنين إنهم وجوه الناس و كرام العرب فأحسن كرامتهم فقال يا حفصة

أخبريني بألين فراش فرشته لرسول الله ص و أطيب طعام أكله عندك قالت أصبنا كساء ملبدا عام خيبر فكنت أفرشه له فينام عليه و

إني رفعته ليلة فلما أصبح قال ما كان فراشي الليلة قلت فراشك كل ليلة إلا أني الليلة رفعته لك ليكون أوطأ فقال أعيديه لحالته

الأولى فإن وطاءته منعتني الليلة من الصلاة. و كان لنا صاع من دقيق سلت فنخلته يوما و طبخته له و كان لنا قعب من سمن فصببته

عليه فبينا هو ع يأكل إذ دخل أبو الدرداء فقال أرى سمنكم قليلا و إن لنا لقعبا من سمن قال ع فأرسل فأت به فجاء به فصبه عليه

فأكل فهذا أطيب طعام أكله عندي رسول الله ص. فأرسل عمر عينيه بالبكاء و قال لها و الله لا أزيدهم على ذلك العباء و ذلك الطعام

[12 : 35 ]

شيئا و هذا فراش رسول الله ص و هذا طعامه. لما قدم عتبة بن مرثد أذربيجان أتي بالخبيص فلما أكله وجد شيئا حلوا طيبا فقال لو

صنعت من هذا لأمير المؤمنين فجعل له خبيصا في منقلين عظيمين و حملهما على بعيرين إلى المدينة فقال عمر ما هذا قالوا الخبيص

فذاقه فوجده حلوا فقال للرسول ويحك أ كل المسلمين عندكم يشبع من هذا قال لا قال فارددهما ثم كتب إلى عتبة أما بعد فإن

خبيصك الذي بعثته ليس من كد أبيك و لا من كد أمك أشبع المسلمين مما تشبع منه في رحلك و لا تستأثر فإن الأثرة شر و السلام. و

روى عتبة بن مرثد أيضا قال قدمت على عمر بحلواء من بلاد فارس في سلال عظام فقال ما هذه قلت طعام طيب أتيتك به قال ويحك و

لم خصصتني به قلت أنت رجل تقضي حاجات الناس أول النهار فأحببت إذا رجعت إلى منزلك أن ترجع إلى طعام طيب فتصيب منه

فتقوى على القيام بأمرك فكشف عن سلة منها فذاق فاستطاب فقال عزمت عليك يا عتبة إذا رجعت إلا رزقت كل رجل من المسلمين

مثله قلت و الذي يصلحك يا أمير المؤمنين لو أنفقت عليه أموال قيس كلها لما وسع ذلك قال فلا حاجة لي فيه إذا ثم دعا بقصعة من

ثريد و لحم غليظ و خبز خشن فقال كل ثم جعل يأكل أكلا شهيا و جعلت أهوى إلى البضعة البيضاء أحسبها سناما و إذا هي عصبة و

أهوى إلى البضعة من اللحم أمضغها

[12 : 36 ]

فلا أسيغها و إذا هي من علباء العنق فإذا غفل عني جعلتها بين الخوان و القصعة فدعا بعس من نبيذ كاد يكون خلا فقال اشرب فلم

أستطعه و لم أسغه أن أشرب فشرب ثم نظر إلي و قال ويحك إنه ليس بدرمك العراق و ودكه و لكن ما تأكله أنت و أصحابك. ثم قال

اسمع إنا ننحر كل يوم جزورا فأما أوراكها و ودكها و أطائبها فلمن حضرنا من المهاجرين و الأنصار و أما عنقها فلآل عمر و أما عظامها

و أضلاعها فلفقراء المدينة نأكل من هذا اللحم الغث و نشرب من هذا النبيذ الخاثر و ندع لين الطعام ليوم تذهل كل مرضعة عما

أرضعت و تضع كل ذات حمل حملها. حضر عند عمر قوم من الصحابة فأثنوا عليه و قالوا و الله ما رأينا يا أمير المؤمنين رجلا أقضى

منك بالقسط و لا أقول بالحق و لا أشد على المنافقين منك إنك لخير الناس بعد رسول الله ص. فقال عوف بن مالك كذبتم و الله أبو

بكر بعد رسول الله خير أمته رأينا أبا بكر. فقال عمر صدق عوف و الله و كذبتم لقد كان أبو بكر و الله أطيب من ريح المسك و أنا

أضل من بعير أهلي. لما أتى عمر الخبر بنزول رستم القادسية كان يخرج فيستخبر الركبان كل يوم عن أهل القادسية من حين يصبح

إلى انتصاف النهار ثم يرجع إلى أهله فلما جاء البشير بالفتح

[12 : 37 ]

لقيه كما يلقى الركبان من قبل فسأله فأخبره فجعل يقول يا عبد الله إيه حدثني فيقول له هزم الله العدو و عمر يحث معه و يسأله و

هو راجل و البشير يسير على ناقته و لا يعرفه فلما دخل المدينة إذا الناس يسلمون عليه باسمه بإمرة المؤمنين و يهنئونه فنزل

الرجل و قال هلا أخبرتني يا أمير المؤمنين رحمك الله و جعل عمر يقول لا عليك يا ابن أخي لا عليك يا ابن أخي. و روى أبو العالية

الشامي قال قدم عمر الجابية على جمل أورق تلوح صلعته ليس عليه قلنسوة تصل رجلاه بين شعبتي رحله بغير ركاب وطاؤه كساء

أنبجاني كثير الصوف و هو وطاؤه إذا ركب و فراشه إذا نزل و حقيبته نمرة محشوة ليفا هي حقيبته إذا ركب و وسادته إذا نزل و عليه

قميص من كرابيس قد دسم و تخرق جيبه فقال ادعوا إلي رأس القرية فدعوه له فقال اغسلوا قميصي هذا و خيطوه و أعيروني قميصا

ريثما يجف قميصي فأتوه بقميص كتان فعجب منه فقال ما هذا قالوا كتان قال و ما الكتان فأخبروه فلبسه ثم غسل قميصه و أتي به

فنزع قميصهم و لبس قميصه فقال له رأس القرية أنت ملك العرب و هذه بلاد لا يصلح بها ركوب الإبل فأتي ببرذون فطرحت عليه

قطيفة بغير سرج فركبه فهملج تحته فقال للناس احبسوا فحبسوه فقال ما كنت أظن الناس يركبون الشيطان قبل هذا قدموا لي جملي

فجيء به فنزل عن البرذون و ركبه.

[12 : 38 ]

قدم عمر الشام فلقيه أمراء الأجناد و عظماء تلك الأرض فقال و أين أخي قالوا من هو قال أبو عبيدة قالوا سيأتيك الآن فجاء أبو

عبيدة على ناقة مخطومة بحبل فسلم عليه و رد له ثم قال للناس انصرفوا عنا فسار معه حتى أتى منزله فنزل عليه فلم ير فيه إلا سيفا

و ترسا فقال له لو اتخذت متاع البيت قال حسبي هذا يبلغني المقيل. و روى طارق بن شهاب أن عمر لما قدم الشام عرضت له مخاضة

فنزل عن بعيره و نزع جرموقيه فأمسكهما بيده و خاض الماء و زمام بعيره في يده الأخرى فقال له أبو عبيدة لقد صنعت اليوم صنيعا

عظيما عند أهل هذه الأرض فصك في صدره و قال لو غيرك قالها يا أبا عبيدة إنكم كنتم أذل الناس و أحقر الناس و أقل الناس فأعزكم

الله بالإسلام فمهما تطلبوا العز بغيره يرجعكم إلى الذل. و روى محمد بن سعد صاحب الواقدي أن عمر قال يوما على المنبر لقد

رأيتني و ما لي من أكال يأكله الناس إلا أن لي خالات من بني مخزوم فكنت أستعذب لهن الماء فيقبضن لي القبضات من الزبيب فلما

نزل قيل له ما أردت بهذا قال وجدت في نفسي بأوا فأردت أن أطأطئ منها.

[12 : 39 ]

و من كلام عمر رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي. قدم عمرو بن العاص على عمر و كان واليا لمصر فقال له في كم سرت قال في عشرين

قال عمر لقد سرت سير عاشق فقال عمرو إني و الله ما تأبطتنى الإماء و لا حملتني في غبرات الم آلي فقال عمر و الله ما هذا بجواب

الكلام الذي سألتك عنه و أن الدجاجة لتفحص في الرماد فتضع لغير الفحل و إنما تنسب البيضة إلى طرقها فقام عمرو مربد الوجه.

قلت الم آلي خرق سود يحملها النوائح و يسرن بها بأيديهن عند اللطم و أراد خرق الحيص هاهنا و شبهها بتلك و أنكر عمر فخره

بالأمهات و قال إن الفخر للأب الذي إليه النسب و سألت النقيب أبا جعفر عن هذا الحديث في عمر فقال إن عمرا فخر على عمر لأن أم

الخطاب زنجية و تعرف بباطحلي تسمى صهاك فقلت له و أم عمرو النابغة أمه من سبايا العرب فقال أمه عربية من عنزة سبيت في

بعض الغارات فليس يلحقها من النقص عندهم ما يلحق الإماء الزنجيات فقلت له أ كان عمرو يقدم على عمر بمثل ما قلت قال قد يكون

بلغه عنه قول قدح في نفسه فلم يحتمله له و نفث بما في صدره منه و إن لم يكن جوابا مطابقا للسؤال و قد كان عمر مع خشونته

يحتمل نحو هذا فقد جبهه الزبير مرة و جعل يحكي كلامه يمططه و جبهه سعد بن أبي وقاص أيضا فأغضى عنه و مر يوما في السوق

على ناقة له فوثب غلام من بني ضبة فإذا هو خلفه فالتفت إليه فقال فممن أنت قال ضبي قال جسور و الله فقال الغلام على العدو قال

عمر و على الصديق أيضا ما حاجتك فقضى حاجته ثم قال دع الآن لنا ظهر راحلتنا.

[12 : 40 ]

و من كلام عمر اخشع عند القبور إذا نظرت إليها و استعص عند المعصية و ذل عند الطاعة و لا تبذلن كلامك إلا عند من يشتهيه و

يتخذه غنما و لا تستعن على حاجتك إلا بمن يحب نجاحها لك و آخ الإخوان على التقوى و شاور في أمرك كله و إذا اشترى أحدكم

بعيرا فليشتره جسيما فإن أخطأته النجابة لم يخطئه السوق. أوفد بشر بن مروان و هو على العراق رجلا إلى عبد الملك فسأله عن

بشر فقال يا أمير المؤمنين هو اللين في غير ضعف الشديد في غير عنف فقال عبد الملك ذاك الأحوذي ابن حنتمة الذي كان يأمن عنده

البريء و يخافه السقيم و يعاقب على الذنب و يعرف موضع العقوبة لا بشر بن مروان. أذن عمر يوما للناس فدخل شيخ كبير يعرج و

هو يقود ناقة رجيعا يجاذبها حتى وقف بين ظهراني الناس ثم قال

و إنك مسترعى و إنا رعية و إنك مدعو بسيماك يا عمر

لدى يوم شر شره لشراره و خير لمن كانت مؤانسه الخير

فقال عمر لا حول و لا قوة إلا بالله من أنت قال عمرو بن براقة قال ويحك فما منعك أن تقول وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْء فَأَنَّ لِلّهِ

خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ ثم قرأها إلى آخرها و أمر بناقته فقبضت و حمله على غيرها و كساه و زوده.

[12 : 41 ]

بينا عمر يسير في طريق مكة يوما إذا بالشيخ بين يديه يرتجز و يقول

ما إن رأيت كفتى الخطاب أبر بالدين و بالأحساب

بعد النبي صاحب الكتاب

فطعنه عمر بالسوط في ظهره فقال ويلك و أين الصديق قال ما لي بأمره علم يا أمير المؤمنين قال أما إنك لو كنت عالما ثم قلت هذا

لأوجعت ظهرك. قال زيد بن أسلم كنت عند عمر و قد كلمه عمرو بن العاص في الحطيئة و كان محبوسا فأخرجه من السجن ثم أنشده

ما ذا تقول لأفراخ بذي مرخ زغب الحواصل لا ماء و لا شجر

ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة فاغفر عليك سلام الله يا عمر

أنت الإمام الذي من بعد صاحبه ألقت إليه مقاليد النهى البشر

ما آثروك بها إذ قدموك لها لكن لأنفسهم كانت بك الأثر

فبكى عمر لما قال له ما ذا تقول لأفراخ فكان عمرو بن العاص بعد ذلك يقول ما أقلت الغبراء و لا أظلت الخضراء أتقي من رجل يبكي

خوفا من حبس الحطيئة ثم قال عمر لغلامه يرفأ علي بالكرسي فجلس عليه ثم قال علي بالطست فأتي بها ثم قال علي بالمخصف لا بل

علي بالسكين فأتي بها فقال لا بل علي بالموسى فإنها أوجي فأتي بموسى ثم قال أشيروا علي في الشاعر فإنه يقول الهجر و ينسب

بالحرم و يمدح الناس و يذمهم بغير ما فيهم و ما أراني إلا قاطعا لسانه فجعل الحطيئة يزيد خوفا فقال من حضر أنه لا يعود يا أمير

المؤمنين و أشاروا إليه قل لا أعود يا أمير المؤمنين فقال النجاء النجاء فلما ولى ناداه يا حطيئة فرجع مرعوبا فقال كأني بك يا

حطيئة

[12 : 42 ]

عند فتى من قريش قد بسط لك نمرقة و كسر لك أخرى ثم قال غننا يا حطيئة فطفقت تغنيه بأعراض الناس قال يا أمير المؤمنين لا أعود

و لا يكون ذلك. قال زيد بن أسلم ثم رأيت الحطيئة يوما بعد ذلك عند عبيد الله بن عمر قد بسط له نمرقة و كسر له أخرى ثم قال

تغنينا يا حطيئة و هو يغنيه فقلت يا حطيئة أ ما تذكر قول عمر لك ففزع و قال رحم الله ذلك المرء أما لو كان حيا ما فعلنا هذا قال

فقلت لعبيد الله بن عمر سمعت أباك يذكر كذا فكنت أنت ذلك الفتى. كان عمر يصادر خونة العمال فصادر أبا موسى الأشعري و كان

عامله على البصرة و قال له بلغني أن لك جاريتين و أنك تطعم الناس من جفنتين و أعاده بعد المصادرة إلى عمله. و صادر أبا هريرة و

أغلظ عليه و كان عامله على البحرين فقال له أ لا تعلم أني استعملتك على البحرين و أنت حاف لا نعل في رجلك و قد بلغني أنك بعت

أفراسا بألف و ستمائة دينار قال أبو هريرة كانت لنا أفراس فتناتجت فقال قد حبست لك رزقك و مئونتك و هذا فضل قال أبو هريرة

ليس ذلك لك قال بلى و الله و أوجع ظهرك ثم قام إليه بالدرة فضرب ظهره حتى أدماه ثم قال ائت بها فلما أحضرها قال أبو هريرة

سوف أحتسبها عند الله قال عمر ذاك لو أخذتها من حل و أديتها طائعا أما و الله ما رجت فيك أميمة أن تجبي أموال هجر و اليمامة و

أقصى البحرين لنفسك لا لله و لا للمسلمين و لم ترج فيك أكثر من رعية الحمر و عزله. و صادر الحارث بن وهب أحد بني ليث بكر بن

كنانة و قال له ما قلاص و أعبد بعتها بمائه دينار قال خرجت بنفقة لي فاتجرت فيها قال و إنا و الله ما بعثناك للتجارة

[12 : 43 ]

أدها قال أما و الله لا أعمل لك بعدها قال إنا و الله لا أستعملك بعدها ثم صعد المنبر فقال يا معشر الأمراء إن هذا المال لو رأينا أنه

يحل لنا لأحللناه لكم فأما إذ لم نره يحل لنا و ظلفنا أنفسنا عنه فاظلفوا عنه أنفسكم فإني و الله ما وجدت لكم مثلا إلا عطشان ورد

اللجة و لم ينظر الماتح فلما روي غرق. و كتب عمر إلى عمرو بن العاص و هو عامله في مصر أما بعد فقد بلغني أنه قد ظهر لك مال من

إبل و غنم و خدم و غلمان و لم يكن لك قبله مال و لا ذلك من رزقك فإني لك هذا و لقد كان لي من السابقين الأولين من هو خير منك و

لكني استعملتك لغنائك فإذا كان عملك لك و علينا بم نؤثرك على أنفسنا فاكتب إلي من أين مالك و عجل و السلام. فكتب إليه عمرو

بن العاص قرأت كتاب أمير المؤمنين و لقد صدق فأما ما ذكره من مالي فإني قدمت بلدة الأسعار فيها رخيصه و الغزو فيها كثير فجعلت

فضول ما حصل لي من ذلك فيما ذكره أمير المؤمنين و الله يا أمير المؤمنين لو كانت خيانتك لنا حلالا ما خناك حيث ائتمنتنا فأقصر

عنا عناك فإن لنا أحسابا إذا رجعنا إليها أغنتنا عن العمل لك و أما من كان لك من السابقين الأولين فهلا استعملتهم فو الله ما دققت

لك بابا. فكتب إليه عمر أما بعد فإني لست من تسطيرك و تشقيقك الكلام في شيء إنكم معشر الأمراء أكلتم الأموال و أخلدتم إلى

الأعذار فإنما تأكلون النار و تورثون العار و قد وجهت إليك محمد بن مسلمة ليشاطرك على ما في يديك و السلام.

[12 : 44 ]

فلما قدم إليه محمد اتخذ له طعاما و قدمه إليه فأبى أن يأكل فقال ما لك لا تأكل طعامنا قال إنك عملت لي طعاما هو تقدمة للشر و لو

كنت عملت لي طعام الضيف لأكلته فأبعد عني طعامك و أحضر لي مالك فلما كان الغد و أحضر ماله جعل محمد يأخذ شطرا و يعطي

عمرا شطرا فما رأى عمرو ما حاز محمد من المال قال يا محمد أقول قال قل ما تشاء قال لعن الله يوما كنت فيه واليا لابن الخطاب و

الله لقد رأيته و رأيت أباه و إن على كل واحد منهما عباءة قطوانية مؤتزرا بها ما تبلغ مأبض ركبتيه و على عنق كل واحد منهما حزمة

من حطب و إن العاص بن وائل لفي مزررات الديباج فقال محمد إيها يا عمرو فعمر و الله خير منك و أما أبوك و أبوه ففي النار و و الله

لو لا ما دخلت فيه من الإسلام لألفيت معتلفا شاة يسرك غزرها و يسوءك بكؤها قال صدقت فاكتم علي قال أفعل. جاءت سرية لعبيد

الله بن عمر إلى عمر تشكوه فقالت يا أمير المؤمنين أ لا تعذرني من أبي عيسى قال و من أبو عيسى قالت ابنك عبيد الله قال ويحك و

قد تكني بأبي عيسى و دعاه و قال إيها اكتنيت بأبي عيسى فحذر و فزع فأخذ يده فعضها حتى صاح ثم ضربه و قال ويلك هل لعيسى أب

أ ما تدري ما كنى العرب أبو سلمة أبو حنظلة أبو عرفطة أبو مرة. كان عمر إذا غضب على بعض أهله لم يشتف حتى يعض يده و كان عبد

الله بن الزبير كذلك يقال إنه لم يل ولاية من ولد عمر وال عادل

[12 : 45 ]

و قال مالك بن أنس إن عمر بن الخطاب استفرغ كل عدل في ولده فلم يعدل بعده أحد منهم في ولاية وليها. كان عمر و من بعده من

الولاة إذا أخذوا العصاة نزعوا عمائمهم و أقاموهم للناس حتى جاء زياد فضربهم بالسياط فجاء مصعب فحلق مع الضرب فجاء بشر بن

مروان فكان يصلب تحت الإبطين و يضرب الأكف بالمسامير فكتب إلى بعض الجند قوم من أهله يستزيرونه و يتشوقونه و قد أخرجه

بشر إلى الري فكتب إليهم

لو لا مخافة بشر أو عقوبته أو أن يرى شأني كفي بمسمار

إذا لعطلت ثغري ثم زرتكم إن المحب المعنى جد زوار

فلما جاء الحجاج قال كل هذا لعب فقتل العصاة بالسيف. زيد بن أسلم عن أبيه قال خلا عمر لبعض شأنه و قال أمسك علي الباب

فطلع الزبير فكرهته حين رأيته فأراد أن يدخل فقلت هو على حاجة فلم يلتفت إلي و أهوى ليدخل فوضعت يدي في صدره فضرب أنفي

فأدماه ثم رجع فدخلت على عمر فقال ما بك قلت الزبير. فأرسل إلى الزبير فلما دخل جئت فقمت لأنظر ما يقول له فقال ما حملك على

ما صنعت أدميتني للناس فقال الزبير يحكيه و يمطط في كلامه أدميتني أ تحتجب عنا يا ابن الخطاب فو الله ما احتجب مني رسول الله

و لا أبو بكر فقال عمر كالمعتذر إني كنت في بعض شأني. قال أسلم فلما سمعته يعتذر إليه يئست من أن يأخذ لي بحقي منه.

[12 : 46 ]

فخرج الزبير فقال عمر إنه الزبير و آثاره ما تعلم فقلت حقي حقك. و روى الزبير بن بكار في كتاب الموفقيات عن عبد الله بن عباس

قال إني لأماشي عمر بن الخطاب في سكة من سكك المدينة إذ قال لي يا ابن عباس ما أرى صاحبك إلا مظلوما فقلت في نفسي و الله لا

يسبقني بها فقلت يا أمير المؤمنين فاردد إليه ظلامته فانتزع يده من يدي و مضى يهمهم ساعة ثم وقف فلحقته فقال يا ابن عباس ما

أظنهم منعهم عنه إلا أنه استصغره قومه فقلت في نفسي هذه شر من الأولى فقلت و الله ما استصغره الله و رسوله حين أمراه أن يأخذ

براءة من صاحبك. فأعرض عني و أسرع فرجعت عنه. و قال ابن عباس قلت لعمر لقد أكثرت التمني للموت حتى خشيت أن يكون عليك

غير سهل عند أوانه فما ذا سئمت من رعيتك أن تعين صالحا أو تقوم فاسدا. قال يا ابن عباس إني قائل قولا فخذه إليك كيف لا أحب

فراقهم و فيهم من هو فاتح فاه للشهوة من الدنيا إما لحق لا ينوء به و إما لباطل لا يناله و الله لو لا أن أسأل عنكم لبرئت منكم

فأصبحت الأرض مني بلاقع و لم أقل ما فعل فلان و فلان. جاءت امرأة إلى عمر بن الخطاب فقالت يا أمير المؤمنين إن زوجي يصوم

[12 : 47 ]

النهار و يقوم الليل و إني أكره أن أشكوه و هو يعمل بطاعة الله فقال نعم الزوج زوجك فجعلت تكرر عليه القول و هو يكرر عليها

الجواب. فقال له كعب بن سور يا أمير المؤمنين إنها تشكو زوجها في مباعدته إياها عن فراشه ففطن عمر حينئذ و قال له قد وليتك

الحكم بينهما. فقال كعب علي بزوجها فأتي به فقال إن زوجتك هذه تشكوك قال في طعام أو شراب قال لا قالت المرأة

أيها القاضي الحكيم رشده ألهى خليلي عن فراشي مسجده

زهده في مضجعي تعبده نهاره و ليله ما يرقده

فلست في أمر النساء أحمده

فقال زوجها

زهدني في فرشها و في الحجل أني امرؤ أذهلني ما قد نزل

في سورة النمل و في السبع الطول و في كتاب الله تخويف جلل

قال كعب

إن لها حقا عليك يا رجل تصيبها من أربع لمن عقل

فأعطها ذاك و دع عنك العلل

فقال لعمر يا أمير المؤمنين إن الله أحل له من النساء مثنى و ثلاث و رباع فله ثلاثة أيام و لياليهن يعبد فيها ربه و لها يوم و ليلة.

فقال عمر و الله ما أعلم من أي أمريك أعجب أ من فهمك أمرهما أم من حكمك بينهما اذهب فقد وليتك قضاء البصرة. و روى زيد بن

أسلم عن أبيه قال خرجت مع عمر بن الخطاب و هو يطوف بالليل

[12 : 48 ]

فنظر إلى نار شرقي حرة المدينة فقال إن هؤلاء الركب لم ينزلوا هاهنا إلا الليلة ثم أهوى لهم فخرجت معه حتى دنونا فسمعنا تضاغي

الصبيان و بكاءهم. فقال السلام عليكم يا أصحاب الضوء هل ندنو منكم و احتبسنا قليلا فقالت امرأة منهم ادنوا بسلام فأقبلنا حتى

وقفنا عليها فقال ما يبكي هؤلاء الصبيان قالت الجوع قال فما هذا القدر على النار قالت ماء أعللهم به قال انتظريني فإني بالغك إن

شاء الله ثم خرج يهرول و أنا معه حتى جئنا دار الدقيق و كانت دارا يطرح فيها ما يجيء من دقيق العراق و مصر و قد كان كتب إلى

عمرو بن العاص و أبي موسى حين أمحلت السنة الغوث الغوث احملوا إلى أحمال الدقيق و اجعلوا فيها جمائد الشحم فجاء إلى عدل

منها فطأطأ ظهره ثم قال احمله على ظهري يا أسلم فقلت أنا أحمله عنك فنظر إلي و قال أنت تحمل عني وزري يوم القيامة لا أبا لك

قلت لا قال فاحمله على ظهري إذا ففعلت و خرج به يدلج و أنا معه حتى ألقاه عند المرأة. ثم قال لي ذر علي ذرور الدقيق لا يتعرد و أنا

أخزر ثم أخذ المسواط يخزر ثم جعل ينفخ تحت البرمة و أنا أنظر إلى الدخان يخرج من خلل لحيته و يقول لا تعجل حتى ينضج ثم

قال ألق علي من الشحم فإن القفار يوجع البطن.

[12 : 49 ]

ثم أنزل القدر و قال للمرأة لا تعجلي لا تعطيهم حارا و أنا أسطح لك فجعل يسطح بالمسواط و يبرد طعامهم حتى إذا شبعوا ترك

عندها الفضل ثم قال لها ائتي أمير المؤمنين غدا فإنك عسيت أن تجديني قريبا منه فأشفع لك بخير و هي تقول من أنت يرحمك الله و

تدعو له و تقول أنت أولى بالخلافة من أمير المؤمنين فيقول قولي خيرا يرحمك الله لا يزيد على هذا. ثم انصرف حتى إذا كان قريبا

جلس فأقعى و جعل يسمع طويلا حتى سمع التضاحك منها و من الصبيان و أنا أقول يا أمير المؤمنين قد فرغت من هذه و لك شغل في

غيرها و يقول لا تكلمني حتى إذا هدأ حسهم قام فتمطى و قال ويحك إني سمعت الجوع أسهرهم فأحببت ألا أبرح حتى أسمع الشبع

أنامهم. و من كلامه الرجال ثلاثة الكامل و دون الكامل و لا شيء فالكامل ذو الرأي يستشير الناس فيأخذ من آراء الرجال إلى رأيه و

دون الكامل من يستبد به و لا يستشير و لا شيء من لا رأى له و لا يستشير. و النساء ثلاث تعين أهلها على الدهر و لا تعين الدهر على

أهلها و قلما تجدها و امرأة وعاء للولد ليس فيها غيره و الثالثة غل قمل يجعله الله في رقبة من يشاء و يفكه إذا شاء. لما أخرج عمر

الحطيئة من حبسه قال له إياك و الشعر قال لا أقدر على تركه يا أمير المؤمنين مأكلة عيالي و نملة تدب على لساني قال فشبب بأهلك

و إياك

[12 : 50 ]

و كل مدحة مجحفه قال و ما المجحفة قال تقول إن بني فلان خير من بني فلان امدح و لا تفضل أحدا قال أنت و الله يا أمير المؤمنين

أشعر مني. و روى الزبير في الموفقيات عن عبد الله بن عباس قال خرجت أريد عمر بن الخطاب فلقيته راكبا حمارا و قد ارتسنه بحبل

أسود في رجليه نعلان مخصوفتان و عليه إزار و قميص صغير و قد انكشفت منه رجلاه إلى ركبتيه فمشيت إلى جانبه و جعلت أجذب

الإزار و أسويه عليه كلما سترت جانبا انكشف جانب فيضحك و يقول إنه لا يطيعك حتى جئنا العالية فصلينا ثم قدم بعض القوم إلينا

طعاما من خبز و لحم و إذا عمر صائم فجعل ينبذ إلي طيب اللحم و يقول كل لي و لك ثم دخلنا حائطا فألقى إلي رداءه و قال اكفنيه و

ألقى قميصه بين يديه و جلس يغسله و أنا أغسل رداءه ثم جففناهما و صلينا العصر فركب و مشيت إلى جانبه و لا ثالث لنا. فقلت يا

أمير المؤمنين إني في خطبة فأشر علي قال و من خطبت قلت فلانة ابنة فلان قال النسب كما تحب و كما قد علمت و لكن في أخلاق

أهلها دقة لا تعدمك أن تجدها في ولدك قلت فلا حاجة لي إذا فيها قال فلم لا تخطب إلى ابن عمك يعني عليا قلت أ لم تسبقني إليه قال

فالأخرى قلت هي لابن أخيه قال يا ابن عباس إن صاحبكم إن ولي هذا الأمر أخشى عجبه بنفسه أن يذهب به فليتني أراكم بعدي قلت يا

أمير المؤمنين إن صاحبنا ما قد علمت أنه ما غير و لا بدل و لا أسخط رسول الله ص أيام صحبته له.

[12 : 51 ]

قال فقطع علي الكلام فقال و لا في ابنة أبي جهل لما أراد أن يخطبها على فاطمة. قلت قال الله تعالى وَ لَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً و صاحبنا لم

يعزم على سخط رسول الله ص و لكن الخواطر التي لا يقدر أحد على دفعها عن نفسه و ربما كان من الفقيه في دين الله العالم العامل

بأمر الله. فقال يا ابن عباس من ظن أنه يرد بحوركم فيغوص فيها معكم حتى يبلغ قعرها فقد ظن عجزا أستغفر الله لي و لك خذ في

غيرها. ثم أنشأ يسألني عن شيء من أمور الفتيا و أجيبه فيقول أصبت أصاب الله بك أنت و الله أحق أن تتبع. أشرف عبد الملك على

أصحابه و هم يتذاكرون سيرة عمر فغاظه ذلك و قال إيها عن ذكر سيرة عمر فإنها مزراة على الولاة مفسدة للرعية. قال ابن عباس كنت

عند عمر فتنفس نفسا ظننت أن أضلاعه قد انفرجت فقلت ما أخرج هذا النفس منك يا أمير المؤمنين إلا هم شديد قال إي و الله يا ابن

عباس إني فكرت فلم أدر فيمن أجعل هذا الأمر بعدي ثم قال لعلك ترى صاحبك لها أهلا قلت و ما يمنعه من ذلك مع جهاده و سابقته و

قرابته و علمه قال صدقت و لكنه امرؤ فيه دعابة قلت فأين أنت عن طلحة قال ذو البأو و بإصبعه المقطوعة قلت فعبد الرحمن قال

رجل ضعيف لو صار الأمر إليه لوضع خاتمه في يد امرأته قلت فالزبير قال شكس لقس يلاطم في النقيع في صاع

[12 : 52 ]

من بر قلت فسعد بن أبي وقاص قال صاحب سلاح و مقنب قلت فعثمان قال أوه ثلاثا و الله لئن وليها ليحملن بني أبي معيط على رقاب

الناس ثم لتنهض العرب إليه. ثم قال يا ابن عباس إنه لا يصلح لهذا الأمر إلا خصيف العقدة قليل الغرة لا تأخذه في الله لومة لائم ثم

يكون شديدا من غير عنف لينا من غير ضعف سخيا من غير سرف ممسكا من غير وكف قال ابن عباس و كانت و الله هي صفات عمر. قال

ثم أقبل علي بعد أن سكت هنيهة و قال أجرؤهم و الله إن وليها أن يحملهم على كتاب ربهم و سنة نبيهم لصاحبك أما إن ولى أمرهم

حملهم على المحجة البيضاء و الصراط المستقيم. و روى عبد الله بن عمر قال كنت عند أبي يوما و عنده نفر من الناس فجرى ذكر

الشعر فقال من أشعر العرب فقالوا فلان و فلان فطلع عبد الله بن عباس فسلم و جلس فقال عمر قد جاءكم الخبير من أشعر الناس يا

عبد الله قال زهير بن أبي سلمى قال فأنشدني مما تستجيده له فقال يا أمير المؤمنين إنه مدح قوما من غطفان يقال لهم بنو سنان

فقال

لو كان يقعد فوق الشمس من كرم قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا

قوم أبوهم سنان حين تنسبهم طابوا و طاب من الأولاد ما ولدوا

أنس إذا أمنوا جن إذا فزعوا مرزءون بها ليل إذا جهدوا

السابق

التالي