السابق

التالي

[10 : 54 ]

جاهد نفسه و هواه كما صرح به ع و

قال لأصحابه رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر

فالجهاد الأصغر محاربة المشركين و الجهاد الأكبر جهاد النفس. و هذا الفصل في العزلة نقلناه على طوله من كلام أبي حامد الغزالي

في إحياء علوم الدين و هذبنا منه ما اقتضت الحال تهذيبه

[10 : 55 ]

178- و من كلام له ع في معنى الحكمين

فَأَجْمَعَ رَأْيُ مَلَئِكُمْ عَلَى أَنِ اخْتَارُوا رَجُلَيْنِ فَأَخَذْنَا عَلَيْهِمَا أَنْ يُجَعْجِعَا عِنْدَ الْقُرْآنِ وَ لَا يُجَاوِزَاهُ وَ تَكُونُ أَلْسِنَتُهُمَا مَعَهُ وَ قُلُوبُهُمَا تَبَعَهُ

فَتَاهَا عَنْهُ وَ تَرَكَا الْحَقَّ وَ هُمَا يُبْصِرَانِهِ وَ كَانَ الْجَوْرُ هَوَاهُمَا وَ الِاعْوِجَاجُ دَأْبَهُمَا وَ قَدْ سَبَقَ اسْتِثْنَاؤُنَا عَلَيْهِمَا فِي الْحُكْمِ بِالْعَدْلِ وَ الْعَمَلِ

بِالْحَقِّ سُوءَ رَأْيِهِمَا وَ جَوْرَ حُكْمِهِمَا وَ الثِّقَةُ فِي أَيْدِينَا لِأَنْفُسِنَا حِينَ خَالَفَا سَبِيلَ الْحَقِّ وَ أَتَيَا بِمَا لَا يُعْرَفُ مِنْ مَعْكُوسِ الْحُكْمِ

الملأ الجماعة و يجعجعا يحبسا نفوسهما و آراءهما عند القرآن جعجعت أي حبست أخذت عليهما العهد و الميثاق أن يعملا بما في

القرآن و لا يتجاوزاه. فتاها عنه أي عدلا و تركا الحق على علم منهما به. و الدأب العادة و سوء رأيهما منصوب لأنه مفعول سبق و

الفاعل استثناؤنا. ثم قال و الثقة في أيدينا أي نحن على برهان و ثقة من أمرنا و ليس بضائر لنا ما فعلاه لأنهما خالفا الحق و عدلا عن

الشرط و عكسا الحكم.

[10 : 56 ]

و روى الثوري عن أبي عبيدة قال أمر بلال بن أبي بردة و كان قاضيا بتفريق بين رجل و امرأته فقال الرجل يا آل أبي موسى إنما خلقكم

الله للتفريق بين المسلمين

كتاب معاوية إلى عمرو بن العاص و هو على مصر

كتب معاوية إلى عمرو بن العاص و هو على مصر قد قبضها بالشرط الذي اشترط على معاوية أما بعد فإن سؤال أهل الحجاز و زوار أهل

العراق كثروا علي و ليس عندي فضل عن أعطيات الحجاز فأعني بخراج مصر هذه السنة فكتب عمرو إليه

معاوي إن تدركك نفس شحيحة فما مصر إلا كالهباءة في الترب

و ما نلتها عفوا و لكن شرطتها و قد دارت الحرب العوان على قطب

و لو لا دفاعي الأشعري و رهطه لألفيتها ترغو كراغية السقب

ثم كتب في ظاهر الكتاب و رأيت أنا هذه الأبيات بخط أبي زكريا يحيى بن علي الخطيب التبريزي رحمه الله

معاوي حظي لا تغفل و عن سنن الحق لا تعدل

أ تنسى مخادعتي الأشعري و ما كان في دومة الجندل

ألين فيطمع في غرتي و سهمي قد خاض في المقتل

فألمظه عسلا باردا و أخبأ من تحته حنظلي

و أعليته المنبر المشمخر كرجع الحسام إلى المفصل

[10 : 57 ]

فأضحي لصاحبه خالعا كخلع النعال من الأرجل

و أثبتها فيك موروثة ثبوت الخواتم في الأنمل

وهبت لغيري وزن الجبال و أعطيتني زنة الخردل

و إن عليا غدا خصمنا سيحتج بالله و المرسل

و ما دم عثمان منج لنا فليس عن الحق من مزحل

فلما بلغ الجواب إلى معاوية لم يعاوده في شيء من أمر مصر بعدها. بعث عبد الملك روح بن زنباع و بلال بن أبي بردة بن أبي موسى

إلى زفر بن الحارث الكلابي بكلام و حذرهما من كيده و خص بالتحذير روحا فقال يا أمير المؤمنين إن أباه كان المخدوع يوم دومة

الجندل لا أبي فعلام تخوفني الخداع و الكيد فغضب بلال و ضحك عبد الملك

[10 : 58 ]

179- و من خطبة له ع

لَا يَشْغَلُهُ شَأْنٌ وَ لَا يُغَيِّرُهُ زَمَانٌ وَ لَا يَحْوِيهِ مَكَانٌ وَ لَا يَصِفُهُ لِسَانٌ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ عَدَدُ قَطْرِ الْمَاءِ وَ لَا نُجُومِ السَّمَاءِ وَ لَا سَوَافِي الرِّيحِ فِي

الْهَوَاءِ وَ لَا دَبِيبُ النَّمْلِ عَلَى الصَّفَا وَ لَا مَقِيلُ الذَّرِّ فِي اللَّيْلَةِ الظَّلْمَاءِ يَعْلَمُ مَسَاقِطَ الْأَوْرَاقِ وَ خَفِيِّ طَرْفِ الْأَحْدَاقِ وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا

اللَّهُ غَيْرَ مَعْدُول بِهِ وَ لَا مَشْكُوك فِيهِ وَ لَا مَكْفُور دِينُهُ وَ لَا مَجْحُود تَكْوِينُهُ شَهَادَةَ مَنْ صَدَقَتْ نِيَّتُهُ وَ صَفَتْ دِخْلَتُهُ وَ خَلَصَ يَقِينُهُ وَ ثَقُلَتْ

مَوَازِينُهُ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ الَمْجُتْبَىَ مِنْ خَلَائِقِهِ وَ الْمُعْتَامُ لِشَرْحِ حَقَائِقِهِ وَ الْمُخْتَصُّ بِعَقَائِلِ كَرَامَاتِهِ وَ الْمُصْطَفَى لِكَرَائِمِ

رِسَالَاتِهِ وَ الْمُوَضَّحَةُ بِهِ أَشْرَاطُ الْهُدَى وَ الْمَجْلُوُّ بِهِ غِرْبِيبُ الْعَمَى

لا يشغله أمر لأن الحي الذي تشغله الأشياء هو الحي العالم بالبعض دون البعض و القادر على البعض دون البعض فأما من لا يغيب عنه

شيء أصلا و لا يعجز عن شيء أصلا و لا يمنعه من إيجاد مقدوره إذا أراد مانع أصلا فكيف يشغله شأن. و كذلك لا يغيره زمان لأنه

واجب الوجود و لا يحويه مكان لأنه ليس بجسم

[10 : 59 ]

و لا يصفه لسان لأن كنه ذاته غير معلوم و إنما المعلوم منه إضافات أو سلوب. و لا يعزب عنه أمر من الأمور أي لا يفوته علم شيء

أصلا. و السوافي التي تسفي التراب أي تذروه. و الصفا مقصور الصخر الأملس و لا وقف عليها هاهنا لأن المقصور لا يكون في مقابلة

الممدود و إنما الفقرة المقابلة للهواء هي الظلماء و يكون الصفا في أدراج الكلام أسوة بكلمة من الكلمات و الذر صغار النمل. و

يعلم مساقط الأوراق من قوله تعالى وَ ما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَة إِلّا يَعْلَمُها. و طرف الأحداق مصدر طرف البصر يطرف طرفا إذا انطبق أحد

الجفنين على الآخر و لكونه مصدرا وقع على الجماعة كما وقع على الواحد فقال ع طرف الأحداق كما قال سبحانه لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ

طَرْفُهُمْ. و غير معدول به غير مسوى بينه و بين أحد. و الدخلة بكسر الدال باطن الأمر و يجوز الدخلة بالضم. و المعتام المختار و

العيمة بالكسر خيار المال اعتام الرجل إذا أخذ العيمة. فإن قلت لفظة معتام و مختار تصلح للفاعل و المفعول فما ذا يفصل بينهما.

قلت بما يقترن باللفظ من الكلام قبله و بعده. فإن قلت فهل يختلفان في التقدير في صناعة النحو و إن اتفقا في اللفظ. قلت نعم فإن

عين الكلمة ياء مفتوح ما قبلها فإن أردت الفاعل فهي مكسورة و تقديره مختير مثل مخترع و إن كان مفعولا فهي مفتوحة

[10 : 60 ]

و تقديره مختير مثل مخترع و على كلا التقديرين لا بد من انقلاب الياء ألفا و اللفظ واحد و لكن يقدر على الألف كسرة للفاعل و فتحة

للمفعول و كذلك القول في معتام و مضطر و نحوهما. و حكي أن بعض المتكلمين من المجبرة قال أسمي العبد مضطرا إلى الفعل إذا

فعله و لا أسمي الله تعالى مضطرا إليه. قيل فكيف تقول قال مضطر بكسر الطاء فضحك أهل المجلس منه. و العقائل جمع عقيلة و

هي كريمة كل شيء من الناس و الإبل و غير ذلك و يقال للذرة عقيلة البحر. و أشراط الهدى علاماته و منه أشراط الساعة قال تعالى

فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها. و الغربيب الأسود الشديد السواد و يجلى به غربيب العمى تكشف به ظلم الضلال و تستنير بهدايته و قوله

تعالى وَ غَرابِيبُ سُودٌ ليس على أن الصفة قد تقدمت على الموصوف بل يجعل السود بدلا من الغرابيب. فإن قلت الهاء في حقائقه إلى

ما ذا ترجع. قلت إلى البارئ سبحانه و حقائقه حقائق توحيده و عدله فالمضاف محذوف و معنى حقائق توحيده الأمور المحققة اليقينية

التي لا تعتريها الشكوك و لا تتخالجها الشبه و هي أدلة أصحابنا المعتزلة التي استنبطوها بعقولهم بعد أن دلهم إليها و نبههم على

طرق استنباطها رسول الله ص بواسطة أمير المؤمنين ع لأنه إمام المتكلمين الذي لم يعرف علم الكلام من أحد قبله

[10 : 61 ]

أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ الدُّنْيَا تَغُرُّ الْمُؤَمِّلَ لَهَا وَ الْمُخْلِدَ إِلَيْهَا وَ لَا تَنْفَسُ بِمَنْ نَافَسَ فِيهَا وَ تَغْلِبُ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهَا وَ ايْمُ اللَّهِ مَا كَانَ قَوْمٌ قَطُّ فِي

غَضِّ نِعْمَة مِنْ عَيْش فَزَالَ عَنْهُمْ إِلَّا بِذُنُوب اجْتَرَحُوهَا لِأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّام لِلْعَبِيدِ وَ لَوْ أَنَّ النَّاسَ حِينَ تَنْزِلُ بِهِمُ النِّقَمُ وَ تَزُولَ عَنْهُمُ

النِّعَمُ فَزِعُوا إِلَى رَبِّهِمْ بِصِدْق مِنْ نِيَّاتِهِمْ وَ وَلَه مِنْ قُلُوبِهِمْ لَرَدَّ عَلَيْهِمْ كُلَّ شَارِد وَ أَصْلَحَ لَهُمْ كُلَّ فَاسِد وَ إِنِّي لَأَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تَكُونُوا

فِي فَتْرَة وَ قَدْ كَانَتْ أُمُورٌ مَضَتْ مِلْتُمْ فِيهَا مَيْلَةً كُنْتُمْ فِيهَا عِنْدِي غَيْرَ مَحْمُودِينَ وَ لَئِنْ رُدَّ عَلَيْكُمْ أَمْرُكُمْ إِنَّكُمْ لَسُعَدَاءُ وَ مَا عَلَيَّ إِلَّا الْجُهْدُ وَ

لَوْ أَشَاءُ أَنْ أَقُولَ لَقُلْتُ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ

المخلد المائل إليها قال تعالى وَ لكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ. و لا تنفس بمن نافس فيها لا تضن به أي من نافس في الدنيا فإن الدنيا تهينه

و لا تضن به كما يضن بالعلق النفيس. ثم قال و تغلب من غلب عليها أي من غلب على الدنيا مقاهرة فسوف تغلبه الدنيا و تهلكه. ثم

أقسم أنه ما كان قوم في غض نعمة أي في نعمة غضة أي طرية ناضرة فزالت عنهم

[10 : 62 ]

إلا بذنوب اجترحوها أي اكتسبوها و هذا يكاد يشعر بمذهب أهل التناسخ و من قال إن الألم لا يحسن أن يفعله الحكيم سبحانه و

تعالى بالحيوانات إلا مستحقا فأما مذهب أصحابنا فلا يتخرج هذا الكلام عليه لأنه يجوز عندهم أن تزول النعم عن الناس لضرب من

اللطف مضاف إلى عوض يعوضهم الله تعالى به في الآخرة فيجب أن يحمل هذا الكلام لا على عمومه بل على الأكثر و الأغلب. ثم قال

ع لو أن الناس عند حلول النقم بهم و زوال النعم عنهم يلتجئون إلى الله تعالى تائبين من ذنوبهم لرفع عنهم النقمة و أعاد إليهم

النعمة. و الوله كالتحير يحدث عند الخوف أو الوجد و الشارد الذاهب. قوله و إني لأخشى عليكم أن تكونوا في فترة أي في أمر

جاهلية لغلبة الضلال و الجهل على الأكثرين منهم. و هذه خطبة خطب بها ع بعد قتل عثمان في أول خلافته ع و قد تقدم ذكر بعضها و

الأمور التي مالوا فيها عليه اختيارهم عثمان و عدولهم عنه يوم الشورى. و قال لئن رد عليكم أمركم أي أحوالكم التي كانت أيام

رسول الله ص من صلاح القلوب و النيات إنكم سعداء. و الجهد بالضم الطاقة. ثم قال لو أشاء أن أقول لقلت أي لو شئت لذكرت

سبب التحامل علي و تأخري عن غيري و لكني لا أشاء ذلك و لا أستصلح ذكره.

[10 : 63 ]

ثم قال عفا الله عما سلف لفظ مأخوذ من الكتاب العزيز عَفَا اللّهُ عَمّا سَلَفَ وَ مَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَ اللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقام. و هذا

الكلام يدل على مذهب أصحابنا في أن ما جرى من عبد الرحمن و غيره في يوم الشورى و إن كان لم يقع على الوجه الأفضل فإنه معفو

عنه مغفور لفاعله لأنه لو كان فسقا غير مغفور لم يقل أمير المؤمنين ع عفا الله عما سلف

[10 : 64 ]

180- و من كلام له ع

وَ قَدْ سَأَلَهُ ذِعْلِبُ الْيَمَانِيُّ فَقَالَ هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ ع أَ فَأَعْبُدُ مَا لَا أَرَى فَقَالَ وَ كَيْفَ تَرَاهُ قَالَ لَا تُدْرِكُهُ الْعُيُونُ

بِمُشَاهَدَةِ الْعِيَانِ وَ لَكِنْ تُدْرِكُهُ الْقُلُوبُ بِحَقَائِقِ الْإِيمَانِ قَرِيبٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ غَيْرَ مُلَامِس بَعِيدٌ مِنْهَا غَيْرَ مُبَايِن مُتَكَلِّمٌ بِلَا رَوِيَّة مَرِيدٌ لَا بِهِمَّة

صَانِعٌ لَا بِجَارِحَة لَطِيفٌ لَا يُوصَفُ بِالْخَفَاءِ كَبِيرٌ لَا يُوصَفُ بِالْجَفَاءِ بَصِيرٌ لَا يُوصَفُ بِالْحَاسَّةِ رَحِيمٌ لَا يُوصَفُ بِالرِّقَّةِ تَعْنُو الْوُجُوهُ

لِعَظَمَتِهِ وَ تَجِبُ الْقُلُوبُ مِنْ مَخَافَتِهِ

الذعلب في الأصل الناقة السريعة و كذلك الذعلبة ثم نقل فسمي به إنسان و صار علما كما نقلوا بكرا عن فتى الإبل إلى بكر بن

وائل. و اليماني مخفف الياء و لا يجوز تشديدها جعلوا الألف عوضا عن الياء الثانية و كذلك فعلوا في الشامي و الأصل يمني و

شامي. و قوله ع أ فأعبد ما لا أرى مقام رفيع جدا لا يصلح أن يقوله غيره ع.

[10 : 65 ]

ثم ذكر ماهية هذه الرؤية قال إنها رؤية البصيرة لا رؤية البصر. ثم شرح ذلك فقال إنه تعالى قريب من الأشياء غير ملامس لها لأنه

ليس بجسم و إنما قربه منها علمه بها كما قال تعالى ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَة إِلّا هُوَ رابِعُهُمْ. قوله بعيد منها غير مباين لأنه أيضا

ليس بجسم فلا يطلق عليه البينونة و بعده منها هو عبارة عن انتفاء اجتماعه معها و ذلك كما يصدق على البعيد بالوضع يصدق أفضل

الصدق على البعيد بالذات الذي لا يصح الوضع و الأين أصلا عليه. قوله متكلم بلا روية الروية الفكرة يرتئي الإنسان بها ليصدر عنه

ألفاظ سديدة دالة على مقصده و البارئ تعالى متكلم لا بهذا الاعتبار بل لأنه إذا أراد تعريف خلقه من جهة الحروف و الأصوات و كان

في ذلك مصلحة و لطف لهم خلق الأصوات و الحروف في جسم جمادي فيسمعها من يسمعها و يكون ذلك كلامه لأن المتكلم في اللغة

العربية فاعل الكلام لا من حله الكلام و قد شرحنا هذا في كتبنا الكلامية. قوله مريد بلا همة أي بلا عزم فالعزم عبارة عن إرادة متقدمة

للفعل تفعل توطينا للنفس على الفعل و تمهيدا للإرادة المقارنة له و إنما يصح ذلك على الجسم الذي يتردد فيها تدعوه إليه الدواعي

فأما العالم لذاته فلا يصح ذلك فيه. قوله صانع لا بجارحة أي لا بعضو لأنه ليس بجسم. قوله لطيف لا يوصف بالخفاء لأن العرب إذا

قالوا لشيء إنه لطيف أرادوا أنه صغير الحجم و البارئ تعالى لطيف لا بهذا الاعتبار بل يطلق باعتبارين

[10 : 66 ]

أحدهما أنه لا يرى لعدم صحة رؤية ذاته فلما شابه اللطيف من الأجسام في استحالة رؤيته أطلق عليه لفظ اللطيف إطلاقا للفظ

السبب على المسبب. و ثانيهما أنه لطيف بعباده كما قال في الكتاب العزيز أي يفعل الألطاف المقربة لهم من الطاعة المبعدة لهم

من القبيح أو لطيف بهم بمعنى أنه يرحمهم و يرفق بهم. قوله كبير لا يوصف بالجفاء لما كان لفظ كبير إذا استعمل في الجسم أفاد

تباعد أقطاره ثم لما وصف البارئ بأنه كبير أراد أن ينزهه عما يدل لفظ كبير عليه إذا استعمل في الأجسام و المراد من وصفه تعالى

بأنه كبير عظمة شأنه و جلالة سلطانه. قوله بصير لا يوصف بالحاسة لأنه تعالى يدرك إما لأنه حي لذاته أو أن يكون إدراكه هو علمه

و لا جارحة له و لا حاسة على كل واحد من القولين. قوله رحيم لا يوصف بالرقة لأن لفظة الرحمة في صفاته تعالى تطلق مجازا على

إنعامه على عباده لأن الملك إذا رق على رعيته و عطف أصابهم بإنعامه و معروفه. قوله تعنو الوجوه أي تخضع قال تعالى وَ عَنَتِ

الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ. قوله و تجب القلوب أي تخفق و أصله من وجب الحائط سقط و يروى توجل القلوب أي تخاف وجل خاف. و

روي صانع لا بحاسة و روي لا تراه العيون بمشاهدة العيان عوضا عن لا تدركه

[10 : 67 ]

181- و من كلام له ع في ذم أصحابه

أَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى مَا قَضَى مِنْ أَمْر وَ قَدَّرَ مِنْ فِعْل وَ عَلَى ابْتِلَائِي بِكُمْ أَيَّتُهَا الْفِرْقَةُ الَّتِي إِذَا أَمَرْتُ لَمْ تُطِعْ وَ إِذَا دَعَوْتُ لَمْ تُجِبْ إِنْ أُهْمِلْتُمْ

خُضْتُمْ وَ إِنْ حُورِبْتُمْ خُرْتُمْ وَ إِنِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى إِمَام طَعَنْتُمْ وَ إِنْ أُجِئْتُمْ إِلَى مُشَاقَّة نَكَصْتُمْ. لَا أَبَا لِغَيْرِكُمْ مَا تَنْتَظِرُونَ بِنَصْرِكُمْ وَ

الْجِهَادِ عَلَى حَقِّكُمْ الْمَوْتَ أَوِ الذُّلَّ لَكُمْ فَوَاللَّهِ لَئِنْ جَاءَ يَومِي وَ لَيَأْتِيَنِّي لَيُفَرِّقَنَّ بَيْنِي وَ بَيْنِكُمْ وَ أَنَا لِصُحْبَتِكُمْ قَال وَ بِكُمْ غَيْرُ كَثِير لِلَّهِ

أَنْتُمْ أَ مَا دِينٌ يَجْمَعُكُمْ وَ لَا حَمِيَّةٌ تَشْحَذُكُمْ أَ وَ لَيْسَ عَجَباً أَنَّ مُعَاوِيَةَ يَدْعُو الْجُفَاةَ الطَّغَامَ فَيَتَّبِعُونَهُ عَلَى غَيْرِ مَعُونَة وَ لَا عَطَاء وَ أَنَا

أَدْعُوكُمْ وَ أَنْتُمْ تَرِيكَةُ الْإِسْلَامِ وَ بَقِيَّةُ النَّاسِ إِلَى الْمَعُونَةِ أَوْ طَائِفَة مِنَ الْعَطَاءِ فَتَتَفَرَّقُونَ عَنِّي وَ تَخْتَلِفُونَ عَلَيَّ إِنَّهُ لَا يَخْرُجُ إِلَيْكُمْ مِنْ

أَمْرِي رِضًا فَتَرْضَوْنَهُ وَ لَا سُخْطٌ فَتَجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ وَ إِنَّ أَحَبَّ مَا أَنَا لَاق إِلَيَّ الْمَوْتُ قَدْ دَارَسْتُكُمُ الْكِتَابَ وَ فَاتَحْتُكُمُ الْحِجَاجَ وَ عَرَّفْتُكُمْ مَا

أَنْكَرْتُمْ وَ سَوَّغْتُكُمْ مَا مَجَجْتُمْ لَوْ كَانَ الْأَعْمَى يَلْحَظُ أَوِ النَّائِمُ يَسْتَيْقِظُ

[10 : 68 ]

وَ أَقْرِبْ بِقَوْم مِنَ الْجَهْلِ بِاللَّهِ قَائِدُهُمْ مُعَاوِيَةُ وَ مُؤَدِّبُهُمُ ابْنُ النَّابِغَةِ

قضى و قدر في هذا الموضع واحد. و يروى على ما ابتلاني. و أهملتم خليتم و تركتم و يروى أمهلتم أي أخرتم. و خرتم ضعفتم و الخور

الضعف رجل خوار و رمح خوار و أرض خوارة و الجمع خور و يجوز أن يكون خرتم أي صحتم كما يخور الثور و منه قوله تعالى عِجْلًا

جَسَداً لَهُ خُوارٌ و يروى جرتم أي عدلتم عن الحرب فرارا. و أجئتم ألجئتم قال تعالى فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ. و المشاقة

المقاطعة و المصارمة. و نكصتم أحجمتم قال تعالى فَلَمّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ أي رجع محجما أي دعيتم إلى كشف

القناع مع العدو و جبنتم و هبتموه. قوله لا أبا لغيركم الأفصح لا أب بحذف الألف كما قال الشاعر

أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم

و أما قولهم لا أبا لك بإثباته فدون الأول في الفصاحة كأنهم قصدوا الإضافة و أقحموا اللام مزيدة مؤكدة كما قالوا يا تيم تيم عدي و

هو غريب لأن حكم

[10 : 69 ]

لا أن تعمل في النكرة فقط و حكم الألف أن تثبت مع الإضافة و الإضافة تعرف فاجتمع فيها حكمان متنافيان فصار من الشواذ

كالملامح و المذاكير و لدن غدوة. و قال الشيخ أبو البقاء رحمه الله يجوز فيها وجهان آخران. أحدهما أنه أشبع فتحة الباء فنشأت

الألف و الاسم باق على تنكيره و الثاني أن يكون استعمل أبا على لغة من قالها أبا في جميع أحوالها مثل عصا و منه

إن أباها و أبا أباها

قوله الموت أو الذل لكم دعاء عليهم بأن يصيبهم أحد الأمرين كأنه شرع داعيا عليهم بالفناء الكلي و هو الموت ثم استدرك فقال أو

الذل لأنه نظير الموت في المعنى و لكنه في الصورة دونه و لقد أجيب دعاؤه ع بالدعوة الثانية فإن شيعته ذلوا بعد في الأيام

الأموية حتى كانوا كفقع قرقر. ثم أقسم أنه إذا جاء يومه لتكونن مفارقته لهم عن قلى و هو البغض و أدخل حشوة بين أثناء الكلام و

هي ليأتيني و هي حشوة لطيفة لأن لفظة إن أكثر ما تستعمل لما لا يعلم حصوله و لفظة إذا لما يعلم أو يغلب على الظن حصوله تقول

إذا طلعت الشمس جئت إليك و لا تقول إن طلعت الشمس جئت إليك و تقول إذا احمر البسر جئتك و لا تقول إن احمر البسر جئتك

فلما قال لئن جاء يومي أتى بلفظة دالة على أن الموضع موضع إذا لا موضع إن فقال و ليأتيني.

[10 : 70 ]

و الواو في قوله و أنا لصحبتكم واو الحال و كذلك الواو في قوله و بكم غير كثير و قوله غير كثير لفظ فصيح و قال الشاعر

لي خمسون صديقا بين قاض و أمير

لبسوا الوفر فلم أخلع بهم ثوب النفير

لكثير هم و لكني بهم غير كثير

قوله لله أنتم لله في موضع رفع لأنه خبر عن المبتدإ الذي هو أنتم و مثله لله در فلان و لله بلاد فلان و لله أبوك و اللام هاهنا فيها

معنى التعجب و المراد بقوله لله أنتم لله سعيكم أو لله عملكم كما قالوا لله درك أي عملك فحذف المضاف و أقيم الضمير المنفصل

المضاف إليه مقامه. فإن قلت أ فجاءت هذه اللام بمعنى التعجب في غير لفظ لله قلت لا كما أن تاء القسم لم تأت إلا في اسم الله

تعالى. قوله ع أ ما دين يجمعكم ارتفاع دين على أنه فاعل فعل مقدر له أي أ ما يجمعكم دين يجمعكم اللفظ الثاني مفسر للأول كما

قدرناه بعد إذا في قوله سبحانه إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ و يجوز أن يكون حمية مبتدأ و الخبر محذوف تقديره أ ما لكم حمية و الحمية

الأنفة. و شحذت النصل أحددته. فإن قلت كيف قال إن معاوية لم يكن يعطي جنده و إنه هو ع كان يعطيهم و المشهور أن معاوية كان

يمد أصحابه بالأموال و الرغائب قلت إن معاوية لم يكن يعطي جنده على وجه المعونة و العطاء و إنما كان يعطي رؤساء القبائل من

اليمن و ساكني الشام الأموال الجليلة يستعبدهم بها و يدعو أولئك

[10 : 71 ]

الرؤساء أتباعهم من العرب فيطيعونهم فمنهم من يطيعهم حمية و منهم من يطيعهم لأياد و عوارف من أولئك الرؤساء عندهم و منهم

من يطيعهم دينا زعموا للطلب بدم عثمان و لم يكن يصل إلى هؤلاء الأتباع من أموال معاوية قليل و لا كثير. و أما أمير المؤمنين ع

فإنه كان يقسم بين الرؤساء و الأتباع على وجه العطاء و الرزق و لا يرى لشريف على مشروف فضلا فكان من يقعد عنه بهذا الطريق

أكثر ممن ينصره و يقوم بأمره و ذلك لأن الرؤساء من أصحابه كانوا يجدون في أنفسهم من ذلك أعني المساواة بينهم و بين الأتباع

فيخذلونه ع باطنا و إن أظهروا له النصر و إذا أحس أتباعهم بتخاذلهم و تواكلهم تخاذلوا أيضا و تواكلوا أيضا و لم يجد عليه ص ما

أعطى الأتباع من الرزق لأن انتصار الأتباع له و قتالهم دونه لا يتصور وقوعه و الرؤساء متخاذلون فكان يذهب ما يرزقهم ضياعا. فإن

قلت فأي فرق بين المعونة و العطاء. قلت المعونة إلى الجند شيء يسير من المال برسم ترميم أسلحتهم و إصلاح دوابهم و يكون

ذلك خارجا عن العطاء المفروض شهرا فشهرا و العطاء المفروض شهرا فشهرا يكون شيئا له مقدار يصرف في أثمان الأقوات و مئونة

العيال و قضاء الديون. و التريكة بيضة النعام تتركها في مجثمها يقول أنتم خلف الإسلام و بقيته كالبيضة التي تتركها النعامة. فإن

قلت ما معنى قوله لا يخرج إليكم من أمري رضا فترضونه و لا سخط فتجتمعون عليه قلت معناه أنكم لا تقبلون مما أقول لكم شيئا

سواء كان مما يرضيكم أو مما يسخطكم بل لا بد لكم من المخالفة و الافتراق عنه

[10 : 72 ]

ثم ذكر أن أحب الأشياء إليه أن يلقى الموت و هذه الحال التي ذكرها أبو الطيب فقال

كفى بك داء أن ترى الموت شافيا و حسب المنايا أن تكن أمانيا

تمنيتها لما تمنيت أن ترى صديقا فأعيا أو عدوا مداجيا

قوله قد دارستكم الكتاب أي درسته عليكم دارست الكتب و تدارستها و أدرستها و درستها بمعنى و هي من الألفاظ القرآنية. و فاتحتكم

الحجاج أي حاكمتكم بالمحاجة و المجادلة و قوله تعالى رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا أي احكم و الفتاح الحاكم. و عرفتكم ما أنكرتم بصرتكم

ما عمي عنكم. و سوغتكم ما مججتم يقال مججت الشراب من فمي أي رميت به و شيخ ماج يمج ريقه و لا يستطيع حبسه من كبره و

أحمق ماج أي يسيل لعابه يقول ما كانت عقولكم و أذهانكم تنفر عنه من الأمور الدينية أوضحته لكم حتى عرفتموه و اعتقدتموه و

انطوت قلوبكم عليه و لم يجزم ع بحصول ذلك لهم لأنه قال لو كان الأعمى يلحظ و النائم يستيقظ أي إني قد فعلت معكم ما يقتضي

حصول الاعتقادات الحقيقية في أذهانكم لو أزلتم عن قلوبكم ما يمنع من حصولها لكم و المانع المشار إليه هو الهوى و العصبية و

الإصرار على اللجاج و محبة نصرة عقيدة قد سبقت إلى القلب و زرعها التعصب

[10 : 73 ]

و مشقة مفارقة الأسلاف الذين قد انغرس في النفس تعظيمهم و مالت القلوب إلى تقليدهم لحسن الظن بهم. ثم قال أقرب بقوم أي ما

أقربهم من الجهل كما قال تعالى أَسْمِعْ بِهِمْ وَ أَبْصِرْ أي ما أسمعهم و أبصرهم. فإن قلت قد كان يجب أن يقول و أقرب بقوم قائدهم

معاوية و مؤدبهم ابن النابغة من الجهل فلا يحول بين النكرة الموصوفة و صفتها بفاصل غريب و لم يقل ذلك بل فصل بين الصفة و

الموصوف بأجنبي منهما. قلت قد جاء كثير من ذلك نحو قوله تعالى وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا

عَلَى النِّفاقِ في قول من لم يجعل مردوا صفة أقيمت مقام الموصوف لأنه يجعل مردوا صفة القوم المحذوفين المقدرين بعد الأعراب

و قد حال بين ذلك و بين مردوا قوله وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. و نحوه قوله أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً. فإن قيما

حال من الكتاب و قد توسط بين الحال و ذي الحال وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً و الحال كالصفة و لأنهم قد أجازوا مررت برجل أيها الناس

طويل و النداء أجنبي على أنا لا نسلم أن قوله من الجهل أجنبي لأنه متعلق بأقرب و الأجنبي ما لا تعلق له بالكلام

[10 : 74 ]

182- و من كلام له ع

وَ قَدْ أَرْسَلَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ يَعْلَمُ لَهُ عِلْمَ أَحْوَالِ قَوْم مِنْ جُنْدِ الْكُوفَةِ قَدْ هَمُّوا بِاللِّحَاقِ بِالْخَوَارِجِ وَ كَانُوا عَلَى خَوْف مِنْهُ ع فَلَمَّا عَادَ

إِلَيْهِ الرَّجُلُ قَالَ لَهُ أَ أَمِنُوا فَقَطَنُوا أَمْ جَبَنُوا فَظَعَنُوا فَقَالَ الرَّجُلُ بَلْ ظَعَنُوا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ ع بُعْداً لَهُمْ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ أَمَا لَوْ

أُشْرِعَتِ الْأَسِنَّةُ إِلَيْهِمْ وَ صُبَّتِ السُّيُوفُ عَلَى هَامَاتِهِمْ لَقَدْ نَدِمُوا عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ الْيَوْمَ قَدِ اسْتَفَلَّهُمْ وَ هُوَ غَداً مُتَبَرِّئٌ مِنْهُمْ وَ

مُتَخَلّ عَنْهُمْ فَحَسْبُهُمْ مِنَ الْهُدَى وَ ارْتِكَاسِهِمْ فِي الضَّلَالِ وَ الْعَمَى وَ صَدِّهِمْ عَنِ الْحَقِّ وَ جِمَاحِهِمْ فِي التِّيهِ

قد ذكرنا قصة هؤلاء القوم فيما تقدم عند شرحنا قصة مصقلة بن هبيرة الشيباني و قطن الرجل بالمكان يقطن بالضم أقام به و توطنه

فهو قاطن و الجمع قطان و قاطنة و قطين أيضا مثل غاز و غزي و عازب للكلأ البعيد و عزيب. و ظعن صار الرجل ظعنا و ظعنا و قرئ

بهما يَوْمَ ظَعْنِكُمْ و أظعنه سيره و انتصب بعدا على المصدر.

[10 : 75 ]

و ثمود إذا أردت القبيلة غير مصروف و إذا أردت الحي أو اسم الأب مصروف و يقال إنه ثمود بن عابر بن آدم بن سام بن نوح قيل

سميت ثمود لقلة مائها من الثمد و هو الماء القليل و كانت مساكنهم الحجر بين الحجاز و الشام إلى وادي القرى. و أشرعت الرمح

إلى زيد أي سددته نحوه و شرع الرمح نفسه و صبت السيوف على هاماتهم استعارة من صببت الماء شبه وقع السيوف و سرعة

اعتوارها الرءوس بصب الماء. و استفلهم الشيطان وجدهم مفلولين فاستزلهم هكذا فسروه. و يمكن عندي أن يريد أنه وجدهم فلا لا

خير فيهم و الفل في الأصل الأرض لا نبات بها لأنها لم تمطر قال حسان يصف العزى

و إن التي بالجذع من بطن نخلة و من دانها فل من الخير معزل

أي خال من الخير. و يروى استفزهم أي استخفهم. و الارتكاس في الضلال الرجوع كأنه جعلهم في ترددهم في طبقات الضلال

كالمرتكس الراجع إلى أمر قد كان تخلص منه. و الجماح في التيه الغلو و الإفراط مستعار من جماح الفرس و هو أن يعتز صاحبه و

يغلبه جمح فهو جموح

[10 : 76 ]

183- و من خطبة له ع

رُوِيَ عَنْ نَوْف الْبَكَالِيِّ قَالَ خَطَبَنَا بِهَذِهِ الْخُطْبَةِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ ع بِالْكُوفَةِ وَ هُوَ قَائِمٌ عَلَى حِجَارَة نَصَبَهَا لَهُ جَعْدَةُ بْنُ هُبَيْرَةَ

الْمَخْزُومِيُّ وَ عَلَيْهِ مِدْرَعَةٌ مِنْ صُوف وَ حَمَائِلُ سَيْفِهِ لِيفٌ وَ فِي رِجْلَيْهِ نَعْلَانِ مِنْ لِيف وَ كَأَنَّ جَبِينَهُ ثَفِنَةُ بَعِير فَقَالَ ع الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي إِلَيْهِ

مَصَائِرُ الْخَلْقِ وَ عَوَاقِبُ الْأَمْرِ نَحْمَدُهُ عَلَى عَظِيمِ إِحْسَانِهِ وَ نَيِّرِ بُرْهَانِهِ وَ نَوَامِي فَضْلِهِ وَ امْتِنَانِهِ حَمْداً يَكُونُ لِحَقِّهِ قَضَاءً وَ لِشُكْرِهِ أَدَاءً وَ

إِلَى ثَوَابِهِ مُقَرِّباً وَ لِحُسْنِ مَزِيدِهِ مُوجِباً وَ نَسْتَعِينُ بِهِ اسْتِعَانَةً رَاج لِفَضْلِهِ مُؤَمِّل لِنَفْعِهِ وَاثِق بِدَفْعِهِ مُعْتَرِف لَهُ بِالطَّوْلِ مُذْعِن لَهُ بِالْعَمَلِ وَ

الْقَوْلِ وَ نُؤْمِنُ بِهِ إِيمَانَ مَنْ رَجَاهُ مُوقِناً وَ أَنَابَ إِلَيْهِ مُؤْمِناً وَ خَنَعَ لَهُ مُذْعِناً وَ أَخْلَصَ لَهُ مُوَحِّداً وَ عَظَّمَهُ مُمَجِّداً وَ لَاذَ بِهِ رَاغِباً مُجْتَهِداً

نوف البكالي

قال الجوهري في الصحاح نوف البكالي بفتح الباء كان حاجب علي ع ثم قال و قال ثعلب هو منسوب إلى بكالة قبيلة.

[10 : 77 ]

و قال القطب الراوندي في شرح نهج البلاغة بكال و بكيل شيء واحد و هو اسم حي من همدان و بكيل أكثر قال الكميت

فقد شركت فيه بكيل و أرحب

و الصواب غير ما قالاه و إنما بنو بكال بكسر الباء حي من حمير منهم هذا الشخص هو نوف بن فضالة صاحب علي ع و الرواية

الصحيحة الكسر لأن نوف بن فضالة بكالي بالكسر من حمير و قد ذكر ابن الكلبي نسب بني بكال الحميريين فقال هو بكال بن دعمي

بن غوث بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سهل بن عمرو بن قيس بن معاوية بن جشم بن عبد شمس بن وائل بن الغوث بن

قطن بن عريب بن زهير بن أيمن بن الهميسع بن حمير

نسب جعدة بن هبيرة

و أما جعدة بن هبيرة فهو ابن أخت أمير المؤمنين ع أمه أم هانئ بنت أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم و أبوه هبيرة بن أبي وهب بن

عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب و كان جعدة فارسا شجاعا فقيها و ولي خراسان لأمير

المؤمنين ع و هو من الصحابة الذين أدركوا رسول الله ص يوم الفتح مع أمه أم هانئ بنت أبي طالب و هرب أبو هبيرة بن أبي وهب

ذلك اليوم هو و عبد الله بن الزبعرى إلى نجران.

[10 : 78 ]

و روى أهل الحديث أن أم هانئ كانت يوم الفتح في بيتها فدخل عليها هبيرة بن أبي وهب بعلها و رجل من بني عمه هاربين من علي ع

و هو يتبعهما و بيده السيف فقامت أم هانئ في وجهه دونهما و قالت ما تريده منهما و لم تكن رأته من ثماني سنين فدفع في صدرها

فلم تزل عن موضعها و قالت أ تدخل يا علي بيتي و تهتك حرمتي و تقتل بعلي و لا تستحيي مني بعد ثماني سنين فقال إن رسول الله ص

أهدر دمهما فلا بد أن أقتلهما فقبضت على يده التي فيها السيف فدخلا بيتا ثم خرجا منه إلى غيره ففاتاه

و جاءت أم هانئ إلى رسول الله ص فوجدته يغتسل من جفنة فيها أثر العجين و فاطمة ابنته تستره بثوبها فوقفت حتى أخذ ثوبه

فتوشح به ثم صلى ثماني ركعات من الضحى ثم انصرف فقال مرحبا و أهلا بأم هانئ ما جاء بك فأخبرته خبر بعلها و ابن عمه و دخول

علي ع بيتها بالسيف فجاء علي ع و رسول الله ص يضحك فقال له ما صنعت بأم هانئ فقال سلها يا رسول الله ما صنعت بي و الذي

بعثك بالحق لقد قبضت على يدي و فيها السيف فما استطعت أن أخلصها إلا بعد لأي و فاتني الرجلان فقال ص لو ولد أبو طالب الناس

كلهم لكانوا شجعانا قد أجرنا من أجارت أم هانئ و أمنا من أمنت فلا سبيل لك عليهما

فأما هبيرة فلم يرجع و أما الرجل الآخر فرجع فلم يعرض له. قالوا و أقام هبيرة بن أبي وهب بنجران حتى مات بها كافرا و روى له

محمد بن إسحاق في كتاب المغازي شعرا أوله

أ شاقتك هند أم أتاك سؤالها كذاك النوى أسبابها و انفتالها

يذكر فيه أم هانئ و إسلامها و أنه مهاجر لها إذ صبت إلى الإسلام و من جملته

[10 : 79 ]

فإن كنت قد تابعت دين محمد و قطعت الأرحام منك حبالها

فكوني على أعلى سحوق بهضبة ململمة غبراء يبس قلالها

و قال ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب ولدت أم هانئ لهبيرة بن أبي وهب بنين أربعة جعدة و عمرا و هانئا و يوسف و قال و جعدة

الذي يقول

أبي من بني مخزوم إن كنت سائلا و من هاشم أمي لخير قبيل

فمن ذا الذي ينأى علي بخاله كخالي علي ذي الندى و عقيل

المدرعة الجبة و تدرع لبسها و ربما قالوا تمدرع. و ثفنة البعير واحدة ثفناته و هو ما يقع على الأرض من أعضائه إذا استناخ فيغلظ و

يكثف كالركبتين و غيرهما و يقال ذو الثفنات الثلاثة لعلي بن الحسين و علي بن عبد الله بن العباس ع و لعبد الله بن وهب الراسبي

رئيس الخوارج لأن طول السجود كان قد أثر في ثفناتهم قال دعبل

[10 : 80 ]

ديار علي و الحسين و جعفر و حمزة و السجاد ذي الثفنات

و مصائر الأمور جمع مصير و هو مصدر صار إلى كذا و معناه المرجع قال تعالى وَ إِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ فأما المصدر من صار الشيء كذا

فمصير و صيرورة و القياس في مصدر صار إليه أي رجع مصارا كمعاش و إنما جمع المصدر هاهنا لأن الخلائق يرجعون إلى الله تعالى

في أحوال مختلفة في الدنيا و في الدار الآخرة فجمع المصدر و إن كان يقع بلفظه على القليل و الكثير لاختلاف وجوهه كقوله تعالى

وَ تَظُنُّونَ بِاللّهِ الظُّنُونَا. و عواقب الأمر جمع عاقبة و هي آخر الشيء. ثم قسم الحمد فجعله على ثلاثة أقسام أحدها الحمد على

عظيم إحسانه و هو أصول نعمه تعالى كالحياة و القدرة و الشهوة و غيرها مما لا يدخل جنسه تحت مقدور القادر. و ثانيها الحمد على

نير برهانه و هو ما نصبه في العقول من العلوم البديهية المفضية إلى العلوم النظرية بتوحيده و عدله. و ثالثها الحمد على أرزاقه

النامية أي الزائدة و ما يجري مجراها من إطالة الأعمار و كثرة الأرزاق و سائر ضروب الإحسان الداخلة في هذا القسم. ثم بالغ في

الحمد حمدا يكون لحقه قضاء و لشكره أداء و ذلك لأن الحمد و الشكر و لو بلغ

[10 : 81 ]

أقصى غاياته لم يصل إلى أن يكون قاضيا لحق الله تعالى و لا مؤديا لشكره و لكنه قال ذلك على سبيل المبالغة. ثم قال و إلى ثوابه

مقربا و لحسن مزيده موجبا و ذلك لأن الشكر يوجب الثواب و المزيد قال الله تعالى فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ أي أثبكم و قال لَئِنْ

شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ. ثم شرع في الاستعانة بالله ففصلها أحسن تفصيل فذكر أنه يستعين به استعانة راج لفضله في الآخرة مؤمل

لنفعه في الدنيا واثق بدفعه المضار عنه و ذلك لأنه أراد أن يحتوي على وجوه ما يستعان به تعالى لأجله فذكر الأمور الإيجابية و

أعقبها بالأمور السلبية فالأولى جلب المنافع و الثانية دفع المضار. و الطول الإفضال و الإذعان الانقياد و الطاعة. و أناب إليه أقبل

و تاب و خنع خضع و المصدر الخنوع و لاذ به لجأ إليه

لَمْ يُولَدْ سُبْحَانَهُ فَيَكُونَ فِي الْعِزِّ مُشَارَكاً وَ لَمْ يَلِدْ فَيَكُونَ مَوْرُوثاً هَالِكاً وَ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ وَقْتٌ وَ لَا زَمَانٌ وَ لَمْ يَتَعَاوَرْهُ زِيَادَةٌ وَ لَا نُقْصَانٌ بَلْ

ظَهَرَ لِلْعُقُولِ بِمَا أَرَانَا مِنْ عَلَامَاتِ التَّدْبِيرِ الْمُتْقَنِ وَ الْقَضَاءِ الْمُبْرَمِ فَمِنْ شَوَاهِدِ خَلْقِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ مُوَطَّدَات بِلَا عَمَد قَائِمَات بِلَا سَنَد

دَعَاهُنَّ فَأَجَبْنَ طَائِعَات مُذْعِنَات غَيْرَ مُتَلَكِّئَات وَ لَا مُبْطِئَات وَ لَوْ لَا إِقْرَارُهُنَّ لَهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَ إِذْعَانُهُنَّ لَهُ بِالطَّوَاعِيَةِ لَمَا جَعَلَهُنَّ مَوْضِعاً

لِعَرْشِهِ

[10 : 82 ]

وَ لَا مَسْكَناً لِمَلَائِكَتِهِ وَ لَا مَصْعَداً لِلْكَلِمِ الطَّيِّبِ وَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ مِنْ خَلْقِهِ

نفى ع أن يكون البارئ سبحانه مولودا فيكون له شريك في العز و الإلهية و هو أبوه الذي ولده و إنما قال ذلك جريا على عادة ملوك

البشر فإن الأكثر أن الملك يكون ابن ملك قبله و نفى أن يكون له ولد جريا أيضا على عادة البشر في أن كل والد في الأكثر فإنه

يهلك قبل هلاك الولد و يرثه الولد و هذا النمط من الاحتجاج يسمى خطابة و هو نافع في مواجهة العرب به و أراد من الاحتجاج

إثبات العقيدة فتارة تثبت في نفوس العلماء بالبرهان و تارة تثبت في نفوس العوام بالخطابة و الجدل. ثم نفى أن يتقدمه وقت أو

زمان و الوقت هو الزمان و إنما خالف بين اللفظين و أتى بحرف العطف كقوله تعالى لِكُلّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً. و نفى أن

يتعاوره أي تختلف عليه زيادة أو نقصان يقال عاورت زيدا الضرب أي فعلت به من الضرب مثل ما فعل بي و اعتوروا الشيء أي تداولوه

فيما بينهم و كذلك تعوروه و تعاوروه و إنما ظهرت الواو في اعتوروا لأنه في معنى تعاوروا فبني عليه و لو لم يكن في معناه لاعتلت

كما قالوا اجتوروا لما كان في معنى تجاوروا التي لا بد من صحة الواو فيها لسكون الألف قبلها و اعتورت الرياح رسم الدار اختلفت

عليه. فإن قلت هذا يقتضي أن يقول و لم يتعاوره زيادة و نقصان لأن التعاور يستدعي الضدين معا و لا ينبغي أن يقول و لا نقصان كما

لا يجوز أن تقول لم يختلف زيد و لا عمرو

[10 : 83 ]

قلت لما كانت مراتب الزيادة مختلفة جاز أن يقال لا يعتوره الزيادة فكذلك القول في جانب النقصان و جرى كل واحد من النوعين

مجرى أشياء متنافية تختلف على الموضع الموصوف بها. قوله ع موطدات أي ممهدات مثبتات. و العمد جمع عماد نحو إهاب و أهب و

إدام و أدم و هو على خلاف القياس و منه قوله تعالى فِي عَمَد مُمَدَّدَة و قوله تعالى خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَد تَرَوْنَها و السند ما

يستند إليه. ثم قال دعاهن فأجبن طائعات هذا من باب المجاز و التوسع لأن الجماد لا يدعى و أما من قال إن السماوات أحياء ناطقة

فإنه لم يجعلهن مكلفات ليقال و لو لا إقرارهن له بالربوبية لما فعل كذا بل يقول ذلك على وجه آخر و لكن لغة العرب تنطق بمثل

هذا المجاز نحو قول الراجز

امتلأ الحوض و قال قطني مهلا رويدا قد ملأت بطني

و منه قوله تعالى ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ. و منه قول مكاتب لبني منقر التميميين كان قد ظلع بمكاتبته فأتى قبر

غالب بن صعصعة فاستجار به و أخذ منه حصيات فشدهن في عمامته ثم أتى الفرزدق فأخبره خبره و قال إني قد قلت شعرا قال هاته

فأنشده

[10 : 84 ]

بقبر ابن ليلى غالب عذت بعد ما خشيت الردى أو أن أرد على قسر

بقبر امرئ يقري المئين عظامه و لم يك إلا غالبا ميت يقري

فقال لي استقدم أمامك إنما فكاكك أن تلقى الفرزدق بالمصر

فقال ما اسمك فقال لهذم قال يا لهذم حكمك مسمطا قال ناقة كوماء سوداء الحدقة قال يا جارية اطرحي لنا حبلا ثم قال يا لهذم

اخرج بنا إلى المربد فألقه في عنق ما شئت من إبل الناس فتخير لهذم على عينه ناقة و رمى بالحبل في عنقها و جاء صاحبها فقال له

الفرزدق اغد علي أوفك ثمنها فجعل لهذم يقودها و الفرزدق يسوقها حتى أخرجها من البيوت إلى الصحراء فصاح به الفرزدق يا لهذم

قبح الله أخسرنا فخبر الشاعر عن القبر بقوله فقال لي استقدم أمامك و القبر و الميت الذي فيه لا يخبران و لكن العرب و أهل

الحكمة من العجم يجعلون كل دليل قولا و جوابا أ لا ترى إلى قول زهير

أ من أم أوفى دمنة لم تكلم

و إنما كلامها عنده أن تبين ما يرى من الآثار فيها عن قدم العهد بأهلها. و من كلام بعض الحكماء هلا وقفت على تلك الجنان و

الحيطان فقلت أيتها الجنان أين من شق أنهارك و غرس أشجارك و جنى ثمارك فإن لم تجبك حوارا أجابتك اعتبارا. و قال النعمان بن

المنذر و معه عدي بن زيد في ظل شجرات مونقات يشرب

[10 : 85 ]

فقال عدي أبيت اللعن و أراد أن يعظه أ تدري ما تقول هذه الشجرات قال ما تقول قال

رب ركب قد أناخوا حولنا يشربون الخمر بالماء الزلال

ثم أضحوا عصف الدهر بهم و كذاك الدهر يودي بالرجال

فتنغص النعمان يومه ذلك. و المذعن المنقاد المطيع و المتلكئ المتوقف و الكلم الطيب شهادة أن لا إله إلا الله و أن محمدا ص

رسوله و العمل الصالح أداء الواجبات و النوافل و اللفظات من القرآن العزيز. و المصعد موضع الصعود و لا شبهة أن السماء أشرف

من الأرض على رأي المليين و على رأي الحكماء أما أهل الملة فلأن السماء مصعد الأعمال الصالحة و محل الأنوار و مكان الملائكة

و فيها العرش و الكرسي و الكواكب المدبرات أمرا و أما الحكماء فلأمور أخرى تقتضيها أصولهم

جَعَلَ نُجُومَهَا أَعْلَاماً يَسْتَدِلُّ بِهَا الْحَيْرَانُ فِي مُخْتَلِفِ فِجَاجِ الْأَقْطَارِ لَمْ يَمْنَعْ ضَوْءَ نُورِهَا ادْلِهْمَامُ سُجُفِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ وَ لَا اسْتَطَاعَتْ

جَلَابِيبُ سَوَادِ الْحَنَادِسِ أَنْ تَرُدَّ مَا شَاعَ فِي السَّمَاوَاتِ مِنْ تَلَأْلُؤِ نُورِ الْقَمَرِ فَسُبْحَانَ مَنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ سَوَادُ

[10 : 86 ]

غَسَق دَاج وَ لَا لَيْل سَاج فِي بِقَاعِ الْأَرَضِينَ الْمُتَطَأْطِئَاتِ وَ لَا فِي يَفَاعِ السُّفْعِ الْمُتَجَاوِرَاتِ وَ مَا يَتَجَلْجَلُ بِهِ الرَّعْدُ فِي أُفُقِ السَّمَاءِ وَ مَا

تَلَاشَتْ عَنْهُ بُرُوقُ الْغَمَامِ وَ مَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَة تُزِيلُهَا عَنْ مَسْقَطِهَا عَوَاصِفُ الْأَنْوَاءِ وَ انْهِطَالُ السَّمَاءِ وَ يَعْلَمُ مَسْقَطَ الْقَطْرَةِ وَ مَقَرَّهَا وَ

مَسْحَبَ الذَّرَّةِ وَ مَجَرَّهَا وَ مَا يَكْفِي الْبَعُوضَةَ مِنْ قُوتِهَا وَ مَا تَحْمِلُ مِنَ الْأُنْثَى فِي بَطْنِهَا

أعلاما أي يستدل بها و الفجاج جمع فج و هو الطريق في الجبل. ثم قال إن ادلهمام سواد الليل أي شدة ظلمته لم يمنع الكواكب من

الإضاءة و كذلك أيضا لم يمنع ظلام الليل القمر من تلألؤ نوره و إنما خص القمر بالذكر و إن كان من جملة الكواكب لشرفه بما يظهر

للأبصار من عظم حجمه و شدة إضاءته فصار كقوله تعالى فِيهِما فاكِهَةٌ وَ نَخْلٌ وَ رُمّانٌ و قد روى بعض الرواة ادلهمام بالنصب و جعله

مفعولا و ضوء نورها بالرفع و جعله فاعلا و هذه الرواية أحسن في صناعة الكتابة لمكان الازدواج أي لا القمر و لا الكواكب تمنع

الليل من الظلمة و لا الليل يمنع الكواكب و القمر من الإضاءة. و السجف جمع سجف و هو الستر و يجوز فتح السين. و شاع تفرق و

التلألؤ اللمعان و الجلابيب الثياب و الغسق الظلمة و الساجي الساكن و الداجي المظلم و المتطأطئ المنخفض و السفع

المتجاورات هاهنا الجبال و سماها سفعا لأن السفعة سواد مشرب بحمرة و كذلك لونها في الأكثر.

[10 : 87 ]

و اليفاع الأرض المرتفعة و التجلجل صوت الرعد و ما تلاشت عنه بروق الغمام هذه الكلمة أهمل بناءها كثير من أئمة اللغة و هي

صحيحة و قد جاءت و وردت قال ابن الأعرابي لشا الرجل إذا اتضع و خس بعد رفعة و إذا صح أصلها صح استعمال الناس تلاشى

الشيء بمعنى اضمحل. و قال القطب الراوندي تلاشى مركب من لا شيء و لم يقف على أصل الكلمة و قد ظهر الآن أن معنى كلامه ع

أنه سبحانه يعلم ما يصوت به الرعد و يعلم ما يضمحل عنه البرق. فإن قلت و هل يقصد الرعد بجلجلته معنى معقولا ليقال إن البارئ

يعلمه ثم ما المراد بكونه عالما بما يضمحل البرق عنه. قلت قد يكون تعالى يحدث في الرعد جلجلة أي صوتا ليهلك به قوما أو لينفع

به قوما فعلمه بما تتضمنه تلك الجلجلة هو معنى قولنا يعلم ما يصوت به الرعد و لا ريب أن البرق يلمع فيضيء أقطارا مخصوصة ثم

يتلاشى عنها فالبارئ سبحانه عالم بتلك الأقطار التي يتلاشى البرق عنها. فإن قلت هو سبحانه عالم بما يضيئه البرق و بما لا يضيئه

فلما ذا خص بالعالمية ما يتلاشى عنه البرق. قلت لأن علمه بما ليس بمضيء بالبرق أعجب و أغرب لأن ما يضيئه البرق يمكن أن يعلمه

أولو الأبصار الصحيحة فأراد ع أن يشرح من صفاته سبحانه ما هو بخلاف المعتاد بين البشر ليكون إعظام السامعين له سبحانه أتم

و أكمل. و العواصف الرياح الشديدة و أضافها إلى الأنواء لأن أكثر ما يكون عصفانها في الأنواء و هي جمع نوء و هو سقوط النجم

من منازل القمر الثمانية و العشرين في المغرب

[10 : 88 ]

مع الفجر و طلوع رقيبه من المشرق مقابلا له من ساعته و مدة النوء ثلاثة عشر يوما إلا الجبهة فإن لها أربعة عشر يوما. قال أبو عبيد

و لم يسمع في النوء أنه المسقوط إلا في هذا الموضع و كانت العرب تضيف الرياح و الأمطار و الحر و البرد إلى الساقط منها. و قال

الأصمعي بل إلى الطالع في سلطانه فتقول مطرنا بنوء كذا و كذا و نهى النبي ص عن ذلك و الجمع أنواء و نوءان أيضا مثل بطن و

بطنان و عبد و عبدان قال حسان بن ثابت

و يثرب تعلم أنا بها إذا قحط القطر نوءانها

و الانهطال الانصباب و مسقط القطرة من المطر موضع سقوطها و مقرها موضع قرارها و مسحب الذرة الصغيرة من النمل و مجرها

موضع سحبها و جرها. و هذا الفصل من فصيح الكلام و نادره و يتضمن من توحيد الله تعالى و تمجيده و الثناء عليه ما يشهد لنفسه

وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْكَائِنِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ كُرْسِيٌّ أَوْ عَرْشٌ أَوْ سَمَاءٌ أَوْ أَرْضٌ أَوْ جَانٌّ أَوْ إِنْسٌ لَا يُدْرَكُ بِوَهْم وَ لَا يُقَدَّرُ بِفَهْم وَ لَا يَشْغَلُهُ سَائِلٌ وَ لَا

يَنْقُصُهُ نَائِلٌ وَ لَا يَنْظُرُ بِعَيْن وَ لَا يُحَدُّ بِأَيْن وَ لَا يُوصَفُ بِالْأَزْوَاجِ وَ لَا يُخْلَقُ بِعِلَاج وَ لَا يُدْرَكُ بِالْحَوَاسِّ وَ لَا يُقَاسُ بِالنَّاسِ الَّذِي كَلَّمَ

مُوسَى تَكْلِيماً وَ أَرَاهُ مِنْ آيَاتِهِ عَظِيماً بِلَا جَوَارِحَ وَ لَا أَدَوَات وَ لَا نُطْق وَ لَا لَهَوَات بَلْ إِنْ كُنْتَ صَادِقاً أَيُّهَا الْمُتَكَلِّفُ لِوَصْفِ رَبِّكَ فَصِفْ

[10 : 89 ]

جِبْرِيلَ وَ مِيكَائِيلَ وَ جُنُودَ الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ فِي حُجُرَاتِ الْقُدُسِ مُرْجَحِنِّينَ مُتَوَلِّهَةً عُقُولُهُمْ أَنْ يَحُدُّوا أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ وَ إِنَّمَا يُدْرَكُ

بِالصِّفَاتِ ذَوُو الْهَيْئَاتِ وَ الْأَدَوَاتِ وَ مَنْ يَنْقَضِي إِذَا بَلَغَ أَمَدَ حَدِّهِ بِالْفَنَاءِ فَلَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ أَضَاءَ بِنُورِهِ كُلَّ ظَلَام وَ أَظْلَمَ بِظُلْمَتِهِ كُلَّ نُور

ليس يعني بالكائن هاهنا ما يعنيه الحكماء و المتكلمون بل مراده الموجود أي هو الموجود قبل أن يكون الكرسي و العرش و غيرهما

و الأوائل يزعمون أن فوق السماوات السبع سماء ثامنة و سماء تاسعة و يقولون إن الثامنة هي الكرسي و إن التاسعة هي العرش.

قوله ع لا يدرك بوهم الوهم هاهنا الفكرة و التوهم. و لا يقدر بفهم أي لا تستطيع الأفهام أن تقدره و تحده. و لا يشغله سائل كما

يشغل السؤال منا من يسألونه. و لا ينقصه العطاء كما ينقص العطاء خزائن الملوك. و لا يبصر بجارحة و لا يحد بأين و لفظة أين في

الأصل مبنية على الفتح فإذا نكرتها صارت اسما متمكنا كما قال الشاعر

ليت شعري و أين مني ليت إن ليتا و إن لوا عناء

و إن شئت قلت إنه تكلم بالاصطلاح الحكمي و الأين عندهم حصول الجسم في المكان و هو أحد المقولات العشر.

[10 : 90 ]

قوله ع و لا يوصف بالأزواج أي صفات الأزواج و هي الأصناف قال سبحانه وَ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْج بَهِيج. قوله و لا يخلق بعلاج

أي لا يحتاج في إيجاد المخلوقات إلى معالجة و مزاولة. قوله و كلم موسى تكليما من الألفاظ القرآنية و المراد هاهنا من ذكر المصدر

تأكيد الأمر و إزالة لبس عساه يصلح للسامع فيعتقد أنه أراد المجاز و أنه لم يكن كلام على الحقيقة. قوله و أراه من آياته عظيما

ليس يريد به الآيات الخارجة عن التكليم كانشقاق البحر و قلب العصا لأنه يكون بإدخال ذلك بين قوله تكليما و قوله بلا جوارح و

لا أدوات و لا نطق و لا لهوات مستهجنا و إنما يريد أنه أراد بتكليمه إياه عظيما من آياته و ذلك أنه كان يسمع الصوت من جهاته

الست ليس على حد سماع كلام البشر من جهة مخصوصة و له دوي و صلصلة كوقع السلاسل العظيمة على الحصى الأصم. فإن قلت أ

تقول إن الكلام حل أجساما مختلفة من الجهات الست. قلت لا و إنما حل الشجرة فقط و كان يسمع من كل جهة و الدليل على حلوله

في الشجرة قوله تعالى فَلَمّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى فلا يخلو إما أن

يكون النداء حل الشجرة أو المنادي حلها و الثاني باطل فثبت الأول. ثم قال ع لمن يتكلف أن يصف ربه إن كنت صادقا أنك قد

وصلت إلى

[10 : 91 ]

معرفة صفته فصف لنا الملائكة فإن معرفة ذات الملك أهون من معرفة ذات الأول سبحانه. و حجرات القدس جمع حجرة و مرجحنين

مائلين إلى جهة تحت خضوعا لجلال البارئ سبحانه ارجحن الحجر إذا مال هاويا متولهة عقولهم أي حائرة ثم قال إنما يدرك

بالصفات و يعرف كنه ما كان ذا هيئة و أداة و جارحة و ما ينقضي و يفنى و يتطرق إليه العدم و واجب الوجود سبحانه بخلاف ذلك. و

تحت قوله أضاء بنوره كل ظلام إلى آخر الفصل معنى دقيق و سر خفي و هو أن كل رذيلة في الخلق البشري مع معرفته بالأدلة

البرهانية غير مؤثرة و لا قادحة في جلالة المقام الذي قد بلغ إليه و ذلك نحو أن يكون العارف بخيلا أو جبانا أو حريصا أو نحو ذلك

و كل فضيلة في الخلق البشري مع الجهل به سبحانه فليست بفضيلة في الحقيقة و لا معتد بها لأن نقيصة الجهل به تكسف تلك

الأنوار و تمحق فضلها و ذلك نحو أن يكون الجاهل به سبحانه جوادا أو شجاعا أو عفيفا أو نحو ذلك و هذا يطابق ما يقوله الأوائل

من أن العارف المذنب يشقى بعد الموت قليلا ثم يعود إلى النعيم السرمدي و أن الجاهل ذا العبادة و الإحسان يشقى بعد الموت

شقاء مؤبدا و مذهب الخلص من مرجئة الإسلام يناقض هذه اللفظات و يقال إنه مذهب أبي حنيفة رحمه الله و يمكن تأويلها على مذهب

أصحابنا بأن يقال كل ظلام من المعاصي الصغائر فإنه ينجلي بضياء معرفته و طاعته و كل طاعة يفعلها المكلف مع الكفر به سبحانه

فإنها غير نافعة و لا موجبة ثوابا و يكون هذا التأويل من باب صرف اللفظ عن عمومه إلى خصوصه

[10 : 92 ]

أُوصِيكُمْ عِبَادَ اللَّهِ بِتَقْوَى اللَّهِ الَّذِي أَلْبَسَكُمُ الرِّيَاشَ وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمُ الْمَعَاشَ فَلَوْ أَنَّ أَحَداً يَجِدُ إِلَى الْبَقَاءِ سِلْماً أَوْ لِدَفْعِ الْمَوْتِ سَبِيلًا

لَكَانَ ذَلِكَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ ع الَّذِي سُخِّرَ لَهُ مُلْكُ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ مَعَ النُّبُوَّةِ وَ عَظِيمِ الزُّلْفَةِ فَلَمَّا اسْتَوْفَى طُعْمَتَهُ وَ اسْتَكْمَلَ مُدَّتَهُ رَمَتْهُ

قِسِيُّ الْفَنَاءِ بِنَبَالِ الْمَوْتِ وَ أَصْبَحَتِ الدِّيَارُ مِنْهُ خَالِيَةً وَ الْمَسَاكِنُ مُعَطَّلَةً وَ وَرِثَهَا قَوْمٌ آخَرُونَ وَ إِنَّ لَكُمْ فِي الْقُرُونِ السَّالِفَةِ لَعِبْرَةً أَيْنَ

الْعَمَالِقَةُ وَ أَبْنَاءُ الْعَمَالِقَةِ أَيْنَ الْفَرَاعِنَةُ وَ أَبْنَاءُ الْفَرَاعِنَةِ أَيْنَ أَصْحَابُ مَدَائِنِ الرَّسِّ الَّذِينَ قَتَلُوا النَّبِيِّينَ وَ أَطْفَئُوا سُنَنَ الْمُرْسَلِينَ وَ

أَحْيَوْا سُنَنَ الْجَبَّارِينَ أَيْنَ الَّذِينَ سَارُوا بِالْجُيُوشِ وَ هَزَمُوا الْأُلُوفَ وَ عَسْكَرُوا الْعَسَاكِرَ وَ مَدَّنُوا الْمَدَائِنَ

الرياش اللباس و أسبغ أوسع و إنما ضرب المثل بسليمان ع لأنه كان ملك الإنس و الجن و لم يحصل لغيره ذلك و من الناس من

أنكر هذا لأن اليهود و النصارى يقولون إنه لم يتعد ملكه حدود الشام بل بعض الشام و ينكرون حديث الجن و الطير و الريح و

يحملون ما ورد من ذلك على وجوه و تأويلات عقلية معنوية ليس هذا موضع ذكرها. و الزلفة القرب و الطعمة بضم الطاء المأكلة يقال

قد جعلت هذه الضيعة طعمة لزيد. و القسي جمع قوس و أصلها قووس على فعول كضرب و ضروب إلا أنهم قدموا

[10 : 93 ]

اللام فقالوا قسو على فلوع ثم قلبت الواو ياء و كسروا القاف كما كسروا عين عصي فصارت قسي

نسب العمالقة

و العمالقة أولاد لاوذ إرم بن سام بن نوح كان الملك باليمن و الحجاز و ما تاخم ذلك من الأقاليم فمنهم عملاق بن لاوذ بن سام و

منهم طسم بن لاوذ أخوه. و منهم جديس بن لاوذ أخوهما و كان العز و الملك بعد عملاق بن لاوذ في طسم فلما ملكهم عملاق بن طسم

بغى و أكثر الفساد في الأرض حتى كان يطأ العروس ليلة إهدائها إلى بعلها و إن كانت بكرا افتضها قبل وصولها إلى البعل ففعل ذلك

بامرأة من جديس يقال لها غفيرة بنت غفار فخرجت إلى قومها و هي تقول

لا أحد أذل من جديس أ هكذا يفعل بالعروس

فغضب لها أخوها الأسود بن غفار و تابعه قومه على الفتك بعملاق بن طسم و أهل بيته فصنع الأسود طعاما و دعا عملاق الملك إليه ثم

وثب به و بطسم فأتى على رؤسائهم و نجا منهم رياح بن مر فصار إلى ذي جيشان بن تبع الحميري ملك اليمن فاستغاث به و استنجده

على جديس فسار ذو جيشان في حمير فأتى بلاد جو و هي قصبة اليمامة فاستأصل جديسا كلها و أخرب اليمامة فلم يبق لجديس باقية

و لا لطسم إلا اليسير منهم. ثم ملك بعد طسم و جديس وبار بن أميم بن لاوذ بن إرم فسار بولده و أهله فنزل بأرض وبار و هي

المعروفة الآن برمل عالج فبغوا في الأرض حينا حتى أفناهم الله

[10 : 94 ]

ثم ملك الأرض بعد وبار عبد ضخم بن أثيف بن لاوذ فنزلوا بالطائف حينا ثم بادوا

نسب عاد و ثمود

و ممن يعد مع العمالقة عاد و ثمود فأما عاد فهو عاد بن عويص بن إرم بن سام بن نوح كان يعبد القمر و يقال إنه رأى من صلبه أولاد

أولاد أولاده أربعة آلاف و إنه نكح ألف جارية و كانت بلاده الأحقاف المذكورة في القرآن و هي من شحر عمان إلى حضرموت و من

أولاده شداد بن عاد صاحب المدينة المذكورة. و أما ثمود فهو ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح و كانت دياره بين الشام و الحجاز

إلى ساحل نهر الحبشة

نسب الفراعنة

قوله ع أين الفراعنة و أبناء الفراعنة جمع فرعون و هم ملوك مصر فمنهم الوليد بن الريان فرعون يوسف و منهم الوليد بن مصعب

فرعون موسى و منهم فرعون بن الأعرج الذي غزا بني إسرائيل و أخرب بيت المقدس

نسب أصحاب الرس

قوله ع أين أصحاب مدائن الرس قيل إنهم أصحاب شعيب

[10 : 95 ]

النبي ص و كانوا عبدة أصنام و لهم مواش و آبار يسقون منها. و الرس بئر عظيمة جدا انخسفت بهم و هم حولها فهلكوا و خسفت

بأرضهم كلها و ديارهم و قيل الرس قرية بفلج اليمامة كان بها قوم من بقايا ثمود بغوا فأهلكوا. و قيل قوم من العرب القديمة بين

الشام و الحجاز و كانت العنقاء تختطف صبيانهم فتقتلهم فدعوا الله أن ينقذهم منها فبعث إليهم حنظلة بن صفوان فدعاهم إلى

الدين على أن يقتل العنقاء فشارطوه على ذلك فدعا عليها فأصابتها الصاعقة فلم يفوا له و قتلوه فأهلكوا. و قيل هم أصحاب الأخدود

و الرس هو الأخدود و قيل الرس أرض بأنطاكية قتل فيها حبيب النجار. و قيل بل كذب أهلها نبيهم و رسوه في بئر أي رموه فيها. و

قيل إن الرس نهر في إقليم الباب و الأبواب مبدؤه من مدينة طراز و ينتهي إلى نهر الكر فيختلط به حتى يصب في بحر الخزر كان

هناك ملوك أولو بأس و قدرة فأهلكهم الله ببغيهم

مِنْهَا قَدْ لَبِسَ لِلْحِكْمَةِ جُنَّتَهَا وَ أَخَذَهَا بِجَمِيعِ أَدَبِهَا مِنَ الْإِقْبَالِ عَلَيْهَا وَ الْمَعْرِفَةِ بِهَا وَ التَّفَرُّغِ لَهَا فَهِيَ عِنْدَ نَفْسِهِ ضَالَّتُهُ الَّتِي يَطْلُبُهَا وَ

حَاجَتُهُ الَّتِي يَسْأَلُ عَنْهَا فَهُوَ مُغْتَرِبٌ إِذَا اغْتَرَبَ الْإِسْلَامُ وَ ضَرَبَ بِعَسِيبِ ذَنَبِهِ وَ أَلْصَقَ الْأَرْضَ بِجِرَانِهِ بَقِيَّةٌ مِنْ بَقَايَا حُجَّتِهِ خَلِيفَةٌ مِنْ

خَلَائِفِ أَنْبِيَائِهِ

[10 : 96 ]

هذا الكلام فسره كل طائفة على حسب اعتقادها فالشيعة الإمامية تزعم أن المراد به المهدي المنتظر عندهم و الصوفية يزعمون أنه

يعني به ولي الله في الأرض و عندهم أن الدنيا لا تخلو عن الأبدال و هم الأربعون و عن الأوتاد و هم سبعة و عن القطب و هو واحد

فإذا مات القطب صار أحد السبعة قطبا عوضه و صار أحد الأربعين وتدا عوض الوتد و صار بعض الأولياء الذين يصطفيهم الله تعالى

أبدالا عوض ذلك البدل. و أصحابنا يزعمون أن الله تعالى لا يخلي الأمة من جماعة من المؤمنين العلماء بالعدل و التوحيد و أن

الإجماع إنما يكون حجة باعتبار أقوال أولئك العلماء لكنه لما تعذرت معرفتهم بأعيانهم اعتبر إجماع سائر العلماء و إنما الأصل

قول أولئك. قالوا و كلام أمير المؤمنين ع ليس يشير فيه إلى جماعة أولئك العلماء من حيث هم جماعة و لكنه يصف حال كل واحد

منهم فيقول من صفته كذا و من صفته كذا. و الفلاسفة يزعمون أن مراده ع بهذا الكلام العارف و لهم في العرفان و صفات أربابه كلام

يعرفه من له أنس بأقوالهم و ليس يبعد عندي أن يريد به القائم من آل محمد ص في آخر الوقت إذا خلقه الله تعالى و إن لم يكن الآن

موجودا فليس في الكلام ما يدل على وجوده الآن و قد وقع اتفاق الفرق من المسلمين أجمعين على أن الدنيا و التكليف لا ينقضي إلا

عليه. قوله ع قد لبس للحكمة جنتها الجنة ما يستتر به من السلاح كالدرع و نحوها و لبس جنة الحكمة قمع النفس عن المشتهيات

و قطع علائق النفس عن

[10 : 97 ]

المحسوسات فإن ذلك مانع للنفس عن أن يصيبها سهام الهوى كما تمنع الدرع الدارع عن أن يصيبه سهام الرماية. ثم عاد إلى صفة

هذا الشخص فقال و أخذ بجميع أدبها من الإقبال عليها أي شدة الحرص و الهمة. ثم قال و المعرفة بها أي و المعرفة بشرفها و

نفاستها. ثم قال و التفرغ لها لأن الذهن متى وجهته نحو معلومين تخبط و فسد و إنما يدرك الحكمة بتخلية السر من كل ما مر

سواها. قال فهي عند نفسه ضالته التي يطلبها هذا مثل

قوله ع الحكمة ضالة المؤمن

و من كلام الحكماء لا يمنعك من الانتفاع بالحكمة حقارة من وجدتها عنده كما لا يمنعك خبث تراب المعدن من التقاط الذهب. و

وجدت بخط أبي محمد عبد الله بن أحمد الخشاب رحمه الله في تعاليق مسودة أبياتا للعطوي و هي

قد رأينا الغزال و الغصن و النجمين شمس الضحى و بدر التمام

فو حق البيان يعضده البرهان في مأقط شديد الخصام

ما رأينا سوى المليحة شيئا جمع الحسن كله في نظام

هي تجري مجرى الأصالة في الرأي و مجرى الأرواح في الأجسام

و قد كتب ابن الخشاب بخطه تحت المليحة ما أصدقه إن أراد بالمليحة الحكمة قوله ع و حاجته التي يسأل عنها هو مثل قوله ضالته

التي يطلبها. ثم قال هو مغترب إذا اغترب الإسلام يقول هذا الشخص يخفي نفسه و يحملها

[10 : 98 ]

إذا اغترب الإسلام و اغتراب الإسلام أن يظهر الفسق و الجور على الصلاح و العدل

قال ع بدأ الإسلام غريبا و سيعود كما بدأ

قال و ضرب بعسيب ذنبه و ألصق الأرض بجرانه هذا من تمام قوله إذا اغترب الإسلام أي إذا صار الإسلام غريبا مقهورا و صار الإسلام

كالبعير البارك يضرب الأرض بعسيبه و هو أصل الذنب و يلصق جرانه و هو صدره في الأرض فلا يكون له تصرف و لا نهوض. ثم عاد

إلى صفة الشخص المذكور. و قال بقية من بقايا حججه خليفة من خلائف أنبيائه الضمير هاهنا يرجع إلى الله سبحانه و إن لم يجر

ذكره للعلم به كما قال حَتّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ و يمكن أن يقال إن الضمير راجع إلى مذكور و هو الإسلام أي من بقايا حجج الإسلام و

خليفة من خلائف أنبياء الإسلام. فإن قلت ليس للإسلام إلا نبي واحد. قلت بل له أنبياء كثير قال تعالى مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ

سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ و قال سبحانه ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً و كل الأنبياء دعوا إلى ما دعا إليه محمد ص

من التوحيد و العدل فكلهم أنبياء للإسلام. فإن قلت أ ليس لفظ الحجة و لفظ الخليفة مشعرا بما تقوله الإمامية. قلت لا فإن أهل

التصوف يسمون صاحبهم حجة و خليفة و كذلك الفلاسفة

[10 : 99 ]

و أصحابنا لا يمتنعون من إطلاق هذه الألفاظ على العلماء المؤمنين في كل عصر لأنهم حجج الله أي إجماعهم حجة و قد استخلفهم

الله في أرضه ليحكموا بحكمه. و على ما اخترناه نحن فالجواب ظاهر

أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي قَدْ بَثَثْتُ لَكُمُ الْمَوَاعِظَ الَّتِي وَعَظَ بِهَا الْأَنْبِيَاءُ أُمَمَهُمْ وَ أَدَّيْتُ إِلَيْكُمْ مَا أَدَّتِ الْأَوْصِيَاءُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ وَ أَدَّبْتُكُمْ بِسَوْطِي

فَلَمْ تَسْتَقِيمُوا وَ حَدَوْتُكُمْ بِالزَّوَاجِرِ فَلَمْ تَسْتَوْسِقُوا لِلَّهِ أَنْتُمْ أَ تَتَوَقَّعُونَ إِمَاماً غَيْرِي يَطَأُ بِكُمُ الطَّرِيقَ وَ يُرْشِدُكُمُ السَّبِيلَ أَلَا إِنَّهُ قَدْ أَدْبَرَ

مِنَ الدُّنْيَا مَا كَانَ مُقْبِلًا وَ أَقْبَلَ مِنْهَا مَا كَانَ مُدْبِراً وَ أَزْمَعَ التَّرْحَالَ عِبَادُ اللَّهِ الْأَخْيَارُ وَ بَاعُوا قَلِيلًا مِنَ الدُّنْيَا لَا يَبْقَى بِكَثِير مِنَ الآْخِرَةِ لَا

يَفْنَى مَا ضَرَّ إِخْوَانَنَا الَّذِينَ سُفِكَتْ دِمَاؤُهُمْ بِصِفِّينَ أَلَّا يَكُونُوا الْيَوْمَ أَحْيَاءً يُسِيغُونَ الْغُصَصَ وَ يَشْرَبُونَ الرَّنْقَ قَدْ وَ اللَّهِ لَقُوا اللَّهَ

فَوَفَّاهُمْ أُجُورَهُمْ وَ أَحَلَّهُمْ دَارَ الْأَمْنِ بَعْدَ خَوْفِهِمْ أَيْنَ إِخْوَانِيَ الَّذِينَ رَكِبُوا الطَّرِيقَ وَ مَضَوْا عَلَى الْحَقِّ أَيْنَ عَمَّارٌ وَ أَيْنَ ابْنُ التَّيِّهَانِ وَ أَيْنَ

ذُو الشَّهَادَتَيْنِ وَ أَيْنَ نُظَرَاؤُهُمْ مِنْ إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ تَعَاقَدُوا عَلَى الْمَنِيَّةِ وَ أُبْرِدَ بِرُءُوسِهِمْ إِلَى الْفَجَرَةِ قَالَ ثُمَّ ضَرَبَ ع بِيَدِهِ إِلَى لِحْيَتِهِ

الشَّرِيفَةِ الْكَرِيمَةِ فَأَطَالَ الْبُكَاءَ ثُمَّ قَالَ ع أَوْهِ عَلَى إِخْوَانِيَ الَّذِينَ قَرَءُوا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ وَ تَدَبَّرُوا الْفَرْضَ فَأَقَامُوهُ

[10 : 100 ]

أَحْيَوُا السُّنَّةَ وَ أَمَاتُوا الْبِدْعَةَ دُعُوا لِلْجِهَادِ فَأَجَابُوا وَ وَثِقُوا بِالْقَائِدِ فَاتَّبَعُوهُ ثُمَّ نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ الْجِهَادَ الْجِهَادَ عِبَادَ اللَّهِ أَلَا وَ إِنِّي

مُعَسْكِرٌ فِي يَومِي هَذَا فَمَنْ أَرَادَ الرَّوَاحَ إِلَى اللَّهِ فَلْيَخْرُجْ قَالَ نَوْفٌ وَ عَقَدَ لِلْحُسَيْنِ ع فِي عَشَرَةِ آلَاف وَ لِقَيْسِ بْنِ سَعْد رَحِمَهُ اللَّهُ فِي

عَشَرَةِ آلَاف وَ لِأَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ فِي عَشَرَةِ آلَاف وَ لِغَيْرِهِمْ عَلَى أَعْدَاد أُخْرَ وَ هُوَ يُرِيدُ الرَّجْعَةَ إِلَى صِفِّينَ فَمَا دَارَتِ الْجُمُعَةُ حَتَّى ضَرَبَهُ

الْمَلْعُونُ ابْنُ الْمُلْجَمِ لَعَنَهُ اللَّهُ فَتَرَاجَعَتِ الْعَسَاكِرُ فَكُنَّا كَأَغْنَام فَقَدَتْ رَاعِيهَا تَخْتَطِفُهَا الذِّئَابُ مِنْ كُلِّ مَكَان

بثثت لكم المواعظ فرقتها و نشرتها و الأوصياء الذين يأتمنهم الأنبياء على الأسرار الإلهية و قد يمكن ألا يكونوا خلفاء بمعنى

الإمرة و الولاية فإن مرتبتهم أعلى من مراتب الخلفاء. و حدوتكم سقتكم كما تحدى الإبل فلم تستوسقوا أي لم تجتمعوا قال

مستوسقات لم يجدن سائقا

قوله يطأ بكم الطريق أي يحملكم على المنهاج الشرعي و يسلك بكم مسلك الحق كأنه جعلهم ضالين عن الطريق التي يطلبونها.

[10 : 101 ]

و قال أ تريدون إماما غيري يوقفكم على الطريق التي تطلبونها حتى تطئوها و تسلكوها. ثم ذكر أنه قد أدبر من الدنيا ما كان مقبلا و

هو الهدى و الرشاد فإنه كان في أيام رسول الله ص و خلفائه مقبلا ثم أدبر عند استيلاء معاوية و أتباعه و أقبل منها ما كان مدبرا و هو

الضلال و الفساد و معاوية عند أصحابنا مطعون في دينه منسوب إلى الإلحاد قد طعن فيه ص و روى فيه شيخنا أبو عبد الله البصري

في كتاب نقض السفيانية على الجاحظ و روى عنه أخبارا كثيرة تدل على ذلك و قد ذكرناها في كتابنا في مناقضة السفيانية. و روى

أحمد بن أبي طاهر في كتاب أخبار الملوك أن معاوية سمع المؤذن يقول أشهد أن لا إله إلا الله فقالها ثلاثا فقال أشهد أن محمدا

رسول الله فقال لله أبوك يا ابن عبد الله لقد كنت عالي الهمة ما رضيت لنفسك إلا أن يقرن اسمك باسم رب العالمين. قوله ع و أزمع

الترحال أي ثبت عزمهم عليه يقال أزمعت الأمر و لا يقال أزمعت على الأمر هكذا يقول الكسائي و أجازه الخليل و الفراء. ثم قال ع إنه

لم يضر إخواننا القتلى بصفين كونهم اليوم ليسوا بأحياء حياتنا المشوبة بالنغص و الغصص. و يقال ماء رنق بالتسكين أي كدر رنق

الماء بالكسر يرنق رنقا فهو رنق و أرنقته أي كدرته و عيش رنق بالكسر أي كدر. ثم أقسم أنهم لقوا الله فوفاهم أجورهم و هذا يدل

على ما يذهب إليه جمهور أصحابنا من نعيم القبر و عذابه. ثم قال ع أين إخواني ثم عددهم فقال أين عمار

[10 : 102 ]

عمار بن ياسر و نسبه و نبذ من أخباره

و هو عمار بن ياسر بن عامر بن كنانة بن قيس العنسي بالنون المذحجي يكنى أبا اليقظان حليف بني مخزوم. و نحن نذكر طرفا من

أمره من كتاب الإستيعاب لأبي عمر بن عبد البر المحدث قال أبو عمر كان ياسر والد عمار عربيا قحطانيا من عنس في مذحج إلا أن ابنه

عمارا كان مولى لبني مخزوم لأن أباه ياسرا قدم مكة مع أخوين له يقال لهما مالك و الحارث في طلب أخ لهم رابع فرجع الحارث و

مالك إلى اليمن و أقام ياسر بمكة فحالف أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم فزوجه أبو حذيفة أمة يقال لها سمية

فأولدها عمارا فأعتقه أبو حذيفة فمن هاهنا كان عمار مولى بني مخزوم و أبوه عربي لا يختلفون في ذلك و للحلف و الولاء الذي بين

بني مخزوم و عمار و أبيه ياسر كان احتمال بني مخزوم على عثمان حين نال من عمار غلمان عثمان ما نالوا من الضرب حتى انفتق له

فتق في بطنه زعموا و كسروا ضلعا من أضلاعه فاجتمعت بنو مخزوم فقالوا و الله لئن مات لا قتلنا به أحدا غير عثمان. قال أبو عمر كان

عمار بن ياسر ممن عذب في الله ثم أعطاهم عمار ما أرادوا بلسانه و اطمأن الإيمان بقلبه فنزل فيه إِلّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ

بِالْإِيمانِ و هذا مما أجمع عليه أهل التفسير.

[10 : 103 ]

و هاجر إلى أرض الحبشة و صلى إلى القبلتين و هو من المهاجرين الأولين ثم شهد بدرا و المشاهد كلها و أبلى بلاء حسنا ثم شهد

اليمامة فأبلى فيها أيضا يومئذ و قطعت أذنه. قال أبو عمر و قد روى الواقدي عن عبد الله بن نافع عن أبيه عن عبد الله بن عمر قال

رأيت عمارا يوم اليمامة على صخرة و قد أشرف عليها يصيح يا معشر المسلمين أ من الجنة تفرون أنا عمار بن ياسر هلموا إلي و أنا

أنظر إلى أذنه قد قطعت فهي تذبذب و هو يقاتل أشد القتال. قال أبو عمر و كان عمار آدم طوالا مضطربا أشهل العينين بعيد ما بين

المنكبين لا يغير شيبة. قال و بلغنا أن عمارا قال كنت تربا لرسول الله ص في سنه لم يكن أحد أقرب إليه مني سنا. و

قال ابن عباس في قوله تعالى أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ إنه عمار بن ياسر كَمَنْ مَثَلُهُ فِي

الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِج مِنْها إنه أبو جهل بن هشام

قال و قال رسول الله ص إن عمارا ملئ إيمانا إلى مشاشه و يروى إلى أخمص قدميه

و روى أبو عمر عن عائشة أنها قالت ما من أحد من أصحاب رسول الله ص

[10 : 104 ]

أشاء أن أقول فيه إلا قلت إلا عمار بن ياسر فإني سمعت رسول الله ص يقول إنه ملئ إيمانا إلى أخمص قدميه

قال أبو عمر و قال عبد الرحمن بن أبزى شهدنا مع علي ع صفين ثمانمائة ممن بايع بيعة الرضوان قتل منا ثلاثة و ستون منهم عمار بن

ياسر.

قال أبو عمر و من حديث خالد بن الوليد أن رسول الله ص قال من أبغض عمارا أبغضه الله

فما زلت أحبه من يومئذ.

قال أبو عمر و من حديث علي بن أبي طالب ع أن عمارا جاء يستأذن على رسول الله ص يوما فعرف صوته فقال مرحبا بالطيب المطيب

يعني عمارا ائذنوا له

قال أبو عمر و من حديث أنس عن النبي ص اشتاقت الجنة إلى أربعة علي و عمار و سلمان و بلال

قال أبو عمر و فضائل عمار كثيرة جدا يطول ذكرها. قال و روى الأعمش عن أبي عبد الرحمن السلمي قال شهدنا مع علي ع صفين

فرأيت عمار بن ياسر لا يأخذ في ناحية و لا واد من أودية صفين إلا رأيت أصحاب محمد ص يتبعونه كأنه علم لهم و سمعته يقول

يومئذ لهاشم بن عتبة يا هاشم تقدم الجنة تحت البارقة

اليوم ألقى الأحبة محمدا و حزبه

و الله لو هزمونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق و أنهم على الباطل ثم قال

نحن ضربناكم على تنزيله فاليوم نضربكم على تأويله

[10 : 105 ]

ضربا يزيل الهام عن مقيله و يذهل الخليل عن خليله

أو يرجع الحق على سبيله

فلم أر أصحاب محمد ص قتلوا في موطن ما قتلوا يومئذ. قال و قد قال أبو مسعود البدري و طائفة لحذيفة حين احتضر و قد ذكر الفتنة

إذا اختلف الناس فبمن تأمرنا قال عليكم بابن سمية فإنه لن يفارق الحق حتى يموت أو قال فإنه يزول مع الحق حيث زال. قال أبو

عمر و بعضهم يجعل هذا الحديث عن حذيفة مرفوعا. قال أبو عمر و روى الشعبي عن الأحنف أن عمارا حمل يوم صفين فحمل عليه

ابن جزء السكسكي و أبو الغادية الفزاري فأما أبو الغادية فطعنه و أما ابن جزء فاحتز رأسه. قلت هذا الموضع مما اختلف فيه قول

أبي عمر رحمه الله فإنه ذكر في كتاب الكنى من الإستيعاب أبا الغادية بالغين المعجمة و قال إنه جهني من جهينة و جهينة من قضاعة و

قد نسبه هاهنا فزاريا. و قال في كتاب الكنى إن اسم أبي الغادية يسار و قيل مسلم. و قد ذكر ابن قتيبة في كتاب المعارف عن أبي

الغادية أنه كان يحدث عن نفسه بقتل عمار و يقول إن رجلا طعنه فانكشف المغفر عن رأسه فضربت رأسه فإذا رأس عمار قد ندر. و

كيفية هذا القتل تخالف الكيفية التي رواها ابن عبد البر. قال أبو عمر و قد روى وكيع عن شعبة عن عبد بن مرة عن عبد الله بن سلمة

[10 : 106 ]

قال لكأني أنظر إلى عمار يوم صفين و هو صريع فاستسقى فأتي بشربة من لبن فشرب فقال

اليوم ألقى الأحبة

إن رسول الله ص عهد إلي أن آخر شربة أشربها في الدنيا شربة من لبن ثم استسقى ثانية فأتته امرأة طويلة اليدين بإناء فيه ضياح

من لبن فقال حين شربه الحمد لله الجنة تحت الأسنة و الله لو ضربونا حتى يبلغونا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق و أنهم على

الباطل ثم قاتل حتى قتل. قال أبو عمر و قد روى حارثة بن المضراب قرأت كتاب عمر إلى أهل الكوفة أما بعد فإني بعثت إليكم عمارا

أميرا و عبد الله بن مسعود معلما و وزيرا و هما من النجباء من أصحاب محمد فاسمعوا لهما و اقتدوا بهما فإني قد آثرتكم بعبد الله

على نفسي أثرة. قال أبو عمر و إنما قال عمر هما من النجباء

لقول رسول الله ص إنه لم يكن نبي إلا أعطي سبعة من أصحابه نجباء وزراء فقهاء و إني قد أعطيت أربعة عشر حمزة و جعفرا و عليا

و حسنا و حسينا و أبا بكر و عمر و عبد الله بن مسعود و سلمان و عمارا و أبا ذر و حذيفة و المقداد و بلالا

قال أبو عمر و تواترت الأخبار عن رسول الله ص أنه قال تقتل عمارا الفئة الباغية

و هذا من إخباره بالغيب و أعلام نبوته ص و هو من أصح الأحاديث. و كانت صفين في ربيع الآخر سنة سبع و ثلاثين و دفنه علي ع في

ثيابه و لم يغسله.

[10 : 107 ]

و روى أهل الكوفة أنه صلى عليه و هو مذهبهم في الشهداء أنهم لا يغسلون و لكن يصلى عليهم. قال أبو عمر و كانت سن عمار يوم

قتل نيفا و تسعين سنة و قيل إحدى و تسعين و قيل اثنتين و تسعين و قيل ثلاثا و تسعين

ذكر أبي الهيثم بن التيهان و طرف من أخباره

ثم قال ع و أين ابن التيهان هو أبو الهيثم بن التيهان بالياء المنقوطة باثنتين تحتها المشددة المكسورة و قبلها تاء منقوطة باثنتين

فوقها و اسمه مالك و اسم أبيه مالك أيضا ابن عبيد بن عمرو بن عبد الأعلم بن عامر الأنصاري أحد النقباء ليلة العقبة و قيل إنه لم

يكن من أنفسهم و إنه من بلي بن أبي الحارث بن قضاعة و إنه حليف لبني عبد الأشهل كان أحد النقباء ليلة العقبة و شهد بدرا. قال

أبو عمر بن عبد البر في كتاب الإستيعاب اختلف في وقت وفاته فذكر خليفة عن الأصمعي قال سألت قومه فقالوا مات في حياة رسول

الله ص. قال أبو عمر و هذا لم يتابع عليه قائله. و قيل إنه توفي سنة عشرين أو إحدى و عشرين. و قيل إنه أدرك صفين و شهدها مع

علي ع و هو الأكثر. و قيل إنه قتل بها. ثم قال أبو عمر حدثنا خلف بن قاسم قال حدثنا الحسن بن رشيق قال

[10 : 108 ]

حدثنا الدولابي قال حدثنا أبو بكر الوجيهي عن أبيه عن صالح بن الوجيه قال و ممن قتل بصفين عمار و أبو الهيثم بن التيهان و عبد

الله بن بديل و جماعة من البدريين رحمهم الله. ثم روى أبو عمر رواية أخرى فقال حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن

قال حدثنا عثمان بن أحمد بن السماك قال حدثنا حنبل بن إسحاق بن علي قال قال أبو نعيم أبو الهيثم بن التيهان اسمه مالك و اسم

التيهان عمرو بن الحارث أصيب أبو الهيثم مع علي يوم صفين. قال أبو عمر هذا قول أبي نعيم و غيره. قلت و هذه الرواية أصح من

قول ابن قتيبة في كتاب المعارف و ذكر قوم أن أبا الهيثم شهد صفين مع علي ع و لا يعرف ذلك أهل العلم و لا يثبتونه فإن تعصب ابن

قتيبة معلوم و كيف يقول لا يعرفه أهل العلم و قد قاله أبو نعيم و قاله صالح بن الوجيه و رواه ابن عبد البر و هؤلاء شيوخ

المحدثين

ذكر ذي الشهادتين خزيمة بن ثابت و طرف من أخباره

ثم قال ع و أين ذو الشهادتين هو خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة الخطمي الأنصاري من بني خطمة من الأوس جعل رسول الله ص

السابق

التالي