السابق

التالي

[8 : 3 ]

الجزء الثامن

تتمة الخطب و الأوامر

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد العدل

124- و من كلام له ع في حث أصحابه على القتال

فَقَدِّمُوا الدَّارِعَ وَ أَخِّرُوا الْحَاسِرَ وَ عَضُّوا عَلَى الْأَضْرَاسِ فَإِنَّهُ أَنْبَى لِلسُّيُوفِ عَنِ الْهَامِ وَ الْتَوُوا فِي أَطْرَافِ الرِّمَاحِ فَإِنَّهُ أَمْوَرُ لِلْأَسِنَّةِ وَ

غُضُّوا الْأَبْصَارَ فَإِنَّهُ أَرْبَطُ لِلْجَأْشِ وَ أَسْكَنُ لِلْقُلُوبِ وَ أَمِيتُوا الْأَصْوَاتَ فَإِنَّهُ أَطْرَدُ لِلْفَشَلِ وَ رَايَتَكُمْ فَلَا تُمِيلُوهَا وَ لَا تُخِلُّوهَا وَ لَا تَجْعَلُوهَا

إِلَّا بِأَيْدِي شُجْعَانِكُمْ وَ الْمَانِعِينَ الذِّمَارَ مِنْكُمْ فَإِنَّ الصَّابِرِينَ عَلَى نُزُولِ الْحَقَائِقِ هُمُ الَّذِينَ يَحُفُّونَ بِرَايَاتِهِمْ وَ يَكْتَنِفُونَهَا حِفَافَيْهَا وَ

وَرَاءَهَا وَ أَمَامَهَا لَا يَتَأَخَّرُونَ عَنْهَا فَيُسْلِمُوهَا وَ لَا يَتَقَدَّمُونَ عَلَيْهَا فَيُفْرِدُوهَا

الدارع لابس الدرع و الحاسر الذي لا درع عليه و لا مغفر أمرهم ع بتقديم المستلئم على غير المستلئم لأن سورة الحرب و شدتها

تلقي و تصادف الأول فالأول فواجب أن يكون أول القوم مستلئما و أن يعضوا على الأضراس و قد تقدم شرح هذا و قلنا إنه يجوز أن

يبدءوهم بالحنق و الجد و يجوز أن يريد أن العض على الأضراس يشد شئون الدماغ و رباطاته فلا يبلغ السيف منه مبلغه لو صادفه

رخوا و أمرهم بأن يلتووا إذا طعنوا

[8 : 4 ]

لأنهم إذا فعلوا ذلك فبالحري أن يمور السنان أي يتحرك عن موضع الطعنة فيخرج زالفا و إذا لم يلتووا لم يمر السنان و لم يتحرك

عن موضعه فيخرق و ينفذ فيقتل. و أمرهم بغض الأبصار في الحرب فإنه أربط للجأش أي أثبت للقلب لأن الغاض بصره في الحرب

أحرى ألا يدهش و لا يرتاع لهول ما ينظر. و أمرهم بإماتة الأصوات و إخفائها فإنه أطرد للفشل و هو الجبن و الخوف و ذلك لأن

الجبان يرعد و يبرق و الشجاع صامت. و أمرهم بحفظ رايتهم ألا يميلوها فإنها إذا مالت انكسر العسكر لأنهم إنما ينظرون إليها و

إلا يخلوها من محام عنها و إلا يجعلوها بأيدي الجبناء و ذوي الهلع منهم كي لا يخيموا و يجبنوا عن إمساكها. و الذمار ما وراء

الرجل مما يحق عليه أن يحميه و سمي ذمارا لأنه يجب على أهله التذمر له أي الغضب. و الحقائق جمع حاقة و هي الأمر الصعب

الشديد و منه قول الله تعالى الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ يعني الساعة. و يكتنفونها يحيطون بها و حفافاها جانباها و منه قول طرفة

كان جناحي مضرحي تكنفا حفافيه شكا في العسيب بمسرد

أَجْزَأَ امْرُؤٌ قِرْنَهُ وَ آسَى أَخَاهُ بِنَفْسِهِ وَ لَمْ يَكِلْ قِرْنَهُ إِلَى أَخِيهِ فَيَجْتَمِعَ

[8 : 5 ]

عَلَيْهِ قِرْنُهُ وَ قِرْنُ أَخِيهِ وَ ايْمُ اللَّهِ لَئِنْ فَرَرْتُمْ مِنْ سَيْفِ الْعَاجِلَةِ لَا تَسْلَمُونَ مِنْ سَيْفِ الآْخِرَةِ وَ أَنْتُمْ لَهَامِيمُ الْعَرَبِ وَ السَّنَامُ الْأَعْظَمُ إِنَّ

فِي الْفِرَارِ مَوْجِدَةَ اللَّهِ وَ الذُّلَّ اللَّازِمَ وَ الْعَارَ الْبَاقِيَ وَ إِنَّ الْفَارَّ لَغَيْرُ مَزِيد فِي عُمُرِهِ وَ لَا مَحْجُوز بَيْنَهُ وَ بَيْنَ يَوْمِهِ مَنْ رَائِحٌ إِلَى اللَّهِ

كَالظَّمْآنِ يَرِدُ الْمَاءَ الْجَنَّةُ تَحْتَ أَطْرَافِ الْعَوَالِي الْيَوْمَ تُبْلَى الْأَخْبَارُ وَ اللَّهِ لَأَنَا أَشْوَقُ إِلَى لِقَائِهِمْ مِنْهُمْ إِلَى دِيَارِهِمْ اللَّهُمَّ فَإِنْ رَدُّوا

الْحَقَّ فَافْضُضْ جَمَاعَتَهُمْ وَ شَتِّتْ كَلِمَتَهُمْ وَ أَبْسِلْهُمْ بِخَطَايَاهُمْ

من الناس من يجعل هذه الصيغة و هي صيغة الإخبار بالفعل الماضي في قوله أجزأ امرؤ قرنه في معنى الأمر كأنه قال ليجزئ كل امرئ

قرنه لأنه إذا جاز الأمر بصيغة الإخبار في المستقبل جاز الأمر بصيغة الماضي و قد جاز الأول نحو قوله تعالى وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ

أَوْلادَهُنَّ فوجب أن يجوز الثاني و من الناس من قال معنى ذلك هلا أجزأ امرؤ قرنه فيكون تحضيضا محذوف الصيغة للعلم بها و أجزأ

بالهمزة أي كفى و قرنك مقارنك في القتال أو نحوه. و آسى أخاه بنفسه مؤاساة بالهمز أي جعله أسوة نفسه و يجوز واسيت زيدا

بالواو و هي لغة ضعيفة. و لم يكل قرنه إلى أخيه أي لم يدع قرنه ينضم إلى قرن أخيه فيصيرا معا في

[8 : 6 ]

مقاومة الأخ المذكور و ذلك قبيح محرم مثاله زيد و عمرو مسلمان و لهما قرنان كافران في الحرب لا يجوز لزيد أن ينكل عن قرنه

فيجتمع قرنه و قرن عمرو على عمرو. ثم أقسم ع أنهم إن سلموا من الألم النازل بهم لو قتلوا بالسيف في الدنيا فإنهم لم يسلموا

من عقاب الله تعالى في الآخرة على فرارهم و تخاذلهم و سمى ذلك سيفا على وجه الاستعارة و صناعة الكلام لأنه قد ذكر سيف الدنيا

فجعل ذلك في مقابلته. و اللهاميم السادات الأجواد من الناس و الجياد من الخيل الواحد لهموم و السنام الأعظم يريد شرفهم و علو

أنسابهم لأن السنام أعلى أعضاء البعير. و موجدة الله غضبه و سخطه. و يروى و الذل اللاذم بالذال المعجمة و هو بمعنى اللازم

أيضا لذمت المكان بالكسر أي لزمته. ثم ذكر أن الفرار لا يزيد في العمر و قال الراجز

قد علمت حسناء دعجاء المقل أن الفرار لا يزيد في الأجل

ثم قال لهم أيكم يروح إلى الله فيكون كالظمآن يرد الماء. ثم قال الجنة تحت أطراف العوالي و هذا من

قول رسول الله ص الجنة تحت ظلال السيوف

و سمع بعض الأنصار رسول الله ص يقول يوم أحد الجنة تحت ظلال السيوف

و في يده تميرات يلوكها فقال بخ بخ ليس بيني و بين الجنة إلا هذه التميرات ثم قذفها من يده و كسر جفن سيفه و حمل على قريش

فقاتل حتى قتل. ثم قال اليوم تبلى الأخبار هذا من قول الله تعالى وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ أي نختبر أفعالكم.

[8 : 7 ]

ثم دعا على أهل الشام إن ردوا الحق بأن يفض الله جماعتهم أي يهزمهم و يشتت أي يفرق كلمتهم و أن يبسلهم بخطاياهم أي

يسلمهم لأجل خطاياهم التي اقترفوها و لا ينصرهم أبسلت فلانا إذا أسلمته إلى الهلكة فهو مبسل قال تعالى أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ أي

تسلم و قال أُولئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِما كَسَبُوا أي أسلموا للهلاك لأجل ما اكتسبوه من الإثم و هذه الألفاظ كلها لا يتلو بعضها بعضا و

إنما هي منتزعة من كلام طويل انتزعها الرضي رحمه الله و اطرح ما عداها

إِنَّهُمْ لَنْ يَزُولُوا عَنْ مَوَاقِفِهِمْ دُونَ طَعْن دِرَاك يَخْرُجُ مِنْهُ النَّسِيمُ وَ ضَرْب يَفْلِقُ الْهَامَ وَ يُطِيحُ الْعِظَامَ وَ يُنْدِرُ السَّوَاعِدَ وَ الْأَقْدَامَ وَ حَتَّى

يُرْمَوْا بِالْمَنَاسِرِ تَتْبَعُهَا الْمَنَاسِرُ وَ يُرْجَمُوا بِالْكَتَائِبِ تَقْفُوهَا الْحَلَائِبُ وَ حَتَّى يُجَرَّ بِبِلَادِهِمُ الْخَمِيسُ يَتْلُوهُ الْخَمِيسُ وَ حَتَّى تَدْعَقَ الْخُيُولُ

فِي نَوَاحِرِ أَرْضِهِمْ وَ بِأَعْنَانِ مَسَارِبِهِمْ وَ مَسَارِحِهِمْ

قال الشريف الرضي رحمه الله تعالى الدعق الدق أي تدق الخيول بحوافرها أرضهم و نواحر أرضهم متقابلاتها و يقال منازل بني فلان

تتناحر أي تتقابل

طعن دراك أي متتابع يتلو بعضه بعضا و يخرج منه النسيم أي لسعته و من هذا النحو قول الشاعر

[8 : 8 ]

طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائر لها نفذ لو لا الشعاع أضاءها

ملكت بها كفي فأنهرت فتقها يرى قائم من دونها ما وراءها

فهذا وصف الطعنة بأنها لاتساعها يرى الإنسان المقابل لها ببصره ما وراءها و أنه لو لا شعاع الدم و هو ما تفرق منه لبان منها الضوء

و أمير المؤمنين ع أراد من أصحابه طعنات يخرج النسيم و هو الريح اللينة منهن. و فلقت الشيء أفلقه بكسر اللام فلقا أي شققته و

يطيح العظام يسقطها طاح الشيء أي سقط أو هلك أو تاه في الأرض و أطاحه غيره و طوحه. و يندر السواعد يسقطها أيضا ندر الشيء

يندر ندرا أي سقط و منه النوادر و أندره غيره و الساعد من الكوع إلى المرفق و هو الذراع. و المناسر جمع منسر و هو قطعة من

الجيش تكون أمام الجيش الأعظم بكسر السين و فتح الميم و يجوز منسر بكسر الميم و فتح السين و قيل إنها اللغة الفصحى. و

يرجموا أي يغزوا بالكتائب جمع كتيبة و هي طائفة من الجيش. تقفوها الحلائب أي تتبعها طوائف لنصرها و المحاماة عنها يقال قد

أحلبوا إذا جاءوا من كل أوب للنصرة و رجل محلب أي ناصر و حالبت الرجل إذا نصرته و أعنته و قال الشاعر

أ لهفا بقرى سحبل حين أحلبت علينا الولايا و العدو المباسل

[8 : 9 ]

أي أعانت و نصرت و الخميس الجيش و الدعق قد فسره الرضي رحمه الله و يجوز أن يفسر بأمر آخر و هو الهيج و التنفير دعق القوم

يدعقهم دعقا أي هاج منهم و نفرهم. و نواحر أرضهم قد فسره رحمه الله أيضا و يمكن أن يفسر بأمر آخر و هو أن يراد به أقصى أرضهم

و آخرها من قولهم لآخر ليلة في الشهر ناحرة. و أعنان مساربهم و مسارحهم جوانبها و المسارب ما يسرب فيه المال الراعي و

المسارح ما يسرح فيه و الفرق بين سرح و سرب أن السروح إنما يكون في أول النهار و ليس ذلك بشرط في السروب

عود إلى أخبار صفين

و اعلم أن هذا الكلام قاله أمير المؤمنين ع لأصحابه في صفين يحرضهم به و قد ذكرنا من حديث صفين فيما تقدم أكثره و نحن نذكر

هاهنا تتمة القصة ليكون من وقف على ما تقدم و على هذا المذكور آنفا هنا قد وقف على قصة صفين بأسرها. اتفق الناس كلهم أن عمارا

رضي الله عنه أصيب مع علي ع بصفين و قال كثير منهم بل الأكثر أن أويسا القرني أصيب أيضا مع علي ع بصفين. و ذكر ذلك نصر بن

مزاحم في كتاب صفين رواه عن حفص بن عمران البرجمي عن عطاء بن السائب عن أبي البختري و قد قال رسول الله ص في أويس ما

قال و قال الناس كلهم

إن رسول الله ص قال إن الجنة لتشتاق إلى

[8 : 10 ]

عمار

و رووا عنه ص أن عمارا جاء يستأذن عليه فقال ائذنوا له مرحبا بالطيب المطيب

و روى سلمة بن كهيل عن مجاهد أن النبي ص رأى عمارا و هو يحمل أحجار المسجد فقال ما لهم و لعمار يدعوهم إلى الجنة و يدعونه

إلى النار

و روى الناس كافة أن رسول الله ص قال له تقتلك الفئة الباغية

و روى نصر بن مزاحم في كتاب صفين عن عمرو بن شمر عن مالك بن أعين عن زيد بن وهب الجهني أن عمار بن ياسر نادى في صفين

يوما قبل مقتله بيوم أو يومين أين من يبغي رضوان الله عز و جل و لا يئوب إلى مال و لا ولد فأتته عصابة من الناس فقال أيها الناس

اقصدوا بنا قصد هؤلاء القوم الذين يتبعون دم عثمان و يزعمون أنه قتل مظلوما و الله إن كان إلا ظالما لنفسه الحاكم بغير ما أنزل

الله و دفع علي ع الراية إلى هاشم بن عتبة بن أبي وقاص و كان عليه ذلك اليوم درعان فقال له علي ع كهيئة المازح أيا هاشم أ ما

تخشى على نفسك أن تكون أعور جبانا قال ستعلم يا أمير المؤمنين و الله لألفن بين جماجم العرب لف رجل ينوي الآخرة فأخذ رمحا

فهزه فانكسر ثم أخذ آخر فوجده جاسيا فألقاه ثم دعا برمح لين فشد به اللواء. قال نصر و حدثنا عمرو قال لما دفع علي ع الراية إلى

هاشم بن عتبة قال

[8 : 11 ]

له رجل من أصحابه من بكر بن وائل أقدم هاشم يكررها ثم قال ما لك يا هاشم قد انتفخ سحرك أعورا و جبنا قال من هذا قالوا فلان

قال أهلها و خير منها إذا رأيتني قد صرعت فخذها ثم قال لأصحابه شدوا شسوع نعالكم و شدوا أزركم فإذا رأيتموني قد هززت الراية

ثلاثا فاعلموا أن أحدا منكم لا يسبقني إلى الحملة ثم نظر إلى عسكر معاوية فرأى جمعا عظيما فقال من أولئك قيل أصحاب ذي

الكلاع ثم نظر فرأى جندا فقال من أولئك قيل قريش و قوم من أهل المدينة فقال قومي لا حاجة لي في قتالهم من عند هذه القبة

البيضاء قيل معاوية و جنده قال فإني أرى دونهم أسودة قيل ذاك عمرو بن العاص و ابناه و مواليه فأخذ الراية فهزها فقال رجل من

أصحابه البث قليلا و لا تعجل فقال هاشم

قد أكثرا لومي و ما أقلا إني شريت النفس لن أعتلا

أعور يبغي أهله محلا قد عالج الحياة حتى ملا

لا بد أن يفل أو يفلا أشلهم بذي الكعوب شلا

[8 : 12 ]

مع ابن عم أحمد المعلى أول من صدقه و صلى

قال نصر و حدثنا عبد العزيز بن سياه عن حبيب بن أبي ثابت قال لما تناول هاشم الراية جعل عمار بن ياسر يحرضه على الحرب و

يقرعه بالرمح و يقول أقدم يا أعور

لا خير في أعور لا يأتي الفزع

فيستحيي من عمار و يتقدم و يركز الراية فإذا ركزها عاوده عمار بالقول فيتقدم أيضا فقال عمرو بن العاص إني لأرى لصاحب الراية

السوداء عملا لئن دام على هذا لتفنين العرب اليوم فاقتتلوا قتالا شديدا و عمار ينادي صبرا و الله إن الجنة تحت ظلال البيض فكان

بإزاء هاشم و عمار أبو الأعور السلمي و لم يزل عمار بهاشم ينخسه و هو يزحف بالراية حتى اشتد القتال و عظم و التقى الزحفان و

اقتتلا قتالا لم يسمع السامعون بمثله و كثرت القتلى في الفريقين جميعا. و روى نصر عن عمرو بن شمر قال حدثني من أثق به من أهل

العراق

[8 : 13 ]

قال لما التقينا بالقوم في ذلك اليوم وجدناهم خمسة صفوف قد قيدوا أنفسهم بالعمائم فقتلنا صفا ثم صفا ثم خلصنا إلى الرابع ما

على الأرض شامي و لا عراقي يولي دبره و أبو الأعور يقول

إذا ما فررنا كان أسوأ فرارنا صدود الخدود و ازورار المناكب

صدود الخدود و القنا متشاجر و لا تبرح الأقدام عند التضارب

قال نصر و التقت في هذا اليوم همدان العراق بعك الشام فقال قائلهم

همدان همدان و عك عك ستعلم اليوم من الأرك

و كانت على عك الدروع و ليس عليهم رايات فقالت همدان خدموا القوم أي اضربوا سوقهم فقالت عك ابركوا برك الكمل فبركوا كما

يبرك الجمل ثم رموا الحجر و قالوا لا نفر حتى يفر الحكر. قال نصر و اقتتل الناس من لدن اعتدال النهار إلى صلاة المغرب ما كان

صلاة القوم إلا التكبير عند مواقيت الصلاة. ثم إن أهل العراق كشفوا ميمنة أهل الشام فطاروا في سواد الليل و كشف أهل الشام

ميسرة أهل العراق فاختلطوا في سواد الليل و تبدلت الرايات بعضها ببعض فلما أصبح الناس وجد أهل الشام لواءهم و ليس حوله

إلا ألف رجل فاقتلعوه و ركزوه من

[8 : 14 ]

وراء موضعه الأول و أحاطوا به و وجد أهل العراق لواءهم مركوزا و ليس حوله إلا ربيعة و علي ع بينها و هم محيطون به و هو لا

يعلم من هم و يظنهم غيرهم فلما أذن مؤذن علي ع الفجر قال علي ع

يا مرحبا بالقائلين عدلا و بالصلاة مرحبا و أهلا

ثم وقف و صلى الفجر فلما انفتل أبصر وجوها ليست بوجوه أصحابه بالأمس و إذا مكانه الذي هو فيه ما بين الميسرة إلى القلب فقال

من القوم قالوا ربيعة و إنك يا أمير المؤمنين لعندنا منذ الليلة فقال

فخر طويل لك يا ربيعة

ثم قال لهاشم بن عتبة خذ اللواء فو الله ما رأيت مثل هذه الليلة فخرج هاشم باللواء حتى ركزه في القلب. قال نصر حدثنا عمرو بن

شمر عن الشعبي قال عبى معاوية تلك الليلة أربعة آلاف و ثلاثمائة من فارس و راجل معلمين بالخضرة و أمرهم أن يأتوا عليا ع من

ورائه ففطنت لهم همدان فواجهوهم و صمدوا إليهم فباتوا تلك الليلة يتحارسون و علي ع قد أفضى به ذهابه و مجيئه إلى رايات

ربيعة فوقف بينها و هو لا يعلم و يظن أنه في العسكر الأشعث فلما أصبح لم ير الأشعث و لا أصحابه و رأى سعيد بن قيس الهمداني

على مركزه فجاء إلى سعيد رجل من ربيعة يقال له زفر فقال له أ لست القائل بالأمس لئن لم تنته ربيعة لتكونن ربيعة ربيعة و همدان

همدان فما أغنت همدان

[8 : 15 ]

البارحة فنظر إليه علي ع نظر منكر و نادى منادي علي ع أن اتعدوا للقتال و اغدوا عليه و انهدوا إلى عدوكم فكلهم تحرك إلا ربيعة

لم تتحرك فبعث إليهم علي ع أن انهدوا إلى عدوكم فبعث إليهم أبا ثروان فقال إن أمير المؤمنين ع يقرئكم السلام و يقول لكم يا

معشر ربيعة ما لكم لا تنهدون إلى عدوكم و قد نهد الناس قالوا كيف ننهد و هذه الخيل من وراء ظهرنا قل لأمير المؤمنين فليأمر

همدان أو غيرها بمناجزتهم لننهد فرجع أبو ثروان إلى علي ع فأخبره فبعث إليهم الأشتر فقال يا معشر ربيعة ما منعكم أن تنهدوا و قد

نهد الناس و كان جهير الصوت و أنتم أصحاب كذا و أصحاب كذا فجعل يعدد أيامهم فقالوا لسنا نفعل حتى ننظر ما تصنع هذه الخيل

التي خلف ظهورنا و هي أربعة آلاف قل لأمير المؤمنين فليبعث إليهم من يكفيه أمرهم. و راية ربيعة يومئذ مع الحضين بن المنذر

فقال لهم الأشتر فإن أمير المؤمنين يقول لكم اكفونيها إنكم لو بعثتم إليهم طائفة منكم لتركوكم في هذه الفلاة و فروا كاليعافير

فوجهت حينئذ ربيعة إليهم تيم الله و النمر بن قاسط و عنزة قالوا فمشينا إليهم مستلئمين مقنعين في الحديد و كان عامة قتال صفين

مشيا قال فلما أتيناهم هربوا و انتشروا انتشار الجراد فذكرت قوله و فروا كاليعافير ثم رجعنا إلى أصحابنا و قد نشب القتال بينهم و

بين أهل الشام و قد اقتطع أهل الشام طائفة من أهل العراق بعضها من ربيعة فأحاطوا بها فلم نصل إليها حتى حملنا على أهل الشام

فعلوناهم بالأسياف حتى انفرجوا لنا فأفضينا إلى أصحابنا فاستنقذناهم و عرفناهم تحت النقع بسيماهم و علامتهم و كانت علامة أهل

العراق بصفين الصوف الأبيض قد جعلوه في رءوسهم و على

[8 : 16 ]

أكتافهم و شعارهم يا الله يا الله يا أحد يا صمد يا رب محمد يا رحمان يا رحيم و كانت علامة أهل الشام خرقا صفرا قد جعلوها على

رءوسهم و أكتافهم و شعارهم

نحن عباد الله حقا حقا

يا لثارات عثمان قال نصر فاجتلدوا بالسيوف و عمد الحديد فلم يتحاجزوا حتى حجز بينهم الليل و ما يرى رجل من هؤلاء و من هؤلاء

موليا. قال نصر حدثنا عمر بن سعد قال كانوا عربا يعرف بعضهم بعضا في الجاهلية و إنهم لحديثو عهد بها فالتقوا في الإسلام و فيهم

بقايا تلك الحمية و عند بعضهم بصيرة الدين و الإسلام فتضاربوا و استحيوا من الفرار حتى كادت الحرب تبيدهم و كانوا إذا تحاجزوا

دخل هؤلاء عسكر هؤلاء فيستخرجون قتلاهم فيدفنونهم. قال نصر فحدثنا عمر بن سعد قال فبينا علي ع واقفا بين جماعة من همدان و

حمير و غيرهم من أفناء قحطان إذ نادى رجل من أهل الشام من دل على أبي نوح الحميري فقيل له قد وجدته فما ذا تريد قال فحسر

عن لثامة فإذا هو ذو الكلاع الحميري و معه جماعة من أهله و رهطه فقال لأبي نوح سر معي قال إلى أين قال إلى أن نخرج عن الصف

قال و ما شأنك قال إن لي إليك لحاجة فقال أبو نوح معاذ الله أن أسير إليك إلا في كتيبة قال ذو الكلاع بلى فسر فلك ذمة الله و ذمة

رسوله

[8 : 17 ]

و ذمة ذي الكلاع حتى ترجع إلى خيلك فإنما أريد أن أسألك عن أمر فيكم تمارينا فيه فسار أبو نوح و سار ذو الكلاع فقال له إنما

دعوتك أحدثك حديثا حدثناه عمرو بن العاص قديما في خلافة عمر بن الخطاب ثم أذكرناه الآن به فأعاده أنه يزعم أنه سمع رسول الله

ص قال يلتقي أهل الشام و أهل العراق و في إحدى الكتيبتين الحق و إمام الهدى و معه عمار بن ياسر فقال أبو نوح نعم و الله إنه

لفينا قال نشدتك الله أ جاد هو على قتالنا قال أبو نوح نعم و رب الكعبة لهو أشد على قتالكم مني و لوددت أنكم خلق واحد فذبحته

و بدأت بك قبلهم و أنت ابن عمي قال ذو الكلاع ويلك علام تمنى ذلك منا فو الله ما قطعتك فيما بيني و بينك قط و إن رحمك لقريبة

و ما يسرني أن أقتلك قال أبو نوح إن الله قطع بالإسلام أرحاما قريبة و وصل به أرحاما متباعدة و إني قاتلك و أصحابك لأنا على

الحق و أنتم على الباطل قال ذو الكلاع فهل تستطيع أن تأتي معي صف أهل الشام فأنا لك جار منهم حتى تلقى عمرو بن العاص

فتخبره بحال عمار و جده في قتالنا لعله أن يكون صلح بين هذين الجندين. قلت وا عجباه من قوم يعتريهم الشك في أمرهم لمكان

عمار و لا يعتريهم الشك لمكان علي ع و يستدلون على أن الحق مع أهل العراق بكون عمار بين أظهرهم و لا يعبئون بمكان علي ع و

يحذرون من

قول النبي ص تقتلك الفئة الباغية

و يرتاعون لذلك و لا يرتاعون

لقوله ص في علي ع اللهم وال من والاه و عاد من عاداه

و لا لقوله لا يحبك إلا مؤمن

[8 : 18 ]

و لا يبغضك إلا منافق

و هذا يدلك على أن عليا ع اجتهدت قريش كلها من مبدإ الأمر في إخمال ذكره و ستر فضائله و تغطية خصائصه حتى محي فضله و مرتبته

من صدور الناس كافة إلا قليلا منهم. قال نصر فقال له أبو نوح إنك رجل غادر و أنت في قوم غدر و إن لم يرد الغدر أغدروك و إني أن

أموت أحب إلى من أن أدخل مع معاوية فقال ذو الكلاع أنا جار لك من ذلك ألا تقتل و لا تسلب و لا تكره على بيعة و لا تحبس عن

جندك و إنما هي كلمة تبلغها عمرو بن العاص لعل الله أن يصلح بذلك بين هذين الجندين و يضع عنهم الحرب فقال أبو نوح إني

أخاف غدراتك و غدرات أصحابك قال ذو الكلاع أنا لك بما قلت زعيم قال أبو نوح اللهم إنك ترى ما أعطاني ذو الكلاع و أنت تعلم ما

في نفسي فاعصمني و اختر لي و انصرني و ادفع عني ثم سار مع ذي الكلاع حتى أتى عمرو بن العاص و هو عند معاوية و حوله الناس و

عبد الله بن عمر يحرض الناس على الحرب فلما وقفا على القوم قال ذو الكلاع لعمرو يا أبا عبد الله هل لك في رجل ناصح لبيب

مشفق يخبرك عن عمار بن ياسر فلا يكذبك قال و من هو قال هو ابن عمي هذا و هو من أهل الكوفة فقال عمرو أرى عليك سيما أبي

تراب فقال أبو نوح على سيما محمد و أصحابه و عليك سيما أبي جهل و سيما فرعون فقام أبو الأعور فسل سيفه و قال لا أرى هذا

الكذاب اللئيم يسبنا بين أظهرنا و عليه سيما أبي تراب فقال ذو الكلاع أقسم بالله لئن بسطت يدك إليه لأحطمن أنفك بالسيف ابن

عمي و جاري عقدت له ذمتي و جئت به إليكم ليخبركم عما تماريتم فيه فقال له عمرو بن العاص يا أبا نوح أذكرك بالله إلا ما صدقتنا و

لم تكذبنا أ فيكم عمار بن ياسر قال أبو نوح ما أنا بمخبرك حتى تخبر لم تسأل عنه و معنا من أصحاب محمد ص عدة غيره و كلهم جاد

على قتالكم

فقال عمرو سمعت رسول الله ص يقول إن

[8 : 19 ]

عمارا تقتله الفئة الباغية و إنه ليس لعمار أن يفارق الحق و لن تأكل النار من عمار شيئا

فقال أبو نوح لا إله إلا الله و الله أكبر و الله إنه لفينا جاد على قتالكم فقال عمرو الله الذي لا إله إلا هو إنه لجاد على قتالنا قال

نعم و الله الذي لا إله إلا هو و لقد حدثني يوم الجمل أنا سنظهر على أهل البصرة و لقد قال لي أمس إنكم لو ضربتمونا حتى تبلغوا

بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق و أنكم على باطل و لكانت قتلانا في الجنة و قتلاكم في النار قال عمرو فهل تستطيع أن تجمع

بيني و بينه قال نعم فركب عمرو بن العاص و ابناه و عتبة بن أبي سفيان و ذو الكلاع و أبو الأعور السلمي و حوشب و الوليد بن عقبة

و انطلقوا و سار أبو نوح و معه شرحبيل بن ذي الكلاع يحميه حتى انتهى إلى أصحابه فذهب أبو نوح إلى عمار فوجده قاعدا مع

أصحاب له منهم الأشتر و هاشم و ابنا بديل و خالد بن معمر و عبد الله بن حجل و عبد الله بن العباس. فقال لهم أبو نوح إنه دعاني

ذو الكلاع و هو ذو رحم فقال أخبرني عن عمار بن ياسر أ فيكم هو فقلت لم تسأل

فقال أخبرني عمرو بن العاص في إمرة عمر بن الخطاب أنه سمع رسول الله ص يقول يلتقي أهل الشام و أهل العراق و عمار مع أهل

الحق و تقتله الفئة الباغية

فقلت نعم إن عمارا فينا فسألني أ جاد هو على قتالنا فقلت نعم و الله إنه لأجد مني في ذلك و لوددت أنكم خلق واحد فذبحته و بدأت

بك يا ذا الكلاع فضحك عمار و قال أ يسرك ذلك قال نعم

ثم قال أبو نوح أخبرني الساعة عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله ص يقول تقتل عمارا الفئة الباغية

قال عمار أ قررته بذلك قال نعم لقد قررته بذلك فأقر

[8 : 20 ]

فقال عمار صدق و ليضرنه ما سمع و لا ينفعه قال أبو نوح فإنه يريد أن يلقاك فقال عمار لأصحابه اركبوا فركبوا و ساروا قال فبعثنا

إليهم فارسا من عبد القيس يسمى عوف بن بشر فذهب حتى إذا كان قريبا منهم نادى أين عمرو بن العاص قالوا هاهنا فأخبره بمكان

عمار و خيله قال عمرو قل له فليسر إلينا قال عوف إنه يخاف غدارتك و فجراتك قال عمرو ما أجرأك علي و أنت على هذه الحال قال

عوف جرأني عليك بصري فيك و في أصحابك و إن شئت نابذتك الآن على سواء و إن شئت التقيت أنت و خصماؤك و أنت كنت غادرا

فقال عمرو إنك لسفيه و إني باعث إليك رجلا من أصحابي يواقفك قال ابعث من شئت فلست بالمستوحش و إنك لا تبعث إلا شقيا

فرجع عمرو و أنفذ إليه أبا الأعور فلما تواقفا تعارفا فقال عوف إني لأعرف الجسد و أنكر القلب و إني لا أراك مؤمنا و لا أراك إلا من

أهل النار قال أبو الأعور يا هذا لقد أعطيت لسانا يكبك الله به على وجهك في النار قال عوف كلا و الله إني لأتكلم بالحق و تتكلم

بالباطل و إني أدعوك إلى الهدى و أقاتلك على الضلال و أفر من النار و أنت بنعمة الله ضال تنطق بالكذب و تقاتل على ضلالة و

تشتري العقاب بالمغفرة و الضلالة بالهدى انظر إلى وجوهنا و وجوهكم و سيمانا و سيماكم و اسمع دعوتنا و دعوتكم فليس أحد منا

إلا و هو أولى بالحق و بمحمد و أقرب إليه منكم فقال أبو الأعور لقد أكثرت الكلام و ذهب النهار ويحك ادع أصحابك و أدعو

أصحابي و ليأت أصحابك في قلة إن شاءوا أو كثرة فإني أجيء من أصحابي بعدتهم فإن شاء أصحابك فليقلوا

[8 : 21 ]

و إن شاءوا فليكثروا فسار عمار في اثني عشر فارسا حتى إذا كانوا بالمنصف سار عمرو بن العاص في اثني عشر فارسا حتى اختلفت

أعناق الخيل خيل عمار و خيل عمرو و نزل القوم و احتبوا بحمائل سيوفهم فتشهد عمرو بن العاص فقال له عمار اسكت فلقد تركتها

و أنا أحق بها منك فإن شئت كانت خصومة فيدفع حقنا باطلك و إن شئت كانت خطبة فنحن أعلم بفصل الخطاب منك و إن شئت

أخبرتك بكلمة تفصل بيننا و بينك و تكفرك قبل القيام و تشهد بها على نفسك و لا تستطيع أن تكذبني فيها فقال عمرو يا أبا اليقظان

ليس لهذا جئت إنما جئت لأني رأيتك أطوع أهل هذا العسكر فيهم أذكرك الله إلا كففت سلاحهم و حقنت دماءهم و حرصت على ذلك

فعلام تقاتلوننا أ و لسنا نعبد إلها واحدا و نصلي إلى قبلتكم و ندعو دعوتكم و نقرأ كتابكم و نؤمن بنبيكم فقال عمار الحمد لله

الذي أخرجها من فيك أنها لي و لأصحابي القبلة و الدين و عبادة الرحمن و النبي و الكتاب من دونك و دون أصحابك الحمد لله الذي

قررك لنا بذلك و جعلك ضالا مضلا أعمى و سأخبرك على ما أقاتلك عليه و أصحابك إن رسول الله ص أمرني أن أقاتل الناكثين فقد

فعلت و أمرني أن أقاتل القاسطين و أنتم هم و أما المارقون فلا أدري أدركهم أو لا أيها الأبتر أ لست تعلم

أن رسول الله ص قال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه و عاد من عاداه

فأنا مولى الله و رسوله و علي مولاي بعدهما قال عمرو لم تشتمني يا أبا اليقظان و لست أشتمك قال عمار و بم تشتمني أ تستطيع أن

تقول أني عصيت الله و رسوله يوما قط قال عمرو إن فيك لمساب سوى ذلك قال عمار إن الكريم من أكرمه

[8 : 22 ]

الله كنت وضيعا فرفعني الله و مملوكا فأعتقني الله و ضعيفا فقواني الله و فقيرا فأغناني الله قال عمرو فما ترى في قتل عثمان قال

فتح لكم باب كل سوء قال عمرو فعلي قتله قال عمار بل الله رب علي قتله و علي معه قال عمرو فكنت فيمن قتله قال كنت مع من قتله و

أنا اليوم أقاتل معهم قال عمرو فلم قتلتموه قال عمار إنه أراد أن يغير ديننا فقتلناه فقال عمرو أ لا تسمعون قد اعترف بقتل إمامكم

فقال عمار قد قالها فرعون قبلك لقومه أَ لا تَسْتَمِعُونَ فقام أهل الشام و لهم زجل فركبوا خيولهم و رجعوا و قام عمار و أصحابه

فركبوا خيولهم و رجعوا و بلغ معاوية ما كان بينهم فقال هلكت العرب أن حركتهم خفة العبد الأسود يعني عمارا. قال نصر فحدثنا

عمرو بن شمر قال فخرجت الخيول إلى القتال و اصطفت بعضها لبعض و تزاحف الناس و على عمار درع بيضاء و هو يقول أيها الناس

الرواح إلى الجنة. فقاتل القوم قتالا شديدا لم يسمع السامعون بمثله و كثرت القتلى حتى أن كان الرجل ليشد طنب فسطاطه بيد

الرجل أو برجله و حكى الأشعث بعد ذلك قال لقد رأيت أخبية صفين و أروقتها و ما فيها خباء و لا رواق و لا فسطاط إلا مربوطا بيد

إنسان أو برجله. قال نصر و جعل أبو السماك الأسدي يأخذ إداوة من ماء و شفرة حديدة فيطوف في القتلى فإذا رأى رجلا جريحا و به

رمق أقعده فيقول له من أمير المؤمنين فإذا قال

[8 : 23 ]

علي غسل الدم عنه و سقاه من الماء و إن سكت وجأه بالسكين حتى يموت و لا يسقيه. قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر قال

سمعت الشعبي يقول قال الأحنف بن قيس و الله إني إلى جانب عمار بن ياسر بيني و بينه رجل من بني الشعيراء. فتقدمنا حتى دنونا

من هاشم بن عتبة فقال له عمار احمل فداك أبي و أمي فقال له هاشم يرحمك الله يا أبا اليقظان إنك رجل تأخذك خفة في الحرب و

إني إنما أزحف باللواء زحفا أرجو أن أنال بذلك حاجتي و إن خففت لم آمن الهلكة و قد كان قال معاوية لعمرو ويحك إن اللواء اليوم

مع هاشم بن عتبة و قد كان من قبل يرقل به إرقالا و إن زحف به اليوم زحفا إنه لليوم الأطول على أهل الشام فإن زحف في عنق من

أصحابه إني لأطمع أن تقتطع فلم يزل به عمار حتى حمل فبصر به معاوية فوجه إليه حماة أصحابه و من يزن بالبأس و النجدة منهم

في ناحية و كان في ذلك الجمع عبد الله بن عمرو بن العاص و معه يومئذ سيفان قد تقلد بأحدهما و هو يضرب بالآخر فأطافت به خيول

علي ع و جعل عمرو يقول يا الله يا رحمان ابني ابني فيقول معاوية اصبر فلا بأس عليه فقال عمرو لو كان يزيد بن معاوية أ صبرت فلم

يزل حماة أهل الشام تذب عن عبد الله حتى نجا هاربا على فرسه و من معه و أصيب هاشم في المعركة.

[8 : 24 ]

قال نصر و حدثنا عمر بن سعد قال و في هذا اليوم قتل عمار بن ياسر رضي الله عنه أصيب في المعركة و قد كان قال حين نظر إلى راية

عمرو بن العاص و الله إنها لراية قد قاتلتها ثلاث عركات و ما هذه بأرشدهن ثم قال

نحن ضربناكم على تأويله كما ضربناكم على تنزيله

ضربا يزيل الهام عن مقيله و يذهل الخليل عن خليله

أو يرجع الحق إلى سبيله

ثم استسقى و قد اشتد عطشه فأتته امرأة طويلة اليدين ما أدري أ عس معها أم إداوة فيها ضياح من لبن فقال حين شرب الجنة تحت

الأسنة اليوم ألقي الأحبة محمدا و حزبه و الله لو ضربونا حتى يبلغونا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق و أنهم على الباطل ثم

حمل و حمل عليه ابن حوى السكسكي و أبو العادية فأما أبو العادية فطعنه و أما ابن حوى فاحتز رأسه

و قد كان ذو الكلاع يسمع عمرو بن العاص يقول إن النبي ص يقول لعمار تقتلك الفئة الباغية و آخر شربك ضياح من لبن

فقال ذو الكلاع لعمرو ويحك ما هذا قال عمرو إنه سيرجع إلينا و يفارق أبا تراب و ذلك قبل أن يصاب عمار فلما أصيب عمار في هذا

اليوم أصيب ذو الكلاع فقال عمرو لمعاوية و الله ما أدري بقتل أيهما أنا أشد فرحا و الله لو بقي ذو الكلاع حتى يقتل عمار لمال

بعامة قومه إلى علي و لأفسد علينا أمرنا. قال نصر و حدثنا عمر بن سعد قال كان لا يزال رجل يجيء فيقول لمعاوية و عمرو أنا قتلت

عمارا فيقول له عمرو فما سمعته يقول فيخلط حتى أقبل ابن حوى

[8 : 25 ]

فقال أنا قتلته فقال عمرو فما كان آخر منطقه قال سمعته يقول اليوم ألقى الأحبة محمدا و حزبه فقال صدقت أنت صاحبه أما و الله ما

ظفرت يداك و لقد أسخطت ربك. قال نصر حدثنا عمرو بن شمر قال حدثني إسماعيل السدي عن عبد خير الهمداني قال نظرت إلى

عمار بن ياسر يوما من أيام صفين قد رمي رمية فأغمي عليه فلم يصل الظهر و لا العصر و لا المغرب و لا العشاء و لا الفجر ثم أفاق

فقضاهن جميعا يبدأ بأول شيء فاته ثم بالتي تليها. قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر عن السدي عن أبي حريث قال أقبل غلام لعمار بن

ياسر اسمه راشد يحمل إليه يوم قتل بشربة من لبن

فقال عمار أما إني سمعت خليلي رسول الله ص يقول إن آخر زادك من الدنيا شربة لبن

قال نصر و روى عمرو بن شمر عن السدي أن رجلين بصفين اختصما في سلب عمار و في قتله فأتيا عبد الله بن عمرو بن العاص فقال

ويحكما اخرجا عني

فإن رسول الله ص قال ما لقريش و لعمار يدعوهم إلى الجنة و يدعونه إلى النار قاتله و سالبه في النار

[8 : 26 ]

قال السدي فبلغني أن معاوية قال لما سمع ذلك إنما قتله من أخرجه يخدع بذلك طغام أهل الشام. قال نصر و حدثنا عمرو عن جابر

عن أبي الزبير قال أتى حذيفة بن اليمان رهط من جهينة فقالوا له يا أبا عبد الله إن رسول الله ص استجار من أن تصطلم أمته فأجير من

ذلك و استجار من أن يذيق أمته بعضها بأس بعض فمنع من ذلك

فقال حذيفة إني سمعت رسول الله ص يقول إن ابن سمية لم يخير بين أمرين قط إلا اختار أشدهما يعني عمارا فالزموا سمته

قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر قال حمل عمار ذلك اليوم على صف أهل الشام و هو يرتجز

كلا و رب البيت لا أبرح أجي حتى أموت أو أرى ما أشتهي

لا أفتأ الدهر أحامي عن علي صهر الرسول ذي الأمانات الوفي

ينصرنا رب السماوات العلي و يقطع الهام بحد المشرفي

يمنحنا النصر على من يبتغي ظلما علينا جاهدا ما يأتلي

قال فضرب أهل الشام حتى اضطرهم إلى الفرار.

[8 : 27 ]

قال نصر و قد كان عبد الله بن سويد الحميري من آل ذي الكلاع قال لذي الكلاع ما حديث سمعته من ابن العاص في عمار فأخبره فلما

قتل عمار خرج عبد الله ليلا يمشي فأصبح في عسكر علي ع و كان عبد الله من عباد الله زمانه و كاد أهل الشام أن يضطربوا لو لا أن

معاوية قال لهم إن عليا قتل عمارا لأنه أخرجه إلى الفتنة ثم أرسل معاوية إلى عمرو لقد أفسدت على أهل الشام أ كل ما سمعت من

رسول الله ص تقوله فقال عمرو قلتها و لست أعلم الغيب و لا أدري أن صفين تكون قلتها و عمار يومئذ لك ولي و قد رويت أنت فيه

مثل ما رويت فغضب معاوية و تنمر لعمرو و عزم على منعه خيره فقال عمرو لابنه و أصحابه لا خير في جوار معاوية إن تجلت هذه

الحرب عنه لأفارقنه و كان عمرو حمي الأنف قال

تعاتبني أن قلت شيئا سمعته و قد قلت لو أنصفتني مثله قبلي

أ نعلك فيما قلت نعل ثبيته و تزلق بي في مثل ما قلته نعلي

و ما كان لي علم بصفين أنها تكون و عمار يحث على قتلي

و لو كان لي بالغيب علم كتمتها و كايدت أقواما مراجلهم تغلي

أبى الله إلا أن صدرك واغر علي بلا ذنب جنيت و لا ذحل

سوى أنني و الراقصات عشية بنصرك مدخول الهوى ذاهل العقل

فلا وضعت عني حصان قناعها و لا حملت وجناء ذعلبة رحلي

و لا زلت أدعى في لؤي بن غالب قليلا غنائي لا أمر و لا أحلى

إن الله أرخى من خناقك مرة و نلت الذي رجيت إن لم أزر أهلي

[8 : 28 ]

و أترك لك الشام التي ضاق رحبها عليك و لم يهنك بها العيش من أجلي

فأجابه معاوية

أ الآن لما ألقت الحرب بركها و قام بنا الأمر الجليل على رجل

غمزت قناتي بعد ستين حجة تباعا كأني لا أمر و لا أحلى

أتيت بأمر فيه للشام فتنة و في دون ما أظهرته زلة النعل

فقلت لك القول الذي ليس ضائرا و لو ضر لم يضررك حملك لي ثقلي

تعاتبني في كل يوم و ليلة كأن الذي أبليك ليس كما أبلي

فيا قبح الله العتاب و أهله أ لم تر ما أصبحت فيه من الشغل

فدع ذا و لكن هل لك اليوم حيلة ترد بها قوما مراجلهم تغلي

دعاهم علي فاستجابوا لدعوة أحب إليهم من ثرى المال و الأهل

إذا قلت هابوا حومة الموت أرقلوا إلى الموت إرقال الهلوك إلى الفحل

قال فلما أتى عمرا شعر معاوية أتاه فأعتبه و صار أمرهما واحدا. قال نصر ثم إن عليا ع دعا في هذا اليوم هاشم بن عتبة و معه لواؤه و

كان أعور فقال له يا هاشم حتى متى فقال هاشم لأجهدن ألا أرجع إليك أبدا فقال علي ع إن بإزائك ذا الكلاع و عنده الموت الأحمر

فتقدم هاشم

[8 : 29 ]

فلما أقبل قال معاوية من هذا المقبل فقيل هاشم المرقال فقال أعور بني زهرة قاتله الله فأقبل هاشم و هو يقول

أعور يبغي نفسه خلاصا مثل الفنيق لابسا دلاصا

لا دية يخشى و لا قصاصا كل امرئ و إن كبا و حاصا

ليس يرى من يومه مناصا

فحمل صاحب لواء ذي الكلاع و هو رجل من عذرة فقال

يا أعور العين و ما بي من عور اثبت فإني لست من فرعي مضر

نحن اليمانون و ما فينا خور كيف ترى وقع غلام من عذر

ينعى ابن عفان و يلحى من عذر سيان عندي من سعى و من أمر

فاختلفا طعنتين فطعنه هاشم فقتله و كثرت القتلى حول هاشم و حمل ذو الكلاع و اختلط الناس و اجتلدوا فقتل هاشم و ذو الكلاع

جميعا و أخذ عبد الله بن هاشم اللواء و ارتجز فقال

يا هاشم بن عتبة بن مالك أعزز بشيخ من قريش هالك

تحيطه الخيلان بالسنابك في أسود من نقعهن حالك

أبشر بحور العين في الأرائك و الروح و الريحان عند ذلك

قال نصر و حدثنا عمر بن سعد عن الشعبي قال أخذ عبد الله بن هاشم بن عتبة راية أبيه ثم قال أيها الناس إن هاشما كان عبدا من عباد

الله الذي قدر أرزاقهم

[8 : 30 ]

و كتب آثارهم و أحصى أعمالهم و قضى آجالهم فدعاه الله ربه فاستجاب لأمره و سلم لأمره و جاهد في طاعة ابن عم رسوله أول من

آمن به و أفقههم في دين الله الشديد على أعداء الله المستحلين حرم الله الذين عملوا في البلاد بالجور و الفساد و استحوذ عليهم

الشيطان فأنساهم ذكر الله و زين لهم الإثم و العدوان فحق عليكم جهاد من خالف الله و عطل حدوده و نابذ أولياءه جودوا بمهجكم

في طاعة الله في هذه الدنيا تصيبوا الآخرة و المنزل الأعلى و الأبد الذي لا يفنى فو الله لو لم يكن ثواب و لا عقاب و لا جنة و لا نار

لكان القتال مع علي أفضل من القتال مع معاوية فكيف و أنتم ترجون ما ترجون قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر قال لما انقضى أمر

صفين و سلم الحسن ع الأمر إلى معاوية و وفدت عليه الوفود أشخص عبد الله بن هاشم إليه أسيرا فلما مثل بين يديه و عنده عمرو

بن العاص قال يا أمير المؤمنين هذا المختال ابن المرقال فدونك الضب المضب المعر المفتون فاقتله فإن العصا من العصية و إنما

تلد الحية حيية و جزاء السيئة سيئة مثلها. فقال عبد الله إن تقتلني فما أنا بأول رجل خذله قومه و أسلمه يومه فقال عمرو يا أمير

المؤمنين أمكني منه أشخب أوداجه على أثباجه فقال عبد الله فهلا كانت هذه الشجاعة منك يا ابن العاص في أيام صفين و نحن

ندعوك إلى النزال و قد ابتلت أقدام الرجال من نقيع الجريال و قد تضايقت بك المسالك و أشرفت منها على المهالك و ايم الله لو لا

مكانك منه لرميتك بأحد من وقع الأشافي فإنك لا تزال تكثر في

[8 : 31 ]

هوسك و تخبط في دهسك و تنشب في مرسك تخبط العشواء في الليلة الحندس الظلماء فأمر معاوية به إلى الحبس فكتب عمرو إلى

معاوية

أمرتك أمرا حازما فعصيتني و كان من التوفيق قتل ابن هاشم

و كان أبوه يا معاوية الذي رماك على حرب بحز الغلاصم

فقتلنا حتى جرت من دمائنا بصفين أمثال البحور الخضارم

و هذا ابنه و المرء يشبه أصله ستقرع إن أبقيته سن نادم

فبعث معاوية بالشعر إلى عبد الله بن هاشم فكتب في جوابه من السجن

معاوي إن المرء عمرا أبت له ضغينة صدر ودها غير سالم

يرى لك قتلي يا ابن حرب و إنما يرى ما يرى عمرو ملوك الأعاجم

على أنهم لا يقتلون أسيرهم إذا كان فيه منعة للمسالم

و قد كان منا يوم صفين نفرة عليك جناها هاشم و ابن هاشم

قضى الله فيها ما قضى ثمت انقضى و ما ما مضى إلا كأضغاث حالم

فإن تعف عني تعف عن ذي قرابة و إن تر قتلي تستحل محارمي

هذه رواية نصر بن مزاحم.

[8 : 32 ]

و روى أبو عبيد الله محمد بن عمران بن موسى بن عبيد الله المرزباني أن معاوية لما تم له الأمر بعد وفاة علي ع بعث زيادا على

البصرة و ناد منادي معاوية أمن الأسود و الأحمر بأمان الله إلا عبد الله بن هاشم بن عتبة فمكث معاوية يطلبه أشد الطلب و لا يعرف

له خبرا حتى قدم عليه رجل من أهل البصرة فقال له أنا أدلك على عبد الله بن هاشم بن عتبة اكتب إلى زياد فإنه عند فلانة المخزومية

فدعا كاتبه فكتب من معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين إلى زياد بن أبي سفيان أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فاعمد إلى حي بني

مخزوم ففتشه دارا دارا حتى تأتي إلى دار فلانة المخزومية فاستخرج عبد الله بن هاشم المرقال منها فاحلق رأسه و ألبسه جبة شعر و

قيده و غل يده إلى عنقه و احمله على قتب بعير بغير وطاء و لا غذاء و أنفذ به إلي. قال المرزباني فأما الزبير بن بكار فإنه قال إن

معاوية قال لزياد لما بعثه إلى البصرة إن عبد الله بن المرقال في بني ناجية بالبصرة عند امرأة منهم يقال لها فلانة و أنا أعزم عليك

إلا حططت رحلك ببابها ثم اقتحمت الدار و استخرجته منها و حملته إلي. فلما دخل زياد إلى البصرة سأل عن بني ناجية و عن منزل

المرأة فاقتحم الدار و استخرج عبد الله منها فأنفذه إلى معاوية فوصل إليه يوم الجمعة و قد لاقى نصبا كثيرا و من الهجير ما غير

جسمه و كان معاوية يأمر بطعام فيتخذ في كل جمعة لأشراف قريش و لأشراف الشام و وفود العراق فلم يشعر معاوية إلا و عبد الله

بين يديه و قد ذبل و سهم وجهه فعرفه و لم يعرفه عمرو بن العاص فقال معاوية يا أبا عبد الله أ تعرف هذا الفتى قال لا قال هذا ابن

الذي كان يقول في صفين

أعور يبغي أهله محلا قد عالج الحياة حتى ملا

لا بد أن يفل أو يفلا

قال عمرو و إنه لهو دونك الضب المضب فاشخب أوداجه و لا ترجعه إلى أهل

[8 : 33 ]

العراق فإنهم أهل فتنة و نفاق و له مع ذلك هوى يرديه و بطانة تغويه فو الذي نفسي بيده لئن أفلت من حبائلك ليجهزن إليك جيشا

تكثر صواهله لشر يوم لك. فقال عبد الله و هو في القيد يا ابن الأبتر هلا كانت هذه الحماسة عندك يوم صفين و نحن ندعوك إلى

البراز و تلوذ بشمائل الخيل كالأمة السوداء و النعجة القوداء أما إنه إن قتلني قتل رجلا كريم المخبرة حميد المقدرة ليس بالجبس

المنكوس و لا الثلب المركوس فقال عمرو دع كيت و كيت فقد وقعت بين لحيي لهزم فروس للأعداء يسعطك إسعاط الكودن الملجم

قال عبد الله أكثر إكثارك فإني أعلمك بطرا في الرخاء جبانا في اللقاء هيابة عند كفاح الأعداء ترى أن تقي مهجتك بأن تبدي سوءتك أ

نسيت يوم صفين و أنت تدعى إلى النزال فتحيد عن القتال خوفا أن يغمرك رجال لهم أبدان شداد و أسنة حداد ينهبون السرح و

يذلون العزيز. قال عمر لقد علم معاوية أني شهدت تلك المواطن فكنت فيها كمدرة الشوك و لقد رأيت أباك في بعض تلك المواطن

تخفق أحشاؤه و تنق أمعاؤه قال أما و الله لو لقيك أبي في ذلك المقام لارتعدت منه فرائصك و لم تسلم منه مهجتك و لكنه قاتل

غيرك فقتل دونك. فقال معاوية أ لا تسكت لا أم لك فقال يا ابن هند أ تقول لي هذا و الله لئن شئت لأعرقن جبينك و لأقيمنك و بين

عينيك وسم يلين له أخدعاك أ بأكثر من الموت تخوفني فقال معاوية أو تكف يا ابن أخي و أمر به إلى السجن. فقال عمرو و ذكر

الأبيات فقال عبد الله و ذكر الأبيات أيضا و زاد فأطرق معاوية طويلا حتى ظن أنه لن يتكلم ثم قال

[8 : 34 ]

أرى العفو عن عليا قريش وسيلة إلى الله في اليوم العبوس القماطر

و لست أرى قتلي فتى ذا قرابة له نسب في حي كعب و عامر

بل العفو عنه بعد ما خاب قدحه و زلت به إحدى الجدود العواثر

و كان أبوه يوم صفين محنقا علينا فأردته رماح يحابر

ثم قال له أ تراك فاعلا ما قال عمرو من الخروج علينا قال لا تسل عن عقيدات الضمائر لا سيما إذا أرادت جهادا في طاعة الله قال إذن

يقتلك الله كما قتل أباك قال و من لي بالشهادة قال فأحسن معاوية جائزته و أخذ عليه موثقا ألا يساكنه بالشام فيفسد عليه أهله. قال

نصر و حدثنا عمرو بن شمر عن السدي عن عبد خير الهمداني قال قال هاشم بن عتبة يوم مقتله أيها الناس إني رجل ضخم فلا يهولنكم

مسقطي إذا سقطت فإنه لا يفرغ مني أقل من نحر جزور حتى يفرغ الجزار من جزرها ثم حمل فصرع فمر عليه رجل و هو صريع بين

القتلى فناداه اقرأ على أمير المؤمنين السلام و قل له بركات الله و رحمته عليك يا أمير المؤمنين أنشدك الله إلا أصبحت و قد ربطت

مقاود خيلك بأرجل القتلى فإن الدبرة تصبح غدا لمن غلب على القتلى فأخبر الرجل عليا ع بما قاله فسار في الليل بكتائبه حتى جعل

القتلى خلف ظهره فأصبح و الدبرة له على أهل الشام. قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر عن السدي عن عبد خير قال قاتل هاشم الحارث

بن المنذر التنوخي حمل عليه بعد أن أعيا و كل و قتل بيده فطعنه بالرمح فشق بطنه فسقط و بعث إليه علي ع و هو لا يعلم أقدم

بلوائك فقال للرسول انظر

[8 : 35 ]

إلى بطني فإذا هو قد انشق فجاء علي ع حتى وقف عليه و حوله عصابة من أسلم قد صرعوا معه و قوم من القراء فجزع عليه و قال

جزى الله خيرا عصبة أسلمية صباح الوجوه صرعوا حول هاشم

يزيد و سعدان و بشر و معبد و سفيان و ابنا معبد ذي المكارم

و عروة لا يبعد نثاه و ذكره إذا اخترطت يوما خفاف الصوارم

قال نصر و حدثنا عمر بن سعد عن الشعبي عن أبي سلمة أن هاشم بن عتبة استصرخ الناس عند المساء ألا من كان له إلى الله حاجة و

من كان يريد الآخرة فليقبل فأقبل إليه ناس كثير شد بهم على أهل الشام مرارا ليس من وجه يحمل عليه إلا صبروا له فقاتل قتالا

شديدا ثم قال لأصحابه لا يهولنكم ما ترون من صبرهم فو الله ما ترون منهم إلا حمية العرب و صبرها تحت راياتها و عند مراكزها و

إنهم لعلى الضلال و إنكم لعلى الحق يا قوم اصبروا و صابروا و اجتمعوا و امشوا بنا إلى عدونا على تؤدة رويدا و اذكروا الله و لا

يسلمن رجل أخاه و لا تكثروا الالتفات و اصمدوا صمدهم و جالدوهم محتسبين حتى يحكم الله بيننا و بينهم و هو خير الحاكمين.

قال أبو سلمة فبينا هو و عصابة من القراء يجالدون أهل الشام إذ طلع عليهم فتى شاب و هو يقول

أنا ابن أرباب ملوك غسان و الدائن اليوم بدين عثمان

[8 : 36 ]

أنبأنا قراؤنا بما كان أن عليا قتل ابن عفان

ثم شد لا ينثني حتى يضرب بسيفه ثم جعل يلعن عليا و يشتمه و يسهب في ذمه فقال له هاشم بن عتبة يا هذا إن الكلام بعده الخصام

و إن لعنك سيد الأبرار بعده عقاب النار فاتق الله فإنك راجع إلى ربك فيسألك عن هذا الموقف و عن هذا المقال. قال الفتى إذا سألني

ربي قلت قاتلت أهل العراق لأن صاحبهم لا يصلي كما ذكر لي و إنهم لا يصلون و صاحبهم قتل خليفتنا و هم آزروه على قتله فقال له

هاشم يا بني و ما أنت و عثمان إنما قتله أصحاب محمد الذين هم أولى بالنظر في أمور المسلمين و إن صاحبنا كان أبعد القوم عن دمه

و أما قولك إنه لا يصلي فهو أول من صلى مع رسول الله و أول من آمن به و أما قولك إن أصحابه لا يصلون فكل من ترى معه قراء

الكتاب لا ينامون الليل تهجدا فاتق الله و اخش عقابه و لا يغررك من نفسك الأشقياء الضالون. فقال الفتى يا عبد الله لقد دخل قلبي

وجل من كلامك و إني لأظنك صادقا صالحا و أظنني مخطئا آثما فهل لي من توبة قال نعم ارجع إلى ربك و تب إليه فإنه يقبل التوبة

و يعفو عن السيئات و يحب التوابين و يحب المتطهرين فرجع الفتى إلى صفه منكسرا نادما فقال له قوم من أهل الشام خدعك

العراقي قال لا و لكن نصحني العراقي. قال نصر و في قتل هاشم و عمار تقول امرأة من أهل الشام

لا تعدموا قوما أذاقوا ابن ياسر شعوبا و لم يعطوكم بالخزائم

[8 : 37 ]

فنحن قتلنا اليثربي ابن محصن خطيبكم و ابني بديل و هاشم

قال نصر أما اليثربي فهو عمرو بن محصن الأنصاري و قد رثاه النجاشي شاعر أهل العراق فقال

لنعم فتى الحيين عمرو بن محصن إذا صارخ الحي المصبح ثوبا

إذا الخيل جالت بينها قصد القنا يثرن عجاجا ساطعا متنصبا

لقد فجع الأنصار طرا بسيد أخي ثقة في الصالحات مجربا

فيا رب خير قد أفدت و جفنة ملأت و قرن قد تركت مسلبا

و يا رب خصم قد رددت بغيظه فآب ذليلا بعد أن كان مغضبا

و راية مجد قد حملت و غزوة شهدت إذ النكس الجبان تهيبا

حويطا على جل العشيرة ماجدا و ما كنت في الأنصار نكسا مؤنبا

طويل عماد المجد رحبا فناؤه خصيبا إذا ما رائد الحي أجدبا

عظيم رماد النار لم يك فاحشا و لا فشلا يوم النزال مغلبا

و كنت ربيعا ينفع الناس سيبه و سيفا جرازا باتك الحد مقضبا

فمن يك مسرورا بقتل ابن محصن فعاش شقيا ثم مات معذبا

و غودر منكبا لفيه و وجهه يعالج رمحا ذا سنان و ثعلبا

فإن يقتلوا الحر الكريم ابن محصن فنحن قتلنا ذا الكلاع و حوشبا

[8 : 38 ]

و إن يقتلوا ابني بديل و هاشما فنحن تركنا منكم القرن أعضبا

و نحن تركنا حميرا في صفوفكم لدى الحرب صرعى كالنخيل مشذبا

و أفلتنا تحت الأسنة مرثد و كان قديما في الفرار مدربا

و نحن تركنا عند مختلف القنا أخاكم عبيد الله لحما ملحبا

بصفين لما ارفض عنه رجالكم و وجه ابن عتاب تركناه ملغبا

و طلحة من بعد الزبير و لم ندع لضبة في الهيجا عريفا و منكبا

و نحن أحطنا بالبعير و أهله و نحن سقيناكم سماما مقشبا

قال نصر و كان ابن محصن من أعلام أصحاب علي ع قتل في المعركة و جزع علي ع لقتله. قال و في قتل هاشم بن عتبة يقول أبو

الطفيل عامر بن واثلة الكناني و هو من الصحابة و قيل إنه آخر من بقي من صحب رسول الله ص و شهد مع علي صفين و كان من

مخلصي الشيعة

يا هاشم الخير جزيت الجنه قاتلت في الله عدو السنه

و التاركي الحق و أهل الظنه أعظم بما فزت به من منه

صيرني الدهر كأني شنه و سوف تعلو حول قبري رنه

من زوجة و حوبة و كنه

[8 : 39 ]

قال نصر و الحوبة القرابة يقال لي في بني فلان حوبة أي قربى. قال نصر و قال رجل من عذرة من أهل الشام

لقد رأيت أمورا كلها عجب و ما رأيت كأيام بصفينا

لما غدوا و غدونا كلنا حنق كما رأيت الجمال الجلة الجونا

خيل تجول و أخرى في أعنتها و آخرون على غيظ يرامونا

ثم ابتذلنا سيوفا في جماجمهم و ما نساقيهم من ذاك يجزونا

كأنها في أكف القوم لامعة سلاسل البرق يجدعن العرانينا

ثم انصرفنا كأشلاء مقطعة و كلهم عند قتلاهم يصلونا

قال نصر و قال رجل لعدي بن حاتم الطائي و كان من جملة أصحاب علي ع يا أبا طريف أ لم أسمعك تقول يوم الدار و الله لا تحبق

فيها عناق حولية و قد رأيت ما كان فيها و قد كان فقئت عين عدي و قتل بنوه فقال أما و الله لقد حبقت في قتله العناق و التيس

الأعظم. قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر قال بعث علي ع خيلا ليحبسوا عن معاوية مادته فبعث معاوية الضحاك بن قيس الفهري في

خيل إلى تلك الخيل فأزالوها

[8 : 40 ]

و جاءت عيون علي ع فأخبروه بما كان فقال لأصحابه ما ترون فيما هاهنا فقال بعضهم نرى كذا و قال بعضهم نرى كذا فلما زاد

الاختلاف قال علي ع اغدوا إلى القتال فغاداهم إلى القتال فانهزمت صفوف الشام من بين يديه ذلك اليوم حتى فر عتبة بن أبي سفيان

عشرين فرسخا عن موضع المعركة فقال النجاشي فيه من قصيدة أولها

لقد أمعنت يا عتب الفرارا و أورثك الوغى خزيا و عارا

فلا يحمد خصاك سوى طمر إذا أجريته انهمر انهمارا

و قال كعب بن جعيل و هو شاعر أهل الشام بعد رفع المصاحف يذكر أيام صفين و يحرض معاوية

معاوي لا تنهض بغير وثيقة فإنك بعد اليوم بالذل عارف

تركتم عبيد الله بالقاع مسندا يمج نجيعا و العروق نوازف

ألا إنما تبكي العيون لفارس بصفين أجلت خيله و هو واقف

ينوء و تعلوه شآبيب من دم كما لاح في جيب القميص اللفائف

تبدل من أسماء أسياف وائل و أي فتى لو أخطأته المتالف

ألا إن شر الناس في الناس كلهم بنو أسد إني بما قلت عارف

و فرت تميم سعدها و ربابها و خالفت الجعراء فيمن يخالف

و قد صبرت حول ابن عم محمد على الموت شهباء المناكب شارف

فما برحوا حتى رأى الله صبرهم و حتى أتيحت بالأكف المصاحف

[8 : 41 ]

و قد تقدم ذكر هذه الأبيات بزيادة على ما ذكرناه الآن. قال نصر و هجا كعب بن جعيل عتبة بن أبي سفيان و عيره بالفرار و كان كعب من

شيعة معاوية لكنه هجا عتبة تحريضا له فهجاه عتبة جوابا فقال له

و سميت كعبا بشر العظام و كان أبوك يسمى الجعل

و إن مكانك من وائل مكان القراد من است الجمل

قال نصر ثم كانت بين الفريقين الوقعة المعروفة بوقعة الخميس حدثنا بها عمر بن سعد عن سليمان الأعمش عن إبراهيم النخعي قال

حدثنا القعقاع بن الأبرد الطهوي قال و الله إني لواقف قريبا من علي ع بصفين يوم وقعة الخميس و قد التقت مذحج و كانوا في

ميمنة علي ع و عك لخم و جذام و الأشعريون و كانوا مستبصرين في قتال علي ع فلقد و الله رأيت ذلك اليوم من قتالهم و سمعت من

وقع السيوف على الرءوس و خبط الخيول بحوافرها في الأرض و في القتلى ما الجبال تهد و لا الصواعق تصعق بأعظم من هؤلاء في

الصدور من تلك الأصوات و نظرت إلى علي ع و هو قائم فدنوت منه فأسمعه يقول لا حول و لا قوة إلا بالله اللهم إليك الشكوى و

أنت المستعان ثم نهض حين قام قائم الظهبرة و هو يقول ربنا افتح بيننا و بين قومنا بالحق و أنت خير الفاتحين و حمل على الناس

بنفسه و سيفه مجرد بيده فلا و الله ما حجز بين الناس ذلك اليوم إلا الله رب العالمين في قريب من ثلث الليل

[8 : 42 ]

الأول و قتلت يومئذ أعلام العرب و كان في رأس علي ع ثلاث ضربات و في وجهه ضربتان. قال نصر و قد قيل إن عليا ع لم يخرج قط و

قتل في هذا اليوم خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين و قتل من أهل الشام عبد الله بن ذي الكلاع الحميري فقال معقل بن نهيك بن يساف

الأنصاري

يا لهف نفسي و من يشفي حزازتها إذ أفلت الفاسق الضليل منطلقا

و أفلت الخيل عمرو و هي شاحبة تحت العجاج تحث الركض و العنقا

وافت منية عبد الله إذ لحقت قب الخيول به أعجز بمن لحقا

و أنساب مروان في الظلماء مستترا تحت الدجى كلما خاف الردى أرقا

و قال مالك الأشتر

نحن قتلنا حوشبا لما غدا قد أعلما

و ذا الكلاع قبله و معبدا إذ أقدما

أن تقتلوا منا أبا اليقظان شيخا مسلما

فقد قتلنا منكم سبعين كهلا مجرما

أضحوا بصفين و قد لاقوا نكالا مؤثما

و قالت ضبيعة بنت خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين ترثي أباها رحمه الله

عين جودي على خزيمة بالدمع قتيل الأحزاب يوم الفرات

قتلوا ذا الشهادتين عتوا أدرك الله منهم بالترات

قتلوه في فتية غير عزل يسرعون الركوب في الدعوات

نصروا السيد الموفق ذا العدل و دانوا بذاك حتى الممات

[8 : 43 ]

لعن الله معشرا قتلوه و رماهم بالخزي و الآفات

قال نصر و حدثنا عمر بن سعد عن الأعمش قال كتب معاوية إلى أبي أيوب خالد بن زيد الأنصاري صاحب منزل رسول الله ص و كان

سيدا معظما من سادات الأنصار و كان من شيعة علي ع كتابا و كتب إلى زياد ابن سمية و كان عاملا لعلي ع على بعض فارس كتابا ثانيا

فأما كتابه إلى أبي أيوب فكان سطرا واحدا حاجيتك لا تنسى الشيباء أبا عذرها و لا قاتل بكرها فلم يدر أبو أيوب ما هو قال فأتى به

عليا ع فقال يا أمير المؤمنين إن معاوية كهف المنافقين كتب إلي بكتاب لا أدري ما هو قال علي ع فأين الكتاب فدفعه إليه فقرأه و قال

نعم هذا مثل ضربه لك يقول لا تنسى الشيباء أبا عذرها و الشيباء المرأة البكر ليلة افتضاضها لا تنسى بعلها الذي افترعها أبدا و لا

تنسى قاتل بكرها و هو أول ولدها كذلك لا أنسى أنا قتل عثمان. و أما الكتاب الذي كتبه إلى زياد فإنه كان وعيدا و تهددا فقال زياد

ويلي على معاوية كهف المنافقين و بقية الأحزاب يتهددني و يتوعدني و بيني و بينه ابن عم محمد معه سبعون ألفا سيوفهم على

عواتقهم يطيعونه في جميع ما يأمرهم به لا يلتفت رجل منهم وراءه حتى يموت أما و الله لو ظفر ثم خلص إلي ليجدنني أحمر ضرابا

بالسيف. قال نصر أحمر أي مولى فلما ادعاه معاوية عاد عربيا منافيا.

[8 : 44 ]

قال نصر و روى عمرو بن شمر أن معاوية كتب في أسفل كتابه إلى أبي أيوب

أبلغ لديك أبا أيوب مألكة أنا و قومك مثل الذئب و النقد

إما قتلتم أمير المؤمنين فلا ترجوا الهوادة منا آخر الأبد

إن الذي نلتموه ظالمين له أبقت حزازته صدعا على كبدي

إني حلفت يمينا غير كاذبة لقد قتلتم إماما غير ذي أود

لا تحسبوا إنني أنسى مصيبته و في البلاد من الأنصار من أحد

قد أبدل الله منكم خير ذي كلع و اليحصبيين أهل الخوف و الجند

إن العراق لنا فقع بقرقرة أو شحمة بزها شاو و لم يكد

و الشام ينزلها الأبرار بلدتها أمن و بيضتها عريسة الأسد

فلما قرئ الكتاب على علي ع قال لشد ما شحذكم معاوية يا معشر الأنصار أجيبوا الرجل فقال أبو أيوب يا أمير المؤمنين إني ما أشاء

أن أقول شيئا من الشعر يعيا به الرجال إلا قلته فقال فأنت إذا أنت. فكتب أبو أيوب إلى معاوية أما بعد فإنك كتبت لا تنسى الشيباء

أبا عذرها و لا قاتل بكرها فضربتها مثلا بقتل عثمان و ما نحن و قتل عثمان إن الذي تربص بعثمان

[8 : 45 ]

و ثبط يزيد بن أسد و أهل الشام عن نصرته لأنت و إن الذين قتلوه لغير الأنصار و كتب في آخر كتابه

لا توعدنا ابن حرب إننا نفر لا نبتغي ود ذي البغضاء من أحد

و اسعوا جميعا بني الأحزاب كلكم لسنا نريد رضاكم آخر الأبد

نحن الذين ضربنا الناس كلهم حتى استقاموا و كانوا عرضة الأود

و العام قصرك منا أن ثبت لنا ضرب يزيل بين الروح و الجسد

أما علي فأنا لا نفارقه ما رفرف الآل في الدوية الجرد

إما تبدلت منا بعد نصرتنا دين الرسول أناسا ساكني الجند

لا يعرفون أضل الله سعيهم إلا اتباعكم يا راعي النقد

فقد بغى الحق هضما شر ذي كلع و اليحصبيون طرا بيضة البلد

قال فلما أتى معاوية كتاب أبي أيوب كسره. قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر قال حدثني مجالد عن الشعبي عن زياد بن النضر الحارثي

قال شهدت مع علي ع صفين فاقتتلنا مرة ثلاثة أيام و ثلاث ليال حتى تكسرت الرماح و نفدت السهام ثم صرنا إلى المسايفة فاجتلدنا

بها إلى نصف الليل حتى صرنا نحن و أهل الشام في اليوم الثالث يعانق بعضنا بعضا و لقد قاتلت ليلتئذ بجميع السلاح فلم يبق

شيء من السلاح إلا قاتلت به حتى تحاثينا

[8 : 46 ]

بالتراب و تكادمنا بالأفواه حتى صرنا قياما ينظر بعضنا إلى بعض ما يستطيع أحد من الفريقين أن ينهض إلى صاحبه و لا يقاتل فلما

كان نصف الليل من الليلة الثالثة انحاز معاوية و خيله من الصف و غلب علي ع على القتلى فلما أصبح أقبل على أصحابه يدفهم و قد

قتل كثير منهم و قتل من أصحاب معاوية أكثر و قتل فيهم تلك الليلة شمر بن أبرهة. قال نصر و حدثنا عمرو عن جابن عن تميم قال و

الله إني لمع علي ع إذ أتاه علقمة بن زهير الأنصاري فقال يا أمير المؤمنين إن عمرو بن العاص يرتجز في الصف بشعر أ فأسمعكه قال

نعم قال إنه يقول

إذا تخازرت و ما بي من خزر ثم كسرت العين من غير عور

ألفيتني ألوى بعيد المستمر ذا صولة في المصمئلات الكبر

أحمل ما حملت من خير و شر كالحية الصماء في أصل الحجر

فقال علي اللهم العنه فإن رسولك لعنه قال علقمة و إنه يا أمير المؤمنين يرتجز برجز آخر فأنشدك قال قل فقال

أنا الغلام القرشي المؤتمن الماجد الأبلج ليث كالشطن

ترضى بي الشام إلى أرض عدن يا قادة الكوفة يا أهل الفتن

[8 : 47 ]

أضربكم و لا أرى أبا حسن كفى بهذا حزنا من الحزن

فضحك علي ع و قال إنه لكاذب و إنه بمكاني لعالم كما قال العربي غير الوهي ترقعين و أنت مبصرة ويحكم أروني مكانه لله أبوكم

و خلاكم ذم و قال محمد بن عمرو بن العاص

لو شهدت جمل مقامي و مشهدي بصفين يوما شاب منها الذوائب

غداة غدا أهلي العراق كأنهم من البحر موج لجه متراكب

و جئناهم نمشي صفوفا كأننا سحاب خريف صففته الجنائب

فطارت إلينا بالرماح كماتهم و طرنا إليهم و السيوف 10- قواضب

فدارت رحانا و استدارت رحاهم سراة نهار ما تولى المناكب

إذا قلت يوما قد ونوا برزت لنا كتائب منهم و احجنت كتائب

و قالوا نرى من رأينا أن تبايعوا عليا فقلنا بل نرى أن نضاربا

فأبنا و قد أردوا سراة رجالنا و ليس لما لاقوا سوى الله حاسب

فلم أر يوما كان أكثر باكيا و لا عارضا منهم كميا يكالب

كأن تلألؤ البيض فينا و فيهم تلألؤ برق في تهامة ثاقب

[8 : 48 ]

و قال النجاشي يذكر عليا ع و جده في الأمر

إني إخال عليا غير مرتدع حتى تقام حقوق الله و الحرم

أ ما ترى النقع معصوبا بلمته كأنه الصقر في عرنينه شمم

غضبان يحرق نابيه على حنق كما يغط الفنيق المصعب القطم

حتى يزيل ابن حرب عن إمارته كما تنكب تيس الحبلة الحلم

قال نصر و حدثنا عمر بن سعد عن الشعبي قال بلغ النجاشي أن معاوية تهدده فقال

يا أيها الرجل المبدي عداوته روئ لنفسك أي الأمر تأتمر

لا تحسبني كأقوام ملكتهم طوع الأعنه لما ترشح الغدر

و ما علمت بما أضمرت من حنق حتى أتتني به الركبان و النذر

إذا نفست على الأنجاد مجدهم فابسط يديك فإن الخير مبتدر

و اعلم بأن على الخير من نفر شم العرانين لا يعلوهم بشر

لا يجحد الحاسد الغضبان فضلهم ما دام بالحزن من صمائها حجر

نعم الفتى أنت إلا أن بينكما كما تفاضل ضوء الشمس و القمر

[8 : 49 ]

و لا إخالك إلا لست منتهيا حتى يمسك من أظفاره ظفر

لا تحمدن امرأ حتى تجربه و لا تذمن من لم يبله الخبر

إني امرؤ قلما أثني على أحد حتى أرى بعض ما يأتي و ما يذر

و إن طوى معشر عني عداوتهم في الصدر أو كان في أبصارهم خزر

أجمعت عزما جراميزي بقافية لا يبرح الدهر منها فيهم أثر

قال فلما بلغ معاوية هذا الشعر قال ما أراه إلا قد قارب. قال نصر و حدثنا عمر بن سعد عن محمد بن إسحاق أن عبد الله بن جعفر بن

أبي طالب كان يحمل على الخيل يوما فجاءه رجل فقال هل من فرس يا ابن ذي الجناحين قال تلك الخيل فخذ أيتها شئت فلما ولي

قال ابن جعفر إن تصب أفضل الخيل تقتل فما عتم أن أخذ أفضل الخيل فركبه ثم حمل على فارس قد كان دعاه إلى البراز فقتله

الشامي و حمل غلامان آخران من أهل العراق حتى انتهيا إلى سرادق معاوية فقتلا عنده و أقبلت الكتائب بعضها نحو بعض فاقتتلت

قياما في الركب لا يسمع السامع إلا وقع السيوف على البيض و الدرق. و قال عمرو بن العاص

أ جئتم إلينا تسفكون دماءنا و ما رمتم وعر من الأمر أعسر

لعمري لما فيه يكون حجاجنا إلى الله أدهى لو عقلتم و أنكر

تعاورتم ضربا بكل مهند إذا شد وردان تقدم قنبر

كتائبكم طورا تشد و تارة كتائبنا فيها القنا و السنور

[8 : 50 ]

إذا ما التقوا يوما تدارك بينهم طعان و موت في المعارك أحمر

و قال رجل من كلب مع معاوية يهجو أهل العراق و يوبخهم

لقد ضلت معاشر من نزار إذا انقادوا لمثل أبي تراب

و إنهم و بيعتهم عليا كواشمة التغضن بالخضاب

تزين من سفاهتها يديها و تحسر باليدين عن النقاب

فإياكم و داهية نئودا تسير إليكم تحت العقاب

إذا ساروا سمعت لحافتيهم دويا مثل تصفيق السحاب

يجيبون الصريخ إذا دعاهم و قد طعن الفوارس بالحراب

عليهم كل سابغة دلاص و أبيض صارم مثل الشهاب

و قال أبو حية بن غزية الأنصاري و هو الذي عقر الجمل يوم البصرة و اسمه عمرو

سائل حليلة معبد عن بعلها و حليلة اللخمي و ابن كلاع

و اسأل عبيد الله عن فرساننا لما ثوى متجدلا بالقاع

و اسأل معاوية المولى هاربا و الخليل تمعج و هي جد سراع

ما ذا يخبرك المخبر منهم عنهم و عنا عند كل وقاع

إن يصدقوك يخبروك بأننا أهل الندى قدما مجيبو الداعي

[8 : 51 ]

إن يصدقوك يخبروك بأننا نحمي الحقيقة كل يوم مصاع

ندعو إلى التقوى و نرعى أهلها برعاية المأمون لا المضياع

و نسن للأعداء كل مثقف لدن و كل مشطب قطاع

و قال عدي بن حاتم الطائي

أقول لما أن رأيت المعمعه و اجتمع الجندان وسط البلقعه

هذا علي و الهدى حقا معه يا رب فاحفظه و لا تضيعه

فإنه يخشاك رب فارفعه و من أراد عيبه فضعضعه

أو كاده بالبغي منك فاقمعه

و قال النعمان بن جعلان الأنصاري

سائل بصفين عنا عند غدوتنا أم كيف كنا إلى العلياء نبتدر

و سل غداة لفينا الأزد قاطبة يوم البصيرة لما استجمعت مضر

لو لا الإله و عفو من أبي حسن عنهم و ما زال منه العفو ينتظر

لما تداعت لهم بالمصر داعية إلا الكلاب و إلا الشاء و الحمر

كم مقعص قد تركناه بمقفرة تعوي السباع عليه و هو منعفر

ما إن يئوب و لا ترجوه أسرته إلى القيامة حتى ينفخ الصور

قال عمرو بن الحمق الخزاعي

[8 : 52 ]

تقول عرسي لما أن رأت أرقي ما ذا يهيجك من أصحاب صفينا

أ لست في عصبة يهدي الإله بهم لا يظلمون و لا بغيا يريدونا

فقلت إني على ما كان من رشد أخشى عواقب أمر سوف يأتينا

إدالة القوم في أمر يراد بنا فأقني حياء و كفى ما تقولينا

و قال حجر بن عدي الكندي

يا ربنا سلم لنا عليا سلم لنا المهذب التقيا

المؤمن المسترشد الرضيا و اجعله هادي أمة مهديا

و احفظه رب حفظك النبيا لا خطل الرأي و لا غبيا

فإنه كان لنا وليا ثم ارتضيه بعده وصيا

قال نصر و حدثنا عمر بن سعد عن الشعبي قال قال الأحنف بن قيس في صفين لأصحابه هلكت العرب قالوا له و إن غلبنا يا أبا بحر قال

نعم قالوا و إن غلبنا قال نعم قالوا و الله ما جعلت لنا مخرجا فقال الأحنف إنا إن غلبناهم لم نترك بالشام رئيسا إلا ضربنا عنقه و إن

غلبونا لم يعرج بعدها رئيس عن معصية الله أبدا. قال نصر و حدثنا عمر بن سعد عن الشعبي قال ذكر معاوية يوما صفين بعد عام

الجماعة و تسليم الحسن ع الأمر إليه فقال للوليد بن عقبة أي بني عمك

[8 : 53 ]

كان أفضل يوم صفين يا وليد عند وقدان الحرب و استشاطة لظاها حين قاتلت الرجال على الأحساب قال كلهم قد وصل كنفيها عند

انتشار وقعتها حتى ابتلت أثباج الرجال من الجريال بكل لدن عسال و بكل عضب قصال فقال عبد الرحمن بن خالد بن الوليد أما و

الله لقد رأيتنا يوما من الأيام و قد غشينا ثعبان في مثل الطود الأرعن قد أثار قسطلا حال بيننا و بين الأفق و هو على أدهم شائل الغرة

يعني عليا ع يضربهم بسيفه ضرب غرائب الإبل كاشرا عن نابه كشر المخدر الحرب فقال معاوية نعم إنه كان يقاتل عن ترة له و عليه.

قال نصر و حدثنا عمر بن سعد عن الشعبي قال أرسل علي ع إلى معاوية أن ابرز إلي و اعف الفريقين من القتال فأينا قتل صاحبه كان

الأمر له فقال عمرو لقد أنصفك الرجل فقال معاوية أنا أبارز الشجاع الأخرق أظنك يا عمرو طمعت فيها فلما لم يجب قال علي ع وا

نفساه أ يطاع معاوية و أعصى ما قاتلت أمة قط أهل بيت نبيها و هي مقرة بنبيها غير هذه الأمة ثم إن عليا ع أمر الناس أن يحملوا على

أهل الشام فحملوا فنقضوا صفوف الشام فقال عمرو على من هذا الرهج الساطع قالوا على ابنيك عبد الله و محمد فقال عمرو يا

وردان قدم لوائي فأرسل إليه معاوية أنه ليس على ابنيك بأس فلا تنقض الصف و الزم موقفك فقال عمرو هيهات هيهات.

الليث يحمي شبليه ما خيره بعد ابنيه

ثم تقدم باللواء فأدركه رسول معاوية فقال إنه ليس على ابنيك بأس فلا تحملن

السابق

التالي