السابق

التالي

[7 : 3]

الجزء السابع

تتمة الخطب و الأوامر

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد العدل

تتمة خطبة 90

فَلَمَّا مَهَدَ أَرْضَهُ وَ أَنْفَذَ أَمْرَهُ اخْتَارَ آدَمَ ع خِيَرَةً مِنْ خَلْقِهِ وَ جَعَلَهُ أَوَّلَ جِبِلَّتِهِ وَ أَسْكَنَهُ جَنَّتَهُ وَ أَرْغَدَ فِيهَا أُكُلَهُ وَ أَوْعَزَ إِلَيْهِ فِيمَا نَهَاهُ عَنْهُ وَ

أَعْلَمَهُ أَنَّ فِي الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ التَّعَرُّضَ لِمَعْصِيَتِهِ وَ الْمُخَاطَرَةَ بِمَنْزِلَتِهِ فَأَقْدَمَ عَلَى مَا نَهَاهُ عَنْهُ مُوَافَاةً لِسَابِقِ عِلْمِهِ فَأَهْبَطَهُ بَعْدَ التَّوْبَةِ لِيَعْمُرَ

أَرْضَهُ بِنَسْلِهِ وَ لِيُقِيمَ الْحُجَّةَ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ وَ لَمْ يُخْلِهِمْ بَعْدَ أَنْ قَبَضَهُ مِمَّا يُؤَكِّدُ عَلَيْهِمْ حُجَّةَ رُبُوبِيَّتِهِ وَ يَصِلُ بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ مَعْرِفَتِهِ بَلْ

تَعَاهَدَهُمْ بِالْحُجَجِ عَلَى أَلْسُنِ الْخِيَرَةِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ وَ مُتَحَمِّلِي وَدَائِعِ رِسَالَاتِهِ قَرْناً فَقَرْناً حَتَّى تَمَّتْ بِنَبِيِّنَا مُحَمَّد ص حُجَّتُهُ وَ بَلَغَ الْمَقْطَعَ

عُذُرُهُ وَ نُذُرُهُ

مهد أرضه سواها و أصلحها و منه المهاد و هو الفراش و مهدت الفراش بالتخفيف مهدا أي بسطته و وطأته و قوله خيرة من خلقه على

فعلة مثل عنبة الاسم

[7 : 4 ]

من قولك اختاره الله يقال محمد خيرة الله من خلقه و يجوز خيرة الله بالتسكين و الاختيار الاصطفاء. و الجبلة الخلق و منه قوله

تعالى وَ اتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ و يجوز الجبلة بالضم و قرأ بها الحسن البصري و قرئ قوله سبحانه وَ لَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ

جِبِلًّا كَثِيراً على وجوه فقرأ أهل المدينة بالكسر و التشديد و قرأ أبو عمرو جبلا كثيرا مثل قفل و قرأ الكسائي جبلا كثيرا بضم الباء

مثل حلم و قرأ عيسى بن عمر جبلا بكسر الجيم و قرأ الحسن و ابن أبي إسحاق جبلا بالضم و التشديد. قوله و أرغد فيها أكله أي

جعل أكله و هو المأكول رغدا أي واسعا طيبا قال سبحانه وَ كُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما و تقرأ رغدا و رغدا بكسر الغين و ضمها و

أرغد القوم أخصبوا و صاروا في رغد من العيش. قوله و أوعز إليه فيما نهاه عنه أي تقدم إليه بالإنذار و يجوز و وعز إليه بالتشديد

توعيزا و يجوز التخفيف أيضا وعز إليه وعزا. و الواو في و أعلمه عاطفة على و أوعز لا على نهاه. قوله موافاة لسابق علمه لا يجوز أن

ينتصب لأنه مفعول له و ذلك لأن المفعول له يكون عذرا و علة للفعل و لا يجوز أن يكون إقدام آدم على الشجرة لأجل الموافاة

للعلم الإلهي السابق و لا يستمر ذلك على مذاهبنا بل يجب أن ينصب موافاة على

[7 : 5 ]

المصدرية المحضة كأنه قال فوافى بالمعصية موافاة و طابق بها سابق العلم مطابقة. قوله فأهبطه بعد التوبة قد اختلف الناس في

ذلك فقال قوم بل أهبطه قبل التوبة ثم تاب عليه و هو في الأرض و قال قوم تاب قبل الهبوط و هو قول أمير المؤمنين ع و يدل عليه

قوله تعالى فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمات فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فأخبر عن أنه أهبطهم بعد

تلقي الكلمات و التوبة و قال تعالى في موضع آخر وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَ ناداهُما رَبُّهُما أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ

تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَ أَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ

قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْض عَدُوٌّ وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِين. فبين أن اعترافهما بالمعصية و استغفارهما كانا قبل

أمرهما بالهبوط و قال في موضع آخر وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً فجعل

الإهباط بعد الاجتباء و التوبة و احتج الأولون بقوله تعالى وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظّالِمِينَ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها

فَأَخْرَجَهُما مِمّا كانا فِيهِ وَ قُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْض عَدُوٌّ وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِين فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ

كَلِمات فَتابَ عَلَيْهِ قالوا فأخبر سبحانه عن أمره لهم بالهبوط عقيب إزلال الشيطان لهما ثم عقب الهبوط بفاء التعقيب في قوله

فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمات فدل على أن التوبة بعد الهبوط.

[7 : 6 ]

و يمكن أن يجاب عن هذا فيقال إنه تعالى لم يقل فقلنا اهبطوا بالفاء بل قال وَ قُلْنَا اهْبِطُوا بالواو و الواو لا تقتضي الترتيب و لو

كان عوضها فاء لكانت صريحة في أن الإهباط كان عقيب الزلة فأما الواو فلا تدل على ذلك بل يجوز أن تكون التوبة قبل الإهباط و

يخبر عن الإهباط بالواو قبل أن يخبر عن التوبة. قوله ع و ليقيم الحجة على عباده أي إذا كان أبوهم أخرج من الجنة بخطيئة واحدة

فأخلق بها ألا يدخلها ذو خطايا جمة و هذا يؤكد مذهب أصحابنا في الوعيد. ثم أخبر ع أن البارئ سبحانه ما أخلى عباده بعد قبض آدم

و توفيه مما يؤكد عليهم حجج الربوبية بل أرسل إليهم الرسل قرنا فقرنا بفتح القاف و هو أهل الزمان الواحد قال الشاعر

إذا ما مضى القرن الذي أنت فيهم و خلفت في قرن فأنت غريب

و تعاهدهم بالحجج أي جدد العهد عندهم بها و يروى بل تعهدهم بالتشديد و التعهد التحفظ بالشيء تعهدت فلانا و تعهدت ضيعتي و

هو أفصح من تعاهدت لأن التفاعل إنما يكون من شيئين و تقول فلان يتعهده صرع. قوله و بلغ المقطع عذره و نذره مقطع الشيء

حيث ينقطع و لا يبقى خلفه شيء منه أي لم يزل يبعث الأنبياء واحدا بعد واحد حتى بعث محمدا ص فتمت به حجته على الخلق

أجمعين و بلغ الأمر مقطعه أي لم يبق بعده رسول ينتظر

[7 : 7 ]

و انتهت عذر الله تعالى و نذره فعذره ما بين للمكلفين من الإعذار في عقوبته لهم إن عصوه و نذره ما أنذرهم به من الحوادث و من

أنذرهم على لسانه من الرسل

القول في عصمة الأنبياء

و اعلم أن المتكلمين اختلفوا في عصمة الأنبياء و نحن نذكر هاهنا طرفا من حكاية المذاهب في هذه المسألة على سبيل الاقتصاص و

نقل الآراء لا على سبيل الحجاج و نخص قصة آدم ع و الشجرة بنوع من النظر إذ كانت هذه القصة مذكورة في كلام أمير المؤمنين ع

في هذا الفصل فنقول اختلف الناس في المعصوم ما هو فقال قوم المعصوم هو الذي لا يمكنه الإتيان بالمعاصي و هؤلاء هم الأقلون

أهل النظر و اختلفوا في عدم التمكن كيف هو فقال قوم منهم المعصوم هو المختص في نفسه أو بدنه أو فيهما بخاصية تقضي امتناع

إقدامه على المعاصي. و قال قوم منهم بل المعصوم مساو في الخواص النفسية و البدنية لغير المعصوم و إنما العصمة هي القدرة

على الطاعة أو عدم القدرة على المعصية و هذا قول الأشعري نفسه و إن كان كثير من أصحابه قد خالفه فيه. و قال الأكثرون من أهل

النظر بل المعصوم مختار متمكن من المعصية و الطاعة. و فسروا العصمة بتفسيرين أحدهما أنها أمور يفعلها الله تعالى بالمكلف

فتقتضي ألا يفعل المعصية اقتضاء

[7 : 8 ]

غير بالغ إلى حد الإيجاب و فسروا هذه الأمور فقالوا إنها أربعة أشياء أولها أن يكون لنفس الإنسان ملكة مانعة من الفجور داعية إلى

العفة و ثانيها العلم بمثالب المعصية و مناقب الطاعة و ثالثها تأكيد ذلك العلم بالوحي و البيان من الله تعالى و رابعها أنه متى صدر

عنه خطأ من باب النسيان و السهو لم يترك مهملا بل يعاقب و ينبه و يضيق عليه العذر قالوا فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة كان

الشخص معصوما عن المعاصي لا محالة لأن العفة إذا انضاف إليها العلم بما في الطاعة من السعادة و ما في المعصية من الشقاوة ثم

أكد ذلك تتابع الوحي إليه و ترادفه و تظاهر البيان عنده و تمم ذلك خوفه من العتاب على القدر القليل حصل من اجتماع هذه الأمور

حقيقة العصمة. و قال أصحابنا العصمة لطف يمتنع المكلف عند فعله من القبيح اختيارا و قد يكون ذلك اللطف خارجا عن الأمور

الأربعة المعدودة مثل أن يعلم الله تعالى أنه إن أنشأ سحابا أو أهب ريحا أو حرك جسما فإن زيدا يمتنع عن قبيح مخصوص اختيارا

فإنه تعالى يجب عليه فعل ذلك و يكون هذا اللطف عصمة لزيد و إن كان الإطلاق المشتهر في العصمة إنما هو لمجموع ألطاف

يمتنع المكلف بها عن القبيح مدة زمان تكليفه. و ينبغي أن يقع الكلام بعد هذه المقدمة في ثلاثة فصول

الفصل الأول في حال الأنبياء قبل البعثة و من الذي يجوز أن يرسله الله تعالى إلى العباد

فالذي عليه أصحابنا المعتزلة رحمهم الله أنه يجب أن ينزه النبي قبل البعثة عما كان فيه تنفير عن الحق الذي يدعو إليه و عما فيه

غضاضة و عيب.

[7 : 9 ]

فالأول نحو أن يكون كافرا أو فاسقا و ذلك لأنا نجد التائب العائد إلى الصلاح بعد أن عهد الناس منه السخف و المجون و الفسق لا

يقع أمره بالمعروف و نهيه عن المنكر عند الناس موقعهما ممن لم يعهدوه إلا على السداد و الصلاح. و الثاني نحو أن يكون حجاما أو

حائكا أو محترفا بحرفه يقذرها الناس و يستخفون بصاحبها إلا أن يكون المبعوث إليهم على خلاف ما هو المعهود الآن بألا يكون من

تعاطى ذلك مستهانا به عندهم. و وافق أصحابنا في هذا القوم جمهور المتكلمين. و قال قوم من الخوارج يجوز أن يبعث الله تعالى

من كان كافرا قبل الرسالة و هو قول ابن فورك من الأشعرية لكنه زعم أن هذا الجائز لم يقع. و قال قوم من الحشوية قد كان محمد

ص كافرا قبل البعثة و احتجوا بقوله تعالى وَ وَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى و قال برغوث المتكلم و هو أحد النجارية لم يكن النبي ص مؤمنا

بالله قبل أن يبعثه لأنه تعالى قال له ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لَا الْإِيمانُ. و روي عن السدي في قوله تعالى وَ وَضَعْنا عَنْكَ

وِزْرَكَ الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ قال وزره الشرك فإنه كان على دين قومه أربعين سنة. و قال بعض الكرامية في قوله تعالى حكاية عن

إبراهيم ص

[7 : 10 ]

قالَ أَسْلَمْتُ إنه أسلم يومئذ و لم يكن من قبل ذلك مسلما و مثل ذلك قال اليمان بن رباب متكلم الخوارج. و حكى كثير من أرباب

المقالات عن شيخنا أبي الهذيل و أبي علي جواز أن يبعث الله تعالى من قد ارتكب كبيرة قبل البعثة و لم أجد في كتب أصحابنا حكاية

هذا المذهب عن الشيخ أبي الهذيل و وجدته عن أبي علي ذكره أبو محمد بن متويه في كتاب الكفاية فقال منع أهل العدل كلهم من

تجويز بعثة من كان فاسقا قبل النبوة إلا ما جرى في كلام الشيخ أبي علي رحمه الله تعالى من ثبوت فصل بين البعثة و قبلها فأجاز أن

يكون قبل البعثة مرتكبا لكبيرة ثم يتوب فيبعثه الله تعالى حينئذ و هو مذهب محكي عن عبد الله بن العباس الرامهرمزي ثم قال

الشيخ أبو محمد رحمه الله تعالى و الصحيح من قول أبي علي رحمه الله تعالى مثل ما نختاره من التسوية بين حال البعثة و قبلها في

المنع من جواز ذلك. و قال قوم من الأشعرية و من أهل الظاهر و أرباب الحديث إن ذلك جائز واقع و استدلوا بأحوال إخوة يوسف و

منع المانعون من ذلك من ثبوت نبوة إخوة يوسف ثم هؤلاء المجوزون منهم من جوز عليهم فعل الكبائر مطلقا و منهم من جوز ذلك

على سبيل الندرة ثم يتوبون عنه و يشتهر حالهم بين الخلق بالصلاح فأما لو فرضنا إصرارهم على الكبائر بحيث يصيرون مشهورين

بالفسق و المعاصي فإن ذلك لا يجوز لأنه يفوت الغرض من إرسالهم و نبوتهم على هذا التقدير. و قالت الإمامية لا يجوز أن يبعث الله

تعالى نبيا قد وقع منه قبيح قبل النبوة

[7 : 11 ]

لا صغيرا و لا كبيرا لا عمدا و لا خطأ و لا على سبيل التأويل و الشبهة و هذا المذهب مما تفردوا به فإن أصحابنا و غيرهم من المانعين

للكبائر قبل النبوة لم يمنعوا وقوع الصغائر منهم إذا لم تكن مسخفة منفرة. اطردت الإمامية هذا القول في الأئمة فجعلت حكمهم في

ذلك حكم الأنبياء في وجوب العصمة المطلقة لهم قبل النبوة و بعدها

الفصل الثاني في عصمة الأنبياء في زمن النبوة عن الذنوب في أفعالهم و تروكهم عدا ما يتعلق بتبليغ الوحي و الفتوى في

الأحكام

جوز قوم من الحشوية عليهم هذه الكبائر و هم أنبياء كالزنا و اللواط و غيرهما و فيهم من جوز ذلك بشرط الاستسرار دون الإعلان و

فيهم من جوز ذلك على الأحوال كلها. و منع أصحابنا المعتزلة من وقوع الكبائر منهم ع أصلا و منعوا أيضا من وقوع الصغائر

المسخفة منهم و جوزوا وقوع الصغائر التي ليست بمسخفه منهم ثم اختلفوا فمنهم من جوز على النبي الإقدام على المعصية

الصغيرة غير المسخفة عمدا و هو قول شيخنا أبي هاشم رحمه الله تعالى فإنه أجاز ذلك و قال إنه لا يقدم ع على ذلك إلا على خوف و

وجل و لا يتجرأ على الله سبحانه. و منهم من منع من تعمد إتيان الصغيرة و قال إنهم لا يقدمون على الذنوب التي يعلمونها ذنوبا بل

على سبيل التأويل و دخول الشبهة و هذا قول أبي علي رحمه الله تعالى.

[7 : 12 ]

و حكى عن أبي إسحاق النظام و جعفر بن مبشر أن ذنوبهم لا تكون إلا على سبيل السهو و النسيان و أنهم مؤاخذون بذلك و إن كان

موضوعا عن أمتهم لأن معرفتهم أقوى و دلائلهم أكثر و أخطارهم أعظم و يتهيأ لهم من التحفظ ما لا يتهيأ لغيرهم. و قالت الإمامية لا

تجوز عليهم الكبائر و لا الصغائر لا عمدا و لا خطأ و لا سهوا و لا على سبيل التأويل و الشبهة و كذلك قولهم في الأئمة و الخلاف

بيننا و بينهم في الأنبياء يكاد يكون ساقطا لأن أصحابنا إنما يجوزون عليهم الصغائر لأنه لا عقاب عليها و إنما تقتضي نقصان

الثواب المستحق على قاعدتهم في مسألة الإحباط فقد اعترف إذا أصحابنا بأنه لا يقع من الأنبياء ما يستحقون به ذما و لا عقابا و

الإمامية إنما تنفي عن الأنبياء الصغائر و الكبائر من حيث كان كل شيء منها يستحق فاعله به الذم و العقاب لأن الإحباط باطل عندهم

فإذا كان استحقاق الذم و العقاب يجب أن ينفى عن الأنبياء وجب أن ينفى عنهم سائر الذنوب فقد صار الخلاف إذا متعلقا بمسألة

الإحباط و صارت هذه المسألة فرعا من فروعها. و اعلم أن القول بجواز الصغائر على الأنبياء بالتأويل و الشبهة على ما ذهب إليه

شيخنا أبو علي رحمه الله تعالى إنما اقتضاه تفسيره لآيه آدم و الشجرة و تكلفه إخراجها عن تعمد آدم للعصيان فقال إن آدم نهي عن

نوع تلك الشجرة لا عن عينها بقوله تعالى وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ و أراد سبحانه نوعها المطلق فظن آدم أنه أراد خصوصية تلك

الشجرة بعينها و قد كان أشير إليها فلم يأكل منها بعينها و لكنه أكل من شجرة أخرى من نوعها فأخطأ في التأويل و أصحاب شيخنا

أبي هاشم لا يرضون هذا المذهب و يقولون إن الإشكال باق بحاله لأن آدم أخل بالنظر على

[7 : 13 ]

هذا القول في أن المنهي عنه هل هو عين الشجرة أو نوعها مع أنه قد كان مدلولا على ذلك لأنه لو لم يكن مدلولا على ذلك لكان

تكليف الامتناع عن التناول تكليف ما لا يطاق و إذا دل على ذلك وجب عليه النظر و لا وجه يجب النظر لأجله إلا الخوف من تركه و إذا

لم يكن بد من كونه خائفا فهو عالم إذا بوجوب هذا التأمل و النظر فإذا أخل به فقد وقعت منه المعصية مع علمه. و كما لا يرضى

أصحاب شيخنا أبي هاشم هذا المذهب فكذلك لا يرتضون مذهب النظام و جعفر بن مبشر و ذلك لأن القول بأن الأنبياء يؤاخذون على

ما يفعلونه سهوا متناقض لأن السهو يزيل التكليف و يخرج الفعل من كونه ذنبا مؤاخذا به و لهذا لا يصح مؤاخذة المجنون و النائم

و السهو في كونه مؤثرا في رفع التكليف جار مجرى فقد القدر و الآلات و الأدلة فلو جاز أن يخالف حال الأنبياء حال غيرهم في صحة

تكليفهم مع السهو جاز أن يخالف حالهم حال غيرهم في صحة التكليف مع فقد القدر و الآلات و ذلك باطل. و اعلم أن الشريف

المرتضى رحمه الله تعالى قد تكلم في كتابه المسمى بتنزيه الأنبياء و الأئمة على هذه الآية و انتصر لمذهب الإمامية فيها و حاول

صرفها عن ظاهرها و تأول اللفظ بتأويل مستكره غير صحيح و أنا أحكي كلامه هاهنا و أتكلم عليه نصرة لأصحابنا و نصرة أيضا لأمير

المؤمنين ع فإنه قد صرح في هذا الفصل بوقوع الذنب من آدم ع أ لا ترى إلى قوله و المخاطرة بمنزلته و هل تكون هذه اللفظة إلا

في الذنب و كذلك سياقة الفصل من أوله إلى آخره إذا تأمله المنصف و اطرح الهوى و التعصب ثم إنا نذكر كلام السيد الشريف

المرتضى رحمه الله تعالى قال رحمه الله تعالى

[7 : 14 ]

أما قوله تعالى وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فإن المعصية مخالفة للأمر و الأمر من الحكيم تعالى قد يكون بالواجب و بالندب معا فلا يمتنع على

هذا أن يكون آدم مندوبا إلى ترك التناول من الشجرة فيكون بمواقعتها تاركا فرضا و نفلا و غير فاعل قبيحا و ليس يمتنع أن يسمى

تارك النفل عاصيا كما يسمى بذلك تارك الواجب فإن تسمية من خالف ما أمر به سواء كان واجبا أو نفلا بأنه عاص ظاهر و لهذا

يقولون أمرت فلانا بكذا و كذا من الخير فعصاني و خالفني و إن لم يكن ما أمر به واجبا. يقال له الكلام على هذا التأويل من وجوه

أولها أن ألفاظ الشرع يجب أن تحمل على حقائقها اللغوية ما لم يكن لها حقائق شرعية فإذا كان لها حقائق شرعية وجب أن تحمل

على عرف الشرع و اصطلاحه كالصلاة و الحج و النفاق و الكفر و نحو ذلك من الألفاظ الشرعية و هكذا قال السيد المرتضى رحمه

الله تعالى في كتابه في أصول الفقه المعروف بالذريعة في باب كون الأمر للوجوب و هو الحق الذي لا مندوحة عنه و إذا كان لفظ

العصيان في الاصطلاح الشرعي موضوعا لمخالفة الأمر الإيجابي لم يجز العدول عنه و حمله على مخالفة الندب. و معلوم أن لفظ

العصيان في العرف الشرعي لا يطلق إلا على مخالفة الأمر المقتضي للوجوب فالقول بجواز حملها على مخالفة الأمر الندبي قول تبطله

و تدفعه تلك القاعدة المقررة التي ثبتت بالاتفاق و بالدليل على أننا قبل أن نجيب بهذا الوجه نمنع أصلا أنه يجوز أن يقال لتارك

النفل إنه عاص لا في أصل اللغة و لا في العرف و لا في الشرع و ذلك لأن حقيقة النفل هو ما يقال فيه للمكلف الأولى أن تفعل هذا و

لك ألا تفعله و معلوم أن

[7 : 15 ]

تارك مثل ذلك لا يطلق عليه أنه عاص و يبين ذلك أن لفظ العصيان في اللغة موضوع للامتناع و لذلك سميت العصا عصا لأنه يمتنع

بها و منه قولهم قد شق العصا أي خرج عن الربقة المانعة من الاختلاف و التفرق و تارك الندب لا يمتنع من أمر لأن الأمر الندبي لا

يقتضي شيئا اقتضاء اللزوم بل معناه إن فعلت فهو أولى و يجوز ألا تفعل فأي امتناع حدث إذا خولف أمر الندب سمي المخالف له

عاصيا و يبين ذلك أيضا أن لفظ عاص اسم ذم فلا يجوز إطلاقه على تارك الندب كما لا يسمى فاسقا و إن كان الفسق في أصل اللغة

للخروج. ثم يسأل المرتضى رحمه الله تعالى عما سأل عنه نفسه فيقال له كيف يجوز أن يكون ترك الندب معصية أ و ليس هذا

يوجب أن يوصف الأنبياء بأنهم عصاة في كل حال و أنهم لا ينفكون عن المعصية لأنهم لا يكادون ينفكون من ترك الندب. و قد أجاب

رحمه الله تعالى عن هذا فقال وصف تارك الندب بأنه عاص توسع و تجوز و المجاز لا يقاس عليه و لا يعدي عن موضعه و لو قيل إنه

حقيقة في فاعل القبيح و تارك الأولى و الأفضل لم يجز إطلاقه في الأنبياء إلا مع التقييد لأن استعماله قد كثر في فاعل القبائح

فإطلاقه عن التقييد موهم. لكنا نقول إن أردت بوصفهم بأنهم عصاة أنهم فعلوا القبيح فلا يجوز ذلك و إن أردت أنهم تركوا ما لو

فعلوه لاستحقوا الثواب و لكان أولى فهم كذلك. كذلك يقال له ليس هذا من باب القياس على المجاز الذي اختلف فيه أرباب أصول

الفقه لأن من قال إذا ترك زيد الندب فإنه يسمى عاصيا يلزمه أن يقول إن عمرا إذا ترك الندب يسمى عاصيا و ليس هذا قياسا كما أن

من قال لزيد البليد هذا

[7 : 16 ]

حمار قال لعمرو البليد هذا حمار و القياس على المجاز الذي اختلف الأصوليون في جوازه خارج عن هذا الموضع. و مثال المسألة

الأصولية المختلف فيها وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ هل يجوز أن يقال طأطئ لهما عنق الذل. و أما قوله لو سلمنا أنه حقيقة في تارك

الندب لم يجز إطلاقه في حق الأنبياء لأنه يوهم العصيان بل يجب أن يقيد. فيقال له لكن البارئ سبحانه أطلقه و لم يقيده في قوله

وَ عَصى آدَمُ فيلزمك أن يكون تعالى موهما و فاعلا للقبيح لأن إيهام القبيح قبيح. فإن قال الدلالة العقلية على استحالة المعاصي

على الأنبياء تؤمن من الإيهام. قيل له و تلك الدلالة بعينها تؤمن من الإيهام في قول القائل الأنبياء عصاة فهلا أجزت إطلاق ذلك. و

ثانيها أنه تعالى قال فَغَوى و الغي الضلال. قال المرتضى رحمه الله تعالى معنى غوى هاهنا خاب لأنه نعلم أنه لو فعل ما ندب إليه

من ترك التناول من الشجرة لاستحق الثواب العظيم فإذا خالف الأمر و لم يصر إلى ما ندب إليه فقد خاب لا محالة من حيث لم يصر

إلى الثواب الذي كان يستحقه بالامتناع و لا شبهه في أن لفظ غوى يحتمل الخيبة قال الشاعر

فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره و من يغو لا يعدم على الغي لائما

[7 : 17 ]

يقال له أ لست القائل في مصنفاتك الكلامية إن المندوبات إنما ندب إليها لأنها كالمسهلات و الميسرات لفعل الواجبات العقلية و

أنها ليست ألطافا في واجب عقلي و أن ثوابها يسير جدا بالإضافة إلى ثواب الواجب فإذا كان آدم ع ما أخل بشيء من الواجبات و لا

فعل شيئا من المقبحات فقد استحق من الثواب العظيم ما يستحقر ثواب المندوب بالإضافة إليه و مثل هذا لا يقال فيه لمن ترك

المندوب إنه قد خاب أ لا ترى أن من اكتسب مائة ألف قنطار من المال و ترك بعد ذلك درهما واحدا كان يمكنه اكتسابه فلم يكتسبه لا

يقال إنه خاب. و ثالثها أن ظاهر القرآن يخالف ما ذكره لأنه تعالى أخبر أن آدم منهي عن أكل الشجرة بقوله وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ

فَتَكُونا مِنَ الظّالِمِينَ و قوله أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ و هذا يوجب أنه قد عصى بأن فعل منهيا عنه و الشريف المرتضى

رحمه الله تعالى يقول إنه عصى بأن ترك مأمورا به. قال المرتضى رحمه الله تعالى مجيبا عن هذا إن الأمر و النهي ليسا يختصان

عندنا بصيغة ليس فيها احتمال و اشتراك و قد يؤمر عندنا بلفظ النهي و ينهى بلفظ الأمر و إنما يكون النهي نهيا بكراهة المنهي عنه

فإذا قال تعالى لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ و لم يكره قربهما لم يكن في الحقيقة ناهيا كما أنه تعالى لما قال اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ وَ إِذا حَلَلْتُمْ

فَاصْطادُوا و لم يرد ذلك لم يكن أمرا به و إذا كان قد صحب قوله لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ إرادة ترك التناول وجب أن يكون هذا القول

أمرا و إنما سماه منهيا و سمى

[7 : 18 ]

أمره له بأنه نهي من حيث كان فيه معنى النهي لأن في النهي ترغيبا في الامتناع من الفعل و تزهيدا في الفعل نفسه و لما كان الأمر

ترغيبا من فعل المأمور و تزهيدا في تركه جاز أن يسمى نهيا. و قد يتداخل هذان الوضعان في الشاهد فيقول أحدنا قد أمرت فلانا بألا

يلقى الأمير و إنما يريد أنه نهاه عن لقائه و يقول نهيتك عن هجر زيد و إنما معناه أمرتك بمواصلته. يقال له هذا خلاف الظاهر فلا

يجوز المصير إليه إلا بدلالة قاطعة تصرف اللفظ عن ظاهره و يكفي أصحاب أبي هاشم في نصرة قولهم التمسك بالظاهر. و اعلم أن

بعض أصحابنا تأول هذه الآية و قال إن ذلك وقع من آدم ع قبل نبوته لأنه لو كان نبيا قبل إخراجه من الجنة لكان إما أن يكون

مرسلا إلى نفسه و هو باطل أو إلى حواء و قد كان الخطاب يأتيها بغير واسطة لقوله تعالى وَ لا تَقْرَبا أو إلى الملائكة و هذا باطل

لأن الملائكة رسل الله بدليل قوله جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا و الرسول لا يحتاج إلى رسول آخر أو يكون رسولا و ليس هناك من يرسل

إليه و هذا محال فثبت أن هذه الواقعة وقعت له ع قبل نبوته و إرساله

الفصل الثالث في خطئهم في التبليغ و الفتاوي

قال أصحابنا إن الأنبياء معصومون من كل خطإ يتعلق بالأداء و التبليغ فلا يجوز

[7 : 19 ]

عليهم الكذب و لا التغيير و لا التبديل و لا الكتمان و لا تأخر البيان عن وقت الحاجة و لا الغلط فيما يؤدونه عن الله تعالى و لا

السهو فيه و لا الإلغاز و لا التعمية لأن كل ذلك إما أن ينقض دلالة المعجز على صدقه أو يؤدى إلى تكليف ما لا يطاق. و قال قوم من

الكرامية و الحشوية يجوز عليهم الخطأ في أقوالهم كما جاز في أفعالهم قالوا و قد أخطأ رسول الله ص في التبليغ حيث قال

تلك الغرانيق العلا و إن شفاعتهن لترتجى

و قال قوم منهم يجوز الغلط على الأنبياء فيما لم تكن الحجة فيه مجرد خبرهم لأنه لا يكون في ذلك إبطال حجة الله على خلقه كما

وقع من النبي ص في هذه الصورة فإن قوله ذلك ليس بمبطل لحجة العقل في أن الأصنام لا يجوز تعظيمها و لا ترجى شفاعتها فأما ما

كان السبيل إليه مجرد السمع فلو أمكن الغلط فيه لبطلت الحجة بإخبارهم. و قال قوم منهم إن الأنبياء يجوز أن يخطئوا في

أقوالهم و أفعالهم إذا لم تجر تلك الأفعال مجرى بيان الوحي كبيانه ع لنا الشريعة و لا يجوز عليه الخطأ في حال البيان و إن كان

يجوز عليه ذلك في غير حال البيان كما روي من خبر ذي اليدين حين سها النبي ص في الصلاة و كذلك ما يكون منه من تبليغ وحي فإنه

لا يجوز عليه أن يخطئ فيه لأنه حجة الله على عباده فأما في أقواله الخارجة عن التبليغ فيجوز

[7 : 20 ]

أن يخطئ كما روي عنه ص في نهيه لأهل المدينة عن تأبير النخل. فأما أصحابنا المعتزلة فإنهم اختلفوا في الخبر المروي عنه ع في

سورة النجم فمنهم من دفع الخبر أصلا و لم يقبله و طعن في رواته و منهم من اعترف بكونه قرآنا منزلا و هم فريقان أحدهما القائلون

بأنه كان وصفا للملائكة فلما ظن المشركون أنه وصف آلهتهم رفع و نهي عن تلاوته و ثانيهما القائلون إنه خارج على وجه الاستفهام

بمعنى الإنكار فتوهم سامعوه أنه بمعنى التحقيق فنسخه الله تعالى و نهى عن تلاوته. و منهم من قال ليس بقرآن منزل بل هو كلام

تكلم به رسول الله ص من قبل نفسه على طريق الإنكار و الهزء بقريش فظنوا أنه يريد التحقيق فنسخه الله بأن بين خطأ ظنهم و هذا

معنى قوله وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُول وَ لا نَبِيّ إِلّا إِذا تَمَنّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ

يُحْكِمُ اللّهُ آياتِهِ قالوا فإلقاء الشيطان هاهنا هو إلقاء الشبهة في قلوب المشركين و إنما أضافه إلى أمنيته و هي تلاوته القرآن لأن

بغرور الشيطان و وسوسته أضاف المشركون إلى تلاوته ع ما لم يرده بها. و أنكر أصحابنا الأخبار الواردة التي تقتضي الطعن علي

الرسول ص قالوا و كيف يجوز أن تصدق هذه الأخبار الآحاد على من قد قال الله تعالى له كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ و قال له

سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى و قال عنه وَ لَوْ تَقَوَّلَ

[7 : 21 ]

عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ و أما خبر ذي اليدين و خبر تأبير النخل فقد تكلمنا عليهما في كتبنا

المصنفة في أصول الفقه

وَ قَدَّرَ الْأَرْزَاقَ فَكَثَّرَهَا وَ قَلَّلَهَا وَ قَسَّمَهَا عَلَى الضِّيقِ وَ السَّعَةِ فَعَدَّلَ فِيهَا لِيَبْتَلِيَ مَنْ أَرَادَ بِمَيْسُورِهَا وَ مَعْسُورِهَا وَ لِيَخْتَبِرَ بِذَلِكَ الشُّكْرَ وَ

الصَّبْرَ مِنْ غَنِيِّهَا وَ فَقِيرِهَا ثُمَّ قَرَنَ بِسَعَتِهَا عَقَابِيلَ فَاقَتِهَا وَ بِسَلَامَتِهَا طَوَارِقَ آفَاتِهَا وَ بِفُرَجِ أَفْرَاحِهَا غُصَصَ أَتْرَاحِهَا وَ خَلَقَ الآْجَالَ فَأَطَالَهَا

وَ قَصَّرَهَا وَ قَدَّمَهَا وَ أَخَّرَهَا وَ وَصَلَ بِالْمَوْتِ أَسْبَابَهَا وَ جَعَلَهُ خَالِجاً لِأَشْطَانِهَا وَ قَاطِعاً لِمَرَائِرِ أَقْرَانِهَا

الضيق و الضيق لغتان فأما المصدر من ضاق فالضيق بالكسر لا غير و عدل فيها من التعديل و هو التقويم و روي فعدل بالتخفيف من

العدل نقيض الظلم. و الميسور و المعسور مصدران و قال سيبويه هما صفتان و لا يجيء عنده المصدر على وزن مفعول البتة و يتأول

قولهم دعه إلى ميسوره و يقول كأنه قال دعه إلى أمر يوسر فيه و كذلك يتأول المعقول أيضا فيقول كأنه عقل له شيء أي حبس و أيد

و سدد. و معنى قوله ع ليبتلي من أراد بميسورها و معسورها هو معنى

قول النبي ص إن إعطاء هذا المال فتنة و إمساكه فتنة

[7 : 22 ]

و العقابيل في الأصل الحلأ و هو قروح صغار تخرج بالشفة من بقايا المرض و الفاقة الفقر. و طوارق الآفات متجددات المصائب و

أصل الطروق ما يأتي ليلا. و الأتراح الغموم الواحد ترح و ترحه تتريحا أي حزنه. و خالجا جاذبا و الخلج الجذب خلجه يخلجه

بالكسر و اختلجه و منه الخليج الحبل لأنه يجتذب به و سمى خليج البحر خليجا لأنه يجذب من معظم البحر. و الأشطان الجبال

واحدها شطن و شطنت الفرس أشطنه إذا شددته بالشطن. و القرائن الحبال جمع قرن و هو من شواذ الجموع قال الشاعر

أبلغ خليفتنا إن كنت لاقيه أن لدى الباب كالمشدود في قرن

و مرائر القرائن جمع مرير و هو ما لطف و طال منها و اشتد فتله و هذا الكلام من باب الاستعارة

عَالِمُ السِّرِّ مِنْ ضَمَائِرِ الْمُضْمِرِينَ وَ نَجْوَى الْمُتَخَافِتِينَ وَ خَوَاطِرِ رَجْمِ الظُّنُونِ وَ عُقَدِ عَزِيمَاتِ الْيَقِينِ وَ مَسَارِقِ إِيمَاضِ الْجُفُونِ وَ مَا

ضَمِنَتْهُ أَكْنَانُ الْقُلُوبِ وَ غَيَابَاتُ الْغُيُوبِ وَ مَا أَصْغَتْ لاسْتِرَاقِهِ مَصَائِخُ الْأَسْمَاعِ وَ مَصَايِفِ الذَّرِّ وَ مَشَاتِي الْهَوَامِّ وَ رَجْعِ الْحَنِينِ مِنَ

الْمُولَهَاتِ وَ هَمْسِ الْأَقْدَامِ وَ مُنْفَسَحِ الثَّمَرَةِ مِنْ وَلَائِجِ غُلُفِ الْأَكْمَامِ وَ مُنْقَمَعِ الْوُحُوشِ مِنْ غِيرَانِ الْجِبَالِ وَ أَوْدِيَتِهَا وَ مُخْتَبَإِ الْبَعُوضِ بَيْنَ

سُوقِ

[7 : 23 ]

الْأَشْجَارِ وَ أَلْحِيَتِهَا وَ مَغْرِزِ الْأَوْرَاقِ مِنَ الْأَفْنَانِ وَ مَحَطِّ الْأَمْشَاجِ مِنْ مَسَارِبِ الْأَصْلَابِ وَ نَاشِئَةِ الْغُيُومِ وَ مُتَلَاحِمِهَا وَ دُرُورِ قَطْرِ السَّحَابِ

فِي مُتَرَاكِمِهَا وَ مَا تَسْفِي الْأَعَاصِيرُ بِذُيُولِهَا وَ تَعْفُو الْأَمْطَارُ بِسُيُولِهَا وَ عَوْمِ بَنَاتِ الْأَرْضِ فِي كُثْبَانِ الرِّمَالِ وَ مُسْتَقَرِّ ذَوَاتِ الْأَجْنِحَةِ بِذُرَا

شَنَاخِيبِ الْجِبَالِ وَ تَغْرِيدِ ذَوَاتِ الْمَنْطِقِ فِي دَيَاجِيرِ الْأَوْكَارِ وَ مَا أَوْعَبَتْهُ الْأَصْدَافُ وَ حَضَنَتْ عَلَيْهِ أَمْوَاجُ الْبِحَارِ وَ مَا غَشِيَتْهُ سُدْفَةُ لَيْل أَوْ

ذَرَّ عَلَيْهِ شَارِقُ نَهَار وَ مَا اعْتَقَبَتْ عَلَيْهِ أَطْبَاقُ الدَّيَاجِيرِ وَ سُبُحَاتُ النُّورِ وَ أَثَرِ كُلِّ خَطْوَة وَ حِسِّ كُلِّ حَرَكَة وَ رَجْعِ كُلِّ كَلِمَة وَ تَحْرِيكِ كُلِّ

شَفَة وَ مُسْتَقَرِّ كُلِّ نَسَمَة وَ مِثْقَالِ كُلِّ ذَرَّة وَ هَمَاهِمِ كُلِّ نَفْس هَامَّة وَ مَا عَلَيْهَا مِنْ ثَمَرِ شَجَرَة أَوْ سَاقِطِ وَرَقَة أَوْ قَرَارَةِ نُطْفَة أَوْ نُقَاعَةِ دَم وَ

مُضْغَة أَوْ نَاشِئَةِ خَلْق وَ سُلَالَة لَمْ يَلْحَقْهُ فِي ذَلِكَ كُلْفَةٌ وَ لَا اعْتَرَضَتْهُ فِي حِفْظِ مَا ابْتَدَعَ مِنْ خَلْقِهِ عَارِضَةٌ وَ لَا اعْتَوَرَتْهُ فِي تَنْفِيذِ الْأُمُورِ وَ

تَدَابِيرِ الْمَخْلُوقِينَ مَلَالَةٌ وَ لَا فَتْرَةٌ بَلْ نَفَذَهُمْ عِلْمُهُ وَ أَحْصَاهُمْ عَدَدُهُ وَ وَسِعَهُمْ عَدْلُهُ وَ غَمَرَهُمْ فَضْلُهُ مَعَ تَقْصِيرِهِمْ عَنْ كُنْهِ مَا هُوَ أَهْلُهُ

لو سمع النضر بن كنانة هذا الكلام لقال لقائله ما قاله علي بن العباس بن جريج لإسماعيل بن بلبل

قالوا أبو الصقر من شيبان قلت لهم كلا و لكن لعمري منه شيبان

و كم أب قد علا بابن ذرا شرف كما علا برسول الله عدنان

إذ كان يفخر به على عدنان و قحطان بل كان يقر به عين أبيه إبراهيم خليل الرحمن

[7 : 24 ]

و يقول له إنه لم يعف ما شيدت من معالم التوحيد بل أخرج الله تعالى لك من ظهري ولدا ابتدع من علوم التوحيد في جاهلية العرب

ما لم تبتدعه أنت في جاهلية النبط بل لو سمع هذا الكلام أرسطوطاليس القائل بأنه تعالى لا يعلم الجزئيات لخشع قلبه و قف

شعره و اضطرب فكره أ لا ترى ما عليه من الرواء و المهابة و العظمة و الفخامة و المتانة و الجزالة مع ما قد أشرب من الحلاوة و

الطلاوة و اللطف و السلاسة لا أرى كلاما يشبه هذا إلا أن يكون كلام الخالق سبحانه فإن هذا الكلام نبعة من تلك الشجرة و جدول

من ذلك البحر و جذوة من تلك النار و كأنه شرح قوله تعالى وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلّا هُوَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ ما

تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَة إِلّا يَعْلَمُها وَ لا حَبَّة فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَ لا رَطْب وَ لا يابِس إِلّا فِي كِتاب مُبِين. ثم نعود إلى التفسير فنقول

النجوى المسارة تقول انتجى القوم و تناجوا أي تساروا و انتجيت زيدا إذا خصصته بمناجاتك

و منه الحديث أنه ص أطال النجوى مع علي ع فقال قوم لقد أطال اليوم نجوى ابن عمه فبلغه ذلك فقال إني ما انتجيته و لكن الله

انتجاه

و يقال للسر نفسه النجو يقال نجوته نجوا أي ساررته و كذلك ناجيته مناجاة و سمي ذلك الأمر المخصوص نجوى لأنه يستسر به

فأما قوله تعالى وَ إِذْ هُمْ نَجْوى فجعلهم هم النجوى و إنما النجوى فعلهم فإنما هو كقولك قوم رضا و إنما الرضا فعلهم و يقال للذي

تساره النجي على فعيل و جمعه أنجيه قال الشاعر

[7 : 25 ]

إني إذا ما القوم كانوا أنجيه

و قد يكون النجي جماعة مثل الصديق قال الله تعالى خَلَصُوا نَجِيًّا و قال الفراء قد يكون النجي و النجوى اسما و مصدرا. و

المتخافتين الذين يسرون المنطق و هي المخافتة و التخافت و الخفت قال الشاعر

أخاطب جهرا إذ لهن تخافت و شتان بين الجهر و المنطق الخفت

و رجم الظنون القول بالظن قال سبحانه رَجْماً بِالْغَيْبِ و منه الحديث المرجم بالتشديد و هو الذي لا يدرى أ حق هو أم باطل و يقال

صار رجما أي لا يوقف على حقيقة أمره. و عقد عزيمات اليقين العزائم التي يعقد القلب عليها و تطمئن النفس إليها. و مسارق إيماض

الجفون ما تسترقه الأبصار حين تومض يقال أومض البصر و البرق إيماضا إذا لمع لمعا خفيفا و يجوز ومض بغير همز يمض ومضا و

وميضا و ومضانا و أكنان القلوب غلفها و الكن الستر و الجمع أكنان قال تعالى جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً و يروى أكنة القلوب و

هي الأغطية أيضا قال تعالى وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً و الواحد كنان قال عمر بن أبي ربيعة

[7 : 26 ]

تحت عين كناننا ظل برد مرحل

و يعني بالذي ضمنته أكنان القلوب الضمائر. و غيابات الغيوب جمع غيابة و هي قعر البئر في الأصل ثم نقلت إلى كل غامض خفي مثل

غيابة و قد روي غبابات بالباء. و أصغت تسمعت و مالت نحوه و لاستراقه لاستماعه في خفيه قال تعالى إِلّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ. و مصائخ

الأسماع خروقها التي يصيخ بها أي يتسمع. و مصايف الذر المواضع التي يصيف الذر فيها أي يقيم الصيف يقال صاف بالمكان و

اصطاف بمعنى و الموضع مصيف و مصطاف. و الذر جمع ذرة و هي أصغر النمل. و مشاتي الهوام المواضع التي تشتو الهوام بها يقال

شتوت بموضع كذا و تشتيت أي أقمت به الشتاء. و الهوام جمع هامة و لا يقع هذا الاسم إلا على المخوف من الأحناش.

[7 : 27 ]

و رجع الحنين ترجيعه و ترديده و المولهات النوق و النساء اللواتي حيل بينهن و بين أولادهن. و همس الأقدام صوت وطئها خفيا

جدا قال تعالى فَلا تَسْمَعُ إِلّا هَمْساً و منه قول الراجز.

فهن يمشين بنا هميسا

و الأسد الهموس الخفي الوطء. و منفسح الثمرة أي موضع سعتها من الأكمام و قد روي متفسخ بالخاء المعجمة و تشديد السين و

بتاء بعد الميم مصدرا من تفسخت الثمرة إذا انقطعت. و الولائج المواضع الساترة و الواحدة وليجة و هو كالكهف يستتر فيه المارة

من مطر أو غيره و يقال أيضا في جمعه ولج و أولاج. و متقمع الوحوش موضع تقمعها و استتارها و سمي قمعة بن إلياس بن مضر بذلك

لأنه انقمع في بيته كما زعموا. و غيران الجبال جمع غار و هو كالكهف في الجبل و المغار مثل الغار و المغارة مثله. و مختبأ البعوض

موضع اختبائها و استتارها و سوق الأشجار جمع ساق و ألحيتها جمع لحاء و هو القشر. و مغرز الأوراق موضع غرزها فيها.

[7 : 28 ]

و الأفنان جمع فنن و هو الغصن و الأمشاج ماء الرجل يختلط بماء المرأة و دمها جمع مشيج كيتيم و أيتام و محطها إما مصدر أو

مكان. و مسارب الأصلاب المواضع التي يتسرب المني فيها من الصلب أي يسيل. و ناشئة الغيوم أول ما ينشأ منها و هو النشيء

أيضا و ناشئة الليل في قوله تعالى إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً أول ساعاته و يقال هي ما ينشأ في الليل من الطاعات و متلاحمها ما

يلتصق منها بعضها ببعض و يلتحم. و درور قطر السحائب مصدر من در يدر أي سال و ناقة درور أي كثيرة اللبن و سحاب درور أي كثير

المطر و يقال إن لهذا السحاب لدرة أي صبا و الجمع درور و متراكمها المجتمع المتكاثف منها ركمت الشيء أركمه بالضم جمعته و

ألقيت بعضه على بعض و رمل ركام و سحاب ركام أي مجتمع. و الأعاصير جمع إعصار و هي ريح تثير الغبار فيرتفع إلى السماء

كالعمود و قال تعالى فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ. و تسفي من سفت الريح التراب سفيا إذا أذرته فهو سفي و ذيولها هاهنا يريد به

أطرافها و ما لاحف الأرض منها. و ما تعفو الأمطار أي ما تدرس عفت الريح المنزل أي درسته و عفا المنزل نفسه يعفو درس يتعدى و لا

يتعدى. و بنات الأرض الهوام و الحشرات التي تكون في الرمال و عومها فيها سباحتها و يقال لسير السفينة و سير الإبل أيضا عوم

عمت في الماء بضم أوله أعوم.

[7 : 29 ]

و كثبان الرمال جمع كثيب و هو ما انصب من الرمل و اجتمع في مكان واحد فصار تلا و كثبت الشيء أكثبه كثبا إذا جمعته و انكثب

الرمل اجتمع. و شناخيب الجبال رءوسها واحدها شنخوب و ذراها أعاليها جمع ذروة و ذروة بالكسر و الضم. و التغريد التطريب

بالغناء و التغرد مثله و كذلك الغرد بفتحهما و يقال غرد الطائر فهو غرد إذا طرب بصوته. و ذوات المنطق هاهنا الأطيار و سمي صوتها

منطقا و إن كان لا يطلق إلا على ألفاظ البشر مجازا. و دياجير جمع ديجور و هو الظلام و الأوكار جمع وكر و هو عش الطائر و يجمع

أيضا على وكور و وكر الطائر يكر وكرا أي دخل وكره. و قوله و ما أوعبته الأصداف أي من اللؤلؤ و حضنت عليه أمواج البحار أي ما

ضمته كما تحضن الأنثى من الطير بيضها و هو ما يكون في لجة إما من سمك أو خشب أو ما يحمله البحر من العنبر كالجماجم بين

الأمواج و غير ذلك. و سدفة الليل ظلمته و جاء بالفتح و قيل السدفة اختلاط الضوء و الظلمة معا كوقت ما بين طلوع الفجر إلى

الإسفار. و غشيته غطته و ذر عليه شارق نهار أي ما طلعت عليه الشمس و ذرت الشمس تذر بالضم ذرورا طلعت و ذر البقل إذا طلع من

الأرض. و شرقت الشمس طلعت و أشرقت بالهمزة إذا أضاءت و صفت. و اعتقبت تعاقبت و أطباق الدياجير أطباق الظلم و أطباقها

جمع طبقة أي

[7 : 30 ]

أغطيتها أطبقت الشيء أي غطيته و جعلته مطبقا و قد تطبق هو و منه قولهم لو تطبقت السماء على الأرض لما فعلت كذا و سبحات

النور عطف على أطباق الدياجير أي يعلم سبحانه ما تعاقب عليه الظلام و الضياء و سبحات هاهنا ليس يعني به ما يعنى بقوله سبحان

وجه ربنا لأنه هناك بمعنى ما يسبح عليه النور أي يجرى من سبح الفرس و هو جريه و يقال فرس سابح. و الخطوة ما بين القدمين

بالضم و خطوت خطوة بالفتح لأنه المصدر. و رجع كل كلمة ما ترجع به من الكلام إلى نفسك و تردده في فكرك. و النسمة الإنسان

نفسه و جمعها نسم و مثقال كل ذرة أي وزن كل ذرة و مما يخطئ فيه العامة قولهم للدينار مثقال و إنما المثقال وزن كل شيء قال

تعالى إِنَّ اللّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّة. و هماهم كل نفس هامة الهماهم جمع همهمة و هي ترديد الصوت في الصدر و حمار همهيم يهمهم

في صوته و همهمت المرأة في رأس الصبي و ذلك إذا نومته بصوت ترققه له و النفس الهامة ذات الهمة التي تعزم على الأمر. قوله و ما

عليها أي ما على الأرض فجاء بالضمير و لم يسبق ذكر صاحبه اعتمادا على فهم المخاطب كما قال تعالى كُلُّ مَنْ عَلَيْها فان. و قرارة

النطفة ما يستقر فيه الماء من الأماكن قال الشاعر

و أنتم قرارة كل معدن سوءة و لكل سائلة تسيل قرار

و النطفة الماء نفسه و منه قوله ع في الخوارج إن مصارعهم النطفة

أي لا يعبرون النهر و يجوز أن يريد بالنطفة المني و يقويه ما ذكره بعده من المضغة.

[7 : 31 ]

و النقاعة نقرة يجتمع فيها الدم و مثله أنقوعة و يقال لوقبة الثريد أنقوعة. و المضغة قطعة اللحم و السلالة في الأصل ما استل من

الشيء و سميت النطفة سلالة الإنسان لأنها استلت منه و كذلك الولد. و الكلفة المشقة و اعتورته مثل عرته و نفذهم علمه تشبيه

بنفوذ السهم و عدي الفعل بنفسه و إن كان معدى في الأصل بحرف الجر كقولك اخترت الرجال زيدا أي من الرجال كأنه جعل علمه

تعالى خارقا لهم و نافذا فيهم و يروى و أحصاهم عده بالتضعيف

اللَّهُمَّ أَنْتَ أَهْلُ الْوَصْفِ الْجَمِيلِ وَ التَّعْدَادِ الْكَثِيرِ إِنْ تُؤَمَّلْ فَخَيْرُ مَأْمُول وَ إِنْ تُرْجَ فَخَيْرُ مَرْجُوّ اللَّهُمَّ فَقَدْ بَسَطْتَ لِي فِيمَا لَا أَمْدَحُ بِهِ

غَيْرَكَ وَ لَا أُثْنِي بِهِ عَلَى أَحَد سِوَاكَ وَ لَا أُوَجِّهُهُ إِلَى مَعَادِنِ الْخَيْبَةِ وَ مَوَاضِعِ الرِّيبَةِ وَ عَدَلْتَ بِلِسَانِي عَنْ مَدَائِحِ الآْدَمِيِّينَ وَ الثَّنَاءِ عَلَى

الْمَرْبُوبِينَ الْمَخْلُوقِينَ اللَّهُمَّ وَ لِكُلِّ مُثْن عَلَى مَنْ أَثْنَى عَلَيْهِ مَثُوبَةٌ مِنْ جَزَاء أَوْ عَارِفَةٌ مِنْ عَطَاء وَ قَدْ رَجَوْتُكَ دَلِيلًا عَلَى ذَخَائِرِ الرَّحْمَةِ وَ

كُنُوزِ الْمَغْفِرَةِ اللَّهُمَّ وَ هَذَا مَقَامُ مَنْ أَفْرَدَكَ بِالتَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ لَكَ وَ لَمْ يَرَ مُسْتَحِقّاً لِهَذِهِ الْمَحَامِدِ وَ الْمَمَادِحِ غَيْرَكَ وَ بِي فَاقَةٌ إِلَيْكَ لَا

يَجْبُرُ مَسْكَنَتَهَا إِلَّا فَضْلُكَ وَ لَا يَنْعَشُ مِنْ خَلَّتِهَا إِلَّا مَنُّكَ وَ جُودُكَ فَهَبْ لَنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ رِضَاكَ وَ أَغْنِنَا عَنْ مَدِّ الْأَيْدِي إِلَى سِوَاكَ إِنَّكَ عَلَى

كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ

[7 : 32 ]

التعداد مصدر و خير خبر مبتدإ محذوف تقديره فأنت خير مأمول. و معنى قوله قد بسطت لي أي قد آتيتني لسنا و فصاحة و سعة منطق

فلا أمدح غيرك و لا أحمد سواك. و يعني بمعادن الخيبة البشر لأن مادحهم و مؤملهم يخيب في الأكثر و جعلهم مواضع الريبة لأنهم

لا يوثق بهم في حال. و معنى قوله ع و قد رجوتك دليلا على ذخائر الرحمة و كنوز المغفرة أنه راج منه أن يدله على الأعمال التي

ترضيه سبحانه و يستوجب بها منه الرحمة و المغفرة و كأنه جعل تلك الأعمال التي يرجو أن يدل عليها ذخائر للرحمة و كنوزا. و

الفاقة الفقر و كذلك المسكنة. و ينعش بالفتح يرفع و الماضي نعش و منه النعش لارتفاعه و المن العطاء و النعمة و المنان من أسماء

الله سبحانه

[7 : 33 ]

91- و من كلام له ع لما أراده الناس على البيعة بعد قتل عثمان رضي الله عنه

دَعُونِي وَ الْتَمِسُوا غَيْرِي فَإِنَّا مُسْتَقْبِلُونَ أَمْراً لَهُ وُجُوهٌ وَ أَلْوَانٌ لَا تَقُومُ لَهُ الْقُلُوبُ وَ لَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ الْعُقُولُ وَ إِنَّ الآْفَاقَ قَدْ أَغَامَتْ وَ

الْمَحَجَّةَ قَدْ تَنَكَّرَتْ. وَ اعْلَمُوا أَنِّي إِنْ أَجَبْتُكُمْ رَكِبْتُ بِكُمْ مَا أَعْلَمُ وَ لَمْ أُصْغِ إِلَى قَوْلِ الْقَائِلِ وَ عَتْبِ الْعَاتِبِ وَ إِنْ تَرَكْتُمُونِي فَأَنَا كَأَحَدِكُمْ

وَ لَعَلِّي أَسْمَعُكُمْ وَ أَطْوَعُكُمْ لِمَنْ وَلَّيْتُمُوهُ أَمْرَكُمْ وَ أَنَا لَكُمْ وَزِيراً خَيْرٌ لَكُمْ مِنِّي أَمِيراً

في أكثر النسخ لما اراده الناس على البيعة و وجدت في بعضها أداره الناس على البيعة فمن روى الأول جعل على متعلقة بمحذوف و

تقديره موافقا و من روى الثاني جعلها متعلقة بالفعل الظاهر نفسه و هو أداره تقول أدرت فلانا على كذا و داورت فلانا على كذا أي

عالجته. و لا تقوم له القلوب أي لا تصبر و أغامت الآفاق غطاها الغيم أغامت و غامت و أغيمت و تغيمت كله بمعنى و المحجة الطريق

و تنكرت جهلت فلم تعرف و وزيرا و أميرا منصوبان على الحال. و هذا الكلام يحمله أصحابنا على ظاهره و يقولون إنه ع لم يكن

منصوصا

[7 : 34 ]

عليه بالإمامة من جهة الرسول ص و إن كان أولى الناس بها و أحقهم بمنزلتها لأنه لو كان منصوصا عليه بالإمامة من جهة الرسول ع لما

جاز له أن يقول دعوني و التمسوا غيري و لا أن يقول و لعلي أسمعكم و أطوعكم لمن وليتموه أمركم و لا أن يقول و أنا لكم وزيرا

خير مني لكم أميرا و تحمله الإمامية على وجه آخر فيقولون إن الذين أرادوه على البيعة هم كانوا العاقدين بيعة الخلفاء من قبل و

قد كان عثمان منعهم أو منع كثيرا منهم عن حقه من العطاء لأن بني أمية استأصلوا الأموال في أيام عثمان فلما قتل قالوا لعلي ع

نبايعك على أن تسير فينا سيرة أبي بكر و عمر لأنهما كانا لا يستأثران بالمال لأنفسهما و لا لأهلهما فطلبوا من علي ع البيعة على أن

يقسم عليهم بيوت الأموال قسمة أبي بكر و عمر فاستعفاهم و سألهم أن يطلبوا غيره ممن يسير بسيرتهما و قال لهم كلاما تحته رمز

و هو قوله إنا مستقبلون أمرا له وجوه و ألوان لا تقوم له القلوب و لا تثبت عليه العقول و إن الآفاق قد أغامت و المحجة قد تنكرت.

قالوا و هذا كلام له باطن و غور عميق معناه الإخبار عن غيب يعلمه هو و يجهلونه هم و هو الإنذار بحرب المسلمين بعضهم لبعض و

اختلاف الكلمة و ظهور الفتنة. و معنى قوله له وجوه و ألوان أنه موضع شبهة و تأويل فمن قائل يقول أصاب علي و من قائل يقول

أخطأ و كذلك القول في تصويب محاربيه من أهل الجمل و صفين و النهروان و تخطئتهم فإن المذاهب فيه و فيهم تشعبت و تفرقت

جدا. و معنى قوله الآفاق قد أغامت و المحجة قد تنكرت أن الشبهة قد استولت على العقول و القلوب و جهل أكثر الناس محجة الحق

أين هي فأنا لكم وزيرا عن رسول الله ص أفتي فيكم بشريعته و أحكامه خير لكم مني أميرا محجورا عليه

[7 : 35 ]

مدبرا بتدبيركم فإني أعلم أنه لا قدرة لي أن أسير فيكم بسيرة رسول الله ص في أصحابه مستقلا بالتدبير لفساد أحوالكم و تعذر

صلاحكم. و قد حمل بعضهم كلامه على محمل آخر فقال هذا كلام مستزيد شاك من أصحابه يقول لهم دعوني و التمسوا غيري على

طريق الضجر منهم و التبرم بهم و التسخط لأفعالهم لأنهم كانوا عدلوا عنه من قبل و اختاروا عليه فلما طلبوه بعد أجابهم جواب

المتسخط العاتب. و حمل قوم منهم الكلام على وجه آخر فقالوا إنه أخرجه مخرج التهكم و السخرية أي أنا لكم وزيرا خير مني لكم

أميرا فيما تعتقدونه كما قال سبحانه ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ أي تزعم لنفسك ذلك و تعتقده. و اعلم أن ما ذكروه ليس ببعيد أن

يحمل الكلام عليه لو كان الدليل قد دل على ذلك فأما إذا لم يدل عليه دليل فلا يجوز صرف اللفظ عن ظاهره و نحن نتمسك بالظاهر

إلا أن تقوم دلالة على مذهبهم تصدنا عن حمل اللفظ عن ظاهره و لو جاز أن تصرف الألفاظ عن ظواهرها لغير دليل قاهر يصدف و يصد

عنها لم يبق وثوق بكلام الله عز و جل و بكلام رسوله ع و قد ذكرنا فيما تقدم كيفية الحال التي كانت بعد قتل عثمان و البيعة

العلوية كيف وقعت

فصل فيما كان من أمر طلحة و الزبير عند قسم المال

و نحن نذكر هاهنا في هذه القصة ما ذكره شيخنا أبو جعفر الإسكافي في كتابه

[7 : 36 ]

الذي نقض فيه كتاب العثمانية لشيخنا أبي عثمان فإن الذي ذكره لم نورده نحن فيما تقدم. قال أبو جعفر لما اجتمعت الصحابة في

مسجد رسول الله ص بعد قتل عثمان للنظر في أمر الإمامة أشار أبو الهيثم بن التيهان و رفاعة بن رافع و مالك بن العجلان و أبو أيوب

الأنصاري و عمار بن ياسر بعلي ع و ذكروا فضله و سابقته و جهاده و قرابته فأجابهم الناس إليه فقام كل واحد منهم خطيبا يذكر فضل

علي ع فمنهم من فضله على أهل عصره خاصة و منهم من فضله على المسلمين كلهم كافة ثم بويع و صعد المنبر في اليوم الثاني من

يوم البيعة و هو يوم السبت لإحدى عشرة ليلة بقين من ذي الحجة فحمد الله و أثنى عليه و ذكر محمدا فصلى عليه ثم ذكر نعمة الله

على أهل الإسلام ثم ذكر الدنيا فزهدهم فيها و ذكر الآخرة فرغبهم إليها

ثم قال أما بعد فإنه لما قبض رسول الله ص استخلف الناس أبا بكر ثم استخلف أبو بكر عمر فعمل بطريقه ثم جعلها شورى بين ستة

فأفضي الأمر منهم إلى عثمان فعمل ما أنكرتم و عرفتم ثم حصر و قتل ثم جئتموني طائعين فطلبتم إلي و إنما أنا رجل منكم لي ما

لكم و علي ما عليكم و قد فتح الله الباب بينكم و بين أهل القبلة و أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم و لا يحمل هذا الأمر إلا أهل

الصبر و البصر و العلم بمواقع الأمر و إني حاملكم على منهج نبيكم ص و منفذ فيكم ما أمرت به إن استقمتم لي و بالله المستعان ألا

إن موضعي من رسول الله ص بعد وفاته كموضعي منه أيام حياته فامضوا لما تؤمرون به و قفوا عند ما تنهون عنه و لا تعجلوا في أمر

حتى نبينه لكم فإن لنا عن كل أمر تنكرونه عذرا ألا و إن الله عالم من فوق سمائه و عرشه أني كنت كارها للولاية على أمة محمد حتى

اجتمع رأيكم على ذلك لأني سمعت رسول الله ص يقول أيما وال ولي الأمر من بعدي أقيم على حد الصراط

[7 : 37 ]

و نشرت الملائكة صحيفته فإن كان عادلا أنجاه الله بعدله و إن كان جائرا انتفض به الصراط حتى تتزايل مفاصله ثم يهوى إلى النار

فيكون أول ما يتقيها به أنفه و حر وجهه و لكني لما اجتمع رأيكم لم يسعني ترككم ثم التفت ع يمينا و شمالا فقال ألا لا يقولن رجال

منكم غدا قد غمرتهم الدنيا فاتخذوا العقار و فجروا الأنهار و ركبوا الخيول الفارهة و اتخذوا الوصائف الروقة فصار ذلك عليهم عارا

و شنارا إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه و أصرتهم إلى حقوقهم التي يعلمون فينقمون ذلك و يستنكرون و يقولون حرمنا ابن أبي

طالب حقوقنا ألا و أيما رجل من المهاجرين و الأنصار من أصحاب رسول الله ص يرى أن الفضل له على من سواه لصحبته فإن الفضل

النير غدا عند الله و ثوابه و أجره على الله و أيما رجل استجاب لله و للرسول فصدق ملتنا و دخل في ديننا و استقبل قبلتنا فقد

استوجب حقوق الإسلام و حدوده فأنتم عباد الله و المال مال الله يقسم بينكم بالسوية لا فضل فيه لأحد على أحد و للمتقين عند الله

غدا أحسن الجزاء و أفضل الثواب لم يجعل الله الدنيا للمتقين أجرا و لا ثوابا و ما عند الله خير للأبرار و إذا كان غدا إن شاء الله

فاغدوا علينا فإن عندنا مالا نقسمه فيكم و لا يتخلفن أحد منكم عربي و لا عجمي كان من أهل العطاء أو لم يكن إلا حضر إذا كان

مسلما حرا أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم ثم نزل

قال شيخنا أبو جعفر و كان هذا أول ما أنكروه من كلامه ع و أورثهم الضغن عليه و كرهوا إعطاءه و قسمه بالسوية فلما كان من الغد

غدا و غدا الناس لقبض المال فقال لعبيد الله بن أبي رافع كاتبه ابدأ بالمهاجرين فنادهم و أعط كل

[7 : 38 ]

رجل ممن حضر ثلاثة دنانير ثم ثن بالأنصار فافعل معهم مثل ذلك و من يحضر من الناس كلهم الأحمر و الأسود فاصنع به مثل ذلك.

فقال سهل بن حنيف يا أمير المؤمنين هذا غلامي بالأمس و قد أعتقته اليوم فقال نعطيه كما نعطيك فأعطى كل واحد منهما ثلاثة

دنانير و لم يفضل أحدا على أحد و تخلف عن هذا القسم يومئذ طلحة و الزبير و عبد الله بن عمر و سعيد بن العاص و مروان بن

الحكم و رجال من قريش و غيرها. قال و سمع عبيد الله بن أبي رافع عبد الله بن الزبير يقول لأبيه و طلحة و مروان و سعيد ما خفي

علينا أمس من كلام علي ما يريد فقال سعيد بن العاص و التفت إلى زيد بن ثابت إياك أعني و اسمعي يا جارة فقال عبيد الله بن أبي

رافع لسعيد و عبد الله بن الزبير إن الله يقول في كتابه وَ لكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ. ثم إن عبيد الله بن أبي رافع أخبر عليا ع

بذلك فقال و الله إن بقيت و سلمت لهم لأقيمنهم على المحجة البيضاء و الطريق الواضح قاتل الله ابن العاص لقد عرف من كلامي و

نظري إليه أمس أني أريده و أصحابه ممن هلك فيمن هلك. قال فبينا الناس في المسجد بعد الصبح إذ طلع الزبير و طلحة فجلسا

ناحية عن علي ع ثم طلع مروان و سعيد و عبد الله بن الزبير فجلسوا إليهما ثم جاء قوم من قريش فانضموا إليهم فتحدثوا نجيا

ساعة ثم قام الوليد بن عقبة بن أبي معيط فجاء إلى علي ع فقال يا أبا الحسن إنك قد وترتنا جميعا أما أنا فقتلت أبي يوم بدر صبرا و

خذلت أخي يوم الدار بالأمس و أما سعيد فقتلت أباه يوم بدر في الحرب و كان ثور قريش و أما مروان فسخفت أباه عند عثمان إذ ضمه

إليه و نحن إخوتك

[7 : 39 ]

و نظراؤك من بني عبد مناف و نحن نبايعك اليوم على أن تضع عنا ما أصبناه من المال في أيام عثمان و أن تقتل قتلته و إنا إن خفناك

تركناك فالتحقنا بالشام.

فقال أما ما ذكرتم من وتري إياكم فالحق وتركم و أما وضعي عنكم ما أصبتم فليس لي أن أضع حق الله عنكم و لا عن غيركم و أما قتلي

قتلة عثمان فلو لزمني قتلهم اليوم لقتلتهم أمس و لكن لكم علي إن خفتموني أن أؤمنكم و إن خفتكم أن أسيركم

فقام الوليد إلى أصحابه فحدثهم و افترقوا على إظهار العداوة و إشاعة الخلاف فلما ظهر ذلك من أمرهم قال عمار بن ياسر لأصحابه

قوموا بنا إلى هؤلاء النفر من إخوانكم فإنه قد بلغنا عنهم و رأينا منهم ما نكره من الخلاف و الطعن على إمامهم و قد دخل أهل الجفاء

بينهم و بين الزبير و الأعسر العاق يعني طلحة. فقام أبو الهيثم و عمار و أبو أيوب و سهل بن حنيف و جماعة معهم فدخلوا على علي

ع فقالوا يا أمير المؤمنين انظر في أمرك و عاتب قومك هذا الحي من قريش فإنهم قد نقضوا عهدك و أخلفوا وعدك و قد دعونا في

السر إلى رفضك هداك الله لرشدك و ذاك لأنهم كرهوا الأسوة و فقدوا الأثرة و لما آسيت بينهم و بين الأعاجم أنكروا و استشاروا

عدوك و عظموه و أظهروا الطلب بدم عثمان فرقة للجماعة و تألفا لأهل الضلالة فرأيك. فخرج علي ع فدخل المسجد و صعد المنبر

مرتديا بطاق مؤتزرا ببرد قطري متقلدا سيفا متوكئا على قوس

فقال أما بعد فإنا نحمد الله ربنا و إلهنا و ولينا و ولي النعم علينا الذي أصبحت نعمه علينا ظاهرة و باطنة امتنانا منه بغير حول منا و

لا قوة ليبلونا أ نشكر أم نكفر فمن شكر زاده و من كفر عذبه فأفضل الناس عند الله منزلة و أقربهم من الله وسيلة أطوعهم لأمره

[7 : 40 ]

و أعملهم بطاعته و أتبعهم لسنة رسوله و أحياهم لكتابه ليس لأحد عندنا فضل إلا بطاعة الله و طاعة الرسول هذا كتاب الله بين

أظهرنا و عهد رسول الله و سيرته فينا لا يجهل ذلك إلا جاهل عاند عن الحق منكر قال الله تعالى يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ

ذَكَر وَ أُنْثى وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ ثم صاح بأعلى صوته أَطِيعُوا اللّهَ وَ أطيعوا

الرَّسُولَ فإن توليتم فَإِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ ثم قال يا معشر المهاجرين و الأنصار أ تمنون على الله و رسوله بإسلامكم بَلِ اللّهُ

يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ثم قال أنا أبو الحسن و كان يقولها إذا غضب ثم قال ألا إن هذه الدنيا التي

أصبحتم تمنونها و ترغبون فيها و أصبحت تغضبكم و ترضيكم ليست بداركم و لا منزلكم الذي خلقتم له فلا تغرنكم فقد حذرتكموها

و استتموا نعم الله عليكم بالصبر لأنفسكم على طاعة الله و الذل لحكمه جل ثناؤه فأما هذا الفيء فليس لأحد على أحد فيه أثرة و قد

فرغ الله من قسمته فهو مال الله و أنتم عباد الله المسلمون و هذا كتاب الله به أقررنا و له أسلمنا و عهد نبينا بين أظهرنا فمن لم

يرض به فليتول كيف شاء فإن العامل بطاعة الله و الحاكم بحكم الله لا وحشة عليه ثم نزل عن المنبر فصلى ركعتين ثم بعث بعمار

بن ياسر و عبد الرحمن بن حنبل القرشي إلى طلحة و الزبير و هما في ناحية المسجد فأتياهما فدعواهما فقاما حتى جلسا إليه ع فقال

لهما نشدتكما الله هل جئتماني طائعين للبيعة و دعوتماني إليها و أنا كاره لها قالا نعم فقال غير مجبرين و لا مقسورين فأسلمتما لي

بيعتكما و أعطيتماني عهدكما

[7 : 41 ]

قالا نعم قال فما دعاكما بعد إلى ما أرى قالا أعطيناك بيعتنا على ألا تقضي الأمور و لا تقطعها دوننا و أن تستشيرنا في كل أمر و لا

تستبد بذلك علينا و لنا من الفضل على غيرنا ما قد علمت فأنت تقسم القسم و تقطع الأمر و تمضي الحكم بغير مشاورتنا و لا علمنا

فقال لقد نقمتما يسيرا و أرجأتما كثيرا فاستغفرا الله يغفر لكما أ لا تخبرانني أدفعتكما عن حق وجب لكما فظلمتكما إياه قالا معاذ

الله قال فهل استأثرت من هذا المال لنفسي بشيء قالا معاذ الله قال أ فوقع حكم أو حق لأحد من المسلمين فجهلته أو ضعفت عنه قالا

معاذ الله قال فما الذي كرهتما من أمري حتى رأيتما خلافي قالا خلافك عمر بن الخطاب في القسم أنك جعلت حقنا في القسم كحق

غيرنا و سويت بيننا و بين من لا يماثلنا فيما أفاء الله تعالى علينا بأسيافنا و رماحنا و أوجفنا عليه بخيلنا و رجلنا و ظهرت عليه دعوتنا

و أخذناه قسرا قهرا ممن لا يرى الإسلام إلا كرها فقال فأما ما ذكرتماه من الاستشارة بكما فو الله ما كانت لي في الولاية رغبة و لكنكم

دعوتموني إليها و جعلتموني عليها فخفت أن أردكم فتختلف الأمة فلما أفضت إلي نظرت في كتاب الله و سنة رسوله فأمضيت ما دلاني

عليه و اتبعته و لم أحتج إلى آرائكما فيه و لا رأي غيركما و لو وقع حكم ليس في كتاب الله بيانه و لا في السنة برهانه و احتيج إلى

المشاورة فيه لشاورتكما فيه و أما القسم و الأسوة فإن ذلك أمر لم أحكم فيه بادئ بدء قد وجدت أنا و أنتما رسول الله ص يحكم

بذلك و كتاب الله ناطق به و هو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد و أما قولكما جعلت

فيئنا و ما أفاءته سيوفنا و رماحنا سواء بيننا و بين غيرنا فقديما سبق إلى الإسلام قوم و نصروه بسيوفهم و رماحهم فلم يفضلهم

رسول الله ص في القسم و لا آثرهم بالسبق و الله

[7 : 42 ]

سبحانه موف السابق و المجاهد يوم القيامة أعمالهم و ليس لكما و الله عندي و لا لغيركما إلا هذا أخذ الله بقلوبنا و قلوبكم إلى

الحق و ألهمنا و إياكم الصبر ثم قال رحم الله امرأ رأى حقا فأعان عليه و رأى جورا فرده و كان عونا للحق على من خالفه

قال شيخنا أبو جعفر و قد روي أنهما قالا له وقت البيعة نبايعك على أنا شركاؤك في هذا الأمر فقال لهما لا و لكنكما شريكاي في

الفيء لا أستأثر عليكما و لا على عبد حبشي مجدع بدرهم فما دونه لا أنا و لا ولداي هذان فإن أبيتما إلا لفظ الشركة فإنما عونان لي

عند العجز و الفاقة لا عند القوة و الاستقامة

قال أبو جعفر فاشترطا ما لا يجوز في عقد الأمانة و شرط ع لهما ما يجب في الدين و الشريعة. قال رحمه الله تعالى و قد روي أيضا أن

الزبير قال في ملإ من الناس هذا جزاؤنا من علي قمنا له في أمر عثمان حتى قتل فلما بلغ بنا ما أراد جعل فوقنا من كنا فوقه. و قال

طلحة ما اللوم إلا علينا كنا معه أهل الشورى ثلاثة فكرهه أحدنا يعني سعدا و بايعناه فأعطيناه ما في أيدينا و منعنا ما في يده فأصبحنا

قد أخطأنا اليوم ما رجوناه أمس و لا نرجو غدا ما أخطأنا اليوم. فإن قلت فإن أبا بكر قسم بالسواء كما قسمه أمير المؤمنين ع و لم

ينكروا ذلك كما أنكروه أيام أمير المؤمنين ع فما الفرق بين الحالتين. قلت إن أبا بكر قسم محتذيا لقسم رسول الله ص فلما ولي

عمر الخلافة و فضل قوما على قوم ألفوا ذلك و نسوا تلك القسمة الأولى و طالت أيام عمر

[7 : 43 ]

و أشربت قلوبهم حب المال و كثرة العطاء و أما الذين اهتضموا فقنعوا و مرنوا على القناعة و لم يخطر لأحد من الفريقين له أن هذه

الحال تنتقض أو تتغير بوجه ما فلما ولي عثمان أجرى الأمر على ما كان عمر يجريه فازداد وثوق القوم بذلك و من ألف أمرا أشق عليه

فراقه و تغيير العادة فيه فلما ولي أمير المؤمنين ع أراد أن يرد الأمر إلى ما كان في أيام رسول الله ص و أبي بكر و قد نسي ذلك و

رفض و تخلل بين الزمانين اثنتان و عشرون سنة فشق ذلك عليهم و أنكروه و أكبروه حتى حدث ما حدث من نقض البيعة و مفارقة

الطاعة و لله أمر هو بالغه

[7 : 44 ]

92- و من خطبة له ع

أَمَّا بَعْدَ حَمْدِ اللَّهِ وَ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنِّي فَقَأْتُ عَيْنَ الْفِتْنَةِ وَ لَمْ يَكُنْ لِيَجْتَرِئَ عَلَيْهَا أَحَدٌ غَيْرِي بَعْدَ أَنْ مَاجَ غَيْهَبُهَا وَ اشْتَدَّ كَلَبُهَا

فَاسْأَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَسْأَلُونَنِي عَنْ شَيْء فِيمَا بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَ السَّاعَةِ وَ لَا عَنْ فِئَة تَهْدِي مِائَةً وَ تُضِلُّ مِائَةً إِلَّا

أَنْبَأْتُكُمْ بِنَاعِقِهَا وَ قَائِدِهَا وَ سَائِقِهَا وَ مُنَاخِ رِكَابِهَا وَ مَحَطِّ رِحَالِهَا وَ مَنْ يُقْتَلُ مِنْ أَهْلِهَا قَتْلًا وَ مَنْ يَمُوتُ مِنْهُمْ مَوْتاً وَ لَوْ قَدْ فَقَدْتُمُونِي وَ

نَزَلَتْ بِكُمْ كَرَائِهُ الْأُمُورِ وَ حَوَازِبُ الْخُطُوبِ لَأَطْرَقَ كَثِيرٌ مِنَ السَّائِلِينَ وَ فَشِلَ كَثِيرٌ مِنَ الْمَسْئُولِينَ وَ ذَلِكَ إِذَا قَلَّصَتْ حَرْبُكُمْ وَ شَمَّرَتْ

عَنْ سَاق وَ كَانَتِ الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ ضِيقاً تَسْتَطِيلُونَ أَيَّامَ الْبَلَاءِ عَلَيْكُمْ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ لِبَقِيَّةِ الْأَبْرَارِ مِنْكُمْ إِنَّ الْفِتَنَ إِذَا أَقْبَلَتْ شَبَّهَتْ وَ إِذَا

أَدْبَرَتْ نَبَّهَتْ يُنْكَرْنَ مُقْبِلَات وَ يُعْرَفْنَ مُدْبِرَات يَحُمْنَ حَوْمَ الرِّيَاحِ يُصِبْنَ بَلَداً وَ يُخْطِئْنَ بَلَداً أَلَا وَ إِنَّ أَخْوَفَ الْفِتَنِ عِنْدِي عَلَيْكُمْ فِتْنَةُ بَنِي

أُمَيَّةَ فَإِنَّهَا فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ مُظْلِمَةٌ عَمَّتْ خُطَّتُهَا وَ خَصَّتْ بَلِيَّتُهَا وَ أَصَابَ الْبَلَاءُ مَنْ أَبْصَرَ فِيهَا وَ أَخْطَأَ الْبَلَاءُ مَنْ عَمِيَ عَنْهَا وَ ايْمُ اللَّهِ لَتَجِدُنَّ

بَنِي أُمَيَّةَ لَكُمْ أَرْبَابَ سُوء بَعْدِي كَالنَّابِ الضَّرُوسِ تَعْذِمُ

[7 : 45 ]

بِفِيهَا وَ تَخْبِطُ بِيَدِهَا وَ تَزْبِنُ بِرِجْلِهَا وَ تَمْنَعُ دَرَّهَا لَا يَزَالُونَ بِكُمْ حَتَّى لَا يَتْرُكُوا مِنْكُمْ إِلَّا نَافِعاً لَهُمْ أَوْ غَيْرَ ضَائِر بِهِمْ وَ لَا يَزَالُ بَلَاؤُهُمْ

عَنْكُمْ حَتَّى لَا يَكُونَ انْتِصَارُ أَحَدِكُمْ مِنْهُمْ إِلَّا مِثْلَ انْتِصَارِ الْعَبْدِ مِنْ رَبِّهِ وَ الصَّاحِبِ مِنْ مُسْتَصْحِبِهِ تَرِدُ عَلَيْكُمْ فِتْنَتُهُمْ شَوْهاً مَخْشِيَّةً وَ قِطَعاً

جَاهِلِيَّةً لَيْسَ فِيهَا مَنَارُ هُدًى وَ لَا عَلَمٌ يُرَى نَحْنُ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْهَا بِنَجَاة وَ لَسْنَا فِيهَا بِدُعَاة ثُمَّ يُفَرِّجُهَا اللَّهُ عَنْكُمْ كَتَفْرِيجِ الْأَدِيمِ بِمَنْ

يَسُومُهُمْ خَسْفاً وَ يَسُوقُهُمْ عُنْفاً وَ يَسْقِيهِمْ بِكَأْس مُصَبَّرَة لَا يُعْطِيهِمْ إِلَّا السَّيْفَ وَ لَا يُحْلِسُهُمْ إِلَّا الْخَوْفَ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَوَدُّ قُرَيْشٌ بِالدُّنْيَا وَ

مَا فِيهَا لَوْ يَرَوْنَنِي مَقَاماً وَاحِداً وَ لَوْ قَدْرَ جَزْرِ جَزُور لِأَقْبَلَ مِنْهُمْ مَا أَطْلُبُ الْيَوْمَ بَعْضَهُ فَلَا يُعْطُونَنِيهِ

فقأت عينه أي بخقتها و تفقأت السحابة عن مائها تشققت و تفقأ الدمل و القرح و معنى فقئه ع عين الفتنة إقدامه عليها حتى أطفأ نارها

كأنه جعل للفتنة عينا محدقة يهابها الناس فأقدم هو عليها ففقأ عينها فسكنت بعد حركتها و هيجانها و هذا من باب الاستعارة و إنما

قال و لم يكن ليجترئ عليها أحد غيري لأن الناس كلهم كانوا يهابون قتال أهل القبلة و لا يعلمون كيف يقاتلونهم هل يتبعون

موليهم أم لا و هل يجهزون على جريحهم أم لا و هل يقسمون فيئهم أم لا و كانوا يستعظمون قتال من يؤذن كأذاننا و يصلي كصلاتنا

و استعظموا أيضا حرب عائشة و حرب طلحة و الزبير لمكانهم في الإسلام و توقف جماعتهم عن الدخول في تلك الحرب كالأحنف بن

قيس و غيره فلو لا أن عليا اجترأ على سل السيف فيها ما أقدم أحد عليها حتى

[7 : 46 ]

الحسن ع ابنه أشار عليه ألا يبرح عرصة المدينة و نهاه عن المسير إلى البصرة حتى قال له منكرا عليه إنكاره و لا تزال تخن خنين

الأمة و قد روى ابن هلال صاحب كتاب الغارات أنه كلم أباه في قتال أهل البصرة بكلام أغضبه فرماه ببيضة حديد عقرت ساقه فعولج

منها شهرين. و الغيهب الظلمة و الجمع غياهب و إنما قال بعد ما ماج غيهبها لأنه أراد بعد ما عم ضلالها فشمل فكنى عن الضلال

بالغيهب و كنى عن العموم و الشمول بالتموج لأن الظلمة إذا تموجت شملت أماكن كثيرة غير الأماكن التي تشملها لو كانت ساكنة و

اشتد كلبها أي شرها و أذاها و يقال للقحط الشديد كلب و كذلك للقر الشديد.

ثم قال ع سلوني قبل أن تفقدوني

روى صاحب كتاب الإستيعاب و هو أبو عمر محمد بن عبد البر عن جماعة من الرواة و المحدثين قالوا لم يقل أحد من الصحابة رضي

الله عنهم سلوني إلا علي بن أبي طالب و روى شيخنا أبو جعفر الإسكافي في كتاب نقض العثمانية عن علي بن الجعد عن ابن شبرمة

قال ليس لأحد من الناس أن يقول على المنبر سلوني إلا علي بن أبي طالب ع. و الفئة الطائفة و الهاء عوض من الياء التي نقصت من

وسطه و أصله فيء مثال فيع لأنه من فاء و يجمع على فئات مثل شيات و هبات و لدات. و ناعقها الداعي إليها من نعيق الراعي بغنمه و

هو صوته نعق ينعق بالكسر نعيقا و نعاقا أي صاح بها و زجرها قال الأخطل

فانعق بضأنك يا جرير فإنما منتك نفسك في الخلاء ضلالا

[7 : 47 ]

فأما الغراب فيقال نغق بالغين المعجمة ينغق بالكسر أيضا و حكى ابن كيسان نعق الغراب أيضا بعين غير معجمه. و الركاب الإبل

واحدتها راحلة و لا واحد لها من لفظها و جمعها ركب مثل كتاب و كتب و يقال زيت ركابي لأنه يحمل من الشام عليها. و المناخ بضم

الميم و محط بفتحها يجوز أن يكونا مصدرين و أن يكونا مكانين أما كون المناخ مصدرا فلأنه كالمقام الذي بمعنى الإقامة و أما

كون المحط مصدرا فلأنه كالمرد في قوله سبحانه وَ أَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللّهِ و أما كونهما موضعين فلأن المناخ من أنخت الجمل لا من

ناخ الجمل لأنه لم يأت و الفعل إذا جاوز الثلاثة فالموضع منه يأتي مضموم الميم لأنه مشبه ببنات الأربعة نحو دحرج و هذا

مدحرجنا و من قال هذا مقام بني فلان أي موضع مقامهم جعله كما جعلناه نحن من أقام يقيم لا من قام يقوم و أما المحط فإنه كالمقتل

موضع القتل يقال مقتل الرجل بين فكيه و يقال للأعضاء التي إذا أصيب الإنسان فيها هلك مقاتل و وجه المماثلة كونهما مضمومي

العين

فصل في ذكر أمور غيبية أخبر بها الإمام ثم تحققت

و اعلم أنه ع قد أقسم في هذا الفصل بالله الذي نفسه بيده أنهم لا يسألونه عن أمر يحدث بينهم و بين القيامة إلا أخبرهم به و أنه

ما صح من طائفة من الناس يهتدي بها مائة و تضل بها مائة إلا و هو مخبر لهم إن سألوه برعاتها و قائدها و سائقها و مواضع نزول

ركابها و خيولها و من يقتل منها قتلا و من يموت منها موتا و هذه الدعوى ليست منه عليه ع ادعاء الربوبية و لا ادعاء النبوة و لكنه

كان يقول إن رسول الله ص

[7 : 48 ]

أخبره بذلك و لقد امتحنا إخباره فوجدناه موافقا فاستدللنا بذلك على صدق الدعوى المذكورة كإخباره عن الضربة يضرب بها في رأسه

فتخضب لحيته و إخباره عن قتل الحسين ابنه ع و ما قاله في كربلاء حيث مر بها و إخباره بملك معاوية الأمر من بعده و إخباره عن

الحجاج و عن يوسف بن عمر و ما أخبر به من أمر الخوارج بالنهروان و ما قدمه إلى أصحابه من إخباره بقتل من يقتل منهم و صلب من

يصلب و إخباره بقتال الناكثين و القاسطين و المارقين و إخباره بعدة الجيش الوارد إليه من الكوفة لما شخص ع إلى البصرة لحرب

أهلها و إخباره عن عبد الله بن الزبير و قوله فيه خب ضب يروم أمرا و لا يدركه ينصب حبالة الدين لاصطياد الدنيا و هو بعد مصلوب

قريش و كإخباره عن هلاك البصرة بالغرق و هلاكها تارة أخرى بالزنج و هو الذي صحفه قوم فقالوا بالريح و كإخباره عن ظهور الرايات

السود من خراسان و تنصيصه على قوم من أهلها يعرفون ببني رزيق بتقديم المهملة و هم آل مصعب الذين منهم طاهر بن الحسين و

ولده و إسحاق بن إبراهيم و كانوا هم و سلفهم دعاة الدولة العباسية و كإخباره عن الأئمة الذين ظهروا من ولده بطبرستان كالناصر و

الداعي و غيرهما

في قوله ع و إن لآل محمد بالطالقان لكنزا سيظهره الله إذا شاء دعاؤه حتى يقوم بإذن الله فيدعو إلى دين الله

و كإخباره عن مقتل النفس الزكية بالمدينة و قوله إنه يقتل عند أحجار الزيت و كقوله عن أخيه إبراهيم المقتول بباب حمزة يقتل

بعد أن يظهر و يقهر بعد أن يقهر و قوله فيه أيضا يأتيه سهم غرب يكون فيه منيته فيا بؤسا للرامي شلت يده و وهن عضده و كإخباره

عن قتلى وج و قوله فيهم هم خير أهل الأرض و كإخباره عن المملكة العلوية بالغرب و تصريحه بذكر كتامة و هم الذين نصروا أبا عبد

الله الداعي المعلم و كقوله و هو يشير إلى أبي عبد الله المهدي و هو أولهم ثم يظهر

[7 : 49 ]

صاحب القيروان الغض البض ذو النسب المحض المنتجب من سلالة ذي البداء المسجى بالرداء و كان عبيد الله المهدي أبيض مترفا

مشربا بحمرة رخص البدن تار الأطراف و ذو البداء إسماعيل بن جعفر بن محمد ع و هو المسجى بالرداء لأن أباه أبا عبد الله جعفرا

سجاه بردائه لما مات و أدخل إليه وجوه الشيعة يشاهدونه ليعلموا موته و تزول عنهم الشبهة في أمره. و كإخباره عن بني بويه و

قوله فيهم و يخرج من ديلمان بنو الصياد إشارة إليهم و كان أبوهم صياد السمك يصيد منه بيده ما يتقوت هو و عياله بثمنه فأخرج

الله تعالى من ولده لصلبه ملوكا ثلاثة و نشر ذريتهم حتى ضربت الأمثال بملكهم

و كقوله ع فيهم ثم يستشري أمرهم حتى يملكوا الزوراء و يخلعوا الخلفاء فقال له قائل فكم مدتهم يا أمير المؤمنين فقال مائة أو تزيد قليلا

و كقوله فيهم و المترف ابن الأجذم يقتله ابن عمه على دجلة و هو إشارة إلى عز الدولة بختيار بن معز الدولة أبي الحسين و كان معز

الدولة أقطع اليد قطعت يده للنكوص في الحرب و كان ابنه عز الدول بختيار مترفا صاحب لهو و شرب و قتله عضد الدولة فناخسرو

ابن عمه بقصر الجص على دجلة في الحرب و سلبه ملكه فأما خلعهم للخلفاء فإن معز الدولة خلع المستكفي و رتب عوضه المطيع و

بهاء الدولة أبا نصر بن عضد الدولة خلع الطائع و رتب عوضه القادر و كانت مدة ملكهم كما أخبر به ع. و كإخباره ع لعبد الله بن

العباس رحمه الله تعالى عن انتقال الأمر إلى أولاده فإن علي بن عبد الله لما ولد أخرجه أبوه عبد الله إلى علي ع فأخذه و تفل في فيه

السابق

التالي