السابق

التالي

[6 : 75 ]

فخرج الأشتر حتى انتهى إلى القلزم حيث تركب السفن من مصر إلى الحجاز فأقام به فقال له ذلك الرجل و كان ذلك المكان مكانه

أيها الأمير هذا منزل فيه طعام و علف و أنا رجل من أهل الخراج فأقم و استرح و أتاه بالطعام حتى إذ طعم سقاه شربة عسل قد جعل

فيها سما فلما شربها مات.

قال إبراهيم و قد كان أمير المؤمنين كتب على يد الأشتر كتابا إلى أهل مصر روى ذلك الشعبي عن صعصعة بن صوحان من عبد الله

علي أمير المؤمنين إلى من بمصر من المسلمين سلام الله عليكم فإني أحمد الله إليكم الذي لا إله إلا هو أما بعد فإني قد بعثت إليكم

عبدا من عباد الله لا ينام أيام الخوف و لا ينكل عن الأعداء حذار الدوائر لا نأكل من قدم و لا واه في عزم من أشد عباد الله بأسا و

أكرمهم حسبا أضر على الفجار من حريق النار و أبعد الناس من دنس أو عار و هو مالك بن الحارث الأشتر حسام صارم لا نابي الضريبة

و لا كليل الحد حليم في السلم رزين في الحرب ذو رأي أصيل و صبر جميل فاسمعوا له و أطيعوا أمره فإن أمركم بالنفر فانفروا و إن

أمركم أن تقيموا فأقيموا فإنه لا يقدم و لا يحجم إلا بأمري و قد آثرتكم به على نفسي نصيحة لكم و شدة شكيمه على عدوكم

عصمكم الله بالهدى و ثبتكم بالتقوى و وفقنا و إياكم لما يحب و يرضى و السلام عليكم و رحمة الله

قال إبراهيم و روى جابر عن الشعبي قال هلك الأشتر حين أتى عقبة أفيق. قال إبراهيم و حدثنا وطبة بن العلاء بن المنهال الغنوي عن

أبيه عن عاصم

[6 : 76 ]

بن كليب عن أبيه أن عليا لما بعث الأشتر إلى مصر واليا عليها و بلغ معاوية خبره بعث رسولا يتبع الأشتر إلى مصر و أمره باغتياله

فحمل معه مزودين فيهما شراب و صحب الأشتر فاستسقى الأشتر يوما فسقاه من أحدهما ثم استسقى يوما آخر منه فسقاه من الآخر و

فيه سم فشربه فمالت عنقه و طلب الرجل ففاتهم. قال إبراهيم و حدثنا محرز بن هشام عن جرير بن عبد الحميد عن مغيرة الضبي أن

معاوية دس للأشتر مولى لآل عمر فلم يزل المولى يذكر للأشتر فضل علي و بني هاشم حتى اطمأن إليه و استأنس به فقدم الأشتر يوما

ثقله أو تقدم ثقله فاستسقى ماء فقال له مولى آل عمر و هل لك في شربة سويق فسقاه شربة سويق فيها سم فمات. و قد كان معاوية

قال لأهل الشام لما دس إليه مولى آل عمر ادعوا على الأشتر فدعوا عليه فلما بلغه موته قال أ لا ترون كيف استجيب لكم. قال

إبراهيم قد روي من بعض الوجوه أن الأشتر قتل بمصر بعد قتال شديد. و الصحيح أنه سقى سما فمات قبل أن يبلغ مصر. قال إبراهيم

و حدثنا محمد بن عبد الله بن عثمان عن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني أن معاوية أقبل يقول لأهل الشام أيها الناس إن عليا قد

وجه الأشتر إلى مصر فادعوا الله أن يكفيكموه فكانوا يدعون عليه في دبر كل صلاة و أقبل الذي سقاه السم إلى معاوية فأخبره

بهلاك الأشتر فقام معاوية في الناس خطيبا فقال أما بعد فإنه كان لعلي بن أبي طالب يدان يمينان فقطعت إحداهما يوم صفين و هو

عمار بن ياسر و قد قطعت الأخرى اليوم و هو مالك الأشتر.

[6 : 77 ]

قال إبراهيم فلما بلغ عليا موت الأشتر قال إنا لله و إنا إليه راجعون و الحمد لله رب العالمين اللهم إني أحتسبه عندك فإن موته من

مصائب الدهر ثم قال رحم الله مالكا فلقد وفى بعهده و قضى نحبه و لقي ربه مع أنا قد وطنا أنفسنا أن نصبر على كل مصيبة بعد

مصابنا برسول الله ص فإنها من أعظم المصيبات

قال إبراهيم و حدثنا محمد بن هشام المرادي عن جرير بن عبد الحميد عن مغيرة الضبي قال لم يزل أمر علي شديدا حتى مات الأشتر و

كان الأشتر بالكوفة أسود من الأحنف بالبصرة.

قال إبراهيم و حدثنا محمد بن عبد الله عن ابن أبي سيف المدائني عن جماعة من أشياخ النخع قالوا دخلنا على أمير المؤمنين حين

بلغه موت الأشتر فوجدناه يتلهف و يتأسف عليه ثم قال لله در مالك و ما مالك لو كان من جبل لكان فندا و لو كان من حجر لكان صلدا

أما و الله ليهدن موتك عالما و ليفرحن عالما على مثل مالك فلتبك البواكي و هل مرجو كمالك و هل موجود كمالك

قال علقمة بن قيس النخعي فما زال علي يتلهف و يتأسف حتى ظننا أنه المصاب به دوننا و عرف ذلك في وجهه أياما.

قال إبراهيم و حدثنا محمد بن عبد الله عن المدائني قال حدثنا مولى للأشتر قال لما هلك الأشتر أصيب في ثقله رسالة علي إلى أهل

مصر من عبد الله أمير المؤمنين إلى النفر من المسلمين الذين غضبوا لله إذ عصي في الأرض و ضرب الجور برواقه على البر و الفاجر

فلا حق يستراح إليه و لا منكر يتناهى عنه سلام عليكم فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو

[6 : 78 ]

أما بعد فقد وجهت إليكم عبدا من عباد الله لا ينام في الخوف و لا ينكل من الأعداء حذار الدوائر أشد على الكافرين من حريق النار و

هو مالك بن الحارث الأشتر أخو مذحج فاسمعوا له و أطيعوا فإنه سيف من سيوف الله لا نابي الضريبة و لا كليل الحد فإن أمركم أن

تقيموا فأقيموا و إن أمركم أن تنفروا فانفروا و إن أمركم أن تحجموا فأحجموا فإنه لا يقدم و لا يحجم إلا بأمري و قد آثرتكم به

على نفسي لنصيحته و شدة شكيمته على عدوه عصمكم الله بالحق و ثبتكم بالتقوى و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

قال إبراهيم و حدثنا محمد بن عبد الله عن المدائني عن رجاله أن محمد بن أبي بكر لما بلغه أن عليا قد وجه الأشتر إلى مصر شق عليه

فكتب ع إليه عند مهلك الأشتر أما بعد فقد بلغني موجدتك من تسريح الأشتر إلى عملك و لم أفعل ذلك استبطاء لك عن الجهاد و لا

استزادة لك مني في الجد و لو نزعت ما حوت يداك من سلطانك لوليتك ما هو أيسر مئونة عليك و أعجب ولاية إليك ألا إن الرجل

الذي وليته مصر كان رجلا لنا مناصحا و هو على عدونا شديد فرحمة الله عليه فقد استكمل أيامه و لاقى حمامه و نحن عنه راضون

فرضي الله عنه و ضاعف له الثواب و أحسن له الم آب فاصحر لعدوك و شمر للحرب و ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة

الحسنة و أكثر ذكر الله و الاستعانة به و الخوف منه يكفك ما همك و يعنك على ما ولاك أعاننا الله و إياك على ما لا ينال إلا برحمته

و السلام

قال فكتب محمد بن أبي بكر إليه جوابه

[6 : 79 ]

إلى عبد الله أمير المؤمنين من محمد بن أبي بكر. سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فقد انتهى إلي كتاب أمير

المؤمنين و فهمته و عرفت ما فيه و ليس أحد من الناس أشد على عدو أمير المؤمنين و لا أرأف و أرق لوليه مني و قد خرجت فعسكرت

و أمنت الناس إلا من نصب لنا حربا و أظهر لنا خلافا و أنا أتبع أمر أمير المؤمنين و حافظ و لاجئ إليه و قائم به و الله المستعان على

كل حال و السلام على أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته. قال إبراهيم فحدث محمد بن عبد الله بن عثمان عن ابن سيف المدائني

عن أبي جهضم الأزدي أن أهل الشام لما انصرفوا عن صفين كانوا ينتظرون ما يأتي به الحكمان فلما انصرفا و تفرقا و بايع أهل

الشام معاوية بالخلافة لم يزدد معاوية إلا قوة و اختلف أهل العراق على علي بن أبي طالب فلم يكن هم معاوية إلا مصر و قد كان

لأهلها هائبا لقربهم منه و شدتهم على من كان على رأي عثمان و قد كان علم أن بها قوما قد ساءهم قتل عثمان و خالفوا عليا مع أنه

كان يرجو أن يكون له فيها معاونة إذا ظهر عليها على حرب علي لوفور خراجها فدعا معاوية من كان معه من قريش و هم عمرو بن

العاص السهمي و حبيب بن مسلمة الفهري و بسر بن أبي أرطاة العامري و الضحاك بن قيس الفهري و عبد الرحمن بن خالد بن الوليد

المخزومي و دعا من غير قريش نحو شرحبيل بن السمط الحميري و أبي الأعور السلمي و حمزة بن مالك الهمداني فقال أ تدرون لما

ذا دعوتكم قالوا لا قال فإني دعوتكم لأمر هو لي مهم و أرجو أن يكون الله عز و جل قد أعان عليه فقال له القوم أو من قال له منهم

إن الله لم يطلع على غيبه أحدا و لسنا ندري ما تريد فقال عمرو بن العاص أرى و الله أن أمر هذه البلاد المصرية لكثرة خراجها و عدد

أهلها قد أهمك

[6 : 80 ]

فدعوتنا تسألنا عن رأينا في ذلك فإن كنت لذلك دعوتنا و له جمعتنا فاعزم و اصرم و نعم الرأي ما رأيت إن في افتتاحها عزك و عز

أصحابك و ذل عدوك و كبت أهل الخلاف عليك. قال معاوية أهمك ما أهمك يا ابن العاص و ذلك أن عمرا كان بايع معاوية على قتال

علي و أن مصر له طعمه ما بقي فأقبل معاوية على أصحابه و قال إن هذا يعني ابن العاص قد ظن و حقق ظنه قالوا و لكنا لا ندري و لعل

أبا عبد الله قد أصاب فقال عمرو و أنا أبو عبد الله إن أفضل الظنون ما شابه اليقين. ثم إن معاوية حمد الله و أثنى عليه ثم قال أما

بعد فقد رأيتم كيف صنع الله لكم في حربكم هذه على عدوكم و لقد جاءوكم و هم لا يشكون أنهم يستأصلون بيضتكم و يجوزون

بلادكم ما كانوا يرون إلا أنكم في أيديهم فردهم الله بغيظهم لم ينالوا خيرا و كفى الله المؤمنين القتال و كفاكم مئونتهم. و

حاكمتموهم إلى الله فحكم لكم عليهم ثم جمع كلمتنا و أصلح ذات بيننا و جعلهم أعداء متفرقين يشهد بعضهم على بعض بالكفر و

يسفك بعضهم دم بعض و الله إني لأرجو أن يتم الله لنا هذا الأمر و قد رأيت أن أحاول حرب مصر فما ذا ترون. فقال عمرو بن العاص

قد أخبرتك عما سألت و أشرت عليك بما سمعت. فقال معاوية ما ترون فقالوا نرى ما رأى عمرو بن العاص فقال معاوية إن عمرا قد عزم

و صرم بما قال و لم يفسر كيف ينبغي أن نصنع. قال عمرو فإني مشير عليك بما تصنع أرى أن تبعث جيشا كثيفا عليهم رجل صارم

تأمنه و تثق به فيأتي مصر فيدخلها فإنه سيأتينا من كان على مثل رأينا من أهلها فنظاهره على من كان من عدونا فإن اجتمع بها جندك و

من كان بها من شيعتك على من بها من أهل حربك رجوت الله أن يعز نصرك و يظهر فلجك.

[6 : 81 ]

فقال معاوية هل عندك شيء غير هذا نعمله فيما بيننا و بينهم قبل هذا قال ما أعلمه. قال معاوية فإن رأيي غير هذا أرى أن نكاتب من

كان بها من شيعتنا و من كان بها من عدونا فأما شيعتنا فنأمرهم بالثبات على أمرهم و نمنيهم قدومنا عليهم و أما من كان بها من عدونا

فندعوهم إلى صلحنا و نمنيهم شكرنا و نخوفهم حربنا فإن صلح لنا ما قبلهم من غير حرب و لا قتال فذلك ما أحببنا و إلا فحربهم من

وراء ذلك. إنك يا ابن العاص لامرؤ بورك لك في العجلة و بورك لي في التؤدة. قال عمرو فاعمل بما أراك الله فو الله ما أرى أمرك و

أمرهم يصير إلا إلى الحرب. قال فكتب معاوية عند ذلك إلى مسلمة بن مخلد الأنصاري و إلى معاوية بن حديج الكندي و كانا قد خالفا

عليا أما بعد فإن الله عز و جل قد ابتعثكما لأمر عظيم أعظم به أجركما و رفع درجتكما و مرتبتكما في المسلمين طلبتما بدم الخليفة

المظلوم و غضبتما لله إذ ترك حكم الكتاب و جاهدتما أهل الظلم و العدوان فأبشرا برضوان الله و عاجلا نصرة أولياء الله و

المواساة لكما في دار الدنيا و سلطاننا حتى ينتهي ذلك إلى ما يرضيكما و يؤدى به حقكما فالزما أمركما و جاهدا عدوكما و ادعوا

المدبرين منكما إلى هداكما فكان الجيش قد أظل عليكما فاندفع كل ما تكرهان و دام كل ما تهويان و السلام عليكما و رحمة الله. و

بعث بالكتاب مع مولى له يقال له سبيع فخرج بكتابه حتى قدم به عليهما بمصر

[6 : 82 ]

و محمد بن أبي بكر يومئذ أميرها قد ناصبه هؤلاء النفر الحرب و هم هائبون الإقدام عليه فدفع الكتاب إلى مسلمة بن مخلد فقرأه

فقال الق به معاوية بن حديج ثم القني به حتى أجيب عني و عنه فانطلق الرسول بكتاب معاوية فأقرأه إياه ثم قال له إن مسلمة قد

أمرني أن أرد الكتاب إليه لكي يجيب عنك و عنه قال قل له فليفعل فأتى مسلمة بالكتاب فكتب الجواب عنه و عن معاوية بن حديج

أما بعد فإن هذا الأمر الذي قد ندبنا له أنفسنا و ابتغيا الله به على عدونا أمر نرجو به ثواب ربنا و النصر على من خالفنا و تعجيل

النقمة على من سعى على إمامنا و طأطأ الركض في مهادنا و نحن بهذه الأرض قد نفينا من كان بها من أهل البغي و أنهضنا من كان بها

من أهل القسط و العدل و قد ذكرت موازرتك في سلطانك و ذات يدك و بالله إنه لا من أجل مال نهضنا و لا إياه أردنا فإن يجمع الله

لنا ما نريد و نطلب أو يرينا ما تمنينا فإن الدنيا و الآخرة لله رب العالمين و قد يثوبهما الله جميعا عالما من خلقه كما قال في كتابه

فَ آتاهُمُ اللّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَ حُسْنَ ثَوابِ الْ آخِرَةِ وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ عجل لنا بخيلك و رجلك فإن عدونا قد كان علينا جريئا و كنا

فيهم قليلا و قد أصبحوا لنا هائبين و أصبحنا لهم منابذين فإن يأتنا مدد من قبلك يفتح الله عليك و لا قوة إلا بالله و هو حسبنا و نعم

الوكيل. قال فجاء هذا الكتاب معاوية و هو يومئذ بفلسطين فدعا النفر الذين سميناهم من قريش و غيرهم و أقرأهم الكتاب و قال

لهم ما ذا ترون قالوا نرى أن تبعث إليهم جيشا من قبلك فأنت مفتتحها إن شاء الله بإذن الله. قال معاوية فتجهز إليها يا أبا عبد الله

يعني عمرو بن العاص فبعثه في ستة آلاف

[6 : 83 ]

فخرج يسير و خرج معه معاوية يودعه فقال له معاوية عند وداعه إياه أوصيك بتقوى الله يا عمرو و بالرفق فإنه يمن و بالتؤدة فإن

العجلة من الشيطان و بأن تقبل من أقبل و تعفو عمن أدبر أنظره فإن تاب و أناب قبلت منه و إن أبى فإن السطوة بعد المعرفة أبلغ

في الحجة و أحسن في العاقبة و ادع الناس إلى الصلح و الجماعة فإن أنت ظفرت فليكن أنصارك أبر الناس عندك و كل الناس فأول

حسنا. قال فسار عمرو في الجيش حتى دنا من مصر فاجتمعت إليه العثمانية فأقام و كتب إلى محمد بن أبي بكر أما بعد فتنح عني بدمك

يا ابن أبي بكر فإني لا أحب أن يصيبك مني ظفر و إن الناس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك و رفض أمرك و ندموا على اتباعك و

هم مسلموك لو قد التقت حلقتا البطان فاخرج منها فإني لك من الناصحين و السلام. قال و بعث عمرو إلى محمد مع هذا الكتاب كتاب

معاوية إليه و هو أما بعد فإن غب الظلم و البغي عظيم الوبال و إن سفك الدم الحرام لا يسلم صاحبه من النقمة في الدنيا و التبعة

الموبقة في الآخرة و ما نعلم أحدا كان أعظم على عثمان بغيا و لا أسوأ له عيبا و لا أشد عليه خلافا منك سعيت عليه في الساعين و

ساعدت عليه مع المساعدين و سفكت دمه مع السافكين ثم تظن أني نائم عنك فتأتي بلده فتأمن فيها و جل أهلها أنصاري يرون رأيي

و يرفضون قولك و يستصرخونني عليك و قد بعثت إليك قوما حناقا عليك يسفكون دمك و يتقربون إلى الله عز و جل بجهادك و قد

أعطوا الله عهدا ليقتلنك و لو لم يكن منهم إليك ما قالوا لقتلك الله بأيديهم أو بأيدي غيرهم من أوليائه و أنا أحذرك و أنذرك فإن

الله مقيد منك و مقتص لوليه و خليفته بظلمك له و بغيك عليه

[6 : 84 ]

و وقيعتك فيه و عداوتك يوم الدار عليه تطعن بمشاقصك فيما بين أحشائه و أوداجه و مع هذا فإني أكره قتلك و لا أحب أن أتولى

ذلك منك و لن يسلمك الله من النقمة أين كنت أبدا فتنح و انج بنفسك و السلام. قال فطوى محمد بن أبي بكر كتابيهما و بعث بهما

إلى علي ع و كتب إليه أما بعد يا أمير المؤمنين فإن العاصي ابن العاص قد نزل أداني مصر و اجتمع إليه من أهل البلد من كان يرى

رأيهم و هو في جيش جرار و قد رأيت ممن قبلي بعض الفشل فإن كان لك في أرض مصر حاجة فامددني بالأموال و الرجال و السلام

عليك و رحمة الله و بركاته.

قال فكتب إليه علي أما بعد فقد أتاني رسولك بكتابك تذكر أن ابن العاص قد نزل في جيش جرار و أن من كان على مثل رأيه قد خرج

إليه و خروج من كان يرى رأيه خير لك من إقامته عندك و ذكرت أنك قد رأيت ممن قبلك فشلا فلا تفشل و إن فشلوا حصن قريتك و

اضمم إليك شيعتك و أذك الحرس في عسكرك و اندب إلى القوم كنانة بن بشر المعروف بالنصيحة و التجربة و البأس و أنا نادب

إليك الناس على الصعب و الذلول فاصبر لعدوك و امض على بصيرتك و قاتلهم على نيتك و جاهدهم محتسبا لله سبحانه و إن كانت

فئتك أقل الفئتين فإن الله تعالى يعين القليل و يخذل الكثير و قد قرأت كتابي الفاجرين المتحابين على المعصية و المتلائمين على

الضلالة و المرتشيين على الحكومة و المتكبرين على أهل الدين الذين استمتعوا بخلاقهم كما استمتع الذين من

[6 : 85 ]

قبلهم بخلاقهم فلا يضرنك إرعادهما و إبراقهما و أجبهما إن كنت لم تجبهما بما هما أهله فإنك تجد مقالا ما شئت و السلام

قال فكتب محمد بن أبي بكر إلى معاوية جواب كتابه أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر من أمر عثمان أمرا لا أعتذر إليك منه و تأمرني

بالتنحي عنك كأنك لي ناصح و تخوفني بالحرب كأنك علي شفيق و أنا أرجو أن تكون الدائرة عليكم و أن يهلككم الله في الوقعة و

أن ينزل بكم الذل و أن تولوا الدبر فإن يكن لكم الأمر في الدنيا فكم و كم لعمري من ظالم قد نصرتم و كم من مؤمن قد قتلتم و

مثلتم به و إلى الله المصير و إليه ترد الأمور و هو أرحم الراحمين و الله المستعان على ما تصفون. قال و كتب محمد بن أبي بكر إلى

عمرو بن العاص جواب كتابه أما بعد فهمت كتابك و علمت ما ذكرت زعمت أنك تكره أن يصيبني منك ظفر فأشهد بالله إنك لمن

المبطلين و زعمت أنك ناصح لي و أقسم أنك عندي ظنين و قد زعمت أن أهل البلد قد رفضوني و ندموا على اتباعي فأولئك حزبك و

حزب الشيطان الرجيم و حسبنا الله رب العالمين و نعم الوكيل و توكلت على الله العزيز الرحيم رب العرش العظيم. قال إبراهيم

فحدثنا محمد بن عبد الله عن المدائني قال فأقبل عمرو بن العاص يقصد قصد مصر فقام محمد بن أبي بكر في الناس فحمد الله و أثنى

عليه ثم قال أما بعد يا معشر المؤمنين فإن القوم الذين كانوا ينتهكون الحرمة و يغشون الضلالة و يستطيلون بالجبرية قد نصبوا

لكم العداوة و ساروا إليكم بالجنود فمن أراد الجنة و المغفرة فليخرج إلى هؤلاء القوم فليجاهدهم في الله انتدبوا رحمكم الله مع

[6 : 86 ]

كنانة بن بشر ثم ندب معه نحو ألفي رجل و تخلف محمد في ألفين و استقبل عمرو بن العاص كنانة و هو على مقدمة محمد فلما دنا

عمرو من كنانة سرح إليه الكتائب كتيبة بعد كتيبة فلم تأته من كتائب الشام كتيبة إلا شد عليها بمن معه فيضربها حتى يلحقها بعمرو

ففعل ذلك مرارا فلما رأى عمرو ذلك بعث إلى معاوية بن حديج الكندي فأتاه في مثل الدهم فلما رأى كنانة ذلك الجيش نزل عن فرسه

و نزل معه أصحابه فضاربهم بسيفه و هو يقول وَ ما كانَ لِنَفْس أَنْ تَمُوتَ إِلّا بِإِذْنِ اللّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا. فلم يزل يضاربهم بالسيف حتى

استشهد رحمه الله. قال إبراهيم حدثنا محمد بن عبد الله عن المدائني عن محمد بن يوسف أن عمرو بن العاص لما قتل كنانة أقبل

نحو محمد بن أبي بكر و قد تفرق عنه أصحابه فخرج محمد متمهلا فمضى في طريقه حتى انتهى إلى خربة ف آوى إليها و جاء عمرو بن

العاص حتى دخل الفسطاط و خرج معاوية بن حديج في طلب محمد حتى انتهى إلى علوج على قارعة الطريق فسألهم هل مر بهم أحد

ينكرونه قالوا لا قال أحدهم إني دخلت تلك الخربة فإذا أنا برجل جالس قال ابن حديج هو هو و رب الكعبة فانطلقوا يركضون حتى

دخلوا على محمد فاستخرجوه و قد كاد يموت عطشا فأقبلوا به نحو الفسطاط. قال و وثب أخوه عبد الرحمن بن أبي بكر إلى عمرو بن

العاص و كان في جنده فقال لا و الله لا يقتل أخي صبرا ابعث إلى معاوية بن حديج فانهه فأرسل عمرو بن العاص أن ائتني بمحمد فقال

معاوية أ قتلتم كنانة بن بشر ابن عمي و أخلي عن محمد.

[6 : 87 ]

هيهات أَ كُفّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ فقال محمد اسقوني قطرة من الماء فقال له معاوية بن حديج لا سقاني

الله إن سقيتك قطرة أبدا إنكم منعتم عثمان أن يشرب الماء حتى قتلتموه صائما محرما فسقاه الله من الرحيق المختوم و الله

لأقتلنك يا ابن أبي بكر و أنت ظم آن و يسقيك الله من الحميم و الغسلين فقال له محمد يا ابن اليهودية النساجة ليس ذلك اليوم

إليك و لا إلى عثمان إنما ذلك إلى الله يسقي أولياءه و يظمئ أعداءه و هم أنت و قرناؤك و من تولاك و توليته و الله لو كان سيفي

في يدي ما بلغتم مني ما بلغتم فقال له معاوية بن حديج أ تدري ما أصنع بك أدخلك جوف هذا الحمار الميت ثم أحرقه عليك بالنار قال

إن فعلتم ذاك بي فطالما فعلتم ذاك بأولياء الله و ايم الله إني لأرجو أن يجعل الله هذه النار التي تخوفني بها بردا و سلاما كما جعلها

الله على إبراهيم خليله و أن يجعلها عليك و على أوليائك كما جعلها على نمرود و أوليائه و إني لأرجو أن يحرقك الله و إمامك

معاوية و هذا و أشار إلى عمرو بن العاص بنار تلظى كلما خبت زادها الله عليكم سعيرا فقال له معاوية بن حديج إني لا أقتلك ظلما

إنما أقتلك بعثمان بن عفان قال محمد و ما أنت و عثمان رجل عمل بالجور و بدل حكم الله و القرآن و قد قال الله عز و جل وَ مَنْ لَمْ

يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ فنقمنا عليه أشياء عملها فأردنا أن يخلع

من الخلافة علنا فلم يفعل فقتله من قتله من الناس.

[6 : 88 ]

فغضب معاوية بن حديج فقدمه فضرب عنقه ثم ألقاه في جوف حمار و أحرقه بالنار. فلما بلغ ذلك عائشة جزعت عليه جزعا شديدا و

قنتت في دبر كل صلاة تدعو على معاوية بن أبي سفيان و عمرو بن العاص و معاوية بن حديج و قبضت عيال محمد أخيها و ولده إليها

فكان القاسم بن محمد من عيالها. قال و كان ابن حديج ملعونا خبيثا يسب علي بن أبي طالب ع.

قال إبراهيم و حدثني عمرو بن حماد بن طلحة القناد عن علي بن هاشم عن أبيه عن داود بن أبي عوف قال دخل معاوية بن حديج على

الحسن بن علي في مسجد المدينة فقال له الحسن ويلك يا معاوية أنت الذي تسب أمير المؤمنين عليا ع أما و الله لئن رأيته يوم

القيامة و ما أظنك تراه لترينه كاشفا عن ساق يضرب وجوه أمثالك عن الحوض ضرب غرائب الإبل

قال إبراهيم و حدثني محمد بن عبد الله بن عثمان عن المدائني عن عبد الملك بن عمير عن عبد الله بن شداد قال حلفت عائشة لا تأكل

شواء أبدا بعد قتل محمد فلم تأكل شواء حتى لحقت بالله و ما عثرت قط إلا قالت تعس معاوية بن أبي سفيان و عمرو بن العاص و

معاوية بن حديج. قال إبراهيم و قد روى هاشم أن أسماء بنت عميس لما جاءها نعي محمد ابنها و ما صنع به قامت إلى مسجدها و

كظمت غيظها حتى تشخبت دما. قال إبراهيم و روى ابن عائشة التيمي عن رجاله عن كثير النواء أن أبا بكر خرج

[6 : 89 ]

في حياة رسول الله ص في غزاة فرأت أسماء بنت عميس و هي تحته كأن أبا بكر مخضب بالحناء رأسه و لحيته و عليه ثياب بيض

فجاءت إلى عائشة فأخبرتها فقالت إن صدقت رؤياك فقد قتل أبو بكر إن خضابه الدم و إن ثيابه أكفانه ثم بكت فدخل النبي ص و هي

كذلك فقال ما أبكاها فقالوا يا رسول الله ما أبكاها أحد و لكن أسماء ذكرت رؤيا رأتها لأبي بكر فأخبر النبي ص

فقال ليس كما عبرت عائشة و لكن يرجع أبو بكر صالحا فيلقى أسماء فتحمل منه بغلام فتسميه محمدا يجعله الله غيظا على

الكافرين و المنافقين

قال فكان كما أخبر ص. قال إبراهيم حدثنا محمد بن عبد الله عن المدائني قال فكتب عمرو بن العاص إلى معاوية بن أبي سفيان عند

قتل محمد بن أبي بكر و كنانة بن بشر أما بعد فإنا لقينا محمد بن أبي بكر و كنانة بن بشر في جموع من أهل مصر فدعوناهم إلى

الكتاب و السنة فعصوا الحق فتهولوا في الضلال فجاهدناهم و استنصرنا الله جل و عز عليهم فضرب الله وجوههم و أدبارهم و منحنا

أكتافهم فقتل محمد بن أبي بكر و كنانة بن بشر و الحمد لله رب العالمين.

قال إبراهيم و حدثني محمد بن عبد الله عن المدائني عن الحارث بن كعب بن عبد الله بن قعين عن حبيب بن عبد الله قال و الله إني

لعند علي جالس إذ جاءه عبد الله بن معين و كعب بن عبد الله من قبل محمد بن أبي بكر يستصرخانه قبل الوقعة فقام علي فنادى في

الناس الصلاة جامعة فاجتمع الناس فصعد المنبر فحمد الله و أثنى

[6 : 90 ]

عليه و ذكر رسول الله ص فصلى عليه ثم قال أما بعد فهذا صريخ محمد بن أبي بكر و إخوانكم من أهل مصر قد سار إليهم ابن النابغة

عدو الله و عدو من والاه و ولي من عادى الله فلا يكونن أهل الضلال إلى باطلهم و الركون إلى سبيل الطاغوت أشد اجتماعا على

باطلهم و ضلالتهم منكم على حقكم فكأنكم بهم و قد بدءوكم و إخوانكم بالغزو فاعجلوا إليهم بالمواساة و النصر عباد الله إن مصر

أعظم من الشام و خير أهلا فلا تغلبوا على مصر فإن بقاء مصر في أيديكم عز لكم و كبت لعدوكم اخرجوا إلى الجرعة قال و الجرعة

بين الحيرة و الكوفة لنتوافى هناك كلنا غدا إن شاء الله

قال فلما كان الغد خرج يمشى فنزلها بكرة فأقام بها حتى انتصف النهار فلم يوافه مائة رجل فرجع فلما كان العشي بعث إلى الأشراف

فجمعهم فدخلوا عليه القصر و هو كئيب حزين

فقال الحمد لله على ما قضى من أمر و قدر من فعل و ابتلاني بكم أيها الفرقة التي لا تطيع إذا أمرتها و لا تجيب إذا دعوتها لا أبا

لغيركم ما ذا تنتظرون بنصركم و الجهاد على حقكم الموت خير من الذل في هذه الدنيا لغير الحق و الله إن جاءني الموت و ليأتيني

لتجدنني لصحبتكم جدا قال أ لا دين يجمعكم أ لا حمية تغضبكم أ لا تسمعون بعدوكم ينتقص بلادكم و يشن الغارة عليكم أ و ليس

عجبا أن معاوية يدعو الجفاة الطغام الظلمة فيتبعونه على غير عطاء و لا معونة و يجيبونه في السنة المرة و المرتين و الثلاث إلى

أي وجه شاء ثم أنا أدعوكم و أنتم أولو النهى و بقية الناس تختلفون و تفترقون عني و تعصونني و تخالفون علي

[6 : 91 ]

فقام إليه مالك بن كعب الأرحبي فقال يا أمير المؤمنين اندب الناس معي فإنه لا عطر بعد عروس و إن الأجر لا يأتي إلا بالكرة ثم التفت

إلى الناس و قال اتقوا الله و أجيبوا دعوة إمامكم و انصروا دعوته و قاتلوا عدوكم إنا نسير إليهم يا أمير المؤمنين فأمر علي سعدا

مولاه أن ينادي ألا سيروا مع مالك بن كعب إلى مصر و كان وجها مكروها فلم يجتمعوا إليه شهرا فلما اجتمع له منهم ما اجتمع خرج

بهم مالك بن كعب فعسكر بظاهر الكوفة و خرج معه علي فنظر فإذا جميع من خرج نحو من ألفين فقال علي سيروا و الله ما أنتم ما

إخالكم تدركون القوم حتى ينقضي أمرهم

فخرج مالك بهم و سار خمس ليال و قدم الحجاج بن غزية الأنصاري على علي و قدم عليه عبد الرحمن بن المسيب الفزاري من الشام

فأما الفزاري فكان عينا لعلي ع لا ينام و أما الأنصاري فكان مع محمد بن أبي بكر فحدثه الأنصاري بما عاين و شاهد و أخبره بهلاك

محمد و أخبره الفزاري أنه لم يخرج من الشام حتى قدمت البشرى من قبل عمرو بن العاص يتبع بعضها بعضا بفتح مصر و قتل محمد

بن أبي بكر و حتى أذن معاوية بقتله على المنبر

و قال يا أمير المؤمنين ما رأيت يوما قط سرورا مثل سرور رأيته بالشام حين أتاهم قتل محمد بن أبي بكر فقال علي أما إن حزننا على

قتله على قدر سرورهم به لا بل يزيد أضعافا

قال فسرح علي عبد الرحمن بن شريح إلى مالك بن كعب فرده من الطريق

قال و حزن علي على محمد بن أبي بكر حتى رئي ذلك فيه و تبين في وجهه و قام في الناس خطيبا فحمد الله و أثنى عليه ثم قال ألا و

إن مصر قد افتتحها الفجرة

[6 : 92 ]

أولياء الجور و الظلم الذين صدوا عن سبيل الله و بغوا الإسلام عوجا ألا و إن محمد بن أبي بكر قد استشهد رحمة الله عليه و عند

الله نحتسبه أما و الله لقد كان ما علمت ينتظر القضاء و يعمل للجزاء و يبغض شكل الفاجر و يحب سمت المؤمن إني و الله لا ألوم

نفسي على تقصير و لا عجز و إني بمقاساة الحرب لجد بصير إني لأقدم على الحرب و أعرف وجه الحزم و أقوم بالرأي المصيب

فأستصرخكم معلنا و أناديكم مستغيثا فلا تسمعون لي قولا و لا تطيعون إلى أمرا حتى تصير الأمور إلى عواقب المساءة و أنتم القوم

لا يدرك بكم الثأر و لا تنقض بكم الأوتار دعوتكم إلى غياث إخوانكم منذ بضع و خمسين ليلة فجرجرتم علي جرجرة الجمل الأسر و

تثاقلتم إلى الأرض تثاقل من لا نية له في الجهاد و لا رأي له في الاكتساب للأجر ثم خرج إلي منكم جنيد متذائب ضعيف كأنما

يساقون إلى الموت و هم ينظرون فأف لكم ثم نزل فدخل رحله

قال إبراهيم فحدثنا محمد بن عبد الله عن المدائني قال كتب علي إلى عبد الله بن عباس و هو على البصرة من عبد الله علي أمير

المؤمنين ع إلى عبد الله بن عباس سلام عليك و رحمة الله و بركاته أما بعد فإن مصر قد افتتحت و قد استشهد محمد بن أبي بكر فعند

الله عز و جل تحتسبه و قد كنت كتبت إلى الناس و تقدمت إليهم في بدء الأمر و أمرتهم بإغاثته

السابق

التالي