السابق

التالي

[6 : 22 ]

قال الزبير و كان خالد بن الوليد شيعة لأبي بكر و من المنحرفين عن علي فقام خطيبا فقال أيها الناس إنا رمينا في بدء هذا الدين بأمر

ثقل علينا و الله محمله و صعب علينا مرتقاه و كنا كأنا فيه على أوتار ثم و الله ما لبثنا أن خف علينا ثقله و ذل لنا صعبه و عجبنا ممن

شك فيه بعد عجبنا ممن آمن به حتى أمرنا بما كنا ننهى عنه و نهينا عما كنا نأمر به و لا و الله ما سبقنا إليه بالعقول و لكنه التوفيق ألا

و إن الوحي لم ينقطع حتى أحكم و لم يذهب النبي ص فنستبدل بعده نبيا و لا بعد الوحي وحيا و نحن اليوم أكثر منا أمس و نحن

أمس خير منا اليوم من دخل في هذا الدين كان ثوابه على حسب عمله و من تركه رددناه إليه و إنه و الله ما صاحب الأمر يعني أبا بكر

بالمسئول عنه و لا المختلف فيه و لا الخفي الشخص و لا المغموز القناة. فعجب الناس من كلامه و مدحه حزن بن أبي وهب المخزومي

و هو الذي سماه رسول الله ص سهلا و هو جد سعيد بن المسيب الفقيه و قال

و قامت رجال من قريش كثيره فلم يك منهم في الرجال كخالد

ترقي فلم يزاق به صدر نعله و كف فلم يعرض لتلك الأوابد

فجاء بها غراء كالبدر ضوءها فسميتها في الحسن أم القلائد

أ خالد لا تعدم لؤي بن غالب قيامك فيها عند قذف الجلامد

كساك الوليد بن المغيرة مجده و علمك الأشياخ ضرب القماحد

تقارع في الإسلام عن صلب دينه و في الشرك عن أحساب جد و والد

[6 : 23 ]

و كنت لمخزوم بن يقظة جنة يعدك فيها ماجدا و ابن ماجد

إذا ما سما في حربها ألف فارس عدلت بألف عند تلك الشدائد

و من يك في الحرب المثيرة واحدا فما أنت في الحرب العوان بواحد

إذا ناب أمر في قريش مخلج تشيب له رءوس العذارى النواهد

توليت منه ما يخاف و إن تغب يقولوا جميعا حظنا غير شاهد

قال الزبير و حدثنا محمد بن موسى الأنصاري المعروف بابن مخرمة قال حدثني إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف

الزهري قال لما بويع أبو بكر و استقر أمره ندم قوم كثير من الأنصار على بيعته و لام بعضهم بعضا و ذكروا علي بن أبي طالب و هتفوا

باسمه و إنه في داره لم يخرج إليهم و جزع لذلك المهاجرون و كثر في ذلك الكلام. و كان أشد قريش على الأنصار نفر فيهم و هم

سهيل بن عمرو أحد بني عامر بن لؤي و الحارث بن هشام و عكرمة بن أبي جهل المخزوميان و هؤلاء أشراف قريش الذين حاربوا

النبي ص ثم دخلوا في الإسلام و كلهم موتور قد وتره الأنصار أما سهيل بن عمرو فأسره مالك بن الدخشم يوم بدر و أما الحارث بن

هشام فضربه عروة بن عمرو فجرحه يوم بدر و هو فار عن أخيه و أما عكرمة بن أبي جهل فقتل أباه ابنا عفراء و سلبه درعه يوم بدر زياد

بن لبيد و في أنفسهم ذلك. فلما اعتزلت الأنصار تجمع هؤلاء فقام سهيل بن عمرو فقال يا معشر قريش إن هؤلاء القوم قد سماهم

الله الأنصار و أثنى عليهم في القرآن فلهم بذلك حظ عظيم و شأن غالب و قد دعوا إلى أنفسهم و إلى علي بن أبي طالب و علي

[6 : 24 ]

في بيته لو شاء لردهم فادعوهم إلى صاحبكم و إلى تجديد بيعته فإن أجابوكم و إلا قاتلوهم فو الله إني لأرجو الله أن ينصركم عليهم

كما نصرتم بهم. ثم قام الحارث بن هشام فقال إن تكن الأنصار تبوأت الدار و الإيمان من قبل و نقلوا رسول الله ص إلى دورهم من

دورنا ف آووا و نصروا ثم ما رضوا حتى قاسمونا الأموال و كفونا العمل فإنهم قد لهجوا بأمر إن ثبتوا عليه فإنهم قد خرجوا مما

وسموا به و ليس بيننا و بينهم معاتبة إلا السيف و إن نزعوا عنه فقد فعلوا الأولى بهم و المظنون معهم. ثم قام عكرمة بن أبي جهل

فقال و الله لو لا

قول رسول الله ص الأئمة من قريش

ما أنكرنا أمره الأنصار و لكانوا لها أهلا و لكنه قول لا شك فيه و لا خيار و قد عجلت الأنصار علينا و الله ما قبضنا عليهم الأمر و لا

أخرجناهم من الشورى و إن الذي هم فيه من فلتات الأمور و نزغات الشيطان و ما لا يبلغه المنى و لا يحمله الأمل أعذروا إلى القوم

فإن أبوا فقاتلوهم فو الله لو لم يبق من قريش كلها إلا رجل واحد لصير الله هذا الأمر فيه. قال و حضر أبو سفيان بن حرب فقال يا

معشر قريش إنه ليس للأنصار أن يتفضلوا على الناس حتى يقروا بفضلنا عليهم فإن تفضلوا فحسبنا حيث انتهى بها و إلا فحسبهم

حيث انتهى بهم و ايم الله لئن بطروا المعيشة و كفروا النعمة لنضربنهم على الإسلام كما ضربوا عليه فأما علي بن أبي طالب فأهل و

الله أن يسود على قريش و تطيعه الأنصار. فلما بلغ الأنصار قول هؤلاء الرهط قام خطيبهم ثابت بن قيس بن شماس فقال يا معشر

الأنصار إنما يكبر عليكم هذا القول لو قاله أهل الدين من قريش فأما إذا كان من أهل الدنيا لا سيما من أقوام كلهم موتور فلا يكبرن

عليكم إنما الرأي

[6 : 25 ]

و القول مع الأخيار المهاجرين فإن تكلمت رجال قريش و الذين هم أهل الآخرة مثل كلام هؤلاء فعند ذلك قولوا ما أحببتم و إلا

فأمسكوا. و قال حسان بن ثابت يذكر ذلك

تنادي سهيل و ابن حرب و حارث و عكرمة الشاني لنا ابن أبي جهل

قتلنا أباه و انتزعنا سلاحه فأصبح بالبطحا أذل من النعل

فأما سهيل فاحتواه ابن دخشم أسيرا ذليلا لا يمر و لا يحلي

و صخر بن حرب قد قتلنا رجاله غداة لوا بدر فمرجله يغلي

و راكضنا تحت العجاجة حارث على ظهر جرداء كباسقه النخل

يقبلها طورا و طورا يحثها و يعدلها بالنفس و المال و الأهل

أولئك رهط من قريش تبايعوا على خطة ليست من الخطط الفضل

و أعجب منهم قابلو ذاك منهم كانا اشتملنا من قريش على ذحل

و كلهم ثان عن الحق عطفه يقول اقتلوا الأنصار يا بئس من فعل

نصرنا و آوينا النبي و لم نخف صروف الليالي و البلاء على رجل

بذلنا لهم أنصاف مال أكفنا كقسمة أيسار الجزور من الفضل

و من بعد ذاك المال أنصاف دورنا و كنا أناسا لا نعير بالبخل

و نحمي ذمار الحي فهر بن مالك و نوقد نار الحرب بالحطب الجزل

فكان جزاء الفضل منا عليهم جهالتهم حمقا و ما ذاك بالعدل

فبلغ شعر حسان قريشا فغضبوا و أمروا ابن أبي عزة شاعرهم أن يجيبه فقال

معشر الأنصار خافوا ربكم و استجيروا الله من شر الفتن

إنني أرهب حربا لاقحا يشرق المرضع فيها باللبن

جرها سعد و سعد فتنة ليت سعد بن عباد لم يكن

خلف برهوت خفيا شخصه بين بصرى ذي رعين و جدن

[6 : 26 ]

ليس ما قدر سعد كائنا ما جرى البحر و ما دام حضن

ليس بالقاطع منا شعرة كيف يرجى خير أمر لم يحن

ليس بالمدرك منها أبدا غير أضغاث أماني الوسن

قال الزبير لما اجتمع جمهور الناس لأبي بكر أكرمت قريش معن بن عدي و عويم بن ساعدة و كان لهما فضل قديم في الإسلام

فاجتمعت الأنصار لهما في مجلس و دعوهما فلما أحضرا أقبلت الأنصار عليهما فعيروهما بانطلاقهما إلى المهاجرين و أكبروا فعلهما

في ذلك فتكلم معن فقال يا معشر الأنصار إن الذي أراد الله بكم خير مما أردتم بأنفسكم و قد كان منكم أمر عظيم البلاء و صغرته

العاقبة فلو كان لكم على قريش ما لقريش عليكم ثم أردتموهم لما أرادوكم به لم آمن عليهم منكم مثل من آمن عليكم منهم فإن

تعرفوا الخطأ فقد خرجتم منه و إلا فأنتم فيه. قلت قوله و قد كان منكم أمر عظيم البلاء و صغرته العاقبة يعني عاقبة الكف و

الإمساك يقول قد كان منكم أمر عظيم و هو دعوى الخلافة لأنفسكم و إنما جعل البلاء معظما له لأنه لو لم يتعقبه الإمساك لأحدث

فتنة عظيمة و إنما صغره سكونهم و رجوعهم إلى بيعة المهاجرين. و قوله و كان لكم على قريش إلى آخر الكلام معناه لو كان لكم

الفضل على قريش كفضل قريش عليكم و ادعت قريش الخلافة لها ثم أردتم منهم الرجوع عن دعواهم و جرت بينكم و بينهم من

المنازعة مثل هذه المنازعة التي جرت الآن بينكم لم آمن عليهم منكم أن تقتلوهم و تقدموا على سفك دمائهم و لم يحصل لي من

سكون النفس إلى

[6 : 27 ]

حلمكم عنهم و صبركم عليهم مثل ما أنا آمن عليكم منهم فإنهم صبروا و حلموا و لم يقدموا على استباحة حربكم و الدخول في

دمائكم. قال الزبير ثم تكلم عويم بن ساعدة فقال يا معشر الأنصار إن من نعم الله عليكم أنه تعالى لم يرد بكم ما أردتم بأنفسكم

فاحمدوا الله على حسن البلاء و طول العافية و صرف هذه البلية عنكم و قد نظرت في أول فتنتكم و آخرها فوجدتها جاءت من الأماني

و الحسد و احذروا النقم فوددت أن الله صير إليكم هذا الأمر بحقه فكنا نعيش فيه. فوثبت عليهما الأنصار فاغلظوا لهما و فحشوا

عليهما و انبرى لهما فروة بن عمرو فقال أ نسيتما قولكما لقريش إنا قد خلفنا وراءنا قوما قد حلت دماؤهم بفتنتهم هذا و الله ما لا

يغفر و لا ينسى قد تصرف الحية عن وجهها و سمها في نابها فقال معن في ذلك

و قالت لي الأنصار إنك لم تصب فقلت أ ما لي في الكلام نصيب

فقالوا بلى قل ما بدا لك راشدا فقلت و مثلي بالجواب طبيب

تركتكم و الله لما رأيتكم تيوسا لها بالحرتين نبيب

تنادون بالأمر الذي النجم دونه ألا كل شيء ما سواه قريب

فقلت لكم قول الشفيق عليكم و للقلب من خوف البلاء وجيب

دعوا الركض و اثنوا من أعنة بغيكم و دبوا فسير القاصدين دبيب

و خلوا قريشا و الأمور و بايعوا لمن بايعوه ترشدوا و تصيبوا

[6 : 28 ]

أراكم أخذتم حقكم بأكفكم و ما الناس إلا مخطئ و مصيب

فلما أبيتم زلت عنكم إليهم و كنت كأني يوم ذاك غريب

فإن كان هذا الأمر ذنبي إليكم فلي فيكم بعد الذنوب ذنوب

فلا تبعثوا مني الكلام فإنني إذا شئت يوما شاعر و خطيب

و إني لحلو تعتريني مرارة و ملح أجاج تارة و شروب

لكل امرئ عندي الذي هو أهله أفانين شتى و الرجال ضروب

و قال عويم بن ساعدة في ذلك

و قالت لي الأنصار أضعاف قولهم لمعن و ذاك القول جهل من الجهل

فقلت دعوني لا أبا لأبيكم فإني أخوكم صاحب الخطر الفصل

أنا صاحب القول الذي تعرفونه أقطع أنفاس الرجال على مهل

فإن تسكتوا أسكت و في الصمت راحة و إن تنطقوا أصمت مقالتكم تبلي

و ما لمت نفسي في الخلاف عليكم و إن كنتم مستجمعين على عذلي

أريد بذاك الله لا شيء غيره و ما عند رب الناس من درج الفضل

و ما لي رحم في قريش قريبة و لا دارها داري و لا أصلها أصلي

و لكنهم قوم علينا أئمة أدين لهم ما أنفذت قدمي نعلي

و كان أحق الناس أن تقنعوا به و يحتملوا من جاء في قوله مثلي

لأني أخف الناس فيما يسركم و فيما يسوء لا أمر و لا أحلي

قال فروة بن عمر و كان ممن تخلف عن بيعة أبي بكر و كان ممن جاهد مع

[6 : 29 ]

رسول الله و قاد فرسين في سبيل الله و كان يتصدق من نخله بألف وسق في كل عام و كان سيدا و هو من أصحاب علي و ممن شهد معه

يوم الجمل قال فذكر معنا و عويما و عاتبهما على قولهما خلفنا وراءنا قوما قد حلت دماؤهم بفتنتهم

ألا قل لمعن إذا جئته و ذاك الذي شيخه ساعده

بأن المقال الذي قلتما خفيف علينا سوى واحده

مقالكم إن من خلفنا مراض قلوبهم فاسده

حلال الدماء على فتنة فيا بئسما ربت الوالده

فلم تأخذا قدر أثمانها و لم تستفيدا بها فائده

لقد كذب الله ما قلتما و قد يكذب الرائد الواعده

قال الزبير ثم إن الأنصار أصلحوا بين هذين الرجلين و بين أصحابهما ثم اجتمعت جماعة من قريش يوما و فيهم ناس من الأنصار و

أخلاط من المهاجرين و ذلك بعد انصراف الأنصار عن رأيها و سكون الفتنة فاتفق ذلك عند قدوم عمرو بن العاص من سفر كان فيه فجاء

إليهم فأفاضوا في ذكر يوم السقيفة و سعد و دعواه الأمر فقال عمرو بن العاص و الله لقد دفع الله عنا من الأنصار عظيمة و لما دفع

الله عنهم أعظم كادوا و الله أن يحلوا حبل الإسلام كما قاتلوا عليه و يخرجوا منه من أدخلوا فيه و الله لئن كانوا سمعوا

قول رسول الله ص الأئمة من قريش

ثم ادعوها لقد هلكوا و أهلكوا و إن كانوا لم يسمعوها فما هم كالمهاجرين و لا كأبي بكر و لا المدينة

[6 : 30 ]

كمكة و لقد قاتلونا أمس فغلبونا على البدء و لو قاتلناهم اليوم لغلبناهم على العاقبة فلم يجبه أحد و انصرف إلى منزله و قد ظفر

فقال

ألا قل لأوس إذا جئتها و قل كلما جئت للخزرج

تمنيتم الملك في يثرب فأنزلت القدر لم تنضج

و أخدجتم الأمر قبل التمام و أعجب بذا المعجل المخدج

تريدون نتج الحيال العشار و لم تلقحوه فلم ينتج

عجبت لسعد و أصحابه و لو لم يهيجوه لم يهتج

رجا الخزرجي رجاء السراب و قد يخلف المرء ما يرتجي

فكان كمنح على كفه بكف يقطعها أهوج

فلما بلغ الأنصار مقالته و شعره بعثوا إليه لسانهم و شاعرهم النعمان بن العجلان و كان رجلا أحمر قصيرا تزدريه العيون و كان سيدا

فخما فأتى عمرا و هو في جماعة من قريش فقال و الله يا عمرو ما كرهتم من حربنا إلا ما كرهنا من حربكم و ما كان الله ليخرجكم من

الإسلام بمن أدخلكم فيه

إن كان النبي ص قال الأئمة من قريش فقد قال لو سلك الناس شعبا و سلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار

و الله ما أخرجناكم من الأمر إذ قلنا منا أمير و منكم أمير و أما من ذكرت فأبو بكر لعمري خير من سعد لكن سعدا في الأنصار أطوع من

أبي بكر في قريش فأما المهاجرون و الأنصار فلا فرق بينهم أبدا و لكنك يا ابن العاص وترت بني عبد مناف بمسيرك إلى الحبشة لقتل

جعفر و أصحابه و وترت بني مخزوم بإهلاك عمارة بن الوليد ثم انصرف فقال

[6 : 31 ]

فقل لقريش نحن أصحاب مكة و يوم حنين و الفوارس في بدر

و أصحاب أحد و النضير و خيبر و نحن رجعنا من قريظة بالذكر

و يوم بأرض الشام أدخل جعفر و زيد و عبد الله في علق يجري

و في كل يوم ينكر الكلب أهله نطاعن فيه بالمثقفة السمر

و نضرب في نقع العجاجة أرؤسا ببيض كأمثال البروق إذا تسري

نصرنا و آوينا النبي و لم نخف صروف الليالي و العظيم من الأمر

و قلنا لقوم هاجروا قبل مرحبا و أهلا و سهلا قد أمنتم من الفقر

نقاسمكم أموالنا و بيوتنا كقسمة أيسار الجزور على الشطر

و نكفيكم الأمر الذي تكرهونه و كنا أناسا نذهب العسر باليسر

و قلتم حرام نصب سعد و نصبكم عتيق بن عثمان حلال أبا بكر

و أهل أبو بكر لها خير قائم و إن عليا كان أخلق بالأمر

و كان هوانا في علي و إنه لأهل لها يا عمرو من حيث لا تدري

فذاك بعون الله يدعو إلى الهدى و ينهى عن الفحشاء و البغي و النكر

وصي النبي المصطفى و ابن عمه و قاتل فرسان الضلالة و الكفر

و هذا بحمد الله يهدي من العمى و يفتح آذانا ثقلن من الوقر

نجي رسول الله في الغار وحده و صاحبه الصديق في سالف الدهر

فلو لا اتقاء الله لم تذهبوا بها و لكن هذا الخير أجمع للصبر

و لم نرض إلا بالرضا و لربما ضربنا بأيدينا إلى أسفل القدر

فلما انتهى شعر النعمان و كلامه إلى قريش غضب كثير منها و ألفى ذلك قدوم خالد بن سعيد بن العاص من اليمن و كان رسول الله

استعمله عليها و كان له و لأخيه أثر قديم

[6 : 32 ]

عظيم في الإسلام و هما من أول من أسلم من قريش و لهما عبادة و فضل فغضب للأنصار و شتم عمرو بن العاص و قال يا معشر قريش

إن عمرا دخل في الإسلام حين لم يجد بدا من الدخول فيه فلما لم يستطع أن يكيده بيده كاده بلسانه و إن من كيده الإسلام تفريقه و

قطعه بين المهاجرين و الأنصار و الله ما حاربناهم للدين و لا للدنيا لقد بذلوا دماءهم لله تعالى فينا و ما بذلنا دماءنا لله فيهم و

قاسمونا ديارهم و أموالهم و ما فعلنا مثل ذلك بهم و آثرونا على الفقر و حرمناهم على الغنى و لقد وصى رسول الله بهم و عزاهم عن

جفوة السلطان فأعوذ بالله أن أكون و إياكم الخلف المضيع و السلطان الجاني. قلت هذا خالد بن سعيد بن العاص هو الذي امتنع من

بيعة أبي بكر و قال لا أبايع إلا عليا و قد ذكرنا خبره فيما تقدم. و أما قوله في الأنصار و عزاهم عن جفوة السلطان فإشارة إلى

قول النبي ص ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تقدموا علي الحوض

و هذا الخبر هو الذي يكفر كثير من أصحابنا معاوية بالاستهزاء به و ذلك أن النعمان بن بشير الأنصاري جاء في جماعة من الأنصار إلى

معاوية فشكوا إليه فقرهم و

قالوا لقد صدق رسول الله ص في قوله لنا ستلقون بعدي أثرة فقد لقيناها قال معاوية فما ذا قال لكم قالوا قال لنا فاصبروا حتى تردوا

علي الحوض

قال فافعلوا ما أمركم به عساكم تلاقونه غدا عند الحوض كما أخبركم و حرمهم و لم يعطهم شيئا. قال الزبير و قال خالد بن سعيد بن

العاص في ذلك

تفوه عمرو بالذي لا نريده و صرح للأنصار عن شنأة البغض

فإن تكن الأنصار زلت فإننا نقيل و لا نجزيهم بالقرض

[6 : 33 ]

فلا تقطعن يا عمرو ما كان بيننا و لا تحملن يا عمرو بعضا على بعض

أ تنسى لهم يا عمرو ما كان منهم ليالي جئناهم من النفل و الفرض

و قسمتنا الأموال كاللحم بالمدى و قسمتنا الأوطان كل به يقضي

ليالي كل الناس بالكفر جهرة ثقال علينا مجمعون على البغض

فساووا و آووا و انتهينا إلى المنى و قر قرارانا من الأمن و الخفض

قال الزبير ثم إن رجالا من سفهاء قريش و مثيري الفتن منهم اجتمعوا إلى عمرو بن العاص فقالوا له إنك لسان قريش و رجلها في

الجاهلية و الإسلام فلا تدع الأنصار و ما قالت و أكثروا عليه من ذلك فراح إلى المسجد و فيه ناس من قريش و غيرهم فتكلم و قال

إن الأنصار ترى لنفسها ما ليس لها و ايم الله لوددت أن الله خلى عنا و عنهم و قضى فيهم و فينا بما أحب و لنحن الذين أفسدنا على

أنفسنا أحرزناهم عن كل مكروه و قدمناهم إلى كل محبوب حتى أمنوا المخوف فلما جاز لهم ذلك صغروا حقنا و لم يراعوا ما أعظمنا

من حقوقهم. ثم التفت فرأى الفضل بن العباس بن عبد المطلب و ندم على قوله للخئولة التي بين ولد عبد المطلب و بين الأنصار و

لأن الأنصار كانت تعظم عليا و تهتف باسمه حينئذ فقال الفضل يا عمرو إنه ليس لنا أن نكتم ما سمعنا منك و ليس لنا أن نجيبك و أبو

الحسن شاهد بالمدينة إلا أن يأمرنا فنفعل. ثم رجع الفضل إلى علي فحدثه فغضب و شتم عمرا و قال آذى الله و رسوله ثم قام فأتى

المسجد فاجتمع إليه كثير من قريش و تكلم مغضبا

فقال يا معشر قريش إن حب الأنصار إيمان و بغضهم نفاق و قد قضوا ما عليهم

[6 : 34 ]

و بقي ما عليكم و اذكروا أن الله رغب لنبيكم عن مكة فنقله إلى المدينة و كره له قريشا فنقله إلى الأنصار ثم قدمنا عليهم دارهم

فقاسمونا الأموال و كفونا العمل فصرنا منهم بين بذل الغني و إيثار الفقير ثم حاربنا الناس فوقونا بأنفسهم و قد أنزل الله تعالى

فيهم آية من القرآن جمع لهم فيها بين خمس نعم فقال وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدّارَ وَ الْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَ لا يَجِدُونَ

فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمّا أُوتُوا وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. ألا و إن

عمرو بن العاص قد قام مقاما آذى فيه الميت و الحي ساء به الواتر و سر به الموتور فاستحق من المستمع الجواب و من الغائب

المقت و إنه من أحب الله و رسوله أحب الأنصار فليكفف عمرو عنا نفسه

قال الزبير فمشت قريش عند ذلك إلى عمرو بن العاص فقالوا أيها الرجل أما إذا غضب علي فاكفف. و قال خزيمة بن ثابت الأنصاري

يخاطب قريشا

أيا ل قريش أصلحوا ذات بيننا و بينكم قد طال حبل التماحك

فلا خير فيكم بعدنا فارفقوا بنا و لا خير فينا بعد فهر بن مالك

كلانا على الأعداء كف طويلة إذا كان يوم فيه جب الحوارك

فلا تذكروا ما كان منا و منكم ففي ذكر ما قد كان مشي التساوك

قال الزبير و قال علي للفضل يا فضل انصر الأنصار بلسانك و يدك فإنهم منك و إنك منهم

فقال الفضل

قلت يا عمرو مقالا فاحشا إن تعد يا عمرو و الله فلك

[6 : 35 ]

إنما الأنصار سيف قاطع من تصبه ظبة السيف هلك

و سيوف قاطع مضربها و سهام الله في يوم الحلك

نصروا الدين و آووا أهله منزل رحب و رزق مشترك

و إذا الحرب تلظت نارها بركوا فيها إذا الموت برك

و دخل الفضل على علي فأسمعه شعره ففرح به و قال وريت بك زنادي يا فضل أنت شاعر قريش و فتاها فأظهر شعرك و ابعث به إلى

الأنصار فلما بلغ ذلك الأنصار قالت لا أحد يجيب إلا حسان الحسام فبعثوا إلى حسان بن ثابت فعرضوا عليه شعر الفضل فقال كيف

أصنع بجوابه إن لم أتحر قوافيه فضحني فرويدا حتى أقفو أثره في القوافي فقال له خزيمة بن ثابت اذكر عليا و آله يكفك عن كل

شيء فقال

جزى الله عنا و الجزاء بكفه أبا حسن عنا و من كأبي حسن

سبقت قريشا بالذي أنت أهله فصدرك مشروح و قلبك ممتحن

تمنت رجال من قريش أعزة مكانك هيهات الهزال من السمن

و أنت من الإسلام في كل موطن بمنزلة الدلو البطين من الرسن

غضبت لنا إذ قام عمرو بخطبة أمات بها التقوى و أحيا بها الإحن

فكنت المرجى من لؤي بن غالب لما كان منهم و الذي كان لم يكن

حفظت رسول الله فينا و عهده إليك و من أولى به منك من و من

أ لست أخاه في الهدى و وصيه و أعلم منهم بالكتاب و بالسنن

فحقك ما دامت بنجد وشيجة عظيم علينا ثم بعد على اليمن

قال الزبير و بعثت الأنصار بهذا الشعر إلى علي بن أبي طالب فخرج إلى المسجد

[6 : 36 ]

و قال لمن به من قريش و غيرهم يا معشر قريش إن الله جعل الأنصار أنصارا فأثنى عليهم في الكتاب فلا خير فيكم بعدهم إنه لا يزال

سفيه من سفهاء قريش وتره الإسلام و دفعه عن الحق و أطفأ شرفه و فضل غيره عليه يقوم مقاما فاحشا فيذكر الأنصار فاتقوا الله و

ارعوا حقهم فو الله لو زالوا لزلت معهم لأن رسول الله قال لهم أزول معكم حيثما زلتم

فقال المسلمون جميعا رحمك الله يا أبا الحسن قلت قولا صادقا. قال الزبير و ترك عمرو بن العاص المدينة و خرج عنها حتى رضي

عنه علي و المهاجرون قال الزبير ثم إن الوليد بن عقبة بن أبي معيط و كان يبغض الأنصار لأنهم أسروا أباه يوم بدر و ضربوا عنقه بين

يدي رسول الله قام يشتم الأنصار و ذكرهم بالهجر فقال إن الأنصار لترى لها من الحق علينا ما لا نراه و الله لئن كانوا آووا لقد عزوا

بنا و لئن كانوا آسوا لقد منوا علينا و الله ما نستطيع مودتهم لأنه لا يزال قائل منهم يذكر ذلنا بمكة و عزنا بالمدينة و لا ينفكون

يعيرون موتانا و يغيظون أحياءنا فإن أجبناهم قالوا غضبت قريش على غاربها و لكن قد هون علي ذلك منهم حرصهم على الدين أمس

و اعتذارهم من الذنب اليوم ثم قال

تباذخت الأنصار في الناس باسمها و نسبتها في الأزد عمرو بن عامر

و قالوا لنا حق عظيم و منة على كل باد من معد و حاضر

فإن يك للأنصار فضل فلم تنل بحرمته الأنصار فضل المهاجر

و إن تكن الأنصار آوت و قاسمت معايشها من جاء قسمة جازر

فقد أفسدت ما كان منها بمنها و ما ذاك فعل الأكرمين الأكابر

إذا قال حسان و كعب قصيدة بشتم قريش غنيت في المعاشر

و سار بها الركبان في كل وجهة و أعمل فيها كل خف و حافر

[6 : 37 ]

فهذا لنا من كل صاحب خطبة يقوم بها منكم و من كل شاعر

و أهل بأن يهجو بكل قصيدة و أهل بأن يرموا بنبل فواقر

قال ففشا شعره في الناس فغضبت الأنصار و غضب لها من قريش قوم منهم ضرار بن الخطاب الفهري و زيد بن الخطاب و يزيد بن أبي

سفيان فبعثوا إلى الوليد فجاء. فتكلم زيد بن الخطاب فقال يا ابن عقبة بن أبي معيط أما و الله لو كنت من الفقراء المهاجرين الذين

أخرجوا من ديارهم و أموالهم يبتغون فضلا من الله و رضوانا لأحببت الأنصار و لكنك من الجفاة في الإسلام البطاء عنه الذين دخلوا

فيه بعد أن ظهر أمر الله و هم كارهون إنا نعلم أنا أتيناهم و نحن فقراء فأغنونا ثم أصبنا الغنى فكفوا عنا و لم يرزءونا شيئا فأما

ذكرهم ذلة قريش بمكة و عزها بالمدينة فكذلك كنا و كذلك قال الله تعالى وَ اذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ

أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النّاسُ فنصرنا الله تعالى بهم و آوانا إلى مدينتهم. و أما غضبك لقريش فإنا لا ننصر كافرا و لا نواد ملحدا و لا فاسقا و

لقد قلت و قالوا فقطعك الخطيب و ألجمك الشاعر. و أما ذكرك الذي كان بالأمس فدع المهاجرين و الأنصار فإنك لست من ألسنتهم

في الرضا و لا نحن من أيديهم في الغضب. و تكلم يزيد بن أبي سفيان فقال يا ابن عقبة الأنصار أحق بالغضب لقتلى أحد فاكفف لسانك

فإن من قتله الحق لا يغضب له. و تكلم ضرار بن الخطاب فقال أما و الله لو لا

أن رسول الله ص قال

[6 : 38 ]

الأئمة من قريش

لقلنا الأئمة من الأنصار و لكن جاء أمر غلب الرأي فاقمع شرتك أيها الرجل و لا تكن امرأ سوء فإن الله لم يفرق بين الأنصار و

المهاجرين في الدنيا و كذلك الله لا يفرق بينهم في الآخرة. و أقبل حسان بن ثابت مغضبا من كلام الوليد بن عقبة و شعره فدخل

المسجد و فيه قوم من قريش فقال يا معشر قريش إن أعظم ذنبنا إليكم قتلنا كفاركم و حمايتنا رسول الله ص و إن كنتم تنقمون منا

منة كانت بالأمس فقد كفى الله شرها فما لنا و ما لكم و الله ما يمنعنا من قتالكم الجبن و لا من جوابكم العي إنا لحي فعال و مقال و

لكنا قلنا إنها حرب أولها عار و آخرها ذل فأغضينا عليها عيوننا و سحبنا ذيولنا حتى نرى و تروا فإن قلتم قلنا و إن سكتم سكتنا. فلم

يجبه أحد من قريش ثم سكت كل من الفريقين عن صاحبه و رضي القوم أجمعون و قطعوا الخلاف و العصبية. انتهى ما ذكره الزبير بن

بكار في الموفقيات و نعود الآن إلى ذكر ما أورده أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة. قال أبو بكر حدثني أبو

يوسف يعقوب بن شيبة عن بحر بن آدم عن رجاله عن سالم بن عبيد قال لما توفي رسول الله و قالت الأنصار منا أمير و منكم أمير أخذ

عمر بيد أبي بكر و قال سيفان في غمد واحد إذا لا يصلحان ثم قال من له هذه الثلاث ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ من هما إِذْ يَقُولُ

لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ من صاحبه إِنَّ اللّهَ مَعَنا مع من ثم بسط يده إلى أبي بكر فبايعه فبايعه الناس أحسن بيعة و أجملها.

[6 : 39 ]

قال أبو بكر حدثنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي عن أبي بكر بن عياش عن زيد بن عبد الله قال إن الله تعالى نظر في قلوب العباد

فوجد قلب محمد ع خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه و ابتعثه برسالته ثم نظر في قلوب الأمم بعد قلبه فوجد قلوب أصحابه خير

قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون عن دينه فما رأى المسلمون حسنا فهو عند الله حسن و ما رأى المسلمون سيئا فهو عند الله

سيئ. قال أبو بكر بن عياش و قد رأى المسلمون أن يولوا أبا بكر بعد النبي ص فكانت ولايته حسنة. قال أبو بكر و حدثنا يعقوب بن

شيبة قال لما قبض رسول الله ص و قال الأنصار منا أمير و منكم أمير قال عمر أيها الناس أيكم يطيب نفسا أن يتقدم قدمين قدمهما

رسول الله ص في الصلاة رضيك الله لديننا أ فلا نرضاك لدنيانا قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد عمر بن شبة قال حدثني زيد بن يحيى

الأنماطي قال حدثنا صخر بن جويرية عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه قال أخذ أبو بكر بيد عمر و يد رجل من المهاجرين يرونه أبا

عبيدة حتى انطلقوا إلى الأنصار و قد اجتمعوا عند سعد في سقيفة بني ساعدة فقال عمر قلت لأبي بكر دعني أتكلم و خشيت جد أبي بكر

و كان ذا جد فقال أبو بكر لا بل أنا أتكلم فما هو و الله إلا أن انتهينا إليهم فما كان في نفسي شيء أريد أن أقوله إلا أتى أبو بكر عليه

فقال لهم يا معشر الأنصار ما ينكر حقكم مسلم إنا و الله ما أصبنا خيرا قط إلا شركتمونا

السابق

التالي