السابق

التالي

[4 : 51 ]

ليصدع أمر قومه و الله ما هو بالأمير المطاع و لو أدرك أمله في قومه لرجع إلى أمير المؤمنين أو لكان لي تبعا و أنتم الهامة العظمى

و الجمرة الحامية فقدموه إلى قومه فإن اضطر إلى نصركم فسيروا إليه إن رأيتم ذلك. فقام أبو صبرة شيمان فقال يا زياد إني و الله

لو شهدت قومي يوم الجمل رجوت ألا يقاتلوا عليا و قد مضى الأمر بما فيه و هو يوم بيوم و أمر بأمر و الله إلى الجزاء بالإحسان

أسرع منه إلى الجزاء بالسيئ و التوبة مع الحق و العفو مع الندم و لو كانت هذه فتنة لدعونا القوم إلى إبطال الدماء و استئناف

الأمور و لكنها جماعة دماؤها حرام و جروحها قصاص و نحن معك نحب ما أحببت. فعجب زياد من كلامه و قال ما أظن في الناس مثل

هذا. ثم قام صبرة ابنه فقال إنا و الله ما أصبنا بمصيبة في دين و لا دنيا كما أصبنا أمس يوم الجمل و إنا لنرجو اليوم أن نمحص ذلك

بطاعة الله و طاعة أمير المؤمنين و أما أنت يا زياد فو الله ما أدركت أملك فينا و لا أدركنا أملنا فيك دون ردك إلى دارك و نحن رادوك

إليها غدا إن شاء الله تعالى فإذا فعلنا فلا يكن أحد أولى بك منا فإنك إلا تفعل لم تأت ما يشبهك و إنا و الله نخاف من حرب علي في

الآخرة ما لا نخاف من حرب معاوية في الدنيا فقدم هواك و أخر هوانا فنحن معك و طوعك. ثم قام خنقر الحماني فقال أيها الأمير إنك

لو رضيت منا بما ترضى به من غيرنا لم نرض ذلك لأنفسنا سر بنا إلى القوم إن شئت و ايم الله ما لقينا قوما قط إلا اكتفينا بعفونا دون

جهدنا إلا ما كان أمس.

[4 : 52 ]

قال إبراهيم فأما جارية فإنه كلم قومه فلم يجيبوه و خرج إليه منهم أوباش فناوشوه بعد أن شتموه و أسمعوه فأرسل إلى زياد و الأزد

يستصرخهم و يأمرهم أن يسيروا إليه فسارت الأزد بزياد و خرج إليهم ابن الحضرمي و على خيله عبد الله بن خازم السلمي فاقتتلوا

ساعة و أقبل شريك بن الأعور الحارثي و كان من شيعة علي ع و صديقا لجارية بن قدامة فقال أ لا أقاتل معك عدوك فقال بلى فما

لبثت بنو تميم أن هزموهم و اضطروهم إلى دار سنبيل السعدي فحصروا ابن الحضرمي و حدوه فأتى رجل من بني تميم و معه عبد الله

بن خازم السلمي فجاءت أمه و هي سوداء حبشية اسمها عجلى فنادته فأشرف عليها فقالت يا بني انزل إلي فأبى فكشفت رأسها و أبدت

قناعها و سألته النزول فأبى فقالت و الله لتنزلن أو لأتعرين و أهوت بيدها إلى ثيابها فلما رأى ذلك نزل فذهبت به و أحاط جارية و

زياد بالدار و قال جارية علي بالنار فقالت الأزد لسنا من الحريق بالنار في شيء و هم قومك و أنت أعلم فحرق جارية الدار عليهم فهلك

ابن الحضرمي في سبعين رجلا أحدهم عبد الرحمن بن عمير بن عثمان القرشي التيمي و سمي جارية منذ ذلك اليوم محرقا و سارت الأزد

بزياد حتى أوطنوه قصر الإمارة و معه بيت المال و قالت له هل بقي علينا من جوارك شيء قال لا قالوا فبرئنا منه فقال نعم فانصرفوا

عنه و كتب زياد إلى أمير المؤمنين ع أما بعد فإن جارية بن قدامة العبد الصالح قدم من عندك فناهض جمع ابن الحضرمي بمن نصره و

أعانه من الأزد ففضه و اضطره إلى دار من دور البصرة في عدد كثير من أصحابه فلم يخرج حتى حكم الله تعالى بينهما فقتل ابن

الحضرمي و أصحابه منهم من أحرق بالنار و منهم من ألقي عليه جدار و منهم من هدم عليه البيت من أعلاه و منهم من قتل بالسيف و

سلم

[4 : 53 ]

منهم نفر أنابوا و تابوا فصفح عنهم و بعدا لمن عصى و غوى و السلام على أمير المؤمنين و رحمة الله و بركاته. فلما وصل كتاب زياد

قرأه علي ع على الناس و كان زياد قد أنفذه مع ظبيان بن عمارة فسر علي ع بذلك و سر أصحابه و أثنى على جارية و على الأزد و ذم

البصرة

فقال إنها أول القرى خرابا أما غرقا و أما حرقا حتى يبقى مسجدها كجؤجؤ سفينة ثم قال لظبيان أين منزلك منها فقال مكان كذا فقال

عليك بضواحيها

و قال ابن العرندس الأزدي يذكر تحريق ابن الحضرمي و يعير تميما بذلك

رددنا زيادا إلى داره و جار تميم ينادي الشجب

لحا الله قوما شووا جارهم لعمري لبئس الشواء الشصب

ينادي الخناق و أبناءها و قد شيطوا رأسها باللهب

و الخناق لقب قوم بني تميم

[4 : 54 ]

56- و من كلام له ع لأصحابه

أَمَا إِنَّهُ سَيَظْهَرُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي رَجُلٌ رَحْبُ الْبُلْعُومِ مُنْدَحِقُ الْبَطْنِ يَأْكُلُ مَا يَجِدُ وَ يَطْلُبُ مَا لَا يَجِدُ فَاقْتُلُوهُ وَ لَنْ تَقْتُلُوهُ أَلَا وَ إِنَّهُ سَيَأْمُرُكُمْ

بِسَبِّي وَ الْبَرَاءَةِ مِنِّي فَأَمَّا السَّبُّ فَسُبُّونِي فَإِنَّهُ لِي زَكَاةٌ وَ لَكُمْ نَجَاةٌ وَ أَمَّا الْبَرَاءَةُ فَلَا تَتَبَرَّءُوا مِنِّي فَإِنِّي وُلِدْتُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَ سَبَقْتُ إِلَى

الْإِيمَانِ وَ الْهِجْرَةِ

مندحق البطن بارزها و الدحوق من النوق التي يخرج رحمها عند الولادة و سيظهر سيغلب و رحب البلعوم واسعه. و كثير من الناس

يذهب إلى أنه ع عنى زيادا و كثير منهم يقول إنه عنى الحجاج و قال قوم إنه عنى المغيرة بن شعبة و الأشبه عندي أنه عنى معاوية

لأنه كان موصوفا بالنهم و كثرة الأكل و كان بطينا يقعد بطنه إذا جلس على فخذيه و كان معاوية جوادا بالمال و الصلات و بخيلا على

الطعام يقال إنه مازح أعرابيا على طعامه و قد قدم بين يديه خروف فأمعن الأعرابي في أكله فقال له ما ذنبه إليك أ نطحك أبوه فقال

الأعرابي و ما حنوك عليه أ أرضعتك أمه. و قال لأعرابي يأكل بين يديه و قد استعظم أكله أ لا أبغيك سكينا فقال

[4 : 55 ]

كل امرئ سكينه في رأسه فقال ما اسمك قال لقيم قال منها أتيت. كان معاوية يأكل فيكثر ثم يقول ارفعوا فو الله ما شبعت و لكن

مللت و تعبت. تظاهرت الأخبار

أن رسول الله ص دعا على معاوية لما بعث إليه يستدعيه فوجده يأكل ثم بعث فوجده يأكل فقال اللهم لا تشبع بطنه

قال الشاعر

و صاحب لي بطنه كالهاوية كأن في أحشائه معاوية

و في هذا الفصل مسائل الأولى في تفسير قوله ع فاقتلوه و لن تقتلوه فنقول إنه لا تنافي بين الأمر بالشيء و الإخبار عن أنه لا يقع

كما أخبر الحكيم سبحانه عن أن أبا لهب لا يؤمن و أمره بالإيمان و كما قال تعالى فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ثم قال وَ لا

يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً و أكثر التكليفات على هذا المنهاج

مسألة كلامية في الأمر بالشيء مع العلم بأنه لا يقع

و اعلم أن أهل العدل و المجبرة لم يختلفوا في أنه تعالى قد يأمر بما يعلم أنه لا يقع أو يخبر عن أنه لا يقع و إنما اختلفوا هل يصح

أن يريد ما يعلم أنه لا يقع أو يخبر عنه أنه لا يقع فقال أصحابنا يصح ذلك و قال المجبرة لا يصح لأن إرادة ما يعلم المريد أنه لا يقع

قضية متناقضة لأن تحت قولنا أراد مفهوم أن ذلك المراد مما يمكن حصوله لأن إرادة المحال ممتنعة و تحت قولنا إنه يعلم أنه لا يقع

مفهوم أن ذلك المراد مما لا يمكن حصوله لأنا قد

[4 : 56 ]

فرضنا أنه لا يقع و ما لا يقع لا يمكن حصوله مع فرض كونه لا يقع فقال لهم أصحابنا هذا يلزمكم في الأمر لأنكم قد أجزتم أن يأمر

بما يعلم أنه لا يقع فقالوا في الجواب نحن عندنا أنه يأمر بما لا يريد فإذا أمر بما يعلم أنه لا يقع أو يخبر عن أنه لا يقع كان ذلك

الأمر أمرا عاريا عن الإرادة و المحال إنما نشأ من إرادة ما علم المريد أنه لا يقع و هاهنا لا إرادة. فقيل لهم هب أنكم ذهبتم إلى أن

الأمر قد يعرى من الإرادة مع كونه أمرا أ لستم تقولون أن الأمر يدل على الطلب و الطلب شيء آخر غير الإرادة و تقولون إن ذلك

الطلب قائم بذات البارئ فنحن نلزمكم في الطلب القائم بذات البارئ الذي لا يجوز أن يعرى الأمر منه ما ألزمتمونا في الإرادة. و

نقول لكم كيف يجوز أن يطلب الطالب ما يعلم أنه لا يقع أ ليس تحت قولنا طلب مفهوم أن ذلك المطلوب مما يمكن وقوعه فالحال

في الطلب كالحال في الإرادة حذو النعل بالنعل و لنا في هذا الموضع أبحاث دقيقة ذكرناها في كتبنا الكلامية

فصل فيما روي من سب معاوية و حزبه لعلي

المسألة الثانية في قوله ع يأمركم بسبي و البراءة مني فنقول إن معاوية أمر الناس بالعراق و الشام و غيرهما بسب علي ع و البراءة

منه. و خطب بذلك على منابر الإسلام و صار ذلك سنة في أيام بني أمية إلى أن قام عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه فأزاله و ذكر

شيخنا أبو عثمان الجاحظ أن معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة اللهم إن أبا تراب ألحد في دينك و صد عن سبيلك

[4 : 57 ]

فالعنه لعنا وبيلا و عذبه عذابا أليما و كتب بذلك إلى الآفاق فكانت هذه الكلمات يشار بها على المنابر إلى خلافة عمر بن عبد العزيز.

و ذكر أبو عثمان أيضا أن هشام بن عبد الملك لما حج خطب بالموسم فقام إليه إنسان فقال يا أمير المؤمنين إن هذا يوم كانت

الخلفاء تستحب فيه لعن أبي تراب فقال اكفف فما لهذا جئنا. و ذكر المبرد في الكامل أن خالد بن عبد الله القسري لما كان أمير

العراق في خلافة هشام كان يلعن عليا ع على المنبر فيقول اللهم العن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم صهر رسول الله ص

على ابنته و أبا الحسن و الحسين ثم يقبل على الناس فيقول هل كنيت. و روى أبو عثمان أيضا أن قوما من بني أمية قالوا لمعاوية يا

أمير المؤمنين إنك قد بلغت ما أملت فلو كففت عن لعن هذا الرجل فقال لا و الله حتى يربو عليه الصغير و يهرم عليه الكبير و لا يذكر

له ذاكر فضلا. و قال أبو عثمان أيضا و ما كان عبد الملك مع فضله و أناته و سداده و رجحانه ممن يخفى عليه فضل علي ع و أن لعنه

على رءوس الأشهاد و في أعطاف الخطب و على صهوات المنابر مما يعود عليه نقصه و يرجع إليه وهنه لأنهما جميعا من بني عبد مناف

و الأصل واحد و الجرثومة منبت لهما و شرف علي ع و فضله عائد عليه و محسوب له و لكنه أراد تشييد الملك و تأكيد ما فعله

الأسلاف و أن يقرر في أنفس الناس أن بني هاشم لا حظ لهم في هذا الأمر و أن سيدهم الذي به يصولون و بفخره يفخرون

[4 : 58 ]

هذا حاله و هذا مقداره فيكون من ينتمي إليه و يدلي به عن الأمر أبعد و عن الوصول إليه أشحط و أنزح. و روى أهل السيرة أن الوليد

بن عبد الملك في خلافته ذكر عليا ع فقال لعنه الله بالجر كان لص ابن لص. فعجب الناس من لحنه فيما لا يلحن فيه أحد و من نسبته

عليا ع إلى اللصوصية و قالوا ما ندري أيهما أعجب و كان الوليد لحانا. و أمر المغيرة بن شعبة و هو يومئذ أمير الكوفة من قبل

معاوية حجر بن عدي أن يقوم في الناس فليلعن عليا ع فأبى ذلك فتوعده فقام فقال أيها الناس إن أميركم أمرني أن ألعن عليا فالعنوه

فقال أهل الكوفة لعنه الله و أعاد الضمير إلى المغيرة بالنية و القصد. و أراد زياد أن يعرض أهل الكوفة أجمعين على البراءة من علي

ع و لعنه و أن يقتل كل من امتنع من ذلك و يخرب منزله فضربه الله ذلك اليوم بالطاعون فمات لا رحمه الله بعد ثلاثة أيام و ذلك في

خلافة معاوية. و كان الحجاج لعنه الله يلعن عليا ع و يأمر بلعنه و قال له متعرض به يوما و هو راكب أيها الأمير إن أهلي عقوني

فسموني عليا فغير اسمي و صلني بما أتبلغ به فإني فقير فقال للطف ما توصلت به قد سميتك كذا و وليتك العمل الفلاني فاشخص

إليه. فأما عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فإنه قال كنت غلاما أقرأ القرآن على بعض ولد عتبة بن مسعود فمر بي يوما و أنا ألعب مع

الصبيان و نحن نلعن عليا.

[4 : 59 ]

فكره ذلك و دخل المسجد فتركت الصبيان و جئت إليه لأدرس عليه وردي فلما رآني قام فصلى و أطال في الصلاة شبه المعرض عني

حتى أحسست منه بذلك فلما انفتل من صلاته كلح في وجهي فقلت له ما بال الشيخ فقال لي يا بني أنت اللاعن عليا منذ اليوم قلت

نعم قال فمتى علمت أن الله سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم فقلت يا أبت و هل كان علي من أهل بدر فقال ويحك و هل كانت

بدر كلها إلا له فقلت لا أعود فقال الله أنك لا تعود قلت نعم فلم ألعنه بعدها ثم كنت أحضر تحت منبر المدينة و أبي يخطب يوم

الجمعة و هو حينئذ أمير المدينة فكنت أسمع أبي يمر في خطبه تهدر شقاشقه حتى يأتي إلى لعن علي ع فيجمجم و يعرض له من

الفهاهة و الحصر ما الله عالم به فكنت أعجب من ذلك فقلت له يوما يا أبت أنت أفصح الناس و أخطبهم فما بالي أراك أفصح خطيب

يوم حفلك حتى إذا مررت بلعن هذا الرجل صرت ألكن عليا فقال يا بني إن من ترى تحت منبرنا من أهل الشام و غيرهم لو علموا من

فضل هذا الرجل ما يعلمه أبوك لم يتبعنا منهم أحد فوقرت كلمته في صدري مع ما كان قاله لي معلمي أيام صغري فأعطيت الله عهدا

لئن كان لي في هذا الأمر نصيب لأغيرنه فلما من الله علي بالخلافة أسقطت ذلك و جعلت مكانه إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ

ذِي الْقُرْبى وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ و كتب به إلى الآفاق فصار سنة. و قال كثير بن عبد

الرحمن يمدح عمر و يذكر قطعه السب

وليت فلم تشتم عليا و لم تخف بريا و لم تقبل إساءة مجرم

و كفرت بالعفو الذنوب مع الذي أتيت فأضحى راضيا كل مسلم

[4 : 60 ]

ألا إنما يكفي الفتى بعد زيغه من الأود البادي ثقاف المقوم

و ما زلت تواقا إلى كل غاية بلغت بها أعلى العلاء المقدم

فلما أتاك الأمر عفوا و لم يكن لطالب دنيا بعده من تكلم

تركت الذي يفنى لأن كان بائدا و آثرت ما يبقى برأي مصمم

و قال الرضي أبو الحسن رحمه الله تعالى

يا ابن عبد العزيز لو بكت العين فتى من أمية لبكيتك

غير أني أقول أنك قد طبت و إن لم يطب و لم يزك بيتك

أنت نزهتنا عن السب و القذف فلو أمكن الجزاء جزيتك

و لو أني رأيت قبرك لاستحييت من أن أرى و ما حييتك

و قليل أن لو بذلت دماء البدن صرفا على الذرا و سقيتك

دير سمعان فيك مأوى أبي حفص بودي لو أنني آويتك

دير سمعان لا أغبك غيث خير ميت من آل مروان ميتك

أنت بالذكر بين عيني و قلبي إن تدانيت منك أو إن نأيتك

و إذا حرك الحشا خاطر منك توهمت أنني قد رأيتك

و عجيب أني قليت بني مروان طرا و أنني ما قليتك

قرب العدل منك لما نأى الجور بهم فاجتويتهم و اجتبيتك

فلو أني ملكت دفعا لما نابك من طارق الردى لفديتك

[4 : 61 ]

و روى ابن الكلبي عن أبيه عن عبد الرحمن بن السائب قال قال الحجاج يوما لعبد الله بن هانئ و هو رجل من بني أود حي من قحطان

و كان شريفا في قومه قد شهد مع الحجاج مشاهده كلها و كان من أنصاره و شيعته و الله ما كافأتك بعد ثم أرسل إلى أسماء بن خارجة

سيد بني فزارة أن زوج عبد الله بن هانئ بابنتك فقال لا و الله و لا كرامة فدعا بالسياط فلما رأى الشر قال نعم أزوجه ثم بعث إلى

سعيد بن قيس الهمداني رئيس اليمانية زوج ابنتك من عبد الله بن أود فقال و من أود لا و الله لا أزوجه و لا كرامة فقال علي بالسيف

فقال دعني حتى أشاور أهلي فشاورهم فقالوا زوجه و لا تعرض نفسك لهذا الفاسق فزوجه فقال الحجاج لعبد الله قد زوجتك بنت سيد

فزارة و بنت سيد همدان و عظيم كهلان و ما أود هناك فقال لا تقل أصلح الله الأمير ذاك فإن لنا مناقب ليست لأحد من العرب قال و ما

هي قال ما سب أمير المؤمنين عبد الملك في ناد لنا قط قال منقبة و الله قال و شهد منا صفين مع أمير المؤمنين معاوية سبعون رجلا ما

شهد منا مع أبي تراب إلا رجل واحد و كان و الله ما علمته امرأ سوء قال منقبة و الله قال و منا نسوة نذرن إن قتل الحسين بن علي أن

تنحر كل واحدة عشر قلائص ففعلن قال منقبة و الله قال و ما منا رجل عرض عليه شتم أبي تراب و لعنه إلا فعل و زاد ابنيه حسنا و

حسينا و أمهما فاطمة قال منقبة و الله قال و ما أحد من العرب له من الصباحة و الملاحة ما لنا فضحك الحجاج و قال أما هذه يا أبا

هانئ فدعها و كان عبد الله دميما شديد الأدمة مجدورا في رأسه عجر مائل الشدق أحول قبيح الوجه شديد الحول. و كان عبد الله بن

الزبير يبغض عليا ع و ينتقصه و ينال من عرضه.

[4 : 62 ]

و روى عمر بن شبة و ابن الكلبي و الواقدي و غيرهم من رواة السير أنه مكث أيام ادعائه الخلافة أربعين جمعة لا يصلي فيها على

النبي ص و قال لا يمنعني من ذكره إلا أن تشمخ رجال ب آنافها. و في رواية محمد بن حبيب و أبي عبيدة معمر بن المثنى أن له أهيل

سوء ينغضون رءوسهم عند ذكره. و روى سعيد بن جبير أن عبد الله بن الزبير قال لعبد الله بن عباس ما حديث أسمعه عنك قال و ما هو

قال تأنيبي و ذمي

فقال إني سمعت رسول الله ص يقول بئس المرء المسلم يشبع و يجوع جاره

فقال ابن الزبير إني لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة و ذكر تمام الحديث. و روى عمر بن شبة أيضا عن سعيد بن جبير قال

خطب عبد الله بن الزبير فنال من علي ع فبلغ ذلك محمد بن الحنفية فجاء إليه و هو يخطب فوضع له كرسي فقطع عليه خطبته و قال

يا معشر العرب شاهت الوجوه أ ينتقص علي و أنتم حضور إن عليا كان يد الله على أعداء الله و صاعقة من أمره أرسله على الكافرين و

الجاحدين لحقه فقتلهم بكفرهم فشنئوه و أبغضوه و أضمروا له الشنف و الحسد و ابن عمه ص حي بعد لم يمت فلما نقله الله إلى

جواره و أحب له ما عنده أظهرت له رجال أحقادها و شفت أضغانها فمنهم من ابتز حقه و منهم من ائتمر به ليقتله و منهم من شتمه و

قذفه بالأباطيل فإن يكن لذريته و ناصري دعوته دولة تنشر عظامهم و تحفر على أجسادهم و الأبدان منهم يومئذ بالية بعد أن تقتل

الأحياء منهم و تذل رقابهم فيكون الله عز اسمه قد عذبهم بأيدينا و أخزاهم و نصرنا عليهم و شفا صدورنا منهم إنه و الله ما يشتم

عليا إلا كافر يسر شتم رسول الله ص و يخاف أن يبوح به

[4 : 63 ]

فيكني بشتم علي ع عنه أما إنه قد تخطت المنية منكم من امتد عمره و سمع

قول رسول الله ص فيه لا يحبك إلا مؤمن و لا يبغضك إلا منافق

وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَب يَنْقَلِبُونَ فعاد ابن الزبير إلى خطبته و قال عذرت بني الفواطم يتكلمون فما بال ابن أم حنيفة

فقال محمد يا ابن أم رومان و ما لي لا أتكلم و هل فاتني من الفواطم إلا واحدة و لم يفتني فخرها لأنها أم أخوي أنا ابن فاطمة بنت

عمران بن عائذ بن مخزوم جده رسول الله ص و أنا ابن فاطمة بنت أسد بن هاشم كافلة رسول الله ص و القائمة مقام أمه أما و الله لو

لا خديجة بنت خويلد ما تركت في بني أسد بن عبد العزى عظما إلا هشمته ثم قام فانصرف

فصل في ذكر الأحاديث الموضوعة في ذم علي

و ذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي رحمه الله تعالى و كان من المتحققين بموالاة علي ع و المبالغين في تفضيله و إن كان القول

بالتفضيل عاما شائعا في البغداديين من أصحابنا كافة إلا أن أبا جعفر أشدهم في ذلك قولا و أخلصهم فيه اعتقادا أن معاوية وضع قوما

من الصحابة و قوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي ع تقتضي الطعن فيه و البراءة منه و جعل لهم على ذلك جعلا يرغب

في مثله فاختلقوا ما أرضاه منهم أبو هريرة و عمرو بن العاص و المغيرة بن شعبة و من التابعين عروة بن الزبير.

روى الزهري أن عروة بن الزبير حدثه قال حدثتني عائشة قالت كنت عند

[4 : 64 ]

رسول الله إذ أقبل العباس و علي فقال يا عائشة إن هذين يموتان على غير ملتي أو قال ديني

و روى عبد الرزاق عن معمر قال كان عند الزهري حديثان عن عروة عن عائشة في علي ع فسألته عنهما يوما فقال ما تصنع بهما و

بحديثهما الله أعلم بهما إني لأتهمهما في بني هاشم. قال فأما الحديث الأول فقد ذكرناه و أما الحديث الثاني فهو أن عروة زعم أن

عائشة حدثته

قالت كنت عند النبي ص إذ أقبل العباس و علي فقال يا عائشة إن سرك أن تنظري إلى رجلين من أهل النار فانظري إلى هذين قد طلعا

فنظرت فإذا العباس و علي بن أبي طالب

و أما عمرو بن العاص فروي عنه الحديث الذي أخرجه البخاري و مسلم في صحيحيهما مسندا متصلا بعمرو بن العاص

قال سمعت رسول الله ص يقول إن آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء إنما وليي الله و صالح المؤمنين

و أما أبو هريرة فروي عنه الحديث الذي معناه أن عليا ع خطب ابنة أبي جهل في حياة رسول الله ص فأسخطه فخطب على المنبر و

قال لاها الله لا تجتمع ابنة ولي الله و ابنة عدو الله أبي جهل إن فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها فإن كان علي يريد ابنة أبي جهل

فليفارق ابنتي و ليفعل ما يريد

أو كلاما هذا معناه و الحديث مشهور من رواية الكرابيسي. قلت هذا الحديث أيضا مخرج في صحيحي مسلم و البخاري عن المسور

بن مخرمة الزهري و قد ذكره المرتضى في كتابه المسمى تنزيه الأنبياء و الأئمة و ذكر أنه رواية

[4 : 65 ]

حسين الكرابيسي و أنه مشهور بالانحراف عن أهل البيت ع و عداوتهم و المناصبة لهم فلا تقبل روايته. و لشياع هذا الخبر و

انتشاره ذكره مروان بن أبي حفصة في قصيدة يمدح بها الرشيد و يذكر فيها ولد فاطمة ع و ينحي عليهم و يذمهم و قد بالغ حين ذم

عليا ع و نال منه و أولها

سلام على جمل و هيهات من جمل و يا حبذا جمل و إن صرمت حبلي

يقول فيها

علي أبوكم كان أفضل منكم أباه ذوو الشورى و كانوا ذوي الفضل

و ساء رسول الله إذ ساء بنته بخطبته بنت اللعين أبي جهل

فذم رسول الله صهر أبيكم على منبر بالمنطق الصادع الفضل

و حكم فيها حاكمين أبوكم هما خلعاه خلع ذي النعل للنعل

و قد باعها من بعده الحسن ابنه فقد أبطلت دعواكم الرثة الحبل

و خليتموها و هي في غير أهلها و طالبتموها حين صارت إلى أهل

و قد روي هذا الخبر على وجوه مختلفة و فيه زيادات متفاوتة فمن الناس من يروي فيه مهما ذممنا من صهر فإنا لم نذم صهر أبي العاص

بن الربيع و من الناس من يروي فيه ألا إن بني المغيرة أرسلوا إلى علي ليزوجوه كريمتهم و غير ذلك. و عندي أن هذا الخبر لو صح لم

يكن على أمير المؤمنين فيه غضاضة و لا قدح لأن

[4 : 66 ]

الأمة مجمعة على أنه لو نكح ابنة أبي جهل مضافا إلى نكاح فاطمة ع لجاز لأنه داخل تحت عموم الآية المبيحة للنساء الأربع فابنة

أبي جهل المشار إليها كانت مسلمة لأن هذه القصة كانت بعد فتح مكة و إسلام أهلها طوعا و كرها و رواة الخبر موافقون على ذلك

فلم يبق إلا أنه إن كان هذا الخبر صحيحا فإن رسول الله ص لما رأى فاطمة ع قد غارت و أدركها ما يدرك النساء عاتب عليا ع عتاب

الأهل و كما يستثبت الوالد رأي الولد و يستعطفه إلى رضا أهله و صلح زوجته و لعل الواقع كان بعض هذا الكلام فحرف و زيد فيه و

لو تأملت أحوال النبي ص مع زوجاته و ما كان يجري بينه و بينهن من الغضب تارة و الصلح أخرى و السخط تارة و الرضا أخرى حتى

بلغ الأمر إلى الطلاق مرة و إلى الإيلاء مرة و إلى الهجر و القطيعة مرة و تدبرت ما ورد في الروايات الصحيحة مما كن يلقينه ع به و

يسمعنه إياه لعلمت أن الذي عاب الحسدة و الشائنون عليا ع به بالنسبة إلى تلك الأحوال قطرة من البحر المحيط و لو لم يكن إلا

قصة مارية و ما جرى بين رسول الله ص و بين تينك الامرأتين من الأحوال و الأقوال حتى أنزل فيهما قرآن يتلى في المحاريب و

يكتب في المصاحف و قيل لهما ما لا يقال للإسكندر ملك الدنيا لو كان حيا منابذا لرسول الله ص وَ إِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللّهَ هُوَ

مَوْلاهُ وَ جِبْرِيلُ وَ صالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ ثم أردف بعد ذلك بالوعيد و التخويف عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ الآيات

بتمامها ثم ضرب لهما مثلا امرأة نوح و امرأة لوط اللتين خانتا بعليهما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللّهِ شَيْئاً و تمام الآية معلوم فهل ما

روي في الخبر من تعصب فاطمة على علي ع

[4 : 67 ]

و غيرتها من تعريض بني المغيرة له بنكاح عقيلتهم إذا قويس إلى هذه الأحوال و غيرها مما كان يجري إلا كنسبة التأفيف إلى حرب

البسوس و لكن صاحب الهوى و العصبية لا علاج له. ثم نعود إلى حكاية كلام شيخنا أبي جعفر الإسكافي رحمه الله تعالى قال أبو

جعفر و روى الأعمش قال لما قدم أبو هريرة العراق مع معاوية عام الجماعة جاء إلى مسجد الكوفة فلما رأى كثرة من استقبله من

الناس جثا على ركبتيه ثم ضرب صلعته مرارا و قال يا أهل العراق أ تزعمون أني أكذب على الله و على رسوله و أحرق نفسي بالنار

و الله لقد سمعت رسول الله ص يقول إن لكل نبي حرما و إن حرمي بالمدينة ما بين عير إلى ثور فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله

و الملائكة و الناس أجمعين

و أشهد بالله أن عليا أحدث فيها فلما بلغ معاوية قوله أجازه و أكرمه و ولاه أمارة المدينة. قلت أما قوله ما بين عير إلى ثور فالظاهر

أنه غلط من الراوي لأن ثورا بمكة و هو جبل يقال له ثور أطحل و فيه الغار الذي دخله النبي ص و أبو بكر و إنما قيل أطحل لأن

أطحل بن عبد مناف بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر بن نزار بن عدنان كان يسكنه و قيل اسم الجبل أطحل فأضيف ثور إليه و هو

ثور بن عبد مناف و الصواب ما بين عير إلى أحد. فأما قول أبي هريرة أن عليا ع أحدث في المدينة فحاش لله كان علي ع أتقى لله من

ذلك و الله لقد نصر عثمان نصرا لو كان المحصور جعفر بن أبي طالب لم يبذل له إلا مثله. قال أبو جعفر و أبو هريرة مدخول عند

شيوخنا غير مرضي الرواية ضربه عمر

[4 : 68 ]

بالدرة و قال قد أكثرت من الرواية و أحر بك أن تكون كاذبا على رسول الله ص. و روى سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم التيمي

قال كانوا لا يأخذون عن أبي هريرة إلا ما كان من ذكر جنة أو نار. و روى أبو أسامة عن الأعمش قال كان إبراهيم صحيح الحديث فكنت

إذا سمعت الحديث أتيته فعرضته عليه فأتيته يوما بأحاديث من حديث أبي صالح عن أبي هريرة فقال دعني من أبي هريرة إنهم كانوا

يتركون كثيرا من حديثه. و قد روي عن علي ع أنه قال ألا إن أكذب الناس أو قال أكذب الأحياء على رسول الله ص أبو هريرة الدوسي.

و روى أبو يوسف قال قلت لأبي حنيفة الخبر يجيء عن رسول الله ص يخالف قياسنا ما تصنع به قال إذا جاءت به الرواة الثقات عملنا

به و تركنا الرأي فقلت ما تقول في رواية أبي بكر و عمر فقال ناهيك بهما فقلت علي و عثمان قال كذلك فلما رآني أعد الصحابة قال و

الصحابة كلهم عدول ما عدا رجالا ثم عد منهم أبا هريرة و أنس بن مالك. و روى سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم عن عمر بن

عبد الغفار أن أبا هريرة لما قدم الكوفة مع معاوية كان يجلس بالعشيات بباب كندة و يجلس الناس إليه فجاء شاب من الكوفة

فجلس إليه فقال يا أبا هريرة أنشدك الله أ سمعت

رسول الله ص يقول لعلي بن أبي طالب اللهم وال من والاه و عاد من عاداه

فقال اللهم نعم قال فأشهد بالله لقد واليت عدوه و عاديت وليه ثم قام عنه.

[4 : 69 ]

و روت الرواة أن أبا هريرة كان يؤاكل الصبيان في الطريق و يلعب معهم و كان يخطب و هو أمير المدينة فيقول الحمد لله الذي

جعل الدين قياما و أبا هريرة إماما يضحك الناس بذلك و كان يمشي و هو أمير المدينة في السوق فإذا انتهى إلى رجل يمشي أمامه

ضرب برجليه الأرض و يقول الطريق الطريق قد جاء الأمير يعني نفسه. قلت قد ذكر ابن قتيبة هذا كله في كتاب المعارف في ترجمة أبي

هريرة و قوله فيه حجة لأنه غير متهم عليه. قال أبو جعفر و كان المغيرة بن شعبة يلعن عليا ع لعنا صريحا على منبر الكوفة و كان

بلغه عن علي ع في أيام عمر أنه قال لئن رأيت المغيرة لأرجمنه بأحجاره يعني واقعة الزناء بالمرأة التي شهد عليه فيها أبو بكرة و

نكل زياد عن الشهادة فكان يبغضه لذاك و لغيره من أحوال اجتمعت في نفسه. قال و قد تظاهرت الرواية عن عروة بن الزبير أنه كان

يأخذه الزمع عند ذكر علي ع فيسبه و يضرب بإحدى يديه على الأخرى و يقول و ما يغني أنه لم يخالف إلى ما نهي عنه و قد أراق من

دماء المسلمين ما أراق. قال و قد كان في المحدثين من يبغضه ع و يروي فيه الأحاديث المنكرة منهم حريز بن عثمان كان يبغضه و

ينتقصه و يروي فيه أخبارا مكذوبة و قد روى

[4 : 70 ]

المحدثون أن حريزا رؤي في المنام بعد موته فقيل له ما فعل الله بك قال كاد يغفر لي لو لا بغض علي. قلت قد روى أبو بكر أحمد بن

عبد العزيز الجوهري في كتاب السقيفة قال حدثني أبو جعفر بن الجنيد قال حدثني إبراهيم بن الجنيد قال حدثني محفوظ بن المفضل

بن عمر قال حدثني أبو البهلول يوسف بن يعقوب قال حدثنا حمزة بن حسان و كان مولى لبني أمية و كان مؤذنا عشرين سنة و حج غير

حجة و أثنى أبو البهلول عليه خيرا قال حضرت حريز بن عثمان و ذكر علي بن أبي طالب فقال ذاك الذي أحل حرم رسول الله ص حتى

كاد يقع. قال محفوظ قلت ليحيي بن صالح الوحاظي قد رويت عن مشايخ من نظراء حريز فما بالك لم تحمل عن حريز قال إني أتيته

فناولني كتابا فإذا فيه

حدثني فلان عن فلان إن النبي ص لما حضرته الوفاة أوصى أن تقطع يد علي بن أبي طالب ع

فرددت الكتاب و لم أستحل أن أكتب عنه شيئا. قال أبو بكر و حدثني أبو جعفر قال حدثني إبراهيم قال حدثني محمد بن عاصم صاحب

الخانات قال قال لنا حريز بن عثمان أنتم يا أهل العراق تحبون علي بن أبي طالب ع و نحن نبغضه قالوا لم قال لأنه قتل أجدادي.

قال محمد بن عاصم و كان حريز بن عثمان نازلا علينا. قال أبو جعفر رحمه الله تعالى و كان المغيرة بن شعبة صاحب دنيا يبيع دينه

بالقليل النزر منها و يرضي معاوية بذكر علي بن أبي طالب ع قال يوما في مجلس معاوية إن عليا لم ينكحه رسول الله ابنته حبا و

لكنه أراد أن يكافئ بذلك إحسان أبي طالب إليه.

[4 : 71 ]

قال و قد صح عندنا أن المغيرة لعنه على منبر العراق مرات لا تحصى و يروى أنه لما مات و دفنوه أقبل رجل راكب ظليما فوقف قريبا

منه ثم قال

أ من رسم دار من مغيرة تعرف عليها زواني الإنس و الجن تعزف

فإن كنت قد لاقيت فرعون بعدنا و هامان فاعلم أن ذا العرش منصف

قال فطلبوه فغاب عنهم و لم يروا أحدا فعلموا أنه من الجن. قال فأما مروان بن الحكم فأحقر و أقل من أن يذكر في الصحابة الذين

قد غمصناهم و أوضحنا سوء رأينا فيهم لأنه كان مجاهرا بالإلحاد هو و أبوه الحكم بن أبي العاص و هما الطريدان اللعينان كان أبوه

عدو رسول الله ص يحكيه في مشيه و يغمز عليه عينه و يدلع له لسانه و يتهكم به و يتهانف عليه هذا و هو في قبضته و تحت يده و

في دار دعوته بالمدينة و هو يعلم أنه قادر على قتله أي وقت شاء من ليل أو نهار فهل يكون هذا إلا من شانئ شديد البغضة و

مستحكم العداوة حتى أفضى أمره إلى أن طرده رسول الله ص عن المدينة و سيره إلى الطائف. و أما مروان ابنه فأخبث عقيدة و أعظم

إلحادا و كفرا و هو الذي خطب يوم وصل إليه رأس الحسين ع إلى المدينة و هو يومئذ أميرها و قد حمل الرأس على يديه فقال

يا حبذا بردك في اليدين و حمرة تجري على الخدين

كأنما بت بمسجدين

[4 : 72 ]

ثم رمى بالرأس نحو قبر النبي و قال يا محمد يوم بيوم بدر و هذا القول مشتق من الشعر الذي تمثل به يزيد بن معاوية و هو شعر ابن

الزبعري يوم وصل الرأس إليه. و الخبر مشهور. قلت هكذا قال شيخنا أبو جعفر و الصحيح أن مروان لم يكن أمير المدينة يومئذ بل

كان أميرها عمرو بن سعيد بن العاص و لم يحمل إليه الرأس و إنما كتب إليه عبيد الله بن زياد يبشره بقتل الحسين ع فقرأ كتابه على

المنبر و أنشد الرجز المذكور و أومأ إلى القبر قائلا يوم بيوم بدر فأنكر عليه قوله قوم من الأنصار. ذكر ذلك أبو عبيدة في كتاب

المثالب. قال و روى الواقدي أن معاوية لما عاد من العراق إلى الشام بعد بيعة الحسن ع و اجتماع الناس إليه خطب فقال أيها الناس

إن رسول الله ص قال لي إنك ستلي الخلافة من بعدي فاختر الأرض المقدسة فإن فيها الأبدال

و قد اخترتكم فالعنوا أبا تراب فلعنوه فلما كان من الغد كتب كتابا ثم جمعهم فقرأه عليهم و فيه هذا كتاب كتبه أمير المؤمنين معاوية

صاحب وحي الله الذي بعث محمدا نبيا و كان أميا لا يقرأ و لا يكتب فاصطفى له من أهله وزيرا كاتبا أمينا فكان الوحي ينزل على

محمد و أنا أكتبه و هو لا يعلم ما أكتب فلم يكن بيني و بين الله أحد من خلقه فقال له الحاضرون كلهم صدقت يا أمير المؤمنين.

[4 : 73 ]

قال أبو جعفر و قد روي أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروي أن هذه الآية نزلت في علي بن أبي طالب وَ مِنَ

النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يُشْهِدُ اللّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ وَ إِذا تَوَلّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ

فِيها وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ وَ اللّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ و أن الآية الثانية نزلت في ابن ملجم و هي قوله تعالى وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْرِي

نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ فلم يقبل فبذل له مائتي ألف درهم فلم يقبل فبذل له ثلاثمائة ألف فلم يقبل فبذل له أربعمائة ألف فقبل و

روى ذلك. قال و قد صح أن بني أمية منعوا من إظهار فضائل علي ع و عاقبوا على ذلك الراوي له حتى أن الرجل إذا روى عنه حديثا لا

يتعلق بفضله بل بشرائع الدين لا يتجاسر على ذكر اسمه فيقول عن أبي زينب. و روى عطاء عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال وددت

أن أترك فأحدث بفضائل علي بن أبي طالب ع يوما إلى الليل و أن عنقي هذه ضربت بالسيف. قال فالأحاديث الواردة في فضله لو لم

تكن في الشهرة و الاستفاضة و كثرة النقل إلى غاية بعيدة لانقطع نقلها للخوف و التقية من بني مروان مع طول المدة و شدة العداوة.

و لو لا أن لله تعالى في هذا الرجل سرا يعلمه من يعلمه لم يرو في فضله حديث و لا عرفت له منقبة أ لا ترى أن رئيس قرية لو سخط

على واحد من أهلها و منع الناس أن يذكروه بخير و صلاح لخمل ذكره و نسي اسمه و صار و هو موجود معدوما و هو حي ميتا هذه

خلاصة ما ذكره شيخنا أبو جعفر رحمه الله تعالى في هذا المعنى في كتاب التفضيل

[4 : 74 ]

فصل في ذكر المنحرفين عن علي

و ذكر جماعة من شيوخنا البغداديين أن عدة من الصحابة و التابعين و المحدثين كانوا منحرفين عن علي ع قائلين فيه السوء و منهم

من كتم مناقبه و أعان أعداءه ميلا مع الدنيا و إيثارا للعاجلة فمنهم أنس بن مالك

ناشد علي ع الناس في رحبة القصر أو قال رحبة الجامع بالكوفة أيكم سمع رسول الله ص يقول من كنت مولاه فعلي مولاه

فقام اثنا عشر رجلا فشهدوا بها و أنس بن مالك في القوم لم يقم فقال له يا أنس ما يمنعك أن تقوم فتشهد و لقد حضرتها فقال يا أمير

المؤمنين كبرت و نسيت

فقال اللهم إن كان كاذبا فارمه بها بيضاء لا تواريها الغمامة

قال طلحة بن عمير فو الله لقد رأيت الوضح به بعد ذلك أبيض بين عينيه.

و روى عثمان بن مطرف أن رجلا سأل أنس بن مالك في آخر عمره عن علي بن أبي طالب فقال إني آليت ألا أكتم حديثا سئلت عنه في

علي بعد يوم الرحبة ذاك رأس المتقين يوم القيامة سمعته و الله من نبيكم

و روى أبو إسرائيل عن الحكم عن أبي سليمان المؤذن أن عليا ع نشد الناس من سمع رسول الله ص يقول من كنت مولاه فعلي مولاه

فشهد له قوم و أمسك زيد بن أرقم فلم يشهد و كان يعلمها فدعا علي ع عليه بذهاب البصر فعمي

فكان يحدث الناس بالحديث بعد ما كف بصره. قالوا و كان الأشعث بن قيس الكندي و جرير بن عبد الله البجلي يبغضانه و هدم علي

ع دار جرير بن عبد الله. قال إسماعيل بن جرير هدم علي دارنا مرتين.

[4 : 75 ]

و روى الحارث بن حصين أن رسول الله ص دفع إلى جرير بن عبد الله نعلين نعاله و قال احتفظ بهما فإن ذهابهما ذهاب دينك

فلما كان يوم الجمل ذهبت إحداهما فلما أرسله علي ع إلى معاوية ذهبت الأخرى ثم فارق عليا و اعتزل الحرب. و روى أهل السيرة أن

الأشعث خطب إلى علي ع ابنته فزبره

و قال يا ابن الحائك أ غرك ابن أبي قحافة

و روى أبو بكر الهذلي عن الزهري عن عبيد الله بن عدي بن الخيار بن نوفل بن عبد مناف قال قام الأشعث إلى علي ع فقال إن الناس

يزعمون أن رسول الله ص عهد إليك عهدا لم يعهده إلى غيرك فقال إنه عهد إلي ما في قراب سيفي لم يعهد إلي غير ذلك فقال الأشعث

هذه إن قلتها فهي عليك لا لك دعها ترحل عنك فقال له و ما علمك بما علي مما لي منافق ابن كافر حائك ابن حائك إني لأجد منك بنة

الغزل ثم التفت إلى عبيد الله بن عدي بن الخيار فقال يا عبيد الله إنك لتسمع خلافا و ترى عجبا ثم أنشد

أصبحت هزءا لراعي الضأن أتبعه ما ذا يريبك مني راعي الضأن

. و قد ذكرنا في بعض الروايات المتقدمات أن سبب قوله هذه عليك لا لك أمر آخر و الروايات تختلف. و روى يحيى بن عيسى الرملي

عن الأعمش أن جريرا و الأشعث خرجا إلى جبان الكوفة فمر بهما ضب يعدو و هما في ذم علي ع فنادياه يا أبا حسل هلم

[4 : 76 ]

يدك نبايعك بالخلافة فبلغ عليا ع قولهما

فقال أما إنهما يحشران يوم القيامة و إمامهما ضب

و كان أبو مسعود الأنصاري منحرفا عنه ع

روى شريك عن عثمان بن أبي زرعة عن زيد بن وهب قال تذاكرنا القيام إذا مرت الجنازة عند علي ع فقال أبو مسعود الأنصاري قد كنا

نقوم فقال علي ع ذاك و أنتم يومئذ يهود

و روى شعبة عن عبيد بن الحسن عن عبد الرحمن بن معقل قال حضرت عليا ع و قد سأله رجل عن امرأة توفي عنها زوجها و هي حامل

فقال تتربص أبعد الأجلين فقال رجل فإن أبا مسعود يقول وضعها انقضاء عدتها فقال علي ع إن فروجا لا يعلم

فبلغ قوله أبا مسعود فقال بلى و الله إني لأعلم أن الآخر شر.

و روى المنهال عن نعيم بن دجاجة قال كنت جالسا عند علي ع إذ جاء أبو مسعود فقال علي ع جاءكم فروج فجاء فجلس فقال له علي

ع بلغني أنك تفتي الناس قال نعم و أخبرهم أن الآخر شر قال فهل سمعت من رسول الله ص شيئا قال نعم سمعته يقول لا يأتي على

الناس سنة مائة و على الأرض عين تطرف قال أخطأت استك الحفرة و غلطت في أول ظنك إنما عنى من حضره يومئذ و هل الرخاء إلا

بعد المائة

[4 : 77 ]

و روى جماعة من أهل السير أن عليا ع كان يقول عن كعب الأحبار إنه لكذاب

و كان كعب منحرفا عن علي ع و كان النعمان بن بشير الأنصاري منحرفا عنه و عدوا له و خاض الدماء مع معاوية خوضا و كان من أمراء

يزيد ابنه حتى قتل و هو على حاله. و قد روي أن عمران بن الحصين كان من المنحرفين عنه ع و أن عليا سيره إلى المدائن و ذلك أنه

كان يقول إن مات علي فلا أدري ما موته و إن قتل فعسى أني إن قتل رجوت له. و من الناس من يجعل عمران في الشيعة. و كان سمرة

بن جندب من شرطة زياد روى عبد الملك بن حكيم عن الحسن قال جاء رجل من أهل خراسان إلى البصرة فترك مالا كان معه في بيت

المال و أخذ براءة ثم دخل المسجد فصلى ركعتين فأخذه سمرة بن جندب و اتهمه برأي الخوارج فقدمه فضرب عنقه و هو يومئذ على

شرطة زياد فنظروا فيما معه فإذا البراءة بخط بيت المال فقال أبو بكرة يا سمرة أ ما سمعت الله تعالى يقول قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكّى وَ

ذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلّى فقال أخوك أمرني بذلك. و روى الأعمش عن أبي صالح قال قيل لنا قد قدم رجل من أصحاب رسول الله ص

فأتيناه فإذا هو سمرة بن جندب و إذا عند إحدى رجليه خمر و عند الأخرى ثلج فقلنا ما هذا قالوا به النقرس و إذا قوم قد أتوه فقالوا يا

سمرة

[4 : 78 ]

ما تقول لربك غدا تؤتى بالرجل فيقال لك هو من الخوارج فتأمر بقتله ثم تؤتى ب آخر فيقال لك ليس الذي قتلته بخارجي ذاك فتى

وجدناه ماضيا في حاجته فشبه علينا و إنما الخارجي هذا فتأمر بقتل الثاني فقال سمرة و أي بأس في ذلك إن كان من أهل الجنة مضى

إلى الجنة و إن كان من أهل النار مضى إلى النار.

و روى واصل مولى أبي عيينة عن جعفر بن محمد بن علي ع عن آبائه قال كان لسمرة بن جندب نخل في بستان رجل من الأنصار فكان

يؤذيه فشكا الأنصاري ذلك إلى رسول الله ص فبعث إلى سمرة فدعاه فقال له بع نخلك من هذا و خذ ثمنه قال لا أفعل قال فخذ نخلا

مكان نخلك قال لا أفعل قال فاشتر منه بستانه قال لا أفعل قال فاترك لي هذا النخل و لك الجنة قال لا أفعل فقال ص للأنصاري

اذهب فاقطع نخله فإنه لا حق له فيه

و روى شريك قال أخبرنا عبد الله بن سعد عن حجر بن عدي قال قدمت المدينة فجلست إلى أبي هريرة فقال ممن أنت قلت من أهل

البصرة قال ما فعل سمرة بن جندب قلت هو حي قال ما أحد أحب إلي طول حياة منه قلت و لم ذاك

قال إن رسول الله ص قال لي و له و لحذيفة بن اليمان آخركم موتا في النار

فسبقنا حذيفة و أنا الآن أتمنى أن أسبقه قال فبقي سمرة بن جندب حتى شهد مقتل الحسين. و روى أحمد بن بشير عن مسعر بن كدام

قال كان سمرة بن جندب أيام مسير

[4 : 79 ]

الحسين ع إلى الكوفة على شرطة عبيد الله بن زياد و كان يحرض الناس على الخروج إلى الحسين ع و قتاله. و من المنحرفين عنه

المبغضين له عبد الله بن الزبير و قد ذكرناه آنفا

كان علي ع يقول ما زال الزبير منا أهل البيت حتى نشأ ابنه عبد الله فأفسده

و عبد الله هو الذي حمل الزبير على الحرب و هو الذي زين لعائشة مسيرها إلى البصرة و كان سبابا فاحشا يبغض بني هاشم و يلعن و

يسب علي بن أبي طالب ع و كان علي ع يقنت في صلاة الفجر و في صلاة المغرب و يلعن معاوية و عمر و المغيرة و الوليد بن عقبة و

أبا الأعور و الضحاك بن قيس و بسر بن أرطاة و حبيب بن مسلمة و أبا موسى الأشعري و مروان بن الحكم و كان هؤلاء يقنتون عليه و

يلعنونه. و روى شيخنا أبو عبد الله البصري المتكلم رحمه الله تعالى عن نصر بن عاصم الليثي عن أبيه قال أتيت مسجد رسول الله

ص و الناس يقولون نعوذ بالله من غضب الله و غضب رسوله فقلت ما هذا قالوا معاوية قام الساعة فأخذ بيد أبي سفيان فخرجا من

المسجد

فقال رسول الله ص لعن الله التابع و المتبوع رب يوم لأمتي من معاوية ذي الأستاه

قالوا يعني الكبير العجز. و قال روى العلاء بن حريز القشيري أن رسول الله ص قال لمعاوية لتتخذن يا معاوية البدعة سنة و القبح

حسنا أكلك كثير و ظلمك عظيم

قال و روى الحارث بن حصيرة عن أبي صادق عن ربيعة بن ناجذ قال قال

[4 : 80 ]

علي ع نحن و آل أبي سفيان قوم تعادوا في الأمر و الأمر يعود كما بدا

قلت و قد ذكرنا نحن في تلخيص نقض السفيانية ما فيه كفاية في هذا الباب.

و روى صاحب كتاب الغارات عن أبي صادق عن جندب بن عبد الله قال ذكر المغيرة بن شعبة عند علي ع و جده مع معاوية قال و ما

المغيرة إنما كان إسلامه لفجرة و غدرة غدرها بنفر من قومه فتك بهم و ركبها منهم فهرب منهم فأتى النبي ص كالعائذ بالإسلام و الله ما

رأى أحد عليه منذ ادعى الإسلام خضوعا و لا خشوعا ألا و إنه يكون من ثقيف فراعنة قبل يوم القيامة يجانبون الحق و يسعرون

نيران الحرب و يوازرون الظالمين ألا إن ثقيفا قوم غدر لا يوفون بعهد يبغضون العرب كأنهم ليسوا منهم و لرب صالح قد كان منهم

فمنهم عروة بن مسعود و أبو عبيد بن مسعود المستشهد يوم قس الناطف و إن الصالح في ثقيف لغريب

قال شيخنا أبو القاسم البلخي من المعلوم الذي لا ريب فيه لاشتهار الخبر به و إطباق الناس عليه أن الوليد بن عقبة بن أبي معيط

كان يبغض عليا و يشتمه و أنه هو الذي لاحاه في حياة رسول الله ص و نابذه و قال له أنا أثبت منك جنانا و أحد سنانا فقال له علي ع

اسكت يا فاسق فأنزل الله تعالى فيهما أَ فَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ الآيات المتلوة و سمي الوليد بحسب ذلك في

حياة رسول الله ص الفاسق فكان لا يعرف إلا بالوليد الفاسق.

[4 : 81 ]

و هذه الآية من الآيات التي نزل فيها القرآن بموافقة علي ع كما نزل في مواضع بموافقة عمر و سماه الله تعالى فاسقا في آية أخرى و

هو قوله تعالى إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا و سبب نزولها مشهور و هو كذبه على بني المصطلق و ادعاؤه أنهم منعوا الزكاة و

شهروا السيف حتى أمر النبي ص بالتجهز للمسير إليهم فأنزل الله تعالى في تكذيبه و براءة ساحة القوم هذه الآية. و كان الوليد

مذموما معيبا عند رسول الله ص يشنؤه و يعرض عنه و كان الوليد يبغض رسول الله ص أيضا و يشنؤه و أبوه عقبة بن أبي معيط هو

العدو الأزرق بمكة و الذي كان يؤذي رسول الله ص في نفسه و أهله و أخباره في ذلك مشهورة فلما ظفر به يوم بدر ضرب عنقه و ورث

ابنه الوليد الشنئان و البغضة لمحمد و أهله فلم يزل عليهما إلى أن مات. قال الشيخ أبو القاسم و هو أحد الصبية الذين قال أبو

عقبة فيهم و قد قدم ليضرب عنقه من للصبية يا محمد فقال النار اضربوا عنقه. قال و للوليد شعر يقصد فيه الرد على رسول الله ص

حيث

قال إن تولوها عليا تجدوه هاديا مهديا

قال و ذلك أن عليا ع لما قتل قصد بنوه أن يخفوا قبره خوفا من بني أمية أن يحدثوا في قبره حدثا فأوهموا الناس في موضع قبره تلك

الليلة و هي ليلة دفنه إيهامات مختلفة فشدوا على جمل تابوتا موثقا بالحبال يفوح منه روائح الكافور و أخرجوه من الكوفة في سواد

الليل صحبة ثقاتهم يوهمون أنهم يحملونه إلى المدينة فيدفنونه عند فاطمة ع و أخرجوا بغلا و عليه جنازة مغطاة

[4 : 82 ]

يوهمون أنهم يدفنونه بالحيرة و حفروا حفائر عدة منها بالمسجد و منها برحبة القصر قصر الإمارة و منها في حجرة من دور آل جعدة بن

هبيرة المخزومي و منها في أصل دار عبد الله بن يزيد القسري بحذاء باب الوراقين مما يلي قبلة المسجد و منها في الكناسة و منها

في الثوية فعمي على الناس موضع قبره و لم يعلم دفنه على الحقيقة إلا بنوه و الخواص المخلصون من أصحابه فإنهم خرجوا به ع

وقت السحر في الليلة الحادية و العشرين من شهر رمضان فدفنوه على النجف بالموضع المعروف بالغري بوصاة منه ع إليهم في ذلك

و عهد كان عهد به إليهم و عمي موضع قبره على الناس و اختلفت الأراجيف في صبيحة ذلك اليوم اختلافا شديدا و افترقت الأقوال في

موضع قبره الشريف و تشعبت و ادعى قوم أن جماعة من طيئ وقعوا على جمل في تلك الليلة و قد أضله أصحابه ببلادهم و عليه

صندوق فظنوا فيه مالا فلما رأوا ما فيه خافوا أن يطلبوا به فدفنوا الصندوق بما فيه و نحروا البعير و أكلوه و شاع ذلك في بني أمية

و شيعتهم و اعتقدوه حقا فقال الوليد بن عقبة من أبيات يذكره ع فيها

فإن يك قد ضل البعير بحمله فما كان مهديا و لا كان هاديا

و روى الشيخ أبو القاسم البلخي أيضا عن جرير بن عبد الحميد عن مغيرة الضبي قال مر ناس بالحسن بن علي ع و هم يريدون عيادة

الوليد بن عقبة و هو في علة له شديدة فأتاه الحسن ع معهم عائدا فقال للحسن أتوب إلى الله تعالى مما كان بيني و بين جميع الناس

إلا ما كان بيني و بين أبيك فإني لا أتوب منه. قال شيخنا أبو القاسم البلخي و أكد بغضه له ضربه إياه الحد في ولاية عثمان و عزله

عن الكوفة.

[4 : 83 ]

و قد اتفقت الأخبار الصحيحة التي لا ريب فيها عند المحدثين على

أن النبي ص قال لا يبغضك إلا منافق و لا يحبك إلا مؤمن

قال و روى حبة العرني عن علي ع أنه قال إن الله عز و جل أخذ ميثاق كل مؤمن على حبي و ميثاق كل منافق على بغضي فلو ضربت

وجه المؤمن بالسيف ما أبغضني و لو صببت الدنيا على المنافق ما أحبني

و روى عبد الكريم بن هلال عن أسلم المكي عن أبي الطفيل قال سمعت عليا ع و هو يقول لو ضربت خياشيم المؤمن بالسيف ما

أبغضني و لو نثرت على المنافق ذهبا و فضة ما أحبني إن الله أخذ ميثاق المؤمنين بحبي و ميثاق المنافقين ببغضي فلا يبغضني مؤمن و

لا يحبني منافق أبدا

قال الشيخ أبو القاسم البلخي و قد روى كثير من أرباب الحديث عن جماعة من الصحابة قالوا ما كنا نعرف المنافقين على عهد رسول

الله ص إلا ببغض علي بن أبي طالب. ذكر إبراهيم بن هلال صاحب كتاب الغارات فيمن فارق عليا ع و التحق بمعاوية يزيد بن حجية

التيمي من بني تيم بن ثعلبة بن بكر بن وائل و كان ع قد استعمله على الري و دستبني فكسر الخوارج و احتجن المال لنفسه فحبسه

علي ع و جعل معه سعدا مولاه فقرب يزيد ركائبه و سعد نائم فالتحق بمعاوية و قال

[4 : 84 ]

خادعت سعدا و ارتمت بي ركائبي إلى الشام و اخترت الذي هو أفضل

و غادرت سعدا نائما في عباءة و سعد غلام مستهام مضلل

ثم خرج حتى أتى الرقة و كذلك كان يصنع من يفارق عليا ع يبدأ بالرقة حتى يستأذن معاوية في القدوم عليه و كانت الرقة و الرها و

قرقيسيا و حران من حيز معاوية و عليها الضحاك بن قيس و كانت هيت و عانات و نصيبين و دارا و آمد و سنجار من حيز علي ع و

عليها الأشتر و كانا يقتتلان في كل شهر. و قال يزيد بن حجية و هو بالرقة يهجو عليا ع

يا طول ليلي بالرقات لم أنم من غير عشق صبت نفسي و لا سقم

لكن لذكر أمور جمة طرقت أخشى على الأصل منها زلة القدم

أخشى عليا عليهم أن يكون لهم مثل العقور الذي عفى على إرم

و بعد ذلك ما لا نذكره. قال إبراهيم بن هلال و قد كان زياد بن خصفة التيمي قال لعلي ع يوم هرب يزيد بن حجية ابعثني يا أمير

المؤمنين في أثره أرده إليك فبلغ قوله يزيد بن حجية فقال في ذلك

أبلغ زيادا أنني قد كفيته أموري و خليت الذي هو عاتبه

و باب شديد موثق قد فتحته عليك و قد أعيت عليك مذاهبه

هبلت أ ما ترجو غنائي و مشهدي إذ الخصم لم يوجد له من يجاذبه

[4 : 85 ]

فأقسم لو لا أن أمك أمنا و أنك مولى ما طفقت أعاتبه

و أقسم لو أدركتني ما رددتني كلانا قد اصطفت إليه جلائبه

قال ابن هلال و كتب إلى العراق شعرا يذم فيه عليا ع و يخبره أنه من أعدائه فدعا عليه و قال لأصحابه عقيب الصلاة ارفعوا أيديكم

فادعوا عليه فدعا عليه و أمن أصحابه.

قال أبو الصلت التيمي كان دعاؤه عليه اللهم إن يزيد بن حجية هرب بمال المسلمين و لحق بالقوم الفاسقين فاكفنا مكره و كيده و

اجزه جزاء الظالمين

قال و رفع القوم أيديهم يؤمنون و كان في المسجد عفاق بن شرحبيل بن أبي رهم التيمي شيخا كبيرا و كان يعد ممن شهد على حجر

بن عدي حتى قتله معاوية فقال عفاق على من يدعو القوم قالوا على يزيد بن حجية فقال تربت أيديكم أ على أشرافنا تدعون فقاموا

إليه فضربوه حتى كاد يهلك و قام زياد بن خصفة و كان من شيعة علي ع فقال دعوا لي ابن عمي فقال علي ع دعوا للرجل ابن عمه فتركه

الناس فأخذ زياد بيده فأخرجه من المسجد و جعل يمشي معه يمسح التراب عن وجهه و عفاق يقول و الله لا أحبكم ما سعيت و مشيت

و الله لا أحبكم ما اختلفت الدرة و الجرة و زياد يقول ذلك أضر لك ذلك شر لك. و قال زياد بن خصفة يذكر ضرب الناس عفاقا

دعوت عفاقا للهدى فاستغشني و ولى فريا قوله و هو مغضب

و لو لا دفاعي عن عفاق و مشهدي هوت بعفاق عوض عنقاء مغرب

[4 : 86 ]

أنبئه أن الهدى في اتباعنا فيأبى و يضريه المراء فيشغب

فإن لا يشايعنا عفاق فإننا على الحق ما غنى الحمام المطرب

سيغني الإله عن عفاق و سعيه إذا بعثت للناس جأواء تحرب

قبائل من حيي معد و مثلها يمانية لا تنثني حين تندب

لهم عدد مثل التراب و طاعة تود و بأس في الوغى لا يؤنب

فقال له عفاق لو كنت شاعرا لأجبتك و لكني أخبركم عن ثلاث خصال كن منكم و الله ما أرى أن تصيبوا بعدهن شيئا مما يسركم. أما

واحدة فإنكم سرتم إلى أهل الشام حتى إذا دخلتم عليهم بلادهم قاتلتموهم فلما ظن القوم أنكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف

فسخروا بكم فردوكم عنهم فلا و الله لا تدخلونها بمثل ذلك الجد و الحد و العدد الذي دخلتم به أبدا. و أما الثانية فإنكم بعثتم

حكما و بعث القوم حكما فأما حكمكم فخلعكم و أما حكمهم فأثبتهم فرجع صاحبهم يدعى أمير المؤمنين و رجعتم متلاعنين

متباغضين فو الله لا يزال القوم في علاء و لا تزالون في سفال. و أما الثالثة فإنه خالفكم قراؤكم و فرسانكم فعدوتم عليهم

فذبحتموهم بأيديكم فو الله لا تزالون بعدها متضعضعين. قال و كان يمر عليهم بعد فيقول اللهم إني منهم بريء و لابن عفان ولي

فيقولون اللهم إنا لعلي أولياء و من ابن عفان برآء و منك يا عفاق.

[4 : 87 ]

قال فأخذ لا يقلع فدعوا رجلا منهم له سجاعة كسجاعة الكهان فقالوا ويحك أ ما تكفينا بسجعك و خطبك هذا فقال كفيتكم فمر عفاق

عليهم فقال كما كان يقول فلم يمهله أن قال له اللهم اقتل عفاقا فإنه أسر نفاقا و أظهر شقاقا و بين فراقا و تلون أخلاقا. فقال عفاق

ويحكم من سلط علي هذا قال الله بعثني إليك و سلطني عليك لأقطع لسانك و أنصل سنامك و أطرد شيطانك. قال فلم يك يمر عليهم

بعد إنما يمر على مزينة. و ممن فارقه ع عبد الله بن عبد الرحمن بن مسعود بن أوس بن إدريس بن معتب الثقفي شهد مع علي ع صفين و

كان في أول أمره مع معاوية ثم صار إلى علي ع ثم رجع بعد إلى معاوية و كان علي ع يسميه الهجنع و الهجنع الطويل. و منهم

القعقاع بن شور استعمله علي ع على كسكر فنقم منه أمورا منها أنه تزوج امرأة فأصدقها مائة ألف درهم فهرب إلى معاوية. و منهم

النجاشي الشاعر من بني الحارث بن كعب كان شاعر أهل العراق بصفين و كان علي ع يأمره بمحاربة شعراء أهل الشام مثل كعب بن

جعيل و غيره فشرب الخمر بالكوفة فحده علي ع فغضب و لحق بمعاوية و هجا عليا ع.

[4 : 88 ]

حدث ابن الكلبي عن عوانة قال خرج النجاشي في أول يوم من شهر رمضان فمر بأبي سمال الأسدي و هو قاعد بفناء داره فقال له أين

تريد قال أردت الكناسة فقال هل لك في رءوس و أليات قد وضعت في التنور من أول الليل فأصبحت قد أينعت و قد تهرأت قال ويحك

في أول يوم من رمضان قال دعنا مما لا نعرف قال ثم مه قال أسقيك من شراب كالورس يطيب النفس و يجرى في العرق و يزيد في

الطرق يهضم الطعام و يسهل للفدم الكلام فنزل فتغديا ثم أتاه بنبيذ فشرباه فلما كان آخر النهار علت أصواتهما و لهما جار من شيعة

علي ع فأتاه فأخبره بقصتهما فأرسل إليهما قوما فأحاطوا بالدار فأما أبو سمال فوثب إلى دور بني أسد فأفلت و أخذ النجاشي فأتي ع

به فلما أصبح أقامه في سراويل فضربه ثمانين ثم زاده عشرين سوطا فقال يا أمير المؤمنين أما الحد فقد عرفته فما هذه العلاوة قال

لجراءتك على الله و إفطارك في شهر رمضان ثم أقامه في سراويله للناس فجعل الصبيان يصيحون به خرئ النجاشي خرئ النجاشي و

جعل يقول كلا إنها يمانية وكاؤها شعر. قال و مر به هند بن عاصم السلولي فطرح عليه مطرفا فجعل الناس يمرون به و يطرحون عليه

المطارف حتى اجتمعت عليه مطارف كثيرة فمدح بني سلول فقال

إذا الله حيا صالحا من عباده تقيا فحيا الله هند بن عاصم

و كل سلولي إذا ما دعوته سريع إلى داعي العلا و المكارم

هم البيض أقداما و ديباج أوجه جلوها إذا اسودت وجوه الملائم

و لا يأكل الكلب السروق نعالهم و لا يبتغي المخ الذي في الجماجم

[4 : 89 ]

ثم لحق معاوية و هجا عليا ع فقال

أ لا من مبلغ عني عليا بأني قد أمنت فلا أخاف

عمدت لمستقر الحق لما رأيت أموركم فيها اختلاف

و روى عبد الملك بن قريب الأصمعي عن ابن أبي الزناد قال دخل النجاشي على معاوية و قد أذن للناس عامة فقال لحاجبه ادع

النجاشي و النجاشي بين يديه و لكن اقتحمته عينه فقال ها أنا ذا النجاشي بين يديك يا أمير المؤمنين إن الرجال ليست بأجسامها

إنما لك من الرجل أصغراه قلبه و لسانه قال ويحك أنت القائل

و نجا ابن حرب سابح ذو علالة أجش هزيم و الرماح دواني

إذا قلت أطراف الرماح تنوشه مرته به الساقان و القدمان

ثم ضرب بيده إلى ثديه فقال ويحك إن مثلي لا تعدو به الخيل فقال يا أمير المؤمنين إني لم أعنك إنما عنيت عتبة. و روى صاحب

كتاب الغارات أن عليا ع لما حد النجاشي غضبت اليمانية لذلك و كان أخصهم به طارق بن عبد الله بن كعب النهدي فدخل عليه فقال

يا أمير المؤمنين ما كنا نرى أن أهل المعصية و الطاعة و أهل الفرقة و الجماعة عند ولاة العدل و معادن الفضل سيان في الجزاء حتى

رأينا ما كان من صنيعك بأخي الحارث

[4 : 90 ]

فأوغرت صدورنا و شتت أمورنا و حملتنا على الجادة التي كنا نرى أن سبيل من ركبها النار

فقال علي ع وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلّا عَلَى الْخاشِعِينَ يا أخا نهد و هل هو إلا رجل من المسلمين انتهك حرمة من حرم الله فأقمنا عليه حدا

كان كفارته إن الله تعالى يقول وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَ آنُ قَوْم عَلى أَلّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى

قال فخرج طارق من عنده فلقيه الأشتر فقال يا طارق أنت القائل لأمير المؤمنين أوغرت صدورنا و شتت أمورنا قال طارق نعم أنا

قائلها قال و الله ما ذاك كما قلت إن صدورنا له لسامعة و إن أمورنا له لجامعة فغضب طارق و قال ستعلم يا أشتر أنه غير ما قلت فلما

جنه الليل همس هو و النجاشي إلى معاوية فلما قدما عليه دخل آذنه فأخبره بقدومهما و عنده وجوه أهل الشام منهم عمرو بن مرة

الجهني و عمرو بن صيفي و غيرهما فلما دخلا نظر إلى طارق و قال مرحبا بالمورق غصنه و المعرق أصله المسود غير المسود من رجل

كانت منه هفوة و نبوة باتباعه صاحب الفتنة و رأس الضلالة و الشبهة الذي اغترز في ركاب الفتنة حتى استوى على رجلها ثم أوجف في

عشوة ظلمتها و تيه ضلالتها و اتبعه رجرجة من الناس و أشبابة من الحثالة لا أفئدة لهم أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوب أَقْفالُها.

فقام طارق فقال يا معاوية إني متكلم فلا يسخطك ثم قال و هو متكئ على سيفه إن المحمود على كل حال رب علا فوق عباده فهم منه

بمنظر و مسمع بعث فيهم

[4 : 91 ]

رسولا منهم يتلو كتابا لم يكن من قبله و لا يخطه بيمينه إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ فعليه السلام من رسول كان بالمؤمنين برا رحيما أما

بعد فإن ما كنا نوضع فيما أوضعنا فيه بين يدي إمام تقي عادل مع رجال من أصحاب رسول الله ص أتقياء مرشدين ما زالوا منارا للهدى

و معالم للدين خلفا عن سلف مهتدين أهل دين لا دنيا كل الخير فيهم و اتبعهم من الناس ملوك و أقيال و أهل بيوتات و شرف ليسوا

بناكثين و لا قاسطين فلم يكن رغبة من رغب عنهم و عن صحبتهم إلا لمرارة الحق حيث جرعوها و لوعورته حيث سلكوها و غلبت

عليهم دنيا مؤثرة و هو متبع و كان أمر الله قدرا مقدورا و قد فارق الإسلام قبلنا جبلة بن الأيهم فرارا من الضيم و أنفا من الذلة فلا

تفخرن يا معاوية إن شددنا نحوك الرحال و أوضعنا إليك الركاب أقول قولي هذا و أستغفر الله العظيم لي و لجميع المسلمين.

فعظم على معاوية ما سمعه و غضب لكنه أمسك و قال يا عبد الله إنا لم نرد بما قلناه أن نوردك مشرع ظمأ و لا أن نصدرك عن مكرع

ري و لكن القول قد يجري بصاحبه إلى غير ما ينطوي عليه من الفعل ثم أجلسه معه على سريره و دعا له بمقطعات و برود فصبها عليه

و أقبل نحوه بوجهه يحدثه حتى قام. و قام معه عمرو بن مرة و عمرو بن صيفي الجهنيان فأقبلا عليه بأشد العتاب و أمضه يلومانه في

خطبته و ما واجه به معاوية. فقال طارق و الله ما قمت بما سمعتماه حتى خيل لي أن بطن الأرض خير لي من ظهرها عند سماعي ما أظهر

من العيب و النقص لمن هو خير منه في الدنيا و الآخرة و ما زهت به نفسه و ملكه عجبه و عاب أصحاب رسول الله ص و استنقصهم

فقمت مقاما أوجب الله علي فيه إلا أقول إلا حقا و أي خير فيمن لا ينظر ما يصير إليه غدا

[4 : 92 ]

فبلغ عليا ع قوله

فقال لو قتل النهدي يومئذ لقتل شهيدا

و قال معاوية للهيثم بن الأسود أبي العريان و كان عثمانيا و كانت امرأته علوية الرأي تكتب بأخبار معاوية في أعنة الخيل و تدفعها

إلى عسكر علي ع بصفين فيدفعونها إليه فقال معاوية بعد التحكيم يا هيثم أهل العراق كانوا أنصح لعلي في صفين أم أهل الشام لي

فقال أهل العراق قبل أن يضربوا بالبلاء كانوا أنصح لصاحبهم قال كيف قلت ذلك قال لأن القوم ناصحوه على الدين و ناصحك أهل

الشام على الدنيا و أهل الدين أصبر و هم أهل بصيرة و إنما أهل الدنيا أهل طمع ثم و الله ما لبث أهل العراق أن نبذوا الدين وراء

ظهورهم و نظروا إلى الدنيا فالتحقوا بك. فقال معاوية فما الذي يمنع الأشعث أن يقدم علينا فيطلب ما قبلنا قال إن الأشعث يكرم

نفسه أن يكون رأسا في الحرب و ذنبا في الطمع. و من المفارقين لعلي ع أخوه عقيل بن أبي طالب قدم على أمير المؤمنين بالكوفة

يسترفده فعرض عليه عطاءه فقال إنما أريد من بيت المال فقال تقيم إلى يوم الجمعة فلما صلى ع الجمعة قال له ما تقول فيمن خان

هؤلاء أجمعين قال بئس الرجل قال فإنك أمرتني أن أخونهم و أعطيك فلما خرج من عنده شخص إلى معاوية فأمر له يوم قدومه بمائة

ألف درهم و قال له يا أبا يزيد أنا خير لك أم علي قال وجدت عليا أنظر لنفسه منه لي و وجدتك أنظر لي منك لنفسك. و قال معاوية

لعقيل إن فيكم يا بني هاشم لينا قال أجل إن فينا لينا من غير

[4 : 93 ]

ضعف و عزا من غير عنف و إن لينكم يا معاوية غدر و سلمكم كفر فقال معاوية و لا كل هذا يا أبا يزيد. و قال الوليد بن عقبة لعقيل في

مجلس معاوية غلبك أخوك يا أبا يزيد على الثروة قال نعم و سبقني و إياك إلى الجنة قال أما و الله إن شدقيه لمضمومان من دم

عثمان فقال و ما أنت و قريش و الله ما أنت فينا إلا كنطيح التيس فغضب الوليد و قال و الله لو أن أهل الأرض اشتركوا في قتله

لأرهقوا صعودا و إن أخاك لأشد هذه الأمة عذابا فقال صه و الله إنا لنرغب بعبد من عبيده عن صحبة أبيك عقبة بن أبي معيط. و قال

معاوية يوما و عنده عمرو بن العاص و قد أقبل عقيل لأضحكنك من عقيل فلما سلم قال معاوية مرحبا برجل عمه أبو لهب فقال عقيل و

أهلا برجل عمته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد لأن امرأة أبي لهب أم جميل بنت حرب بن أمية. قال معاوية يا أبا يزيد ما ظنك

بعمك أبي لهب قال إذا دخلت النار فخذ على يسارك تجده مفترشا عمتك حمالة الحطب أ فناكح في النار خير أم منكوح قال كلاهما شر

و الله. و ممن فارقه ع حنظلة الكاتب خرج هو و جرير بن عبد الله البجلي من الكوفة إلى قرقيسيا و قالا لا نقيم ببلدة يعاب فيها

عثمان.

[4 : 94 ]

و ممن فارقه وائل بن حجر الحضرمي و خبره مذكور في قصة بسر بن أرطاة. و روى صاحب كتاب الغارات عن إسماعيل بن حكيم عن

أبي مسعود الجريري قال كان ثلاثة من أهل البصرة يتواصلون على بغض علي ع مطرف بن عبد الله بن الشخير و العلاء بن زياد و عبد

الله بن شفيق. قال صاحب كتاب الغارات و كان مطرف عابدا ناسكا و قد روى هشام بن حسان عن ابن سيرين أن عمار بن ياسر دخل

على أبي مسعود و عنده ابن الشخير فذكر عليا بما لا يجوز أن يذكر به فقال عمار يا فاسق و إنك لهاهنا فقال أبو مسعود أذكرك الله يا

أبا اليقظان في ضيفي. قال و أكثر مبغضيه ع أهل البصرة كانوا عثمانية و كانت في أنفسهم أحقاد يوم الجمل و كان هو ع قليل

التألف للناس شديدا في دين الله لا يبالي مع علمه بالدين و اتباعه الحق من سخط و من رضي.

قال و قد روى يونس بن أرقم عن يزيد بن أرقم عن أبي ناجية مولى أم هانئ قال كنت عند علي ع فأتاه رجل عليه زي السفر فقال يا

أمير المؤمنين إني أتيتك من بلدة ما رأيت لك بها محبا قال من أين أتيت قال من البصرة قال أما إنهم لو يستطيعون أن يحبوني

لأحبوني إني و شيعتي في ميثاق الله لا يزاد فينا رجل و لا ينقص إلى يوم القيامة

و روى أبو غسان البصري قال بنى عبيد الله بن زياد أربعة مساجد بالبصرة تقوم على بغض علي بن أبي طالب و الوقيعة فيه مسجد بني

عدي و مسجد بني مجاشع

[4 : 95 ]

و مسجد كان في العلافين على فرضة البصرة و مسجد في الأزد. و مما قيل عنه إنه يبغض عليا ع و يذمه الحسن بن أبي الحسن

البصري أبو سعيد و روى عنه حماد بن سلمة أنه قال لو كان علي يأكل الحشف بالمدينة لكان خيرا له مما دخل فيه و رواه عنه أنه

كان من المخذلين عن نصرته.

و روي عنه أن عليا ع رآه و هو يتوضأ للصلاة و كان ذا وسوسة فصب على أعضائه ماء كثيرا فقال له أرقت ماء كثيرا يا حسن فقال ما

أراق أمير المؤمنين من دماء المسلمين أكثر قال أ و ساءك ذلك قال نعم قال فلا زلت مسوأ

قالوا فما زال الحسن عابسا قاطبا مهموما إلى أن مات. فأما أصحابنا فإنهم يدفعون ذلك عنه و ينكرونه و يقولون إنه كان من محبي

علي بن أبي طالب ع و المعظمين له. و روى أبو عمر بن عبد البر المحدث في كتابه المعروف بالاستيعاب في معرفة الصحاب أن

إنسانا سأل الحسن عن علي ع فقال كان و الله سهما صائبا من مرامي الله على عدوه و رباني هذه الأمة و ذا فضلها و ذا سابقتها و ذا

قرابتها من رسول الله ص لم يكن بالنؤمة عن أمر الله و لا بالملومة في دين الله و لا بالسروقة لمال الله أعطى القرآن عزائمه ففاز

منه برياض مونقة ذلك علي بن أبي طالب يا لكع. و روى الواقدي قال سئل الحسن عن علي ع و كان يظن به الانحراف عنه و لم يكن

كما يظن فقال ما أقول فيمن جمع الخصال الأربع ائتمانه على براءة

[4 : 96 ]

و ما قال له الرسول في غزاة تبوك فلو كان غير النبوة شيء يفوته لاستثناه

و قول النبي ص الثقلان كتاب الله و عترتي

و إنه لم يؤمر عليه أمير قط و قد أمرت الأمراء على غيره. و روى أبان بن عياش قال سألت الحسن البصري عن علي ع فقال ما أقول فيه

كانت له السابقة و الفضل و العلم و الحكمة و الفقه و الرأي و الصحبة و النجدة و البلاء و الزهد و القضاء و القرابة إن عليا كان في

أمره عليا رحم الله عليا و صلى عليه فقلت يا أبا سعيد أ تقول صلى عليه لغير النبي فقال ترحم على المسلمين إذا ذكروا و صل على

النبي و آله و علي خير آله فقلت أ هو خير من حمزة و جعفر قال نعم قلت و خير من فاطمة و ابنيها قال نعم و الله إنه خير آل محمد

كلهم و من يشك أنه خير منهم

و قد قال رسول الله ص و أبوهما خير منهما

و لم يجر عليه اسم شرك و لا شرب خمر

و قد قال رسول الله ص لفاطمة ع زوجتك خير أمتي

فلو كان في أمته خير منه لاستثناه و لقد آخى رسول الله ص بين أصحابه ف آخى بين علي و نفسه فرسول الله ص خير الناس نفسا و

خيرهم أخا فقلت يا أبا سعيد فما هذا الذي يقال عنك إنك قلته في علي فقال يا ابن أخي احقن دمي من هؤلاء الجبابرة و لو لا ذلك

لشالت بي الخشب. قال شيخنا أبو جعفر الإسكافي رحمه الله تعالى و وجدته أيضا في كتاب الغارات لإبراهيم بن هلال الثقفي و قد

كان بالكوفة من فقهائها من يعادي عليا و يبغضه مع غلبة التشيع على الكوفة فمنهم مرة الهمداني.

[4 : 97 ]

و روى أبو نعيم الفضل بن دكين عن فطر بن خليفة قال سمعت مرة يقول لأن يكون علي جملا يستقى عليه أهله خير له مما كان عليه. و

روى إسماعيل بن بهرام عن إسماعيل بن محمد عن عمرو بن مرة قال قيل لمرة الهمداني كيف تخلفت عن علي قال سبقنا بحسناته و

ابتلينا بسيئاته. قال إسماعيل بن بهرام و قد روينا عنه أنه قال أشد فحشا من هذا و لكنا نتورع عن ذكره. و روى الفضل بن دكين عن

الحسن بن صالح قال لم يصل أبو صادق على مرة الهمداني. قال الفضل بن دكين و سمعت أن أبا صادق قال في أيام حياة مرة و الله لا

يظلني و إياه سقف بيت أبدا. قال و لما مات لم يحضره عمرو بن شرحبيل قال لا أحضره لشيء كان في قلبه على علي بن أبي طالب. قال

إبراهيم بن هلال فحدثنا المسعودي عن عبد الله بن نمير بهذا الحديث قال ثم كان عبد الله بن نمير يقول و كذلك أنا و الله لو مات

رجل في نفسه شيء على علي ع لم أحضره و لم أصل عليه. و منهم الأسود بن يزيد و مسروق بن الأجدع روى سلمة بن كهيل أنهما

كانا يمشيان إلى بعض أزواج رسول الله ص فيقعان في علي ع فأما الأسود فمات على ذلك و أما مسروق فلم يمت حتى كان لا يصلى

لله تعالى صلاة

[4 : 98 ]

إلا صلى بعدها على علي بن أبي طالب ع لحديث سمعه من عائشة في فضله. و روى أبو نعيم الفضل بن دكين عن عبد السلام بن حرب

عن ليث بن أبي سليم قال كان مسروق يقول كان علي كحاطب ليل قال فلم يمت مسروق حتى رجع عن رأيه هذا. و روى سلمة بن كهيل

قال دخلت أنا و زبيد اليمامي على امرأة مسروق بعد موته فحدثتنا قالت كان مسروق و الأسود بن يزيد يفرطان في سب علي بن أبي

طالب ثم ما مات مسروق حتى سمعته يصلي عليه و أما الأسود فمضى لشأنه. قال فسألناها لم ذلك قالت شيء سمعه من عائشة ترويه

عن النبي ص فيمن أصاب الخوارج. و روى أبو نعيم عن عمرو بن ثابت عن أبي إسحاق قال ثلاثة لا يؤمنون على علي بن أبي طالب

مسروق و مرة و شريح. و روي أن الشعبي رابعهم. و روي عن هيثم عن مجالد عن الشعبي أن مسروقا ندم على إبطائه عن علي بن أبي

طالب ع.

و روى الأعمش عن إبراهيم التيمي قال قال علي ع لشريح و قد قضى قضية نقم عليه أمرها و الله لأنفينك إلى بانقيا شهرين تقضي

بين اليهود

قال ثم قتل علي ع و مضى دهر فلما قام المختار بن أبي عبيد قال لشريح ما قال لك أمير المؤمنين ع يوم كذا قال إنه قال لي كذا قال

فلا و الله لا تقعد حتى تخرج إلى بانقيا تقضي بين اليهود فسيره إليها فقضى بين اليهود شهرين.

السابق

التالي